كارين إليان ضاهر
في تسعينيات القرن_الماضي ظهرت الهواتف_المحمولة، ولم يكن متوقعاً آنذاك أنها قد تستخدم لغير الاتصالات.
تطورت الهواتف الذكية وتحولت إلى أداة للتصوير بفضل التحديثات التي أدخلتها الشركات على الكاميرا فيها، وأصبحت تنافس الكاميرا التقليدية في التقاط صور عالية الجودة. بدا وكأن الكل قد احترف التصوير، وكأن وجود الهواتف الذكية سرق مهنة التصوير من محترفيها، لما لها من خاصيات تجعلنا نعتقد أن مهنة التصوير أصبحت من الماضي، لكن هل إن سر التصوير المحترف في الأداة ذات الخاصيات المتطورة أو في ما هو أبعد من ذلك؟ وهل أصبح من الممكن لكل من يحمل هذه الأداة الثمينة بين يديه أن يحل محل مصور محترف؟ بحسب النقيب السابق للمصورين الصحافيين في لبنان والرئيس السابق لقسم التصوير في وكالة "رويترز" في لبنان وسوريا جمال السعيدي، فإن التصوير فن وشغف لا يتوقف عند الأداة المستخدمة فيه.
التصوير شغف وأكثر
قد يظن البعض أن سر الصورة المميزة في جودة الكاميرا التي التقطتها وفي مدى تطور التقنيات التي فيها. انطلاقاً من تجربته الطويلة كمصور صحافي، يحسم السعيدي الجدل مؤكداً "أن عمل المصور الصحافي لا يتوقف عند هذا الحد، بعكس ما يعتقد كثيرون، لكن على كل مصور محترف أن يعمل على تطوير ذاته لتحقيق مزيد من الشمولية في مواكبته أحدث ما في عالم التصوير، كما في أي مجال آخر، طالما أنه يملك الشغف اللازم ليبدع. لا يمكن اعتبار أن مهنة التصوير قد انتهت بمجرد توافر تقنيات متطورة للتصوير بالهواتف الذكية، وبعد أن أصبح التصوير متاحاً للكل. فتكثر مجالات الإبداع أمام المصور المحترف ليبقى متميزاً مهما تبدلت الظروف، ولا تتوقف قدرته الإبداعية عند الأداة المستخدمة. ومن المؤسف أنه في الدول العربية، على رغم توافر تقنيات متطورة كثيرة، ينقص الإبداع في التصوير. قد يكون السبب في نقص الموهبة، وإن كان هناك بعض التقدم في هذا المجال".
ويضيف "على سبيل المثال، يستدعي التصوير في الطبيعة حكماً اللجوء إلى الكاميرا الاحترافية. قد يستخدم المصور الصحافي الهاتف لنقل خبر في صورة مع نص صغير، لكنه لا يحل محل الكاميرا في تصوير الطبيعة بطريقة فنية. يتطلب ذلك إبراز تفاصيل كثيرة وطبقات متعددة في الصور وألوان وإظهار ما في الطبيعة من تنوع مع مشاهد تفصيلية، ما لا يمكن أن تظهره كاميرا الهاتف الذكي. لا يمكن تصوير الطيور مثلاً بالهاتف. من المؤسف أنه ثمة ضعف في لبنان والعالم العربي في التصوير الفني للطبيعة، على رغم الغنى والتنوع الذي تتميز به منطقتنا. هذا في مقابل التركيز على السياسة والرياضة".
احتراف بدأ كهواية
في تجربته الطويلة مع وكالتي "أسوشيتد برس" و"رويترز" خلال سنوات الحرب وما بعدها، كان السعيدي يتنقل بين الشوارع حاملاً الكاميرا الخاصة به لينقل مئات الصور المعبرة في كل من زوايا بيروت. فالقصص في الشوارع لا تنتهي والمشاهد تتغير يومياً لو أراد مصور محترف أن ينقلها بنظرته الخاصة. للكاميرا سحرها وهي لا تفارقه لحظة، فيما يحرص على متابعة كل التطورات التكنولوجية الجديدة بأدق تفاصيلها. شكل التصوير دوماً جزءاً لا يتجزأ من حياته اليومية ويجد فيه ما يرضي شغفه الذي ولد لديه متأثراً بأشقائه المصورين، وإن كانت مجرد هواية له في البداية قبل أن يتخصص في المجال. زاد تعلقه بالكاميرا من شغفه بالتصوير، خصوصاً أنها شكلت دعماً نفسياً له، عندما تلقاها كهدية على أثر وفاة والدته. كأي مصور آخر، قد يستخدم الهاتف لالتقاط صورة ما عندما لا تكون الكاميرا بحوزته، لكن قصته مع الكاميرا مختلفة تماماً وينقل من خلالها كل الشغف الذي في داخله للتصوير. وحتى عندما يلتقط صورة بالهاتف الذكي تكون بأسلوبه الخاص، ويعمل على الإخراج من دون اللجوء إلى "الفوتوشوب"، ويتحدى نفسه لتقديم صور أجمل من دون التلاعب بها عبر أي برنامج. قد يعتبر البعض أسلوبه هذا تقليدياً لكنه يحفزه على تقديم الأفضل.
تقنيات لتسهيل الابتكار
يسود اعتقاد أنه بفضل التقنيات المتطورة أصبح الكل قادراً على احتراف التصوير. هل هذا يلغي القدرة الإبداعية في التصوير؟ يقول "في الواقع وجدت هذه التقنيات المتطورة بهدف تسهيل الابتكار في التصوير، لا لتحل محله. يفترض بالمصور الإبداع مستخدماً هذه الأدوات المتطورة لا أن يستخدمها كمحرك. والمؤسف أن محركي الكاميرات باتوا كثراً والمبتكرين قلائل في العالم العربي في التصوير الصحافي. قد يظهر مبتكرون بين الهواة في عالم التصوير، وهم ليسوا من خلفية فوتوغرافية يدفعهم حب الابتكار والتصوير إلى هذا الاتجاه، كما يبدو واضحاً عبر وسائل التواصل الاجتماعي. فأتت هذه التقنيات المتطورة لتخدم الموهبة التي يتمتعون بها، وهذا ما نفتقده في مجال الصحافة حيث إن إبداع اللقطة والتفنن في التصوير عناصر مفقودة حالياً".
ويضيف "من هنا تأتي أهمية نشر ثقافة الفن الفوتوغرافي بين الناس عامة وبين الصحافيين بشكل خاص. وعندما يكون لدى المصور إحساس بالمشاهد التي يراها يقدر على ترجمة أفكاره ومشاعره سواء من خلال الهاتف أو من خلال الكاميرا التقليدية. ومهما ظهرت برامج وتقنيات يبقى الأساس هو الإحساس الموجود في الصورة الأصلية التي يلتقطها المصور المحترف، هذا ما يميزه ويضمن استمراريته في مواجهة أي تطورات يمكن أن تؤثر في مهنته، كما يحصل اليوم. فهذا التطور لا يلغي مهنة أبداً، والسر يبقى في المصور لا في الأداة التي يستخدمها. الهاتف أداة لتطبيق الأفكار وهذا ما يجب أن يعمل عليه المصورون في الوطن العربي لتنمية أفكارهم وثقافتهم الفوتوغرافية. من يعمل فقط في الحدث ليس مصوراً فعلياً. هو يؤدي وظيفة وليس فناناً بالمعنى الحقيقي للكلمة، ومن الطبيعي أن يشعر بالضياع وعدم القدرة على الاستمرار في مواجهة أي أزمة أو تغيير. هنا يكمن التحدي الفعلي".
قسوة الحرب ومشاهد لا تنسى
على رغم الغوص في مجال العمل مصوراً مراسلاً في الحرب مع وكالات الأنباء، تجنب السعيدي دوماً المشاهد الدموية وعجز عن تصويرها. في المقابل ركز طوال سنوات الحرب على الجوانب الإنسانية لينقل قصصاً جميلة من خلال صوره بدلاً من الصور القاسية للدم والوجع والموت. وهناك مواقف كثيرة اتخذ فيها قراراً بعدم التصوير لأسباب إنسانية بحتة. فخلف ساحة القتال كانت هناك مشاهد إنسانية مؤلمة ينقلها وتعني له الكثير. عكست صوره هذه شخصيته ونقلت أحاسيسه ومشاعره في تلك الفترة، وكان يدرك تماماً مسؤوليته كمصور في نقل صور غير صادمة ولا تسبب مزيداً من الدم والقتال، فقد فرضت عليه الحرب والعمل فيها كما فرضت على كثيرين، فحرص على العمل في مسار موازٍ عبر نقل المشاهد الإنسانية منها، حتى إنه أثناء عمله مصوراً صحافياً في أيام الحرب لم يكن السبق الصحافي هماً له. فبالنسبة إليه السبق موجود في كل الحالات، لكن براعة المراسل أو المصور في الطريقة التي يتعامل بها معه، وهنا مشكلة في الوطن العربي حيث تستغل أي حادثة أو كارثة.
صورة تعني الكثير
صورة خاصة تعني له الكثير عندما يراها تعيد إلى ذهنه صراخ الأم الخائفة وهي تحمل ابنها وتركض تحت القنص بضياع، وقد التقطها في أيام الحرب. قد لا تكون الأجمل إلا أنها تترك أثراً كبيراً في نفسه لكونها معبرة وتحمل كثيراً من المعاني.
يعود بالذاكرة إلى المواقف الأكثر صعوبة في حياته المهنية عندما وقف أمام أمهات الموقوفين لتصويرهن في وجعهن بعد 48 سنة، وهن لا يعرفن ما إذا كان أبناؤهن على قيد الحياة أم لا. يعلم أيضاً أن هذه الصور قادرة على تحريك القضايا مجدداً، ولو بعد سنوات. يقول "من المهم عرض الحقائق كما هي وكتابة التاريخ وعدم تجاهله، بل يجب استعادته كعبرة لإظهار خطورة الحرب وتداعياتها. تلك هي رسالته الأساسية عبر التذكير بالصور التي تنقل مشاهد من الحرب الأهلية".
في حياته الحافلة بالتجارب أخذت الطبيعة حيزاً مهماً من حياته، وأتت لتحل في مكان ما محل صور الحرب الدموية. وقد أصدر كتابين عن طبيعة لبنان "فصول لبنان" و"لبنان الجمال... يفوق الخيال" ويعتبرهما بمثابة علاج له. أراد هنا أن ينقل رسالة عن طبيعة لبنان وأخرى إلى الجيل الجديد والمغتربين، عن جمال لبنان الذي لا يزول على رغم الصعوبات والأزمات. كيف لا وطبيعة لبنان بذاتها هي التي أسهمت في علاجه على الصعيدين النفسي والجسدي. فأثناء تجواله في الطبيعة مصوراً اكتشف التجدد التلقائي والمستمر للطبيعة بخاصة في البلدات النائية. ففي كل مرة يزورها تختلف ألوانها بشكل ساحر. يقول "دوري كمصور تسليط الضوء على هذه الجوانب الرائعة في لبنان التي استطاع أن يكتشفها. ففي لبنان ثروة لا تقدر بثمن".
في تسعينيات القرن_الماضي ظهرت الهواتف_المحمولة، ولم يكن متوقعاً آنذاك أنها قد تستخدم لغير الاتصالات.
تطورت الهواتف الذكية وتحولت إلى أداة للتصوير بفضل التحديثات التي أدخلتها الشركات على الكاميرا فيها، وأصبحت تنافس الكاميرا التقليدية في التقاط صور عالية الجودة. بدا وكأن الكل قد احترف التصوير، وكأن وجود الهواتف الذكية سرق مهنة التصوير من محترفيها، لما لها من خاصيات تجعلنا نعتقد أن مهنة التصوير أصبحت من الماضي، لكن هل إن سر التصوير المحترف في الأداة ذات الخاصيات المتطورة أو في ما هو أبعد من ذلك؟ وهل أصبح من الممكن لكل من يحمل هذه الأداة الثمينة بين يديه أن يحل محل مصور محترف؟ بحسب النقيب السابق للمصورين الصحافيين في لبنان والرئيس السابق لقسم التصوير في وكالة "رويترز" في لبنان وسوريا جمال السعيدي، فإن التصوير فن وشغف لا يتوقف عند الأداة المستخدمة فيه.
التصوير شغف وأكثر
قد يظن البعض أن سر الصورة المميزة في جودة الكاميرا التي التقطتها وفي مدى تطور التقنيات التي فيها. انطلاقاً من تجربته الطويلة كمصور صحافي، يحسم السعيدي الجدل مؤكداً "أن عمل المصور الصحافي لا يتوقف عند هذا الحد، بعكس ما يعتقد كثيرون، لكن على كل مصور محترف أن يعمل على تطوير ذاته لتحقيق مزيد من الشمولية في مواكبته أحدث ما في عالم التصوير، كما في أي مجال آخر، طالما أنه يملك الشغف اللازم ليبدع. لا يمكن اعتبار أن مهنة التصوير قد انتهت بمجرد توافر تقنيات متطورة للتصوير بالهواتف الذكية، وبعد أن أصبح التصوير متاحاً للكل. فتكثر مجالات الإبداع أمام المصور المحترف ليبقى متميزاً مهما تبدلت الظروف، ولا تتوقف قدرته الإبداعية عند الأداة المستخدمة. ومن المؤسف أنه في الدول العربية، على رغم توافر تقنيات متطورة كثيرة، ينقص الإبداع في التصوير. قد يكون السبب في نقص الموهبة، وإن كان هناك بعض التقدم في هذا المجال".
ويضيف "على سبيل المثال، يستدعي التصوير في الطبيعة حكماً اللجوء إلى الكاميرا الاحترافية. قد يستخدم المصور الصحافي الهاتف لنقل خبر في صورة مع نص صغير، لكنه لا يحل محل الكاميرا في تصوير الطبيعة بطريقة فنية. يتطلب ذلك إبراز تفاصيل كثيرة وطبقات متعددة في الصور وألوان وإظهار ما في الطبيعة من تنوع مع مشاهد تفصيلية، ما لا يمكن أن تظهره كاميرا الهاتف الذكي. لا يمكن تصوير الطيور مثلاً بالهاتف. من المؤسف أنه ثمة ضعف في لبنان والعالم العربي في التصوير الفني للطبيعة، على رغم الغنى والتنوع الذي تتميز به منطقتنا. هذا في مقابل التركيز على السياسة والرياضة".
احتراف بدأ كهواية
في تجربته الطويلة مع وكالتي "أسوشيتد برس" و"رويترز" خلال سنوات الحرب وما بعدها، كان السعيدي يتنقل بين الشوارع حاملاً الكاميرا الخاصة به لينقل مئات الصور المعبرة في كل من زوايا بيروت. فالقصص في الشوارع لا تنتهي والمشاهد تتغير يومياً لو أراد مصور محترف أن ينقلها بنظرته الخاصة. للكاميرا سحرها وهي لا تفارقه لحظة، فيما يحرص على متابعة كل التطورات التكنولوجية الجديدة بأدق تفاصيلها. شكل التصوير دوماً جزءاً لا يتجزأ من حياته اليومية ويجد فيه ما يرضي شغفه الذي ولد لديه متأثراً بأشقائه المصورين، وإن كانت مجرد هواية له في البداية قبل أن يتخصص في المجال. زاد تعلقه بالكاميرا من شغفه بالتصوير، خصوصاً أنها شكلت دعماً نفسياً له، عندما تلقاها كهدية على أثر وفاة والدته. كأي مصور آخر، قد يستخدم الهاتف لالتقاط صورة ما عندما لا تكون الكاميرا بحوزته، لكن قصته مع الكاميرا مختلفة تماماً وينقل من خلالها كل الشغف الذي في داخله للتصوير. وحتى عندما يلتقط صورة بالهاتف الذكي تكون بأسلوبه الخاص، ويعمل على الإخراج من دون اللجوء إلى "الفوتوشوب"، ويتحدى نفسه لتقديم صور أجمل من دون التلاعب بها عبر أي برنامج. قد يعتبر البعض أسلوبه هذا تقليدياً لكنه يحفزه على تقديم الأفضل.
تقنيات لتسهيل الابتكار
يسود اعتقاد أنه بفضل التقنيات المتطورة أصبح الكل قادراً على احتراف التصوير. هل هذا يلغي القدرة الإبداعية في التصوير؟ يقول "في الواقع وجدت هذه التقنيات المتطورة بهدف تسهيل الابتكار في التصوير، لا لتحل محله. يفترض بالمصور الإبداع مستخدماً هذه الأدوات المتطورة لا أن يستخدمها كمحرك. والمؤسف أن محركي الكاميرات باتوا كثراً والمبتكرين قلائل في العالم العربي في التصوير الصحافي. قد يظهر مبتكرون بين الهواة في عالم التصوير، وهم ليسوا من خلفية فوتوغرافية يدفعهم حب الابتكار والتصوير إلى هذا الاتجاه، كما يبدو واضحاً عبر وسائل التواصل الاجتماعي. فأتت هذه التقنيات المتطورة لتخدم الموهبة التي يتمتعون بها، وهذا ما نفتقده في مجال الصحافة حيث إن إبداع اللقطة والتفنن في التصوير عناصر مفقودة حالياً".
ويضيف "من هنا تأتي أهمية نشر ثقافة الفن الفوتوغرافي بين الناس عامة وبين الصحافيين بشكل خاص. وعندما يكون لدى المصور إحساس بالمشاهد التي يراها يقدر على ترجمة أفكاره ومشاعره سواء من خلال الهاتف أو من خلال الكاميرا التقليدية. ومهما ظهرت برامج وتقنيات يبقى الأساس هو الإحساس الموجود في الصورة الأصلية التي يلتقطها المصور المحترف، هذا ما يميزه ويضمن استمراريته في مواجهة أي تطورات يمكن أن تؤثر في مهنته، كما يحصل اليوم. فهذا التطور لا يلغي مهنة أبداً، والسر يبقى في المصور لا في الأداة التي يستخدمها. الهاتف أداة لتطبيق الأفكار وهذا ما يجب أن يعمل عليه المصورون في الوطن العربي لتنمية أفكارهم وثقافتهم الفوتوغرافية. من يعمل فقط في الحدث ليس مصوراً فعلياً. هو يؤدي وظيفة وليس فناناً بالمعنى الحقيقي للكلمة، ومن الطبيعي أن يشعر بالضياع وعدم القدرة على الاستمرار في مواجهة أي أزمة أو تغيير. هنا يكمن التحدي الفعلي".
قسوة الحرب ومشاهد لا تنسى
على رغم الغوص في مجال العمل مصوراً مراسلاً في الحرب مع وكالات الأنباء، تجنب السعيدي دوماً المشاهد الدموية وعجز عن تصويرها. في المقابل ركز طوال سنوات الحرب على الجوانب الإنسانية لينقل قصصاً جميلة من خلال صوره بدلاً من الصور القاسية للدم والوجع والموت. وهناك مواقف كثيرة اتخذ فيها قراراً بعدم التصوير لأسباب إنسانية بحتة. فخلف ساحة القتال كانت هناك مشاهد إنسانية مؤلمة ينقلها وتعني له الكثير. عكست صوره هذه شخصيته ونقلت أحاسيسه ومشاعره في تلك الفترة، وكان يدرك تماماً مسؤوليته كمصور في نقل صور غير صادمة ولا تسبب مزيداً من الدم والقتال، فقد فرضت عليه الحرب والعمل فيها كما فرضت على كثيرين، فحرص على العمل في مسار موازٍ عبر نقل المشاهد الإنسانية منها، حتى إنه أثناء عمله مصوراً صحافياً في أيام الحرب لم يكن السبق الصحافي هماً له. فبالنسبة إليه السبق موجود في كل الحالات، لكن براعة المراسل أو المصور في الطريقة التي يتعامل بها معه، وهنا مشكلة في الوطن العربي حيث تستغل أي حادثة أو كارثة.
صورة تعني الكثير
صورة خاصة تعني له الكثير عندما يراها تعيد إلى ذهنه صراخ الأم الخائفة وهي تحمل ابنها وتركض تحت القنص بضياع، وقد التقطها في أيام الحرب. قد لا تكون الأجمل إلا أنها تترك أثراً كبيراً في نفسه لكونها معبرة وتحمل كثيراً من المعاني.
يعود بالذاكرة إلى المواقف الأكثر صعوبة في حياته المهنية عندما وقف أمام أمهات الموقوفين لتصويرهن في وجعهن بعد 48 سنة، وهن لا يعرفن ما إذا كان أبناؤهن على قيد الحياة أم لا. يعلم أيضاً أن هذه الصور قادرة على تحريك القضايا مجدداً، ولو بعد سنوات. يقول "من المهم عرض الحقائق كما هي وكتابة التاريخ وعدم تجاهله، بل يجب استعادته كعبرة لإظهار خطورة الحرب وتداعياتها. تلك هي رسالته الأساسية عبر التذكير بالصور التي تنقل مشاهد من الحرب الأهلية".
في حياته الحافلة بالتجارب أخذت الطبيعة حيزاً مهماً من حياته، وأتت لتحل في مكان ما محل صور الحرب الدموية. وقد أصدر كتابين عن طبيعة لبنان "فصول لبنان" و"لبنان الجمال... يفوق الخيال" ويعتبرهما بمثابة علاج له. أراد هنا أن ينقل رسالة عن طبيعة لبنان وأخرى إلى الجيل الجديد والمغتربين، عن جمال لبنان الذي لا يزول على رغم الصعوبات والأزمات. كيف لا وطبيعة لبنان بذاتها هي التي أسهمت في علاجه على الصعيدين النفسي والجسدي. فأثناء تجواله في الطبيعة مصوراً اكتشف التجدد التلقائي والمستمر للطبيعة بخاصة في البلدات النائية. ففي كل مرة يزورها تختلف ألوانها بشكل ساحر. يقول "دوري كمصور تسليط الضوء على هذه الجوانب الرائعة في لبنان التي استطاع أن يكتشفها. ففي لبنان ثروة لا تقدر بثمن".