الرحالة البريطانيون لهم فضل اكتشاف خبايا الصحراء العربية
الفضل في الاهتمام باكتشاف أسرار الصحراء إلى الرحالة البريطانيين الذين شجعوا الحكام المحيطين بها لمعرفة ما تحتويه.
الجمعة 2021/04/23
انشرWhatsAppTwitterFacebook
أسرار الصحراء تلهم المغامرين
صحراء الربع الخالي بعظمتها وأهميتها الاقتصادية والجغرافية والثقافية، وبما تحمله من إرث متسع، اجتذبت الكثير من أبنائها ومحبيها للكتابة عنها من زوايا مختلفة أدبية وعلمية وغيرها وبأقلام المهتمين والمتخصصين، حيث تمثل خزانا هاما للإرث الثقافي الإنساني لا العربي فقط.
صلالة (عُمان)- تبقى الصحراء ملهمة بما لها من مقومات متنوعة تحويها طبيعتها الجغرافية وتضاريسها الفريدة التي تجذب المغامرين والمستكشفين والباحثين عن المتعة السياحية والاستجمام والتأمل وتجربة عوالم أخرى يكون فيها الفرد أقرب إلى الطبيعة وإلى ذاته.
في حب الصحراء وتتبع مفازاتها وأسرارها صدر مؤخرا عن دار لبان للنشر في سلطنة عمان كتاب بعنوان “آثار وأسرار صحراء الربع الخالي”، من تأليف سعيد بن سالم الراشدي “ولد بن غبيشة”، والذي يرصد بالكلمة والصورة والحدث من خلال ثمانية فصول ملامح من تلك الآثار والأسرار التي طاف بها في تخوم هذه الرمال، والتي سلكها والده سالم بن غبيشة برفقة سالم بن كبينة، مع الرحالة ثايسجر (مبارك بن لندن) عامي 1945 و1950 وكانا حينها في عمر الخامسة عشرة، بينما توفي سالم بن غبيشة في يناير من عام 2016 بدولة الإمارات العربية المتحدة.
أهمية الصحراء
يشير الراشدي في مقدمة الكتاب إلى أهمية صحراء الربع الخالي باعتبارها “جوهرة مكنونة مليئة بالأسرار”، منوها بطبيعة الإنسان وميوله للكشف عن المستجدات والأسرار من جهة، وتطوير الذات وما تمليه عليه الوقائع والمعطيات المحيطة به من جهة ثانية، وهما “تدفعانه إلى الاستمرار في محاولاته لمعرفة هذه المعطيات وكيفية التعامل معها”.
سعيد الراشدي: صحراء الربع الخالي جوهرة مكنونة مليئة بالأسرار والحكايات
وأشار الكاتب في فعالية افتراضية بعنوان “آثار وأسرار صحراء الربع الخالي”، نظمها مجلس إشراقات ثقافية في محافظة ظفار، والذي يسلط الضوء على جهود الكتاب العمانيين ودعم إبداعاتهم الكتابية، إلى أن الحديث عن صحراء الربع الخالي، لا يمكن الإتيان عليه في صفحات معدودة، أو حتى في كتاب، فهي صحراء غامضة وشاسعة، تشكل مساحتها ثلث الجزء الجنوبي الشرقي من شبه الجزيرة العربية.
وأضاف أن هذا الجزء العجيب يحتوي على الكثير من الآثار والأسرار، والتنوع الواسع في الطبيعة والتضاريس والحياة الفطرية والتراث الثقافي لقبائله، أما في ما يخص الآثار فقد وجد بعضا منها في كل أطراف وعمق هذه الصحراء، ملاحظا أن لها علاقة ببعضها البعض، ومنها ما يدل على أهميتها كمنطقة عبور لتجارة اللبان والخيل والمنتجات الهندية من عمان إلى العالم.
وتحدث الكاتب أثناء الفعالية التي أدارتها الإعلامية هدى كهوم، وبثت من خلال حسابات المجلس بمختلف مواقع التواصل الاجتماعي، عن بداية الفكرة التي راودته منذ فترة طويلة للكتابة عن صحراء الربع الخالي حيث قال “أهمية الصحراء لا يعرف عنها سوى القليل من الناس حتى في ظل وجود الوسائل الحديثة، أردت أن أبرز تلك الأهمية للجميع، فبدأت بتنفيذ فكرة الكتابة عن هذه المنطقة في بداية عام 2017، وتوقفت فترة بسيطة ثم عاودت الكتابة، بعد أن التحقت بورشة كتابة القصة القصيرة التي كانت تعقد في المديرية العامة للتراث والثقافة بصلالة سابقا كل سبت من كل أسبوع، وذلك تشجيعا من القائمين على هذه الورشة، نصر سامي وإشراق النهدي، وخلال عامين تقريبا انتهيت من تأليف الكتاب بإشراف أبوبكر المبروك”.
ويتوجه الراشدي بكتابه إلى وجدان القارئ المهتم بالصحراء وأسرارها، وكذلك إلى أولئك الآباء والأجداد الذين سطروا التاريخ بأفعالهم وأمجادهم التي يتباهى بها العمانيون اليوم بين الأمم، فهم كما قال “الذين صدوا كل ما يهدد وجودهم بكل شجاعة وبسالة وصبر على شظف العيش في ظروف تفتقد إلى كثير من الإمكانيات التي تساعد الإنسان في الدفاع عن نفسه وممتلكاته، ليتمكن من الاستمرار على قيد الحياة”.
ويعيد الراشدي الفضل في الاهتمام باكتشاف أسرار الصحراء إلى الرحالة البريطانيين الذين شجعوا الحكام المحيطين بها لمعرفة ما تحتويه “بغية إعطائها المكانة التي تستحق، وقد لفت أولئك الرحالة الأنظار إليها، وجعلوها وجهة حتى صارت محل اهتمام الحكومات والشركات النفطية وهواة الاستكشاف”.
التراث العريق والمستقبل
كتاب يرصد بالكلمة والصورة والحدث آثار وأسرار صحراء الربع الخالي
بدأ المؤلف الجزء الأول من كتابه بالحديث عن التاريخ والسكان والخصائص المجتمعية لصحراء الربع الخالي، من تقسيمات فئوية وقبائل وأعراف وغيرها من ملامح الإنسان والمكان، كالعادات والتقاليد والألعاب الشعبية والمعتقدات والقصص السائدة والمفردات اللغوية للبدو ودور المرأة وأهميتها في الحياة الاجتماعية.
كما تطرق إلى مسميات أجزاء صحراء الربع الخالي وتاريخها وأصولها وعلاقتها بالأودية المنحدرة من جبال ظفار، مثل رملة الملحيت ورملة مقشن، إلى جانب بعض الأجزاء في عمق الصحراء، مثل رملة غنيم ورملة الدكاكة، وكذلك النمط السكاني لهذه الصحراء، وأهميتها التاريخية والتجارية، حيث كانت منطقة عبور للقوافل القادمة من محافظة ظفار تنقل معها بعض البضائع، من أهمها اللبان إلى أجزاء الجزيرة العربية، إضافة إلى المكتشفات التي وجدت في مناطق وسط وأطراف الصحراء، مثل نيابة الحشمان وخور بن حمودة، مما يدل على جذورها التاريخية الضاربة في الأعماق.
كما تناول الراشدي بعين الرحالة العارف بأدق تفاصيل المكان، الجغرافيا والمناخ والتضاريس والموارد المائية، وكذلك مسميات بعض تضاريس الكثبان المتعارف عليها محليّا، كأسماء الكثبان الرملية الدارجة لدى سكان الربع الخالي، مثل اسم العروق، وهي كثبان طولية عالية الارتفاع يصل طولها إلى العشرات من الكيلومترات، وأسماء القعائد وهي كثبان مخروطية أو نجمية يصل ارتفاعها إلى المئات من الأمتار.
وتطرق الكتاب في الفصلين الثالث والرابع إلى الملبوسات والحلي والمجوهرات ووسائل حفظ المياه والوسائل العامة والطعام والمنسوجات والاحتياجات الأخرى، إضافة إلى أنواع الأسلحة بما فيها البنادق والخناجر وأدواتها، التي يستخدمها سكان الصحراء، وتدخل كلها ضمن التراث الشعبي الذي يختزل أهمية المكان وعراقته.
ولم يغفل الكاتب في سرده لملامح الصحراء أهم عناصرها ألا وهي الإبل لما لها من دور كبير في الحياة في تلك البيئة الصعبة، حتى أننا نجدها حاضرة بقوة في قصائد الكثير من الشعراء وفي المخيال الشعبي لسكان الصحراء.
وتطرق الراشدي أيضا إلى ملامح الحياة الفطرية في هذه الصحراء، في الفصلين الخامس والسادس من الكتاب، فذكّر بعدة ملامح من الحياة الفطرية التي كانت تزخر بها صحراء الربع الخالي، والتي انقرض الكثير منها في الوقت الحاضر بسبب الصيد الجائر خاصة المها التي انقرضت تماما، وكذلك غزال الريم الأبيض الذي أصبح نادر الوجود، وكلاهما نجدهما بكثرة في قصائد الشعراء. ولم يغفل الكاتب عن ذكر النباتات المهمة في تلك الصحراء ومنها شجرة العبلة وشجرة الزهرة وغيرها.
تناول الراشدي بعين الرحالة العارف بأدق تفاصيل المكان، الجغرافيا والمناخ والتضاريس والموارد المائية، وكذلك مسميات بعض تضاريس الكثبان المتعارف عليها محليّا
أما في الفصل السابع والذي خُصِّص للرحالة البريطانيين الذين عبروا هذه الصحراء وكتبوا مشاهدهم عنها، فقد تناول الكاتب أهمية ما قام به الكتّاب السابقون من توثيق لرحلاتهم في صحراء الربع الخالي حيث دحض هؤلاء الرحالة المقولة التي كانت سائدة لدى كثير من الناس بأن الربع الخالي خال من السكان، ومن خلال مرافقي الرحالة الذين كانت لهم معرفة جيدة باتجاهات ومسالك الصحراء، وكذلك بفضل السكان من تلك القبائل الذين التقوهم في أطراف ووسط هذه الرمال، نجح هؤلاء الرحالة في تغيير صورة الصحراء عند الآخرين، حيث قدموا أدلة قاطعة على وجود سكان في هذه المنطقة مترامية الأطراف صعبة التضاريس ودونوا أهم تفاصيلها وخصوصياتها وإرثها الثقافي.
واختتم الراشدي كتابه برؤيته لمستقبل الصحراء، في ظل ما وجد من استحداثات وتطور للوسائل الحديثة، إضافة إلى التغيرات الكبيرة في نمط حياة البدو، الذين كانوا يتجولون في زوايا هذه الصحراء كرحالة من مكان إلى آخر، وأصبح الكثير منهم في الوقت الحاضر يعيش الحياة المدنية، وبالرغم من ذلك فإن حب الإبل وشغفهم بها ما يزال راسخا في وجدانهم.
وقدم الراشدي مجموعة توصيات على درجة عالية من الأهمية، خاصة في مجالات البحوث العلمية، لرفد الصحراء بمزيد من الحياة لتعظيم الاستفادة منها، كإنشاء محطات الاستمطار الصناعي واستغلال الكثبان العالية لزيادة المخزون المائي، مع الاستفادة من الحرارة الشديدة فيها لتوليد الطاقة الشمسية، وإنشاء مخططات زراعية وسياحية ومحميات للحياة الفطرية، والعديد من التوصيات التي تعزز المكان سياحيا.