آية زيناتي: "حلقات استقبال" استعادة نسوية لفلسطين
ربيع عيد 19 يناير 2023
حوارات
آية زيناتي خلال جولة لـ"حلقات استقبال" في الطيبة
شارك هذا المقال
حجم الخط
أحدثت النكبة الفلسطينيّة قطعًا مع عادات وطقوس ثقافيّة مارسها الشعب الفلسطيني، عكست نهضة حيّة شهدتها مدن وقرى فلسطين قبل عام 1948، كان منها حلقات استقبال للنساء اللاتي اجتمعن عند بعضهن بشكل دوري، مثّلت أحد أوجه التعاضد المجتمعي والنسائي، في فترة تاريخيّة كان يبني فيها الاستعمار موطئ قدم ستتوغل لاحقًا لتقسّم البلاد وتشرّد الناس.
في استعادة لهذه العادة، تخرج ناشطات فلسطينيات من الجيل الثالث للنكبة، في مبادرة نسويّة تدخل هذه السنة عامها السادس، لتعيد إحياء "حلقات استقبال" في فلسطين، وفي واقع أصبح فيه الاستعمار أكثر توغلًا وسيطرة، لتصبح هذه العادة شكلًا من أشكال العمل السياسي والنسوي غير التقليدي تقع في مركزه قصص النساء.
عن مشروع "حلقات استقبال" في فلسطين وتمثلاته النسويّة، كان لنا هذا الحوار مع الناشطة ومؤسسة المشروع آية زيناتي(*):
(*) من أين جاءت فكرة "حلقات استقبال"؟ وكيف تأسست؟
جاءت الفكرة من مشاركتي لدورة مع مؤسسة "ذاكرات – زوخروت" قُدّمت فيها عدّة أبحاث متعلقة بالنساء الفلسطينيات، وانكشفت من خلالها على مجموعة كبيرة من المعلومات والتفاصيل والتاريخ الجميل لشعبنا الذي حرمنا الاحتلال منه بسبب النكبة. كان هناك محاضرة للباحثة منار حسن وتحدّثت عن عادة كانت النساء يمارسنها وهي حلقات استقبال، بحيث تستقبل النساء بعضهن في منازلهن ويتحدثن عن قضايا مختلفة تشمل السياسة والثقافة.
أعجبت بالفكرة، ودعوت صديقاتي في منزلي في محاولة لاستعادة هذه العادة الفلسطينيّة، ثم قررت أنني لا أريد للمشروع أن يكون مشروعًا شخصيًا، لذلك بدأت بالعمل على تطوير الفكرة ليكون مشروعا جماعيا ووطنيا، من خلال تنظيم جولات سياسيّة وأيّام تطوّع في قرى ومدن فلسطينيّة في أراضي 48 والضفة الغربيّة والقدس، بحيث تقوم نساء بتقديم الإرشادات في الجولات.
عندما بدأت العمل على الجولات عام 2017، استوعبت أن مجال الإرشاد في بلادنا محصور بالرجال، وكأن النساء غير معتادات على الإرشاد. واجهنا في البداية وما زلن تحدي إيجاد نساء تقمن بالإرشاد. كنت أصر على أن نجد نساء وأن تقوم النساء بذلك كي نغير من هذا الواقع، لأننا أردنا أن نسمع أصوات النساء. مثلًا في جولة في سبسطية، تعاونّا مع "مسار فلسطين"، وهو مشروع أغلب من يرشد فيه هم رجال. تحدثنا مع إحدى النساء من هناك وكانت متخوفة كونها لم ترشد من قبل، وبعد الجولة قررت تقديم ورشات في الإرشاد وبهذا فتحنا فرصًا لم تكن موجودة من قبل. نحن نصر على أن تكون النساء فقط مرشدات كي نحافظ أيضًا على طابع حلقات استقبال المحصور بالنساء.
(*) كم جولة نُظّمت حتّى الآن؟
واحد وأربعون جولة التقينا خلالها بأكثر من ستّين امرأة.
(*) ما هي طبيعة الجولات وإلى أماكن توجهتن؟
نختار بلدًا وموضوعًا وندعو عليه النساء للمشاركة، وننسق مع مجموعة من النساء لاستضافتنا. مثلًا في الجولة الأولى التي كانت في مدينة القدس، زرنا المرابطات في المسجد الأقصى لنتعرف على قصصهن ونضالهن، ثم زرنا قرية النبي صموئيل التي قررنا تنظيم يوم تطوعي فيها لاحقًا. جزء من أهدافنا هو زيارة أماكن مهمّشة فلسطينيًا، فكنّا على سبيل المثال في قرية جسر الزرقاء في الداخل، ولمسنا من النساء هناك عتبًا كونه لا يوجد التفات لقرية مثل جسر الزرقاء ولما تعانيه. في باقة الغربيّة سمعنا من المشاركات مقولات مثل "أعطيتنّ نظارات جدد لنرى فيها باقة الغربيّة التي كنّ نزورها للتسوق فقط وليس للتجوال"، ولمسنا الترحاب الكبير من أهل البلدة.
(*) كيف هي طبيعة التنظيم الداخلي لحلقات استقبال؟ وكيف تتم الدعوة للجولات؟
التنظيم الداخلي متغيّر. أول سنتين من عمر المشروع كنت لوحدي، ثم تأسس طاقم من أربع نساء وتغيّر ثم جاءت جائحة كورونا وتوقفنا لفترة، واليوم نحن طاقم من ثماني نساء. أمّا الدعوات فهي تقوم على التعميم في مجموعات واتساب تضم عشرات النساء، وننشر على مواقع التواصل الاجتماعي. نقوم بالتخطيط لجدول جولات لسنة كاملة مع التواريخ والبلدات ونضع الاعتبارات السياسيّة والسياق التاريخي والأحداث الجارية والذكرى الوطنيّة في الحسبان. من الجدير بالذكر أن عملنا قائم بشكل كامل على التطوّع.
(*) ما هي القضايا الوطنيّة التي تثار في الجولات وكيف ترتبط مع مكان الجولة؟
القضايا متعددة ومتشعبة. مثلًا كنّا في مدينة الطيبة في الداخل الفلسطيني، وتعرّفنا على تاريخ الطيبة قبل النكبة وخلال ثورة عام 1936 واستمعنا إلى قصص مشاركة النساء في الثورة، وتعرّفنا على نساء هن بالأصل من الطيبة وانتقلن للعيش مع عائلاتهن في يافا قبل النكبة، وشهدن هناك "حلقات استقبال". وإبان النكبة تم تهجيرهن من يافا إلى طولكرم ولبنان ونابلس وأماكن أخرى ورجعن بعدها إلى الطيبة وأكملن "حلقات الاستقبال" فيها. لذلك فالنكبة حاضرة في الجولات بشكل كبير، كما كانت هذه الجولة مناسبة لكسر الصورة النمطيّة التي تُصوّر في الطيبة كبلدة جريمة منظمة وسلاح، وهي أوسع من ذلك بكثير.
تعرفنا على أسيرات وأسرى من خلال زيارة أهالي أسرى أو أسيرات محررات والاستماع لقصصهن وكيف تغيرت حياتهن. نظمنا يومًا دراسيًا مع معهد دراسات المرأة في جامعة بير زيت حول الموضوع. أيضًا قضية معتقلي هبّة الكرامة كانت ضمن أجندتنا من خلال اللقاء بأمهات المعتقلين ومحاميات ناشطات في الدفاع عنهم.
(*) ما هي الدلالات الرمزيّة في حراك "حلقات استقبال"؟ وإلى ماذا يؤسس؟
استعادة فلسطين نسويًا. باعتقادي هذا أبرز دلالات حراكنا وقوته، أننا نعيد عادة تاريخيّة نسائيّة فلسطينيّة ونستمر بها وهذا دليل صمود وبقاء. التعرّف على قصص نساء واقعات تحت احتلال واحد بإدارات ومواقع مختلفة، وهو أمر لمسناه مثلًا من نساء مسافر يطّا والنقب. في كل مكان نذهب إليه الرواية تعيد على نفسها فيما يتعلق بالسياق التاريخي للنكبة وما تمثله النكبة اليوم. الاستماع لهذه القصص والتعرف على هؤلاء النسوة يجعلنا نحب المكان أكثر بكل التفاصيل الجميلة والموجعة ويدفعنا للقيام بشيء.
(*) إضافة لذلك، القضايا الاجتماعيّة حاضرة أيضًا في جولاتكم، أليس كذلك؟
صحيح. في جولة يافا واللد تحدثنا عن قتل النساء والعنف الموجه ضدهن في المجتمع. في جولة قرية عرابة البطوف، زرنا جميلة عاصلة، والدة الشهيد أسيل عاصلة، ثم ذهبنا عند والدة وأخوات وفاء عباهرة التي قتلت على يدي طليقها، وقمنا بهذا الربط وأكدنا أنه لا يوجد فصل بين السياسي والنسوي. تحدثت والدة وفاء عن فقدان ابنتها كما تحدثت والدة أسيل عن فقدان ولدها.
في جولة الخليل عام 2018 التقينا مجموعة نساء ناشطات، ونعلم أنه في محافظة الخليل توجد أعلى نسبة قتل لنساء بين المحافظات الفلسطينيّة. طلبنا من المجموعة المستضيفة الحديث عن الموضوع ورفضن ذلك وقلن إنهن سيتحدثن عن الاحتلال فقط. ومن خلال هذا الطلب والحوار يُفتح النقاش هل قضايا قتل النساء غير مهمة؟ وهذه كانت فرصة.
في جولة باقة الغربيّة فُتح نقاش حول المعارضة التي حصلت في البلدة لاستضافة مسرحيّة لجمعيّة "أصوات" (المركز النسوي الفلسطيني للحريات الجنسيّة والجندريّة) وكان النقاش حادًا، حول طبيعة مجتمعنا وتعدد الأصوات النسائيّة داخله. النقاش بحد ذاته هام.
في جولة أم الفحم قررنا زيارة نساء نختلف معهن أو لا يوجد بيننا تقاطعات بهدف خلق تقاطعات، لذلك زرنا نساء ساهمن في تأسيس الحركة الإسلاميّة في الداخل، ودائمًا ما يكون تسليط الضوء عند الحديث عن تأسيس الحركات السياسيّة على الرجال، واكتشفنا أنه توجد نساء لديهن دور عظيم في العمل السياسي من تنظيم مظاهرات وحافلات للمسجد الأقصى ولا نعرف كثيرًا عن دورهن. ودار نقاش معهن حول مشاركة الجنسين بشكل مشترك في المظاهرات الوطنيّة، وباعتقادي رغم الاختلاف في الآراء، حصل نقاش تاريخي دون مناكفات أو تراشق في وسائل التواصل الاجتماعي، واستمعنا لوجهات النظر وكان شبه اتفاق على أن هناك حريّة لكل شخص كيف يكون له مناسبا أن يشارك، وهذه فرصة لخلق حوار مباشر متحدين الاختلافات. نحن لا نسعى لتجميل الواقع، يوجد اختلافات بين شرائح مجتمعنا، السؤال كيف نخلق آلية للعمل مع بعض.
(*) ما هي التحديات التي تواجهكن تنظيميًا في العمل في هذا المشروع؟
هناك تحدّيات عديدة منها الموارد، وسؤال هل نقوم بتسجيل أنفسنا كمؤسسة أم لا، وفي ظل الحكومة الجديدة قررنا التروي كي لا نعطي فرصة لأحد كي يعرقل عملنا، في نفس الوقت البقاء كجسم غير مسجّل دون هيئة إداريّة قد يحد من قدرتنا على التنظّم بشكل أكبر ويحد من حضورنا. قضية الموارد تتعلق بتطوير عملنا بشكل أكبر خصوصًا أنه لدينا أهداف أوسع، وكما ذكرت كل عملنا يقوم على التطوع الذاتي والجولات تنظم بتمويل المشاركات.
(*) احتفالًا بخمس سنوات على تأسيس حلقات استقبال، عقدتن مؤخرًا يومًا دراسيًا حول تجربة عمل الصحافيات الفلسطينيات. ما أهمية هذا اليوم ومخرجاته؟
اليوم الدراسي الأخير في مدينة القدس جاء لتتويج خمس سنوات من عملنا، وطرحنا تجارب الصحافيّات الفلسطينيّات من مختلف المواقع في العمل الإعلامي. قررنا تسليط الضوء على تجارب ميدانيّة لصحافيّات بعد أن شكّلنا لجنة مستقلة من خارج طاقمنا للتحضير لهذا اليوم، وذلك بغية تفكير في تساؤلات تخرج معنا خلال الجولات التي نحولها لأيّام دراسيّة. وكان أحد أسباب اختيار هذا الموضوع هو بعد اغتيال الصحافية شيرين أبو عاقلة. كان لدينا رغبة قبل عامين في دراسة عمل الصحافيات وكان تواصل مع شيرين آنذاك حول الموضوع. استضفنا خلال اليوم الصحافية شذى حنايشة واستمعنا عن قرب لقصتها خلال تواجدها مع شيرين يوم اغتيالها. كما استمعنا لقصص صحافيات تعرضن للاعتقال والتحقيق منهن من فقدت جنينًا بسبب هذه المضايقات. هناك تفاصيل لا تستطيع أن تجلبها لنا سوى النساء.
(*) ماذا غيّر فيك مشروع "حلقات استقبال" على الصعيد الشخصي؟
إذا كنت أحب فلسطين يومًا، فالآن أحبها أكثر بكثير. غيّر المشروع نظرتي للحياة والواقع وكيف أرى مجتمعي وشعبي، وجعلني مدركة وواعية لما يحصل لنا، وكيف كوننا نعيش تحت الاحتلال الأمر الذي يؤثر على أصغر تفاصيل حياتنا اليوميّة أحيانًا دون إدراك ذلك.
(*) ماذا تحلمين بأن يحصل لـ "حلقات استقبال" بعد خمس سنوات؟
تأسيس وتوثيق أرشيف نسوي فلسطيني شعبي، من شهادات وفيديو وصور من خلال الجولات والأيّام التطوعيّة.
(*) آية زيناتي: مؤسسة مشروع "حلقات استقبال". ناشطة نسويّة سياسيّة من اللد، مقيمة في حيفا في السنوات الأخيرة. حاصلة على بكالوريوس في الإعلام، وعلى شهادة تعليميّة في تحليل السياسات العامة والتفكير الاستراتيجي. عضوة هيئة إداريّة في جمعيّة "زوخروت- ذاكرات". واحدة من الناشطات اللاتي بادرن وأسسن حراك "طالعات". عملت لمدة خمس سنوات كباحثة في مؤسسة حقوق الانسان "جيشاه- مسلك": مركز للدفاع عن حرية التنقل لسكان قطاع غزة، وركزت لجنة العمل للمساواة في قضايا الأحوال الشخصيّة وهو ائتلاف لمؤسسات نسويّة فلسطينيّة ولمؤسسات حقوق إنسان ومحاميات مستقلات يدافعن عن حقوق النساء في مجال الأحوال الشخصيّة. تركز اليوم مشروع نساء مسلوبات المكانة في جسم نسوي.
ربيع عيد 19 يناير 2023
حوارات
آية زيناتي خلال جولة لـ"حلقات استقبال" في الطيبة
شارك هذا المقال
حجم الخط
أحدثت النكبة الفلسطينيّة قطعًا مع عادات وطقوس ثقافيّة مارسها الشعب الفلسطيني، عكست نهضة حيّة شهدتها مدن وقرى فلسطين قبل عام 1948، كان منها حلقات استقبال للنساء اللاتي اجتمعن عند بعضهن بشكل دوري، مثّلت أحد أوجه التعاضد المجتمعي والنسائي، في فترة تاريخيّة كان يبني فيها الاستعمار موطئ قدم ستتوغل لاحقًا لتقسّم البلاد وتشرّد الناس.
في استعادة لهذه العادة، تخرج ناشطات فلسطينيات من الجيل الثالث للنكبة، في مبادرة نسويّة تدخل هذه السنة عامها السادس، لتعيد إحياء "حلقات استقبال" في فلسطين، وفي واقع أصبح فيه الاستعمار أكثر توغلًا وسيطرة، لتصبح هذه العادة شكلًا من أشكال العمل السياسي والنسوي غير التقليدي تقع في مركزه قصص النساء.
عن مشروع "حلقات استقبال" في فلسطين وتمثلاته النسويّة، كان لنا هذا الحوار مع الناشطة ومؤسسة المشروع آية زيناتي(*):
(*) من أين جاءت فكرة "حلقات استقبال"؟ وكيف تأسست؟
جاءت الفكرة من مشاركتي لدورة مع مؤسسة "ذاكرات – زوخروت" قُدّمت فيها عدّة أبحاث متعلقة بالنساء الفلسطينيات، وانكشفت من خلالها على مجموعة كبيرة من المعلومات والتفاصيل والتاريخ الجميل لشعبنا الذي حرمنا الاحتلال منه بسبب النكبة. كان هناك محاضرة للباحثة منار حسن وتحدّثت عن عادة كانت النساء يمارسنها وهي حلقات استقبال، بحيث تستقبل النساء بعضهن في منازلهن ويتحدثن عن قضايا مختلفة تشمل السياسة والثقافة.
أعجبت بالفكرة، ودعوت صديقاتي في منزلي في محاولة لاستعادة هذه العادة الفلسطينيّة، ثم قررت أنني لا أريد للمشروع أن يكون مشروعًا شخصيًا، لذلك بدأت بالعمل على تطوير الفكرة ليكون مشروعا جماعيا ووطنيا، من خلال تنظيم جولات سياسيّة وأيّام تطوّع في قرى ومدن فلسطينيّة في أراضي 48 والضفة الغربيّة والقدس، بحيث تقوم نساء بتقديم الإرشادات في الجولات.
عندما بدأت العمل على الجولات عام 2017، استوعبت أن مجال الإرشاد في بلادنا محصور بالرجال، وكأن النساء غير معتادات على الإرشاد. واجهنا في البداية وما زلن تحدي إيجاد نساء تقمن بالإرشاد. كنت أصر على أن نجد نساء وأن تقوم النساء بذلك كي نغير من هذا الواقع، لأننا أردنا أن نسمع أصوات النساء. مثلًا في جولة في سبسطية، تعاونّا مع "مسار فلسطين"، وهو مشروع أغلب من يرشد فيه هم رجال. تحدثنا مع إحدى النساء من هناك وكانت متخوفة كونها لم ترشد من قبل، وبعد الجولة قررت تقديم ورشات في الإرشاد وبهذا فتحنا فرصًا لم تكن موجودة من قبل. نحن نصر على أن تكون النساء فقط مرشدات كي نحافظ أيضًا على طابع حلقات استقبال المحصور بالنساء.
(*) كم جولة نُظّمت حتّى الآن؟
واحد وأربعون جولة التقينا خلالها بأكثر من ستّين امرأة.
(*) ما هي طبيعة الجولات وإلى أماكن توجهتن؟
نختار بلدًا وموضوعًا وندعو عليه النساء للمشاركة، وننسق مع مجموعة من النساء لاستضافتنا. مثلًا في الجولة الأولى التي كانت في مدينة القدس، زرنا المرابطات في المسجد الأقصى لنتعرف على قصصهن ونضالهن، ثم زرنا قرية النبي صموئيل التي قررنا تنظيم يوم تطوعي فيها لاحقًا. جزء من أهدافنا هو زيارة أماكن مهمّشة فلسطينيًا، فكنّا على سبيل المثال في قرية جسر الزرقاء في الداخل، ولمسنا من النساء هناك عتبًا كونه لا يوجد التفات لقرية مثل جسر الزرقاء ولما تعانيه. في باقة الغربيّة سمعنا من المشاركات مقولات مثل "أعطيتنّ نظارات جدد لنرى فيها باقة الغربيّة التي كنّ نزورها للتسوق فقط وليس للتجوال"، ولمسنا الترحاب الكبير من أهل البلدة.
(*) كيف هي طبيعة التنظيم الداخلي لحلقات استقبال؟ وكيف تتم الدعوة للجولات؟
التنظيم الداخلي متغيّر. أول سنتين من عمر المشروع كنت لوحدي، ثم تأسس طاقم من أربع نساء وتغيّر ثم جاءت جائحة كورونا وتوقفنا لفترة، واليوم نحن طاقم من ثماني نساء. أمّا الدعوات فهي تقوم على التعميم في مجموعات واتساب تضم عشرات النساء، وننشر على مواقع التواصل الاجتماعي. نقوم بالتخطيط لجدول جولات لسنة كاملة مع التواريخ والبلدات ونضع الاعتبارات السياسيّة والسياق التاريخي والأحداث الجارية والذكرى الوطنيّة في الحسبان. من الجدير بالذكر أن عملنا قائم بشكل كامل على التطوّع.
"جزء من أهدافنا هو زيارة أماكن مهمّشة فلسطينيًا، فكنّا على سبيل المثال في قرية جسر الزرقاء في الداخل، ولمسنا من النساء هناك عتبًا كونه لا يوجد التفات لقرية مثل جسر الزرقاء ولما تعانيه" |
القضايا متعددة ومتشعبة. مثلًا كنّا في مدينة الطيبة في الداخل الفلسطيني، وتعرّفنا على تاريخ الطيبة قبل النكبة وخلال ثورة عام 1936 واستمعنا إلى قصص مشاركة النساء في الثورة، وتعرّفنا على نساء هن بالأصل من الطيبة وانتقلن للعيش مع عائلاتهن في يافا قبل النكبة، وشهدن هناك "حلقات استقبال". وإبان النكبة تم تهجيرهن من يافا إلى طولكرم ولبنان ونابلس وأماكن أخرى ورجعن بعدها إلى الطيبة وأكملن "حلقات الاستقبال" فيها. لذلك فالنكبة حاضرة في الجولات بشكل كبير، كما كانت هذه الجولة مناسبة لكسر الصورة النمطيّة التي تُصوّر في الطيبة كبلدة جريمة منظمة وسلاح، وهي أوسع من ذلك بكثير.
تعرفنا على أسيرات وأسرى من خلال زيارة أهالي أسرى أو أسيرات محررات والاستماع لقصصهن وكيف تغيرت حياتهن. نظمنا يومًا دراسيًا مع معهد دراسات المرأة في جامعة بير زيت حول الموضوع. أيضًا قضية معتقلي هبّة الكرامة كانت ضمن أجندتنا من خلال اللقاء بأمهات المعتقلين ومحاميات ناشطات في الدفاع عنهم.
(*) ما هي الدلالات الرمزيّة في حراك "حلقات استقبال"؟ وإلى ماذا يؤسس؟
استعادة فلسطين نسويًا. باعتقادي هذا أبرز دلالات حراكنا وقوته، أننا نعيد عادة تاريخيّة نسائيّة فلسطينيّة ونستمر بها وهذا دليل صمود وبقاء. التعرّف على قصص نساء واقعات تحت احتلال واحد بإدارات ومواقع مختلفة، وهو أمر لمسناه مثلًا من نساء مسافر يطّا والنقب. في كل مكان نذهب إليه الرواية تعيد على نفسها فيما يتعلق بالسياق التاريخي للنكبة وما تمثله النكبة اليوم. الاستماع لهذه القصص والتعرف على هؤلاء النسوة يجعلنا نحب المكان أكثر بكل التفاصيل الجميلة والموجعة ويدفعنا للقيام بشيء.
(*) إضافة لذلك، القضايا الاجتماعيّة حاضرة أيضًا في جولاتكم، أليس كذلك؟
صحيح. في جولة يافا واللد تحدثنا عن قتل النساء والعنف الموجه ضدهن في المجتمع. في جولة قرية عرابة البطوف، زرنا جميلة عاصلة، والدة الشهيد أسيل عاصلة، ثم ذهبنا عند والدة وأخوات وفاء عباهرة التي قتلت على يدي طليقها، وقمنا بهذا الربط وأكدنا أنه لا يوجد فصل بين السياسي والنسوي. تحدثت والدة وفاء عن فقدان ابنتها كما تحدثت والدة أسيل عن فقدان ولدها.
في جولة الخليل عام 2018 التقينا مجموعة نساء ناشطات، ونعلم أنه في محافظة الخليل توجد أعلى نسبة قتل لنساء بين المحافظات الفلسطينيّة. طلبنا من المجموعة المستضيفة الحديث عن الموضوع ورفضن ذلك وقلن إنهن سيتحدثن عن الاحتلال فقط. ومن خلال هذا الطلب والحوار يُفتح النقاش هل قضايا قتل النساء غير مهمة؟ وهذه كانت فرصة.
في جولة باقة الغربيّة فُتح نقاش حول المعارضة التي حصلت في البلدة لاستضافة مسرحيّة لجمعيّة "أصوات" (المركز النسوي الفلسطيني للحريات الجنسيّة والجندريّة) وكان النقاش حادًا، حول طبيعة مجتمعنا وتعدد الأصوات النسائيّة داخله. النقاش بحد ذاته هام.
في جولة أم الفحم قررنا زيارة نساء نختلف معهن أو لا يوجد بيننا تقاطعات بهدف خلق تقاطعات، لذلك زرنا نساء ساهمن في تأسيس الحركة الإسلاميّة في الداخل، ودائمًا ما يكون تسليط الضوء عند الحديث عن تأسيس الحركات السياسيّة على الرجال، واكتشفنا أنه توجد نساء لديهن دور عظيم في العمل السياسي من تنظيم مظاهرات وحافلات للمسجد الأقصى ولا نعرف كثيرًا عن دورهن. ودار نقاش معهن حول مشاركة الجنسين بشكل مشترك في المظاهرات الوطنيّة، وباعتقادي رغم الاختلاف في الآراء، حصل نقاش تاريخي دون مناكفات أو تراشق في وسائل التواصل الاجتماعي، واستمعنا لوجهات النظر وكان شبه اتفاق على أن هناك حريّة لكل شخص كيف يكون له مناسبا أن يشارك، وهذه فرصة لخلق حوار مباشر متحدين الاختلافات. نحن لا نسعى لتجميل الواقع، يوجد اختلافات بين شرائح مجتمعنا، السؤال كيف نخلق آلية للعمل مع بعض.
(*) ما هي التحديات التي تواجهكن تنظيميًا في العمل في هذا المشروع؟
هناك تحدّيات عديدة منها الموارد، وسؤال هل نقوم بتسجيل أنفسنا كمؤسسة أم لا، وفي ظل الحكومة الجديدة قررنا التروي كي لا نعطي فرصة لأحد كي يعرقل عملنا، في نفس الوقت البقاء كجسم غير مسجّل دون هيئة إداريّة قد يحد من قدرتنا على التنظّم بشكل أكبر ويحد من حضورنا. قضية الموارد تتعلق بتطوير عملنا بشكل أكبر خصوصًا أنه لدينا أهداف أوسع، وكما ذكرت كل عملنا يقوم على التطوع الذاتي والجولات تنظم بتمويل المشاركات.
(*) احتفالًا بخمس سنوات على تأسيس حلقات استقبال، عقدتن مؤخرًا يومًا دراسيًا حول تجربة عمل الصحافيات الفلسطينيات. ما أهمية هذا اليوم ومخرجاته؟
اليوم الدراسي الأخير في مدينة القدس جاء لتتويج خمس سنوات من عملنا، وطرحنا تجارب الصحافيّات الفلسطينيّات من مختلف المواقع في العمل الإعلامي. قررنا تسليط الضوء على تجارب ميدانيّة لصحافيّات بعد أن شكّلنا لجنة مستقلة من خارج طاقمنا للتحضير لهذا اليوم، وذلك بغية تفكير في تساؤلات تخرج معنا خلال الجولات التي نحولها لأيّام دراسيّة. وكان أحد أسباب اختيار هذا الموضوع هو بعد اغتيال الصحافية شيرين أبو عاقلة. كان لدينا رغبة قبل عامين في دراسة عمل الصحافيات وكان تواصل مع شيرين آنذاك حول الموضوع. استضفنا خلال اليوم الصحافية شذى حنايشة واستمعنا عن قرب لقصتها خلال تواجدها مع شيرين يوم اغتيالها. كما استمعنا لقصص صحافيات تعرضن للاعتقال والتحقيق منهن من فقدت جنينًا بسبب هذه المضايقات. هناك تفاصيل لا تستطيع أن تجلبها لنا سوى النساء.
(*) ماذا غيّر فيك مشروع "حلقات استقبال" على الصعيد الشخصي؟
إذا كنت أحب فلسطين يومًا، فالآن أحبها أكثر بكثير. غيّر المشروع نظرتي للحياة والواقع وكيف أرى مجتمعي وشعبي، وجعلني مدركة وواعية لما يحصل لنا، وكيف كوننا نعيش تحت الاحتلال الأمر الذي يؤثر على أصغر تفاصيل حياتنا اليوميّة أحيانًا دون إدراك ذلك.
(*) ماذا تحلمين بأن يحصل لـ "حلقات استقبال" بعد خمس سنوات؟
تأسيس وتوثيق أرشيف نسوي فلسطيني شعبي، من شهادات وفيديو وصور من خلال الجولات والأيّام التطوعيّة.
(*) آية زيناتي: مؤسسة مشروع "حلقات استقبال". ناشطة نسويّة سياسيّة من اللد، مقيمة في حيفا في السنوات الأخيرة. حاصلة على بكالوريوس في الإعلام، وعلى شهادة تعليميّة في تحليل السياسات العامة والتفكير الاستراتيجي. عضوة هيئة إداريّة في جمعيّة "زوخروت- ذاكرات". واحدة من الناشطات اللاتي بادرن وأسسن حراك "طالعات". عملت لمدة خمس سنوات كباحثة في مؤسسة حقوق الانسان "جيشاه- مسلك": مركز للدفاع عن حرية التنقل لسكان قطاع غزة، وركزت لجنة العمل للمساواة في قضايا الأحوال الشخصيّة وهو ائتلاف لمؤسسات نسويّة فلسطينيّة ولمؤسسات حقوق إنسان ومحاميات مستقلات يدافعن عن حقوق النساء في مجال الأحوال الشخصيّة. تركز اليوم مشروع نساء مسلوبات المكانة في جسم نسوي.