يبدو ان الفينيقيين الذين كانت لهم علاقات تجارية مع اليهود قد أدركوا أهمية هذه التجارة ومن ثم أدركوا أهمية تدمر من حيث أنها أنسب لهم وأقرب إليهم من عاصمة اليهود (۱) إن الطريق الرئيسية لتجارة الهند قبل اكتشاف البرتغاليين لرأس الرجاء الصالح كان بلا شك عبر البحر الأحمر ومصر، ولقد اشتهرت مراكز مثل عصيون جابر Esiongeber ورينو كوليورا Rhinocolura والاسكندرية Alexandria كمحطات لهذه التجارة وكانت البضائع المنقولة تؤمن من قبل يهود وفينيقيين ويونانيين هو ولقد سبق هذه المراكز مواقع أقل شأناً كما . الأمر في أيامنا هذه.
يعود صحيح مصر أن تجارتهم مع الهند قد أصبحت ليست بذي بال ومرد ذلك. لاكتشاف أمريكا ورأس الرجاء الصالح ولكن العامل الأكبر في انحطاط هذه التجارة مرده إلى الحكومة العثمانية سيئة الذكر وهم الذين لا يملكون روحاً تجارية أودراية بأمورها. ولكن هذه البلاد لا تفتقر إلى عوامل موجودة ستدفعها نحو الازدهار وذلك عندما يتاح لأهلها إداره أفضل. أننا لانزال نجد بعض التبادل التجاري بين حلب ودمشق والبصرة وكذلك لازالت القوافل ناشطة من القاهرة والسويس وليس هنالك شك - عندما تتاح لهذه البلاد سلطة منظمة - أن يعود لتدمر وزنها من خلال التبادل التجاري بين الشرق والغرب. عندما كنا في قابلت رجلاً يعرف الهند وتجارتها وقد أوفده امبراطور ألمانيا إلى القاهرة ليستطلع إمكانية فتح أسواق تجارية بين ممتلكاته التوسكانية والبحر الأحمر. ولقد روى لي أنه لم يستطع السفر على طريق السويس - مخا بسبب أوضاع مصر الحالية واستطرد محدثي قائلاً إن الأحوال التجارية القديمة ستعود لهذه المنطقة إن توفر لها الأمن.
ولكن إلى أية فترة يمكننا أن ننسب إليها بدء مرور بضائع الهند من تدمر؟ فالمنطقي أن . أبناء هذه المدينة قد قام على تلك التجارة والتي كانت مزدهرة حتى قبل ولادة المسيح. إن هذا الرأي تدعمه النصوص ! أغنياء وفي رغد من العيش، ولقد التدمريين بتجار الهند، وفي عهد مارك لنطوني ظهر ما يثبت هذا الأمر دون مجال للتردد فأخذ المؤرخون ينسبون هذا الازدهار إلى التجارة وما وفرته من تراء رغم أن بعض المؤرخين ينسبون ذلك لحلفاء الاسكندر وأباطرة الرومان وهم في ذلك لم يكونوا يعرفون مدى قدرة وكفاءة سكانها على القيام بمثل هذه الأمور. غنی المكتشفة أثناء ذلك كانوا فهم (T) وصف إبيان
(1) الفينيقيون من أقدم تجار العالم ومنذ الألف الثاني ق.م. (خالد أسعد) De bel. civil. Lib. 5 (1)
نجد صمتاً مطبقاً من مؤرخي هذه الفترة عن كل ما يخص تدمر ونعزو ذلك إلى أن اهتمام سكانها كان منحصراً في التجارة وأمورها وإلى تحاشيهم الدخول في المنازعات القائمة بين ما يجاورهم من حكومات وهم بذلك عبروا عن معرفة بأهمية موقع مدينتهم التجارية فركزوا تبعاً لذلك اهتمامهم بالتجارة وتجاهلوا السياسة .
إن هذه الأمور (۱) لا تلفت نظر المؤرخين. لقد شكلت الصحراء لتدمر ما يشكل البحر لإنكلترا فالصحراء والبحر عاملان في أمنهما وثروتهما، ولقد تعرضتا للمخاطر عندما تجاهلتا هذا الأمر.
من الصعب تحديد نوع التي كانت قائمة بين كل من روما وتدمر قبل عهد أذينة ولا كيف بدأت هذه العلاقة. إن أول إشارة تدل على بداية اعتمادهم على آخرين في تصريف أمورهم كانت عند تحول المدينة إلى مستعمرة رومانية في عهد كركلا ) (۲۱۲م) ولقد أعانوا الكسندر سيفيروس ضد أرنا كسيركس وهو علاقة تحالفية، كما أصبحنا نصادف في المدينة ألقاباً رومانية أسماء رومانية توردها النصوص المكتشفة ونرى في إحدى هذه النصوص اسم أحد أباطرتهم المتوفين، ورغم أنه لم يكن محبوباً، يرد على أنه الامبراطور الإله. وفيما كان ذلك مجرد تحية وإطراء لأصدقائهم وحلفائهم أو أنه نوع من الاهتمام بالديانة الرومانية وسياساتها فيترك للقارىء الحكم العلاقة (۲) وبعض عليه بنفسه.
تعزو لقد رأينا كيف تردت أحوال هذه المدينة قبل عهد جوستيان فأصبحت هذه الأحوال على ما يشبه ما عليه حالها اليوم. لقد فقدت حريتها وتجارتها وثروتها وبالتالي مواطنيها وذلك على مراحل متلاحقة بشكل سريع. وهذه سنة الحياة فالشر غالباً ما يليه الشر. يمكننا أن هذا الانحدار المتسارع إلى موقعها الفريد نفسه فهي دولة دون أرض إن جاز هذا التعبير - ومن المستحيل أن تدوم وبدون تجارة لا تقوم صناعة . فهي في البدء فقدت حريتها وبعد ذلك تجارتها وذلك أجبر سكانها على العيش فترة ما حياة خمول يقتاتون على ما خلفه لهم أورليان ولكنهم بعد أن أتوا على هذه البقايا اضطروا للهجرة. بدون تجارة (۳) و
تفقد أهميتها كحصن أمامي ونرى جوستنيان يعطى هذه الناحية كل
ورغم ذلك فهي
لم
Vide Dion Cass. in Vit Tragan (1) (۲) کراکلا امبراطور سوري حكم روما من سلالة سبتيم سيفير وزوجته الحمصية جوليا دو فهم اهتموا ببلادهم سورية بعد أن أصبحوا أباطرة العالم الروماني. (خالد أسعد). (۳) هنالك استثناءان لهذه القاعدة وهي حالات فريدة، فالقدس ذات العدد الكبير من السكان تعيش بلا تجارة أو زراعة وحياتها تعتمد على تعلق المسيحيين بها وكذلك اليهود والإسلام
اهتمام. وإما أن تعود مرة أخرى عاصمة لامبراطورية فأمر صعب التوقع، فالصحراء بحد ذاتها تشكل فاصلاً طبيعياً وستبقى على الدوام عازلاً ما بين الأمم وهي تحتفظ بهذه الصفة منذ فجر التاريخ. وإذا لم يدرك العثمانيون (Turks) قيمة هذا الموقع من هذا المنظور فذلك يعود إلى ضعف الفرس مما أدى لإهمال تدمر وما بقاء حامية صغيرة فيها إلا لتلافي ما كان يقوم في وإذا ما فقد العثمانيون بغداد . وهي حصنهم المتقدم الآن . فإنهم . الأعراب : المنطقة. بهم عند ذلك سيسارعون إلى تعزيز
قوتهم فيها.
. إن الأبنية الأخرى وهي كان إن تحديد تاريخ لتلك الأكوام من الركام والتي تعود لأبنية قديمة جداً تسبق ما نشاهده من أبنية قائمة اليوم أمر صعب حتى على التخمين. ولكن إذا كان لنا أن نستعين بالمقارنة ما بينها وبين بناء مدفن جمبليك فلابد أن نستخلص من ذلك أنها أقدم من هذا البناء عهداً بكثير. إن البدء في بناء هذا المبنى قد كان قبل ١٧٥٠ سنة وهو لا يزال سليماً بما يحويه من طبقات وأدراج ورغم ما يضمه من طوابق خمسة. ولكن الأبنية القائمة حالياً والتي استطعنا أخذ مقاساتها فلا تعود كما قيل إلى سليمان ولا إلى السلوقيين كما يقول البعض. والقليل منها يعود لعهود الأباطرة الرومان ولكن الغالبية العظمى منها تعود للتدمريين أنفسهم كما تشير النصوص وهي المرجع الأهم بين أيدينا. يبدو أن بناء جمبليك هو أقدمها وما بناه دوقلسيان أحدثها فترة تمتد ثلاثمئة سنة (١) تسبق عهد دوقلسان وهي أيضاً قد بنيت بعد مدفن جمبليك ولربما بني معظمها في الفترة التي - يشاد فيه مدفن ايلابل ونحن لا نجانب المنطق إن افترضنا أنه عندما يصبح أناس عاديون قادرين على الانفاق على أبنية بمثل هذه العظمة لمجرد استعمالها لهم ولأسرهم فلابد أن يكون المجتمع آنئذ قادراً أيضاً على إشادة أبنية عامة بمثل هذه الفخامة ماذا عن الترميمات التي قام بها كل من هادريان وأورليان الواسعة النطاق والتي كلفت مبالغ كبيرة ؟ وهل يمكننا نسبة التعديلات الطارئة على معبد الشمس إلى عهد ذلك الامبراطور ؟ إن ما تبقى من جدران المعبد لا يبدو أنها من أعمال . جوستنیان ولربما كانت هي ا الترميمات الذي يشير لها بروكوبيوس (٢) . إن أقدم عهد يمكن أن تنسب إليه هذه الترميمات والتعديلات هي فترة حكم المماليك . إن عظمة الآثار التي نراها اليوم وسبب حفاظها على رونقها يعود إلى قلة السكان . المنطقة وإلى جفاف مناخها وبعدها عن مراكز المدن والتي كانت عندئذ تستخدم عناصرها المعمارية في إشادة أبنية فيها. (۱) ان ديو قليسيان رمم بعض القصور أواخر القرن الثالث الميلادي. وكانت حرب أورليان قد هدمتها بين ۲۷۲. ۲۷۳م (خالد أسعد) . (۲) انحصرت أعمال جوستنيان في تدعيم الأسوار الدفاعية وترميم الأقنية. (خالد أسعد)
كانت ديانة سكان تدمر على ما نعرف وثنيه ومن خلال ما نراه من عظمة في معبد الشمس كما هو الأمر عند جيرانهم فهم يكنون التقديس لهذا الإله. أما شكل الحكم لديهم فنعرف من المؤرخين والنصوص أنه كان جمهورياً، وقوانينهم وقوات أمنهم فلا نعرف عنهما شيئاً إلا أسماء بعض القضاة التي توردها النصوص وعن آدابهم وبالرغم أنه لم يصلنا منها إلا النص الذي كتبه لونجين في الروائع" والذي يدل على طول باعهم في هذا الفن. أما عاداتهم وتقاليدهم فنحن نعرف من خلال ما كتبه "بوليو" أن زنوبيا رغم فضائلها في النواحي العسكرية كانت تزهو بالبذخ الفارسي ويقول أيضاً عن هيرود (حيران) ابن أذينة أنه كان رقيقاً شرقي الملامح (1) بعنوان "مقالة
يوناني الترف
"Homo omnium delicekissimus & prorsus oriontalls & Graekae Luxuriae' كان للفروسية مركزها الرفيع دوماً في هذه البلاد، ونجد ذلك واضحاً حتى هذه الأيام كما يورد (ابيان) أنه كان في التدمريين رماة (۲) وفرسان مهرة. أما ما يتعلق بالزراعة فيبدو أن اهتمامهم بها كان في أضيق الحدود فقد كانوا يركزون اهتمامهم الرئيس على مدينتهم وتجارتها وذلك وفر لهم السعادة والرفاه. من الأمور التي أدهشتنا ألا نجد من آثار هذا الشعب الذي سكن هذه المنطقة البعيدة عن المعمورة أي أثر لمسرح أو سيرك أو أي مكان مخصص للمباريات والتمارين الرياضية في وقت نرى فيه كيف أن اليونانيين والرومان قد خلفوا العديد من مثل هذه المرافق، فلقد أحصينا في آسيا الصغرى وحدها عشرين من مثل هذه الأبنية وكلها في حالة جيدة (٣)
لقد صادفنا في بعض النصوص ما يدل على وجود وظيفة لمشرف على الألعاب والمباريات مما يدل على وجود مكان ما تقام فيه هذه المباريات ويشرف عليه هذا الموظف والذي كانت مهمته في الأصل الإشراف على الأسواق فأصبحت إدارته تختص بالأمرين معاً وها نحن نجد النصوص من يمدح رجلاً يدعى ازينوبيوس على حسن إدارته وتقدميته من خلال قيامه بهذه المهمة فهو كان ليبرالياً وعليه فهم يعتبرونه لهذه الصفة على أنها من الفضائل. أحد (٤)
(۱) لاشيء يثبت أن لونجين كان تدمرياً بل لعله من بعض أنحاء سورية (حمص) وأن يلفت النظر هو وجود أمثاله وتلك
الظروف التي مهدت لظهور أمثاله. Appian De Bell. Civil. Lib. 5 (۲)
(۳) كان مسرح تدمر آنذاك تحت تل من الرمال واكتشف عام ، ۱۹۵۲، وتم تنقيبه ودراسة عناصره. وترحيل مئات آلاف الأمتار المكعبة من الرمال. ثم باشرنا بترميمه منذ عام ۱۹۷۵ وانتهى ترميمه كاملاً أواخر عام ۱۹۹۲ . (خالد أسعد) (٤) النص رقم ٩ .
يبدو أن اهتمامهم بإقامة المدافن يعود لصلاتهم بمصر وهم في هذه الناحية أقرب إليهم من أي شعب آخر. فأصل ملكتهم زنوبيا يرقى إلى المصريين وكانت تتكلم المصرية بطلاقة وكانت تحاول دوماً تقليد جدتها كليوباترا. ولكن تقليد هذه المدينه للعادات المصرية كان وارداً وحتى من قبل عهد زنوبيا ولقد تأكدنا اكتشافنا لمومياءات في مدافنهم وبمقارنة أساليب لف الكتان والمواد المستعملة في هذه العملية وجدناها مماثلة تماماً لتلك الموجودة في مصر ولقد سمعنا من العرب في تدمر أنهم وجدوا الكثير من هذه الموميات في المدافن وأنهم جردوها من الأقمشة أملاً بالعثور على ذلك من من كنوز
لقد خاب أملنا ولقد أغرينا أحدهم بحسن المكافأة إن هو وجد بعضاً منها ولكن دون جدوى. في العثور على أية كتابة هيروغليفية أيضاً. ومما أحضرناه معنا من تدمر بعض الشعر النسائي (١) ومسرح بالطريقة نفسها التي تقوم نساء هذا الزمن بتصفيف شعرهن. نرى من خلال ما تقدم أن شعب تدمر قد قلد العادات السائدة فيما يتصلون من أمم سواء كانت من الفضائل أو الرذائل. فعاداتهم في الدفن مصرية وفي البذخ فارسية وفي الأدب والفن يونانية، إن موقع مدينتهم وسط هذه الأمم يجعلنا نقول وبكل اطمئنان إنهم قد تبنوا العديد من العادات عند تلك الأمم. ولكننا وبما بين أيدينا من شواهد قليلة على مثل هذه العادات سيكون قولنا أقرب للتخمين الذي هو من حق القارىء وليس من حقنا نحن. إنه لمن المؤسف ألا نعرف الكثير عن هذه البلاد التي خلفت هذه الآثار الرائعة حيث كانت زنوبيا فيها ملكه ولونجين كبيراً للوزراء.
(۱) ما أحضرناه معنا من هذه الأشياء وهي بحوزة السيد داوكنز الآن دليل على ما نقول.
يعود صحيح مصر أن تجارتهم مع الهند قد أصبحت ليست بذي بال ومرد ذلك. لاكتشاف أمريكا ورأس الرجاء الصالح ولكن العامل الأكبر في انحطاط هذه التجارة مرده إلى الحكومة العثمانية سيئة الذكر وهم الذين لا يملكون روحاً تجارية أودراية بأمورها. ولكن هذه البلاد لا تفتقر إلى عوامل موجودة ستدفعها نحو الازدهار وذلك عندما يتاح لأهلها إداره أفضل. أننا لانزال نجد بعض التبادل التجاري بين حلب ودمشق والبصرة وكذلك لازالت القوافل ناشطة من القاهرة والسويس وليس هنالك شك - عندما تتاح لهذه البلاد سلطة منظمة - أن يعود لتدمر وزنها من خلال التبادل التجاري بين الشرق والغرب. عندما كنا في قابلت رجلاً يعرف الهند وتجارتها وقد أوفده امبراطور ألمانيا إلى القاهرة ليستطلع إمكانية فتح أسواق تجارية بين ممتلكاته التوسكانية والبحر الأحمر. ولقد روى لي أنه لم يستطع السفر على طريق السويس - مخا بسبب أوضاع مصر الحالية واستطرد محدثي قائلاً إن الأحوال التجارية القديمة ستعود لهذه المنطقة إن توفر لها الأمن.
ولكن إلى أية فترة يمكننا أن ننسب إليها بدء مرور بضائع الهند من تدمر؟ فالمنطقي أن . أبناء هذه المدينة قد قام على تلك التجارة والتي كانت مزدهرة حتى قبل ولادة المسيح. إن هذا الرأي تدعمه النصوص ! أغنياء وفي رغد من العيش، ولقد التدمريين بتجار الهند، وفي عهد مارك لنطوني ظهر ما يثبت هذا الأمر دون مجال للتردد فأخذ المؤرخون ينسبون هذا الازدهار إلى التجارة وما وفرته من تراء رغم أن بعض المؤرخين ينسبون ذلك لحلفاء الاسكندر وأباطرة الرومان وهم في ذلك لم يكونوا يعرفون مدى قدرة وكفاءة سكانها على القيام بمثل هذه الأمور. غنی المكتشفة أثناء ذلك كانوا فهم (T) وصف إبيان
(1) الفينيقيون من أقدم تجار العالم ومنذ الألف الثاني ق.م. (خالد أسعد) De bel. civil. Lib. 5 (1)
نجد صمتاً مطبقاً من مؤرخي هذه الفترة عن كل ما يخص تدمر ونعزو ذلك إلى أن اهتمام سكانها كان منحصراً في التجارة وأمورها وإلى تحاشيهم الدخول في المنازعات القائمة بين ما يجاورهم من حكومات وهم بذلك عبروا عن معرفة بأهمية موقع مدينتهم التجارية فركزوا تبعاً لذلك اهتمامهم بالتجارة وتجاهلوا السياسة .
إن هذه الأمور (۱) لا تلفت نظر المؤرخين. لقد شكلت الصحراء لتدمر ما يشكل البحر لإنكلترا فالصحراء والبحر عاملان في أمنهما وثروتهما، ولقد تعرضتا للمخاطر عندما تجاهلتا هذا الأمر.
من الصعب تحديد نوع التي كانت قائمة بين كل من روما وتدمر قبل عهد أذينة ولا كيف بدأت هذه العلاقة. إن أول إشارة تدل على بداية اعتمادهم على آخرين في تصريف أمورهم كانت عند تحول المدينة إلى مستعمرة رومانية في عهد كركلا ) (۲۱۲م) ولقد أعانوا الكسندر سيفيروس ضد أرنا كسيركس وهو علاقة تحالفية، كما أصبحنا نصادف في المدينة ألقاباً رومانية أسماء رومانية توردها النصوص المكتشفة ونرى في إحدى هذه النصوص اسم أحد أباطرتهم المتوفين، ورغم أنه لم يكن محبوباً، يرد على أنه الامبراطور الإله. وفيما كان ذلك مجرد تحية وإطراء لأصدقائهم وحلفائهم أو أنه نوع من الاهتمام بالديانة الرومانية وسياساتها فيترك للقارىء الحكم العلاقة (۲) وبعض عليه بنفسه.
تعزو لقد رأينا كيف تردت أحوال هذه المدينة قبل عهد جوستيان فأصبحت هذه الأحوال على ما يشبه ما عليه حالها اليوم. لقد فقدت حريتها وتجارتها وثروتها وبالتالي مواطنيها وذلك على مراحل متلاحقة بشكل سريع. وهذه سنة الحياة فالشر غالباً ما يليه الشر. يمكننا أن هذا الانحدار المتسارع إلى موقعها الفريد نفسه فهي دولة دون أرض إن جاز هذا التعبير - ومن المستحيل أن تدوم وبدون تجارة لا تقوم صناعة . فهي في البدء فقدت حريتها وبعد ذلك تجارتها وذلك أجبر سكانها على العيش فترة ما حياة خمول يقتاتون على ما خلفه لهم أورليان ولكنهم بعد أن أتوا على هذه البقايا اضطروا للهجرة. بدون تجارة (۳) و
تفقد أهميتها كحصن أمامي ونرى جوستنيان يعطى هذه الناحية كل
ورغم ذلك فهي
لم
Vide Dion Cass. in Vit Tragan (1) (۲) کراکلا امبراطور سوري حكم روما من سلالة سبتيم سيفير وزوجته الحمصية جوليا دو فهم اهتموا ببلادهم سورية بعد أن أصبحوا أباطرة العالم الروماني. (خالد أسعد). (۳) هنالك استثناءان لهذه القاعدة وهي حالات فريدة، فالقدس ذات العدد الكبير من السكان تعيش بلا تجارة أو زراعة وحياتها تعتمد على تعلق المسيحيين بها وكذلك اليهود والإسلام
اهتمام. وإما أن تعود مرة أخرى عاصمة لامبراطورية فأمر صعب التوقع، فالصحراء بحد ذاتها تشكل فاصلاً طبيعياً وستبقى على الدوام عازلاً ما بين الأمم وهي تحتفظ بهذه الصفة منذ فجر التاريخ. وإذا لم يدرك العثمانيون (Turks) قيمة هذا الموقع من هذا المنظور فذلك يعود إلى ضعف الفرس مما أدى لإهمال تدمر وما بقاء حامية صغيرة فيها إلا لتلافي ما كان يقوم في وإذا ما فقد العثمانيون بغداد . وهي حصنهم المتقدم الآن . فإنهم . الأعراب : المنطقة. بهم عند ذلك سيسارعون إلى تعزيز
قوتهم فيها.
. إن الأبنية الأخرى وهي كان إن تحديد تاريخ لتلك الأكوام من الركام والتي تعود لأبنية قديمة جداً تسبق ما نشاهده من أبنية قائمة اليوم أمر صعب حتى على التخمين. ولكن إذا كان لنا أن نستعين بالمقارنة ما بينها وبين بناء مدفن جمبليك فلابد أن نستخلص من ذلك أنها أقدم من هذا البناء عهداً بكثير. إن البدء في بناء هذا المبنى قد كان قبل ١٧٥٠ سنة وهو لا يزال سليماً بما يحويه من طبقات وأدراج ورغم ما يضمه من طوابق خمسة. ولكن الأبنية القائمة حالياً والتي استطعنا أخذ مقاساتها فلا تعود كما قيل إلى سليمان ولا إلى السلوقيين كما يقول البعض. والقليل منها يعود لعهود الأباطرة الرومان ولكن الغالبية العظمى منها تعود للتدمريين أنفسهم كما تشير النصوص وهي المرجع الأهم بين أيدينا. يبدو أن بناء جمبليك هو أقدمها وما بناه دوقلسيان أحدثها فترة تمتد ثلاثمئة سنة (١) تسبق عهد دوقلسان وهي أيضاً قد بنيت بعد مدفن جمبليك ولربما بني معظمها في الفترة التي - يشاد فيه مدفن ايلابل ونحن لا نجانب المنطق إن افترضنا أنه عندما يصبح أناس عاديون قادرين على الانفاق على أبنية بمثل هذه العظمة لمجرد استعمالها لهم ولأسرهم فلابد أن يكون المجتمع آنئذ قادراً أيضاً على إشادة أبنية عامة بمثل هذه الفخامة ماذا عن الترميمات التي قام بها كل من هادريان وأورليان الواسعة النطاق والتي كلفت مبالغ كبيرة ؟ وهل يمكننا نسبة التعديلات الطارئة على معبد الشمس إلى عهد ذلك الامبراطور ؟ إن ما تبقى من جدران المعبد لا يبدو أنها من أعمال . جوستنیان ولربما كانت هي ا الترميمات الذي يشير لها بروكوبيوس (٢) . إن أقدم عهد يمكن أن تنسب إليه هذه الترميمات والتعديلات هي فترة حكم المماليك . إن عظمة الآثار التي نراها اليوم وسبب حفاظها على رونقها يعود إلى قلة السكان . المنطقة وإلى جفاف مناخها وبعدها عن مراكز المدن والتي كانت عندئذ تستخدم عناصرها المعمارية في إشادة أبنية فيها. (۱) ان ديو قليسيان رمم بعض القصور أواخر القرن الثالث الميلادي. وكانت حرب أورليان قد هدمتها بين ۲۷۲. ۲۷۳م (خالد أسعد) . (۲) انحصرت أعمال جوستنيان في تدعيم الأسوار الدفاعية وترميم الأقنية. (خالد أسعد)
كانت ديانة سكان تدمر على ما نعرف وثنيه ومن خلال ما نراه من عظمة في معبد الشمس كما هو الأمر عند جيرانهم فهم يكنون التقديس لهذا الإله. أما شكل الحكم لديهم فنعرف من المؤرخين والنصوص أنه كان جمهورياً، وقوانينهم وقوات أمنهم فلا نعرف عنهما شيئاً إلا أسماء بعض القضاة التي توردها النصوص وعن آدابهم وبالرغم أنه لم يصلنا منها إلا النص الذي كتبه لونجين في الروائع" والذي يدل على طول باعهم في هذا الفن. أما عاداتهم وتقاليدهم فنحن نعرف من خلال ما كتبه "بوليو" أن زنوبيا رغم فضائلها في النواحي العسكرية كانت تزهو بالبذخ الفارسي ويقول أيضاً عن هيرود (حيران) ابن أذينة أنه كان رقيقاً شرقي الملامح (1) بعنوان "مقالة
يوناني الترف
"Homo omnium delicekissimus & prorsus oriontalls & Graekae Luxuriae' كان للفروسية مركزها الرفيع دوماً في هذه البلاد، ونجد ذلك واضحاً حتى هذه الأيام كما يورد (ابيان) أنه كان في التدمريين رماة (۲) وفرسان مهرة. أما ما يتعلق بالزراعة فيبدو أن اهتمامهم بها كان في أضيق الحدود فقد كانوا يركزون اهتمامهم الرئيس على مدينتهم وتجارتها وذلك وفر لهم السعادة والرفاه. من الأمور التي أدهشتنا ألا نجد من آثار هذا الشعب الذي سكن هذه المنطقة البعيدة عن المعمورة أي أثر لمسرح أو سيرك أو أي مكان مخصص للمباريات والتمارين الرياضية في وقت نرى فيه كيف أن اليونانيين والرومان قد خلفوا العديد من مثل هذه المرافق، فلقد أحصينا في آسيا الصغرى وحدها عشرين من مثل هذه الأبنية وكلها في حالة جيدة (٣)
لقد صادفنا في بعض النصوص ما يدل على وجود وظيفة لمشرف على الألعاب والمباريات مما يدل على وجود مكان ما تقام فيه هذه المباريات ويشرف عليه هذا الموظف والذي كانت مهمته في الأصل الإشراف على الأسواق فأصبحت إدارته تختص بالأمرين معاً وها نحن نجد النصوص من يمدح رجلاً يدعى ازينوبيوس على حسن إدارته وتقدميته من خلال قيامه بهذه المهمة فهو كان ليبرالياً وعليه فهم يعتبرونه لهذه الصفة على أنها من الفضائل. أحد (٤)
(۱) لاشيء يثبت أن لونجين كان تدمرياً بل لعله من بعض أنحاء سورية (حمص) وأن يلفت النظر هو وجود أمثاله وتلك
الظروف التي مهدت لظهور أمثاله. Appian De Bell. Civil. Lib. 5 (۲)
(۳) كان مسرح تدمر آنذاك تحت تل من الرمال واكتشف عام ، ۱۹۵۲، وتم تنقيبه ودراسة عناصره. وترحيل مئات آلاف الأمتار المكعبة من الرمال. ثم باشرنا بترميمه منذ عام ۱۹۷۵ وانتهى ترميمه كاملاً أواخر عام ۱۹۹۲ . (خالد أسعد) (٤) النص رقم ٩ .
يبدو أن اهتمامهم بإقامة المدافن يعود لصلاتهم بمصر وهم في هذه الناحية أقرب إليهم من أي شعب آخر. فأصل ملكتهم زنوبيا يرقى إلى المصريين وكانت تتكلم المصرية بطلاقة وكانت تحاول دوماً تقليد جدتها كليوباترا. ولكن تقليد هذه المدينه للعادات المصرية كان وارداً وحتى من قبل عهد زنوبيا ولقد تأكدنا اكتشافنا لمومياءات في مدافنهم وبمقارنة أساليب لف الكتان والمواد المستعملة في هذه العملية وجدناها مماثلة تماماً لتلك الموجودة في مصر ولقد سمعنا من العرب في تدمر أنهم وجدوا الكثير من هذه الموميات في المدافن وأنهم جردوها من الأقمشة أملاً بالعثور على ذلك من من كنوز
لقد خاب أملنا ولقد أغرينا أحدهم بحسن المكافأة إن هو وجد بعضاً منها ولكن دون جدوى. في العثور على أية كتابة هيروغليفية أيضاً. ومما أحضرناه معنا من تدمر بعض الشعر النسائي (١) ومسرح بالطريقة نفسها التي تقوم نساء هذا الزمن بتصفيف شعرهن. نرى من خلال ما تقدم أن شعب تدمر قد قلد العادات السائدة فيما يتصلون من أمم سواء كانت من الفضائل أو الرذائل. فعاداتهم في الدفن مصرية وفي البذخ فارسية وفي الأدب والفن يونانية، إن موقع مدينتهم وسط هذه الأمم يجعلنا نقول وبكل اطمئنان إنهم قد تبنوا العديد من العادات عند تلك الأمم. ولكننا وبما بين أيدينا من شواهد قليلة على مثل هذه العادات سيكون قولنا أقرب للتخمين الذي هو من حق القارىء وليس من حقنا نحن. إنه لمن المؤسف ألا نعرف الكثير عن هذه البلاد التي خلفت هذه الآثار الرائعة حيث كانت زنوبيا فيها ملكه ولونجين كبيراً للوزراء.
(۱) ما أحضرناه معنا من هذه الأشياء وهي بحوزة السيد داوكنز الآن دليل على ما نقول.
تعليق