لقد كان لشخصيتها الفذة وسيرة حياتها المتميزة ما لفت إليها الأنظار. ونجد أخبارها متناثرة في أعمال المؤرخين الذي سبق لنا ذكرهم وسنورد هنا كلما نعتقد أنه يخدم بحثنا هذا.
أول ما نصادف من أخبارها هو تلك التهمة التي ألصقت بها عن قيامها باغتيال زوجها وإن نحن أخذنا هذه التهمة على مأخذ الجد نكون سعينا بأنفسنا إلى تهيئة القارىء ليتخذ موقفاً سلبياً من هذه الشخصية. لقد قيل إنها أعطت موافقتها على اغتيال زوجها وابنه. لقد روى هذا الرأي (تریبليوس بوليو) وإن لم يقطع بصحة الخبر ولكنه يورده كخبر شاع بين الناس. إن هذا المؤرخ الذي أرخ لكل من أذينة وزنوبيا يكيل المدح لزنوبيا على رحمتها وعدلها (١). ونحن عندما نقف إلى جانب براءتها نكون قد رسخنا القول بفضيلتها وحكمتها.
كل ما نعرفه بدقة عن نسبها (۲) هو أنها كثيرة التفاخر بأنها سليلة البطالمة وأنها كانت تعتز
بجدتها كليوباترا.
كانت امرأة على قدر كبير من الجمال ، إن الوصف التالي لشخصيتها يعطي فكرة حسنة عنها: " كانت سمراء المحيا وذلك نتيجة طبيعة للمناخ الذي تعيش فيه) ذات عينين سوداوين لامعتين ملتهبتين، ذات قوام رشيق مفعم بالحيوية ، كانت رقيقة مهذبة إلى درجة يصعب فيها تشبيهها بأحذ . أسنانها بيضاء كاللؤلؤ وصوتها جلي مؤثر
القتال وهي فإن نحن أضفنا لهذه الصفات ما تمتعت به من قوة بدنية وقدرة على تحمل المشاق في ميادين التي لم تكن تستخدم في تنقلها عربات بل كانت في ذلك تمتطي صهوة حصانها أو تمشي أميالاً عديدة على قدميها.
ولنحيط بشخصيتها كاملة نذكر هنا ما كانت توجهه لجنودها من تعليمات وإرشادات وهي تقف بمواجهتهم وخوذتها فوق رأسها وهي عارية الساعدين إن هذه المناقب تضعها جنباً إلى جنب مع مينيرفا .وفينوس كانت إلى جانب ما ذكر امرأة مثقفة تجيد العديد من اللغات فلقد كانت تتكلم المصرية بطلاقة وكانت على معرفة باللاتينية وإن لم تحب التحدث بها إلا أنها ترجمت منها إلى اليونانية. وكانت ملمة بالتاريخ وتعرف كل ما يتعلق بتاريخ هذه البلاد.
(۱) .Bonorum prineipum clemetia ubi pietas requirebat والنص لاتيني . (۲) إن نسبتها إلى اكللوس Achilleus على أنه والدها وهو الذي قاد التدمريين في ثورتهم على الحاميه الرومانيه كما ذكر فوبيسكوس ولكن زوسيمون يقول إن زعيم هذه الثورة كان انطيوخوس ويستبعد أي صله له زنوبيا. كما يضيف أن اورليان اعتبره خسيساً فلم يثر فيه أي امتعاض ومن الغريب أن تكون الوضاعة منجاه للإنسان من العقاب.
كانت في مجالسها حذرة فطنة ذات عزيمة في تنفيذ ما تتخذه من مقررات.. كانت سخية في حدود، طاهرة الى حد أنها اعتبرت الزواج مجرد وسيلة للتكاثر (۱) تجدها متسامحة حيناً متحفظة أحياناً قاسية حيناً لينة المعشر أحياناً وفق ما تمليه عليها الظروف. لن نتطرق هنا الى موضوع ديانتها فلقد تشعبت في ذلك الآراء، وهذا الأمر يتطلب منا وقتاً نرى
أن نكرسه الأمور أجدر بالبحث. أما فيما روي عن اعتناقها الديانة اليهودية التي يذهب إليها البعض فبحاجة لكثير من الدرس
والتمحيص
وبين ثنايا مظهرها العسكري الرجولي نكتشف ولعها الأنثوي بالمظهر والأناقة، فلقد كانت ثيابها ثمينة تحليها المجوهرات وهي في ذلك تقلد البذخ الفارسي وكانت تستقبل مواطنيها على هيئة الملوك. أما في ولائمها فتسير على منوال الرومان، ولقد كانت تقلد كليوباترة بشربها بأقداح ذهبية تحليها الجواهر.
يذكر عنها المؤرخ تريبليوس بوليو الذي نقتطف عنه هذه المعلومات أمراً قد يعرض بطلتنا لبعض الجدل فهو يقول: " كانت (۲) تشرب بصحبة ضباطها وقد كانت تحصل على أحسن ما لدى الفرس من مشروبات ولكنها كانت في شربها معتدلة متزنة" قد يوحي أن تفقد صوابها وهي بذلك هذا الخبر بأن سلوكها لم يكن سوياً رغم عدم اتهامها بالإدمان. ونلخص من الأمر بمجمله أنها كانت مقتدرة على الشراب دون كانت تحصل من ندمائها على أسرار تحتاج إليها للوصول إلى ما تريد. يضاف إلى هذه المناقب الفذة قدرتها الكبيرة على تصريف أمور الدولة وهو ما يندر وجوده في امرأة تمتعت بالشباب والخبرة معاً.
يمكننا أن نقدر عمرها من خلال ما نعرفه عن زواجها وحملها لأطفال بعد أن انتقلت إلى روما
عندما أطيح بمملكتها وعرشها. ولقد كانت امرأة فذة منذ كانت زوجة لأذينة تعمل بتوجيهاته وتشاركه القتال في ساحات
Trib. Poll.. ٢. المصدر السابق.
الحرب ولذلك عزا إليها أورليان انتصار أذينة على الفرس في كتابه الذي وجهه إلى مجلس الشيوخ والذي يذكره بوليو.
إن ما يحزن المرء أن تكون معلوماته عنها من مصدر وحيد يعرفنا فيه بسلوكها وشخصيتها و هندامها ولكنه يتجاهل أموراً أهم مثل صلتها بالشعب كما أنه يلمح مجرد تلميح إلى دوافع تصرفاتها بينما يستطرد في أمور أقل شأناً. إننا مدينون له بمعرفة لون عيونها وأسنانها ولكننا نلومه على تجاهله معاركها وتشريعاتها.
لذلك ستجدنا نلجأ إلى سير معاصريها من الأباطرة الرومان (۱) فتاريخها مرتبط بتاريخهم ولربما استطعنا بذلك كشف بعض خوافي هذا التاريخ. تولت زنوبيا الحكم بالوصاية عن أبنائها الذين لم يكونوا قد بلغوا سن الرشد في ذلك الحين. ووجدت في غاليان أسوأ الأباطرة وهو في آخر سنة من حكمه كانت الأوضاع العامة في امبراطوريته في منتهى الفوضى وهذا ما خدم طموحاتها كانت الفضيلة الوحيدة لهذا الحاكم ولعه بالآداب، أما مساوئه فلا تعد ومن أهمها قسوته وبطشه الذي فاق فيهما هليوغابال ونيرون. كان غاليان شديد الاهمال لشؤون امبراطوربيته ومن أهم هذه الأمور عدم اهتمامه بأسر والده لدى الفرس مما زاد في تدهور الأمور وبعث مزيد من الاضطراب ، حتى تصدى للأمر أذينه في الوقت المناسب فوطد له أحوال الجزء الشرقي من الامبراطورية.
لم تكن زنوبيا ممن يميل لعقد حلف مع الرومان، وما كان يدور في خاطرها وهي تشارك زوجها معاركه التي كان يخوضها لصالح الرومان فيبقى طي الكتمان. لقد تعقبت هير قليانوس ذلك القائد
الروماني الذي أرسله غاليان الحرب الفرس ولقد نجا منها بصعوبة، وبهزيمته توطد نفوذها على سوريا
وبلاد ما بين النهرين وفي هذه الفترة اغتيل غاليان في ميلان.
خلف غاليان في الحكم كلاوديوس وهو شخصية محببة على نقيض سلفه ولكنه لم تتح له فرص توطيد دعائم الحكم لقصر الفترة التي حكم خلالها . لقد قيل في وصفه (۲): " كان شجاعاً مثل تراجان، تقياً مثل أنطونيوس، معتدلاً مثل أوغسطوس".
ولقد وظف هذه المناقب كلها في خدمة شعبه وإصلاح أحواله. إن صعوبة القيام بهذه المهمة
(1) يورد هذه الأخبار كل من زوسيموس وقويسكوس. Treb. Poll. (۲)
تظهر في رسالته التي وجهها الى مجلس الشيوخ قبل ذلك النصر المشهود الذي منحه لقب "جوتيكوس".
وجدت زنوبيا، في أثناء استغراقه بإصلاح أمور امبراطوريته الداخلية، لها من يناصرها في مصر وعلى رأسهم " تيمو جنيس"، فأرسلت زبدا على رأس جيش لغزو هذه البلاد. لقد كان زبدا ضابطاً محنكاً حارب تحت إمرة أذينه كما رافق زنوبيا في معاركها كلها كانت زنوبيا في غزوها لمصر تدعي حقها في عرش تلك البلاد فهي سليلة البطالمة حكامها السابقين. ولدى وصوله إلى مصر، اشتبك زبدا في معركة مع المصريين أدت إلى إخضاعه لتلك البلاد
وبعد ذلك غادرها مخلفاً وراءه حامية مؤلفة من خمسة آلاف رجل ميمماً شطر تدمر. لقد أحرز هذا النصر أثناء غياب حاكم مصر آنئذ "بروبس" فقد كان مشغولاً بمكافحة القراصنة الذين كانوا يعيثون الفساد في البحار المجاورة. ولكنه وفور سماعه بالأخبار عاد مسرعاً ليطرد التدمريين من تلك البلاد. وأجبر زبدا على العودة مع جيشه فواجه بروبوس وهزمه إلا أن بروبوس لم يكتف بهذا النصر فحاول قطع خط الرجعة على التدمريين فكان في هذا مقتله. إذ أنه وبعد أن سيطر على المرتفعات المجاورة لباييلون ( موقع قديم قرب القاهرة اليوم ( ظهر له يتموجينس الخبير بشعاب تلك البلاد فقاد التدمريين في طريق مهمل يؤدي لتلك المرتفعات ففاجؤوه ودحروا جيش المصريين. وقع بروبوس أسيراً وانتحر بعد هذه الخيبة تاركاً لزنوبيا السيادة على مصر.
كلاوديوس على مهاجمة زنوبيا في أواخر السنة الثانية من . ولكنه مات بالطاعون
في بلدة سيريوم من بلاد بانونيا من أعمال هنغاريا ويوغوسلافيا اليوم - المترجم).
اختار الجيش بعد ذلك أورليان ليخلفه على العرش واختار مجلس الشيوخ في الوقت نفسه أخا
الامبراطور المتوفي (كانيللوس) ولكنه بدوره مات بعد سبعة عشر يوماً من الحكم مما . أمر هذه
المنافسة وعند ذلك نودي بأورليان إمبراطوراً بالإجماع. كان أورليان جندياً محظوظاً، فلقد تدرج في مراتب الجيش من جندي بسيط إلى قائد للفرسان وكان قوي البنية فائق الشجاعة. كان محباً للانضباط بين فصائل جيشه ولقد أعطى لهذه الناحية الكثير من وقته وجهده وبذلك ازدادت شعبيته وأدت به هذه الشعبية للوصول إلى أعلى المراتب. كان كريماً في المكافأة سريعاً وشرساً في العقاب وكانت هذه القسوة أخطر رذائله).
أول ما نصادف من أخبارها هو تلك التهمة التي ألصقت بها عن قيامها باغتيال زوجها وإن نحن أخذنا هذه التهمة على مأخذ الجد نكون سعينا بأنفسنا إلى تهيئة القارىء ليتخذ موقفاً سلبياً من هذه الشخصية. لقد قيل إنها أعطت موافقتها على اغتيال زوجها وابنه. لقد روى هذا الرأي (تریبليوس بوليو) وإن لم يقطع بصحة الخبر ولكنه يورده كخبر شاع بين الناس. إن هذا المؤرخ الذي أرخ لكل من أذينة وزنوبيا يكيل المدح لزنوبيا على رحمتها وعدلها (١). ونحن عندما نقف إلى جانب براءتها نكون قد رسخنا القول بفضيلتها وحكمتها.
كل ما نعرفه بدقة عن نسبها (۲) هو أنها كثيرة التفاخر بأنها سليلة البطالمة وأنها كانت تعتز
بجدتها كليوباترا.
كانت امرأة على قدر كبير من الجمال ، إن الوصف التالي لشخصيتها يعطي فكرة حسنة عنها: " كانت سمراء المحيا وذلك نتيجة طبيعة للمناخ الذي تعيش فيه) ذات عينين سوداوين لامعتين ملتهبتين، ذات قوام رشيق مفعم بالحيوية ، كانت رقيقة مهذبة إلى درجة يصعب فيها تشبيهها بأحذ . أسنانها بيضاء كاللؤلؤ وصوتها جلي مؤثر
القتال وهي فإن نحن أضفنا لهذه الصفات ما تمتعت به من قوة بدنية وقدرة على تحمل المشاق في ميادين التي لم تكن تستخدم في تنقلها عربات بل كانت في ذلك تمتطي صهوة حصانها أو تمشي أميالاً عديدة على قدميها.
ولنحيط بشخصيتها كاملة نذكر هنا ما كانت توجهه لجنودها من تعليمات وإرشادات وهي تقف بمواجهتهم وخوذتها فوق رأسها وهي عارية الساعدين إن هذه المناقب تضعها جنباً إلى جنب مع مينيرفا .وفينوس كانت إلى جانب ما ذكر امرأة مثقفة تجيد العديد من اللغات فلقد كانت تتكلم المصرية بطلاقة وكانت على معرفة باللاتينية وإن لم تحب التحدث بها إلا أنها ترجمت منها إلى اليونانية. وكانت ملمة بالتاريخ وتعرف كل ما يتعلق بتاريخ هذه البلاد.
(۱) .Bonorum prineipum clemetia ubi pietas requirebat والنص لاتيني . (۲) إن نسبتها إلى اكللوس Achilleus على أنه والدها وهو الذي قاد التدمريين في ثورتهم على الحاميه الرومانيه كما ذكر فوبيسكوس ولكن زوسيمون يقول إن زعيم هذه الثورة كان انطيوخوس ويستبعد أي صله له زنوبيا. كما يضيف أن اورليان اعتبره خسيساً فلم يثر فيه أي امتعاض ومن الغريب أن تكون الوضاعة منجاه للإنسان من العقاب.
كانت في مجالسها حذرة فطنة ذات عزيمة في تنفيذ ما تتخذه من مقررات.. كانت سخية في حدود، طاهرة الى حد أنها اعتبرت الزواج مجرد وسيلة للتكاثر (۱) تجدها متسامحة حيناً متحفظة أحياناً قاسية حيناً لينة المعشر أحياناً وفق ما تمليه عليها الظروف. لن نتطرق هنا الى موضوع ديانتها فلقد تشعبت في ذلك الآراء، وهذا الأمر يتطلب منا وقتاً نرى
أن نكرسه الأمور أجدر بالبحث. أما فيما روي عن اعتناقها الديانة اليهودية التي يذهب إليها البعض فبحاجة لكثير من الدرس
والتمحيص
وبين ثنايا مظهرها العسكري الرجولي نكتشف ولعها الأنثوي بالمظهر والأناقة، فلقد كانت ثيابها ثمينة تحليها المجوهرات وهي في ذلك تقلد البذخ الفارسي وكانت تستقبل مواطنيها على هيئة الملوك. أما في ولائمها فتسير على منوال الرومان، ولقد كانت تقلد كليوباترة بشربها بأقداح ذهبية تحليها الجواهر.
يذكر عنها المؤرخ تريبليوس بوليو الذي نقتطف عنه هذه المعلومات أمراً قد يعرض بطلتنا لبعض الجدل فهو يقول: " كانت (۲) تشرب بصحبة ضباطها وقد كانت تحصل على أحسن ما لدى الفرس من مشروبات ولكنها كانت في شربها معتدلة متزنة" قد يوحي أن تفقد صوابها وهي بذلك هذا الخبر بأن سلوكها لم يكن سوياً رغم عدم اتهامها بالإدمان. ونلخص من الأمر بمجمله أنها كانت مقتدرة على الشراب دون كانت تحصل من ندمائها على أسرار تحتاج إليها للوصول إلى ما تريد. يضاف إلى هذه المناقب الفذة قدرتها الكبيرة على تصريف أمور الدولة وهو ما يندر وجوده في امرأة تمتعت بالشباب والخبرة معاً.
يمكننا أن نقدر عمرها من خلال ما نعرفه عن زواجها وحملها لأطفال بعد أن انتقلت إلى روما
عندما أطيح بمملكتها وعرشها. ولقد كانت امرأة فذة منذ كانت زوجة لأذينة تعمل بتوجيهاته وتشاركه القتال في ساحات
Trib. Poll.. ٢. المصدر السابق.
الحرب ولذلك عزا إليها أورليان انتصار أذينة على الفرس في كتابه الذي وجهه إلى مجلس الشيوخ والذي يذكره بوليو.
إن ما يحزن المرء أن تكون معلوماته عنها من مصدر وحيد يعرفنا فيه بسلوكها وشخصيتها و هندامها ولكنه يتجاهل أموراً أهم مثل صلتها بالشعب كما أنه يلمح مجرد تلميح إلى دوافع تصرفاتها بينما يستطرد في أمور أقل شأناً. إننا مدينون له بمعرفة لون عيونها وأسنانها ولكننا نلومه على تجاهله معاركها وتشريعاتها.
لذلك ستجدنا نلجأ إلى سير معاصريها من الأباطرة الرومان (۱) فتاريخها مرتبط بتاريخهم ولربما استطعنا بذلك كشف بعض خوافي هذا التاريخ. تولت زنوبيا الحكم بالوصاية عن أبنائها الذين لم يكونوا قد بلغوا سن الرشد في ذلك الحين. ووجدت في غاليان أسوأ الأباطرة وهو في آخر سنة من حكمه كانت الأوضاع العامة في امبراطوريته في منتهى الفوضى وهذا ما خدم طموحاتها كانت الفضيلة الوحيدة لهذا الحاكم ولعه بالآداب، أما مساوئه فلا تعد ومن أهمها قسوته وبطشه الذي فاق فيهما هليوغابال ونيرون. كان غاليان شديد الاهمال لشؤون امبراطوربيته ومن أهم هذه الأمور عدم اهتمامه بأسر والده لدى الفرس مما زاد في تدهور الأمور وبعث مزيد من الاضطراب ، حتى تصدى للأمر أذينه في الوقت المناسب فوطد له أحوال الجزء الشرقي من الامبراطورية.
لم تكن زنوبيا ممن يميل لعقد حلف مع الرومان، وما كان يدور في خاطرها وهي تشارك زوجها معاركه التي كان يخوضها لصالح الرومان فيبقى طي الكتمان. لقد تعقبت هير قليانوس ذلك القائد
الروماني الذي أرسله غاليان الحرب الفرس ولقد نجا منها بصعوبة، وبهزيمته توطد نفوذها على سوريا
وبلاد ما بين النهرين وفي هذه الفترة اغتيل غاليان في ميلان.
خلف غاليان في الحكم كلاوديوس وهو شخصية محببة على نقيض سلفه ولكنه لم تتح له فرص توطيد دعائم الحكم لقصر الفترة التي حكم خلالها . لقد قيل في وصفه (۲): " كان شجاعاً مثل تراجان، تقياً مثل أنطونيوس، معتدلاً مثل أوغسطوس".
ولقد وظف هذه المناقب كلها في خدمة شعبه وإصلاح أحواله. إن صعوبة القيام بهذه المهمة
(1) يورد هذه الأخبار كل من زوسيموس وقويسكوس. Treb. Poll. (۲)
تظهر في رسالته التي وجهها الى مجلس الشيوخ قبل ذلك النصر المشهود الذي منحه لقب "جوتيكوس".
وجدت زنوبيا، في أثناء استغراقه بإصلاح أمور امبراطوريته الداخلية، لها من يناصرها في مصر وعلى رأسهم " تيمو جنيس"، فأرسلت زبدا على رأس جيش لغزو هذه البلاد. لقد كان زبدا ضابطاً محنكاً حارب تحت إمرة أذينه كما رافق زنوبيا في معاركها كلها كانت زنوبيا في غزوها لمصر تدعي حقها في عرش تلك البلاد فهي سليلة البطالمة حكامها السابقين. ولدى وصوله إلى مصر، اشتبك زبدا في معركة مع المصريين أدت إلى إخضاعه لتلك البلاد
وبعد ذلك غادرها مخلفاً وراءه حامية مؤلفة من خمسة آلاف رجل ميمماً شطر تدمر. لقد أحرز هذا النصر أثناء غياب حاكم مصر آنئذ "بروبس" فقد كان مشغولاً بمكافحة القراصنة الذين كانوا يعيثون الفساد في البحار المجاورة. ولكنه وفور سماعه بالأخبار عاد مسرعاً ليطرد التدمريين من تلك البلاد. وأجبر زبدا على العودة مع جيشه فواجه بروبوس وهزمه إلا أن بروبوس لم يكتف بهذا النصر فحاول قطع خط الرجعة على التدمريين فكان في هذا مقتله. إذ أنه وبعد أن سيطر على المرتفعات المجاورة لباييلون ( موقع قديم قرب القاهرة اليوم ( ظهر له يتموجينس الخبير بشعاب تلك البلاد فقاد التدمريين في طريق مهمل يؤدي لتلك المرتفعات ففاجؤوه ودحروا جيش المصريين. وقع بروبوس أسيراً وانتحر بعد هذه الخيبة تاركاً لزنوبيا السيادة على مصر.
كلاوديوس على مهاجمة زنوبيا في أواخر السنة الثانية من . ولكنه مات بالطاعون
في بلدة سيريوم من بلاد بانونيا من أعمال هنغاريا ويوغوسلافيا اليوم - المترجم).
اختار الجيش بعد ذلك أورليان ليخلفه على العرش واختار مجلس الشيوخ في الوقت نفسه أخا
الامبراطور المتوفي (كانيللوس) ولكنه بدوره مات بعد سبعة عشر يوماً من الحكم مما . أمر هذه
المنافسة وعند ذلك نودي بأورليان إمبراطوراً بالإجماع. كان أورليان جندياً محظوظاً، فلقد تدرج في مراتب الجيش من جندي بسيط إلى قائد للفرسان وكان قوي البنية فائق الشجاعة. كان محباً للانضباط بين فصائل جيشه ولقد أعطى لهذه الناحية الكثير من وقته وجهده وبذلك ازدادت شعبيته وأدت به هذه الشعبية للوصول إلى أعلى المراتب. كان كريماً في المكافأة سريعاً وشرساً في العقاب وكانت هذه القسوة أخطر رذائله).
تعليق