تحقيق في أحوال تدمر القديمة
إن اهتمامنا الرئيسي في بحثنا هذا عن أحوال تدمر القديمة ينحصر أساساً فيما وجدناها عليه من أحوال وكيف تبدو أبنيتها عام ۱۷٥١ . إن شوق القارىء للمعرفة لن يتوقف عند هذا الحد ولذا لأنفسنا بإيراد بعض الملاحظات والتساؤلات أثناء سردنا لهذه الأصول بمثل الإجابة على تساؤل متواتر مفاده معرفه من قام ببناء هذه الآثار ومتى تم ذلك وما أثر ذلك الموقع الفريد لها في قلب صحراء شاسعة عليها، وما الذي يسر لها مثل ذلك الثراء والرخاء والذي أتاح لسكانها إقامة منسمح هذه الروائع ودراستنا التالية ستحاول الإجابة على هذه الأسئلة. إن ما يلفت نظر الباحث أن يجد المؤرخين قد تجاهلوا ذكر أي شيء عن مدينتين رائعتين وهما تدمر وبعلبك، اللتين تضمان أروع الأوابد وألا يجد هذا الباحث أمامه سوى ما يستخلصه من النصوص وكلما يرد خارج هذا النطاق لا يتعدى الظن والتخمين. أليس لهذا الإهمال بعض الدلالات..؟ إنه يثبت لنا مدى الظلمة التي تلف بنا فيما يخص بعض العصور التاريخية.
إنه لأمر ألفناه أن نجد أخباراً عن بعض المدن في بطون الكتب وألا نجد من آثارها حجراً واحداً يدلنا حتى على موقعها. فنحن نعرف عن طروادة وبابل وممفيس أموراً كثيرة من خلال ما كتب عنها
بينما لانجد حجراً يدل عليهما ويحدد لنا مواقعها. وإذا عكسنا الصورة في هذين المثلين فإنا هنا نجد مدناً جاوزت عمائرها أخبارها.. ولقد بقيت هاتان المدينتان لترويا من خلال ما بقي منهما تاريخهما بنفسيهما.
جهدهم . إنني في بحثي هذا سأورد كل ما وقعت عليه يداي من أخبار في تلك المصادر القديمة فيما يخص تدمر ولكن بإيجاز يقتضيه البحث وسأترك لمن لديهم متسع من الوقت والذين يجدون في هذا مردوداً ملائماً أن يتوسعوا في التقصي والبحث لعلهم أن يكملوا ما لم نستطيع الوقوف عليه في عجالتنا هذه.
هل لنا أن نعزو ذلك لضياع ما كتب عنهما، أو هل لنا أن نقول إن أولئك القدماء لم ينظروا لمثل هذه الأبنية بمثل النظرة التي ننظر فيها إليهما الآن؟ فإن صح ! الرأي الثاني نكون قد بررنا إهمال أولئك المؤرخين. إن صمتهم عن بعلبك يجعلنا إلى حد ما على ثقة بما قالوه عن بابل، وإن إهمال ذكر تدمر في كتاباتهم يعطينا مجال تصديق ما قالوه عن اليونان ومصر.
لن أحيط القارىء الكريم علماً بكل ما صادفناه بل سأحاول تقديم ترتيب تاريخي لهذه الأشياء وسأذكر بالإضافة لذلك أهم الأحداث التاريخية التي مرت على سوريا منذ مطلع التاريخ لعل ذلك يعين من أراد التوسع البحث أن يكون بحثه أكثر شمولاً ودقة. وسأحاول إلى جانب ذكر ما قلت إنني وجدته في كتابات المؤرخين ملاحظاتي عما رأيته فيها من فنون العمارة وسأورد ما عثرت عليه من نصوص وما تزودنا به من معلومات. في
يضع مترجم سفر الأخبار(۱) العربي تاريخاً لتدمر سابقاً لعهد سليمان. أما جون الأنطاكي الملقب بملالا (۲) John of Antion فإنه يحدد موقعها في الموقع الذي طعن فيه داوود غوليات على إنه ذكرى لذلك. ويضع أبو الفرج (۳) ) Abul Faraj ) تاريخاً لذلك وبعض الأمور الأخرى. إن ما يورده هؤلاء الإخباريون مفعم بالأسطورة والخيال ولذا سنطرح ما أوردوه جانباً ونلجأ إلى الوثائق التاريخية التي تملؤنا الثقة عند الاستشهاد بها. أما عن قيام سليمان (٤) ببناء تدمر في البراري كما تورد التوراة وعن جعلها المدينة نفسها التي أطلق عليها اليونان والرومان اسم بالميرا. رغم أن العرب حافظوا على استعمال اسمها القديم. فإنه أمر يورده أيضاً جوزيفوس وما يعزز هذا الرأي أن سكانها اليوم من العرب يطلقون عليها اسم تدمر ) وعنهم يأخذ اللفظ الصحيح لهذا الاسم. (°) (1)
Dynastiar lib. 5 (T)
Vers. Pococ. (T) (۱) سفر الأخبار ۸ (٤) سفر الملوك والأخبار ۸ ) إن اعتراض بيرهاردوين على هذا الرأي يبدو أنه ينشأ عن جهله عن أوضاع هذا المكان الراهنة) .
(٥) سفر الملوك ٩ والأخبار ٨ (1) .Antiq. Jud. Lib. هنالك أكثر من طريقة لكتابة هذا الاسم وكتابته في نسخ الإسكندرية أقربها إلى اللفظ العربي المتداول الآن. أما جوزيفوس وبليني فيلفظانه بشكل مغاير.
يلاحظ أميانوس مارسيلينيوس مدى تعلق العرب بأسماء مدنهم القديمة وكيف أنهم حافظوا على استعمال هذه الأسماء رغم التسميات الجديدة التي أطلقت عليها كما فعل سلوقس نيكاقور. وهنالك شواهد كثيرة على تعلق العرب بهذه الأسماء ومحافظتهم عليها حتى نسيت هذه الأسماء الجديدة من قلة الاستعمال.
"عكو" فنحن نجد مثلاً الاسم " و (۱) الذي تورده التوراة كما كانت تسميها قبيلة " أشر " قد سماها اليونانيون فيما بعد اسم بطولومي Ptolemais ، أما سكانها الحاليون فيطلقون عليها اسم كما ترى لا يختلف عن اسمها القديم إلا بحرف واحد. "عكا " وهو
ومثال آخر، نجده في "حران" حيث أقام إبراهيم قبل ذهابه إلى أرض الميعاد يطلق عليها الرومان اسم " كاراي Carrha " ولكنها بعدئذ عادت إلى اسمها الأصلي.
إنه من الطبيعي أن تكنّ الشعوب حباً لأسماء مدنها أثناء تنعمها بعصور الحرية والازدهار وأن تقاوم ما يفرض عليها الغزاة من تبديلات. هذا أمر تتقاسمه كل الشعوب ولكن العرب يتميزون عن باقي الأمم بتشبثهم بهذه الأمور وهم رغم كل الغزوات التي تعرضوا إليها استمروا بمحافظتهم عليها وتمسكوا باستقلاليتهم وأصولهم النقية التي تميزهم عن الأمم الأخرى
إن ما يذكر عن بناء سليمان لهذه المدينة التي قمنا بزيارتها فلا يسعنا إلا ذكر ما يقوله ويعتقد به السكان المحليون الذين يضيفون إلى ما سبق بعض الحكايا مثل إشارتهم إلى قصره وذكرهم لحريمه وقد دلونا على إحدى الأبنية وقالوا إنها قصر إحدى محظياته وحجتهم في ذلك أن "هذه الأعمال العظيمة قام بها "سليمان" (٢) بن داوود بمعاونة الجن (T)
وإذا ما نحن ذهبنا لمثل هذا الاعتقاد فلا بد أن يكون ما قام سليمان ببنائه قد اندثر منذ عهد بعيد. ورغم أننا لا نملك برهاناً يخولنا الذهاب إلى نحو ما ذهب إليه حنا الأنطاكي (John Of Antioch إذ يقول أن نبوخذ نصر قد دمر هذه المدينة قبل وصوله إلى القدس.
إن الآثار الرائعة التي نجدها اليوم في تدمر لا يمكن لأي منطق أن ينسبها إلى فترة تسبق توطد أقدام اليونانيين في هذه البلاد، فليس من المدهش إذن ألا نرى أي ذكر لها في مدونات البابليين
Judges i. 31 (1) (۲) سليمان بن داوود، بالانكليزية Solomon son of David (۳) إنهم يعتقدون اعتقاداً راسخاً إننا نتكل على الجن مثله في بحثنا على الكنوز. إن هذا الرأي الغريب تجده في كل بلاد فيها آثار قديمة وفي إيطاليا لا يقتصر الأمر على عامة الشعب فقط.
والفرس عندما غزو هذه البلاد اليس من الغريب ألا يلحظ ازينوفون وجود مدينة كتلك التي يشير إليها هؤلاء وهو الذي وصف صحراءها وصفاً دقيقاً أثناء مروره بالقرب من موقعها وهو متجه شطر بابل ؟ ويعزز هذا الرأي ما كتبه الاسكندر الأكبر إذ يذكر بأنه قد استفاد هو كما استفاد أعداؤه من ذلك الموقع في الصحراء عندما عبرها في طريقه من تابياكوس ( الدبسي فرج الآن ) والتي تقع على الفرات والتي كانت نقطة عبور له كما كانت كذلك لعدوه داريوس وكذلك لسيروس الأصغر ( کسری)
لقد وجدنا أن أنسب فترة نبدأ بها بحثنا هذا هي فترة وفاة الاسكندر وإلى تحول سوريا إلى مستعمرة رومانية فيما بعد. لقد كان سيلوقس نيكاتور معمارياً متميزاً، ورغم أن آثار أنطاكية وسلوقيه اللتين تقعان على نهر العاصي ليستا بذات شأن كبير إلا أن ما بقي منهما يبرز الأسلوب اليوناني في ذلك العصر السعيد لفن العمارة.
إن موقع تدمر موقع فريد فهي تتوسط المدينتين السابق ذكرهما وسلوقيا الدجلة وكذلك بين الفرات ومدن ساحل المتوسط التجارية وهي بالإضافة إلى ذلك تشكل خط الدفاع أمام الفرثيين، وهي على هذا الأمر اكتسبت أهمية كبرى وقد ترسخت لها هذه الأهمية منذ عهد أرسيسس Arsaces مؤسس الإمبراطورية الذي قام بأسر سيلوقس كاليانيكوس Seleucus Callianicus هذه الأمور تجعلنا نفترض أ أن نشوء العمارة في تدمر : . بدأ مع العهد السلوقي وإن لم يكن هنالك من مصدر موثوق يقطع بصحة هذا الرأي، كما يزيد الأمر غموضاً أننا لم نعثر على أي ذكر لهذه المدينة في أي مصدر من مصادرهم) (1)
وتدلنا النصوص المكتشفة في تدمر أن التدمريين قد تبنوا التقويم السلوقي في تأريخ أحداثهم، فهل نستخلص من ذلك أن الاسكندر كان قد أخضع هذه المدينة لسيطرته وثم لسيطرة خلفائه من بعده.. وإذا صح هذا الأمر أو قيل بعدم احتماله فلا يبقى أمامنا إلا افتراض آخر ومفاده أنه وبحكم علاقات المدينة التجارية والمستقلة عن أي نفوذ سلوقي قد تكون أخذت بهذا التقويم الذي استخدمه جيرانها كأمر يناسبهم في تصريف أمورهم ؟
دعنا ننتقل بعد ذلك إلى العهد الروماني في سوريا. لقد قام "بومبي" بغزو هذه البلاد في . ازدهرت فيه الفنون وتقدموا في الفنون جنباً إلى جنب مع تقدمهم في الأمور العسكرية التي وجهوها عصر
(۱) ليس لدينا في تدمر أي بناء معروف مما هو قائم ومشاهد اليوم يعود إلى ٥٠ سنه ق.م، وهذا التاريخ بعد سقوط السلوقيين بيد القائد الروماني بومبي عام ٦٤ ق.م . (خالد أسعد)
إن اهتمامنا الرئيسي في بحثنا هذا عن أحوال تدمر القديمة ينحصر أساساً فيما وجدناها عليه من أحوال وكيف تبدو أبنيتها عام ۱۷٥١ . إن شوق القارىء للمعرفة لن يتوقف عند هذا الحد ولذا لأنفسنا بإيراد بعض الملاحظات والتساؤلات أثناء سردنا لهذه الأصول بمثل الإجابة على تساؤل متواتر مفاده معرفه من قام ببناء هذه الآثار ومتى تم ذلك وما أثر ذلك الموقع الفريد لها في قلب صحراء شاسعة عليها، وما الذي يسر لها مثل ذلك الثراء والرخاء والذي أتاح لسكانها إقامة منسمح هذه الروائع ودراستنا التالية ستحاول الإجابة على هذه الأسئلة. إن ما يلفت نظر الباحث أن يجد المؤرخين قد تجاهلوا ذكر أي شيء عن مدينتين رائعتين وهما تدمر وبعلبك، اللتين تضمان أروع الأوابد وألا يجد هذا الباحث أمامه سوى ما يستخلصه من النصوص وكلما يرد خارج هذا النطاق لا يتعدى الظن والتخمين. أليس لهذا الإهمال بعض الدلالات..؟ إنه يثبت لنا مدى الظلمة التي تلف بنا فيما يخص بعض العصور التاريخية.
إنه لأمر ألفناه أن نجد أخباراً عن بعض المدن في بطون الكتب وألا نجد من آثارها حجراً واحداً يدلنا حتى على موقعها. فنحن نعرف عن طروادة وبابل وممفيس أموراً كثيرة من خلال ما كتب عنها
بينما لانجد حجراً يدل عليهما ويحدد لنا مواقعها. وإذا عكسنا الصورة في هذين المثلين فإنا هنا نجد مدناً جاوزت عمائرها أخبارها.. ولقد بقيت هاتان المدينتان لترويا من خلال ما بقي منهما تاريخهما بنفسيهما.
جهدهم . إنني في بحثي هذا سأورد كل ما وقعت عليه يداي من أخبار في تلك المصادر القديمة فيما يخص تدمر ولكن بإيجاز يقتضيه البحث وسأترك لمن لديهم متسع من الوقت والذين يجدون في هذا مردوداً ملائماً أن يتوسعوا في التقصي والبحث لعلهم أن يكملوا ما لم نستطيع الوقوف عليه في عجالتنا هذه.
هل لنا أن نعزو ذلك لضياع ما كتب عنهما، أو هل لنا أن نقول إن أولئك القدماء لم ينظروا لمثل هذه الأبنية بمثل النظرة التي ننظر فيها إليهما الآن؟ فإن صح ! الرأي الثاني نكون قد بررنا إهمال أولئك المؤرخين. إن صمتهم عن بعلبك يجعلنا إلى حد ما على ثقة بما قالوه عن بابل، وإن إهمال ذكر تدمر في كتاباتهم يعطينا مجال تصديق ما قالوه عن اليونان ومصر.
لن أحيط القارىء الكريم علماً بكل ما صادفناه بل سأحاول تقديم ترتيب تاريخي لهذه الأشياء وسأذكر بالإضافة لذلك أهم الأحداث التاريخية التي مرت على سوريا منذ مطلع التاريخ لعل ذلك يعين من أراد التوسع البحث أن يكون بحثه أكثر شمولاً ودقة. وسأحاول إلى جانب ذكر ما قلت إنني وجدته في كتابات المؤرخين ملاحظاتي عما رأيته فيها من فنون العمارة وسأورد ما عثرت عليه من نصوص وما تزودنا به من معلومات. في
يضع مترجم سفر الأخبار(۱) العربي تاريخاً لتدمر سابقاً لعهد سليمان. أما جون الأنطاكي الملقب بملالا (۲) John of Antion فإنه يحدد موقعها في الموقع الذي طعن فيه داوود غوليات على إنه ذكرى لذلك. ويضع أبو الفرج (۳) ) Abul Faraj ) تاريخاً لذلك وبعض الأمور الأخرى. إن ما يورده هؤلاء الإخباريون مفعم بالأسطورة والخيال ولذا سنطرح ما أوردوه جانباً ونلجأ إلى الوثائق التاريخية التي تملؤنا الثقة عند الاستشهاد بها. أما عن قيام سليمان (٤) ببناء تدمر في البراري كما تورد التوراة وعن جعلها المدينة نفسها التي أطلق عليها اليونان والرومان اسم بالميرا. رغم أن العرب حافظوا على استعمال اسمها القديم. فإنه أمر يورده أيضاً جوزيفوس وما يعزز هذا الرأي أن سكانها اليوم من العرب يطلقون عليها اسم تدمر ) وعنهم يأخذ اللفظ الصحيح لهذا الاسم. (°) (1)
Dynastiar lib. 5 (T)
Vers. Pococ. (T) (۱) سفر الأخبار ۸ (٤) سفر الملوك والأخبار ۸ ) إن اعتراض بيرهاردوين على هذا الرأي يبدو أنه ينشأ عن جهله عن أوضاع هذا المكان الراهنة) .
(٥) سفر الملوك ٩ والأخبار ٨ (1) .Antiq. Jud. Lib. هنالك أكثر من طريقة لكتابة هذا الاسم وكتابته في نسخ الإسكندرية أقربها إلى اللفظ العربي المتداول الآن. أما جوزيفوس وبليني فيلفظانه بشكل مغاير.
يلاحظ أميانوس مارسيلينيوس مدى تعلق العرب بأسماء مدنهم القديمة وكيف أنهم حافظوا على استعمال هذه الأسماء رغم التسميات الجديدة التي أطلقت عليها كما فعل سلوقس نيكاقور. وهنالك شواهد كثيرة على تعلق العرب بهذه الأسماء ومحافظتهم عليها حتى نسيت هذه الأسماء الجديدة من قلة الاستعمال.
"عكو" فنحن نجد مثلاً الاسم " و (۱) الذي تورده التوراة كما كانت تسميها قبيلة " أشر " قد سماها اليونانيون فيما بعد اسم بطولومي Ptolemais ، أما سكانها الحاليون فيطلقون عليها اسم كما ترى لا يختلف عن اسمها القديم إلا بحرف واحد. "عكا " وهو
ومثال آخر، نجده في "حران" حيث أقام إبراهيم قبل ذهابه إلى أرض الميعاد يطلق عليها الرومان اسم " كاراي Carrha " ولكنها بعدئذ عادت إلى اسمها الأصلي.
إنه من الطبيعي أن تكنّ الشعوب حباً لأسماء مدنها أثناء تنعمها بعصور الحرية والازدهار وأن تقاوم ما يفرض عليها الغزاة من تبديلات. هذا أمر تتقاسمه كل الشعوب ولكن العرب يتميزون عن باقي الأمم بتشبثهم بهذه الأمور وهم رغم كل الغزوات التي تعرضوا إليها استمروا بمحافظتهم عليها وتمسكوا باستقلاليتهم وأصولهم النقية التي تميزهم عن الأمم الأخرى
إن ما يذكر عن بناء سليمان لهذه المدينة التي قمنا بزيارتها فلا يسعنا إلا ذكر ما يقوله ويعتقد به السكان المحليون الذين يضيفون إلى ما سبق بعض الحكايا مثل إشارتهم إلى قصره وذكرهم لحريمه وقد دلونا على إحدى الأبنية وقالوا إنها قصر إحدى محظياته وحجتهم في ذلك أن "هذه الأعمال العظيمة قام بها "سليمان" (٢) بن داوود بمعاونة الجن (T)
وإذا ما نحن ذهبنا لمثل هذا الاعتقاد فلا بد أن يكون ما قام سليمان ببنائه قد اندثر منذ عهد بعيد. ورغم أننا لا نملك برهاناً يخولنا الذهاب إلى نحو ما ذهب إليه حنا الأنطاكي (John Of Antioch إذ يقول أن نبوخذ نصر قد دمر هذه المدينة قبل وصوله إلى القدس.
إن الآثار الرائعة التي نجدها اليوم في تدمر لا يمكن لأي منطق أن ينسبها إلى فترة تسبق توطد أقدام اليونانيين في هذه البلاد، فليس من المدهش إذن ألا نرى أي ذكر لها في مدونات البابليين
Judges i. 31 (1) (۲) سليمان بن داوود، بالانكليزية Solomon son of David (۳) إنهم يعتقدون اعتقاداً راسخاً إننا نتكل على الجن مثله في بحثنا على الكنوز. إن هذا الرأي الغريب تجده في كل بلاد فيها آثار قديمة وفي إيطاليا لا يقتصر الأمر على عامة الشعب فقط.
والفرس عندما غزو هذه البلاد اليس من الغريب ألا يلحظ ازينوفون وجود مدينة كتلك التي يشير إليها هؤلاء وهو الذي وصف صحراءها وصفاً دقيقاً أثناء مروره بالقرب من موقعها وهو متجه شطر بابل ؟ ويعزز هذا الرأي ما كتبه الاسكندر الأكبر إذ يذكر بأنه قد استفاد هو كما استفاد أعداؤه من ذلك الموقع في الصحراء عندما عبرها في طريقه من تابياكوس ( الدبسي فرج الآن ) والتي تقع على الفرات والتي كانت نقطة عبور له كما كانت كذلك لعدوه داريوس وكذلك لسيروس الأصغر ( کسری)
لقد وجدنا أن أنسب فترة نبدأ بها بحثنا هذا هي فترة وفاة الاسكندر وإلى تحول سوريا إلى مستعمرة رومانية فيما بعد. لقد كان سيلوقس نيكاتور معمارياً متميزاً، ورغم أن آثار أنطاكية وسلوقيه اللتين تقعان على نهر العاصي ليستا بذات شأن كبير إلا أن ما بقي منهما يبرز الأسلوب اليوناني في ذلك العصر السعيد لفن العمارة.
إن موقع تدمر موقع فريد فهي تتوسط المدينتين السابق ذكرهما وسلوقيا الدجلة وكذلك بين الفرات ومدن ساحل المتوسط التجارية وهي بالإضافة إلى ذلك تشكل خط الدفاع أمام الفرثيين، وهي على هذا الأمر اكتسبت أهمية كبرى وقد ترسخت لها هذه الأهمية منذ عهد أرسيسس Arsaces مؤسس الإمبراطورية الذي قام بأسر سيلوقس كاليانيكوس Seleucus Callianicus هذه الأمور تجعلنا نفترض أ أن نشوء العمارة في تدمر : . بدأ مع العهد السلوقي وإن لم يكن هنالك من مصدر موثوق يقطع بصحة هذا الرأي، كما يزيد الأمر غموضاً أننا لم نعثر على أي ذكر لهذه المدينة في أي مصدر من مصادرهم) (1)
وتدلنا النصوص المكتشفة في تدمر أن التدمريين قد تبنوا التقويم السلوقي في تأريخ أحداثهم، فهل نستخلص من ذلك أن الاسكندر كان قد أخضع هذه المدينة لسيطرته وثم لسيطرة خلفائه من بعده.. وإذا صح هذا الأمر أو قيل بعدم احتماله فلا يبقى أمامنا إلا افتراض آخر ومفاده أنه وبحكم علاقات المدينة التجارية والمستقلة عن أي نفوذ سلوقي قد تكون أخذت بهذا التقويم الذي استخدمه جيرانها كأمر يناسبهم في تصريف أمورهم ؟
دعنا ننتقل بعد ذلك إلى العهد الروماني في سوريا. لقد قام "بومبي" بغزو هذه البلاد في . ازدهرت فيه الفنون وتقدموا في الفنون جنباً إلى جنب مع تقدمهم في الأمور العسكرية التي وجهوها عصر
(۱) ليس لدينا في تدمر أي بناء معروف مما هو قائم ومشاهد اليوم يعود إلى ٥٠ سنه ق.م، وهذا التاريخ بعد سقوط السلوقيين بيد القائد الروماني بومبي عام ٦٤ ق.م . (خالد أسعد)
تعليق