قبل مئة عام كان هناك أب وابنته يؤسسان للسينما التونسية

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • قبل مئة عام كان هناك أب وابنته يؤسسان للسينما التونسية

    قبل مئة عام كان هناك أب وابنته يؤسسان للسينما التونسية


    التونسيون عرفوا السينما مبكرا بفضل تعددية المجتمع.
    السبت 2022/12/31
    انشرWhatsAppTwitterFacebook

    مؤسس السينما التونسية

    تكرم تونس احتفاء بمئوية السينما فيها رائد المخرجين التونسيين وصاحب أول فيلم تونسي ألبير شمامة شكلي الذي كان له الفضل في ولادة حركية سينمائية في تونس مطلع القرن العشرين، وكان له الفضل في انطلاق الإنتاج السينمائي الخاص هو وابنته التي كانت بطلة أول أفلامه.

    يعتبر إحياء تونس لمئوية السينما على أراضيها حدثا مهما من حيث استعادة تاريخ اللحظات الأولى لتشكل الفن السابع في البلد المتوسطي، الذي كان في بدايات القرن العشرين منفتحا على رياح التحولات العلمية والثقافية في الغرب الأوروبي، لاسيما من حيث الحراك الحضاري الذي كان ناتجا في ذلك الوقت عن تنوع الثقافات في البلاد وتعدد الجاليات بمرجعياتها المختلفة في سياق التعايش المثري للحياة الفنية والاجتماعية.

    ترجع بدايات السينما في تونس إلى عام 1896 تاريخ تصوير الأخوين لويس وأوغست لوميار لمشاهد حية لأحياء تونس العاصمة مثل باب سويقة وباب البحر وباب سعدون وبعض أسواق المدينة، وجاء ذلك بعد عام واحد من أول عرض نظماه في المقهى الكبير بباريس بواسطة جهاز “السينماتوغراف” الذي اخترعه لويس في العام 1895 بمساعدة المهندس جوليس كاربينتير، فقد ساعد كون اختراع فن السينما جاء من باريس على أن تكون تونس من أولى الدول التي تصلها أضواؤه باعتبارها مستعمرة فرنسية، حيث تم تنظيم أول عرض سينمائي في البلاد عندما بادر رائد السينما التونسية ألبير شمامة شكلي بتنظيم عرض آخر في 29 أكتوبر 1896.

    كان شكلي المولود في العام 1872 مغرما بالترحال وبمتابعة كل جديد في العالم، وسافر إلى القارة الأميركية بشمالها وجنوبها وإلى أستراليا والصين، إلى جانب أغلب الدول الأوروبية، من هناك سيطر عليه ولع بالتصوير، وفي العام 1895 أقام أول أستوديو للتصوير الفوتوغرافي في تونس، ومع اختراع السينماتوغراف، كان وراء أول عرض سينمائي للأخوين لوميار بتونس احتوى على فيلمي الساقي مسقي ووصول قطار بمحطة لاسيوتا.
    ولادة الأفلام التونسية



    هايدي تمزالي شيكلي في فيلم “زهرة”


    وقد عرف شيكلي في الأوساط الأوروبية باهتمامه الكبير بفن التصوير، وفي العام 1900 حصل على الميدالية البرونزية للتصوير في المعرض الدولي الذي أقيم بين شهري أبريل ونوفمبر من عام 1900 في باريس، وذلك للاحتفال بإنجازات القرن السابق وتسريع التنمية في القرن الجديد، وقد زاره ما يقرب من 50 مليون شخص، وضم العديد من الابتكارات التكنولوجية، بما في ذلك لعبة العجلة والعجلة الكبرى لباريس، والرصيف المتحرك، ومحركات الديزل، والأفلام الناطقة، والسلالم المتحركة، والتلغرافون وهو أول مسجل صوت مغناطيسي، كما وجه الأنظار إلى أساليب الفن الحديث وإلى قوة فرنسا كدولة استعمارية.

    شهدت تونس إنشاء أول صالة سينما في العام 1907 وهي صالة “أمنية باتي” التي شيدتها وأدارتها الشركة الفرنسية “باتي” في جادة المالطيين (نهج المنجى سليم حاليا) وكانت تعرض فيها الأفلام التي كانت تصور في الدول الغربية وتصل إلى تونس بعد عرضها بصالات باريس، وفي العام الموالي قام ألبير شمامة شكلي بتصوير فيلم وثائقي عن مدينة تونس من على منطاد طائر بين مدينتي حمام الأنف وقرمبالية، جنوبي العاصمة.

    وبعد أسابيع تولى تصوير فيلم “الزلزال” الذي وقع في مدينة ميسينا الإيطالية ويرجح أنه حصل على أول لقطة تحت الماء عام 1909، وفي العام 1910 قام بتصوير فيلم حول صيد التونة في تونس تحت رعاية ألبرت الأول، أمير موناكو، ثم سرعان ما دخل مرحلة تصوير الأحداث المحلية لفائدة بعض الصحف الفرنسية في تونس، وفي العام 1911 اتجه إلى طرابلس لتغطية الحرب الإيطالية – العثمانية، ليتم انتدابه بعد ذلك كمصور ومخرج في قسم التصوير والتوثيق بالجيش الفرنسي، وكان له دور مهم في تصوير عدد من المعارك في الحرب العالمية الأولى من بينها معركة فردان بين القوات الفرنسية والألمانية في الفترة من الحادي والعشرين من فبراير إلى الثامن عشر من ديسمبر 1916، حيث كان واحدا من بين 12 مصورا وثّقوا تلك المعركة.

    في العام 1922 كانت بداية السينما المحلية في تونس وشمال أفريقيا من خلال فيلم روائي قصير بعنوان “زهرة” تدور أحداثه حول شابة فرنسية ينقذها بعض البدو من العاصفة التي أغرفت السفينة التي كانت على متنها، فتعيش بينهم لبعض الوقت، ثم يختطفها منهم قاطعو الطرق، إلى أن ينقذها طيار فرنسي وتجتمع بأهلها من جديد.

    وإن كان الفيلم لم يخل من محاولة الترويج لصورة الجيش الفرنسي إلا أنه وثّق للحياة في البادية التونسية في تلك الفترة وخاصة من حيث الملامح واللباس والعادات والتقاليد والإطار العام المعيشي، وقدم للمشاهد الأوروبي صورة عن الحياة ليس في تونس فقط وإنما في المنطقة ككل وفي ما يوصف بالشرق الغامض آنذاك.
    الانفتاح الثقافي بين الجاليات المتعددة خلال النصف الأول من القرن العشرين في تونس ساعد على ظهور السينما

    من مميزات فيلم “زهرة” الذي تبلغ مدة عرضه 35 دقيقة أنه كان من تأليف وبطولة هايدي تمزالي شيكلي وهي ابنة المخرج والمنتج ألبير شمامة، والتي تعتبر أول وجه نسائي تونسي يظهر على شاشة السينما، وكانت في السادسة عشرة من عمرها عندما خاضت غمار تلك المغامرة، كما كانت لها ملامح سينمائية مهمة مع عشق كبير للفن أخذته من والدها ومن والدتها الموسيقية بيانكا فيريرو وهي إيطالية المولد عاشت منذ ريعان شبابها بتونس وحصلت على الجنسية الفرنسية.

    تم عرض فيلم “زُهرة” بقاعة نوناز بتونس، وتم اعتباره آنذاك خطوة مهمة في اتجاه الاقتراب من أبجديات الفن الجديد الذي كان يحظى باهتمام الجاليات الأجنبية من فرنسية وإيطالية ومالطية ويونانية وإسبانية وغيرها، وكذلك من النخب المثقفة من اليهود التونسيين الذين ينتمي إليهم شكلي.

    في العام 1923 اجتمع شكلي وابنته في فيلم ثان وهو “عين الغزال فتاة قرطاج” الذي صور بالضاحية الشمالية للعاصمة، وأدت فيه هايدي دور فتاة مسيحية وقعت في حب شاب مسلم. ثم حظيت بعد ذلك بدور بطولة فيلم أميركي بعنوان “العربي” للمخرج الأميركي راكس آينغرام، وتم تصوير مشاهده بتونس سنة 1924.

    وخلال حفل تكريم بتونس، تقول عضوة جمعية مؤسسة “تونس للنساء والذاكرة” إلهام عبدالكافي إن هايدي شكلي انقطعت عن السينما بعد تصوير فيلم “العربي”، دون أن تشير إلى أسباب هذا الانقطاع، مضيفة أن هايدي تزوجت سنة 1933 بمواطن جزائري حيث أقامت هناك إلى حدود أوائل تسعينات القرن الماضي، ثم عادت إلى تونس واستقرت إلى حين وفاتها في العشرين من أغسطس سنة 1998، وقد كتبت لها العودة إلى العمل السينمائي قبل عامين من رحيلها حيث شاركت في 1996 في أحداث الفيلم الروائي الطويل “صيف حلق الواد” لفريد بوغدير، والذي تناول من خلاله صاحبه صورة التعايش السلمي بين الثقافات والديانات والأعراق المتعددة في الضاحية الشمالية لتونس، وجمع فيه عددا من الفنانين المسلمين والمسيحيين واليهود مثل مصطفى العدواني وميشال بوجناح وآفا كوهين وجميل راتب وكلوديا كاردينال وغيرهم.
    تكريم ألبير شمامة


    فيلم "زهرة" أول فيلم في تونس لم يخل من محاولة الترويج لصورة الجيش الفرنسي إلا أنه وثّق للحياة في البادية التونسية

    توفي شكلي في العام 1934 عن عمر 62 عاما، فيما استمر ظهور أفلام يصوّرها في تونس أجانب معجبون بالمناظر الطبيعيّة لهذا البلد الذي لا يبعد كثيرا عن أوروبا، ويوفّر مختلف العناصر التي يبحث عنها السينمائيون عادة مثل البحر والصحراء والجبل إلى جانب ما تنفرد به تونس من ضوء وأشعة، وفق “الموسوعة التونسية” التي تشير إلى أن الإنتاج السينمائي التونسي لم يحقق شيئا إلا بعد الاستقلال، وإن كانت السينما قد أصبحت من مقوّمات المشهد الثقافي في تونس منذ الثلاثينات وخصوصا بعد أن عرضت الأفلام المصرية الأولى التي أقبل عليها الجمهور إقبالا شديدا وأصبح الاستغلال السينمائي وإنشاء القاعات السينمائية تجارة مزدهرة انتقلت من العاصمة والمدن الكبرى إلى مختلف مناطق البلاد التونسية.

    وعندما يحيي التونسيون مئوية السينما في بلادهم، فإن أول من يستحق التكريم هو التونسي اليهودي من جذور إسبانية ألبير شمامة الذي أخذ لقبا أسبغه عليه محليون وهو شيكلي نسبة إلى جزيرة صغيرة تحمل نفس الاسم تتوسط بحيرة تونس الشمالية وتتميز بالكثير من الجمال الطبيعي والهدوء، ما جعل منها ملجأ للطيور المهاجرة ومحمية طبيعية ترعاها السلطات الحكومة.

    ومن الطبيعي أن يستعيد التاريخ ذكرى ابنته هايدي شكلي التي كان لها دور البطولة في أول فيلم تونسي، كما ألفت كتابين باللغة الفرنسية، الأول بعنوان “استرجاع الذاكرة” وثقت من خلاله سيرتها الذاتية، أما المؤلف الثاني فورد تحت عنوان “مطبخ شمال أفريقيا” ضمنت فيه 444 وصفة لمأكولات من تونس والجزائر والمغرب، ومن بينها 33 وصفة مختلفة لتحضير طبق الكسكسي.

    ويمكن القول إن الظروف المالية الجيدة لألبير شمامة هي التي منحته فرصة السفر عبر العالم والاطلاع على الاختراعات الجديدة والتعلق بفن التصوير، كما أن حالة الانفتاح الثقافي التي كانت سائدة خلال النصف الأول من القرن الماضي بين الجاليات المتعددة هي التي ساعدت على ظهور الصورة السينمائية، والتي لم يكن للعرب المسلمين دور لافت فيها إلى غاية ظهور أول فيلم تونسي في ظل دولة الاستقلال بعد 44 عاما من فيلم “زهرة” وهو فيلم “الفجر” للمخرج عمار الخليفي الذي أنتج في العام 1966 لتبدأ من هناك مرحلة جديدة شهدت لاحقا عددا من الحلقات الحاسمة في مسارات الفن السابع في تونس.


    انشرWhatsAppTwitterFacebook

    الحبيب الأسود
    كاتب تونسي
يعمل...
X