فنسنت اوين فنان من هولندا
كتب الفنان نضال عبدالهادي..من هولندا
فنسنت اوين . واحد من أهم الفنانين على الساحة الفنية في هولندا وهو صديق لطيف ومتواضع إلى حد كبير تعرفت عليه من خلال إحدى المدرسات في مدرسة اللغة فذهبنا انا وهي إلى مرسمه في نفس مدينتي. وصلت إلى المكان فقالت لي المدرسة هذا مرسم فنسنت فتعجب لم اكن أتصور أن كلمة مرسم بهذه المساحة .انتابني الفضول و الحماس لمشاهدته من الداخل فقرعت الجرس وفتح الباب واول ما لفت انتباهي ابتسامته الجميلة وبدت عليه ملامح السعادة والفرح ولم يكف عن الترحيب إلى ان وصلنا إلى حجرة الاستقبال ومن ثم جائت زوجته لتكمل الترحيب بنا .ثم قالت لي هل تشرب القهوة ام الشاي قلت قهوة .فرد فينسنت ضاحكا هؤلاء ضيوفي انا ساصنع القهوة بنفسي وجلست زوجته معنا تحدثنا إلى ان جاء فينسنت فشربنا القهوة ثم ذهبنا إلى داخل المرسم .كان للمكان سحر لايوصف اللوحات ضخمة جدا .ارتفاع السقف نحو ست امتار رائحة الزيت الهولندي تعبق في المكان وكانها باقات من الورد تفوح عطرا .كانت اللوحات والألوان في كل مكان . دخلت قاعات كثيرة وكان هنالك دهاليز وممرات بين كل قاعة وكانك تتنقل من عالم الى عالم اخر اجمل من الذي سبق . كان يطلعني على تجاربه الخاصة وكان يحدثني عن الفن والحداثة .ثم سالته سؤال من باب المزاح فقلت له كم انتم مبدعين وكيف وصلتم إلى هذا الحد من الابداع ؟ فصدمني باجابته حيث قال بالحب والعطاء . فقلت اكمل ماذا تقصد بكلمة الحب والعطاء فتابع كلامه قائلا ان المجتمعات التي تفتقد الحب والعطاء لاتزدهر ولاتثمر . ونبدا بالعائلة أولا فعندما تعطي بمحبة فانت تبني مجتمع قوي والمجتمع القوي يصنع دولة قوية . فقلت له حدثني اكثر عن هذا الموضوع فقال لي والدي فنان واورثني هذا المكان بكل مافيه والاكثر من هذا والاهم انه اورثني علمه نحو سبعون عاما فكتسبت هذه السبعون عاما وطورتها مع خبرتي نحو اربعون عاما ايضا فاصبحت مئة وعشر سنوات وجاء ابني فكتسبها ومن ثم سيطورها لاحقا . واضاف صحيح والدي انتهت رحلته في الحياة ولكن رحلته الفنية مازالت مستمرة لانه عندما علمني الفن اراد ان يعيش فنه ويزدهر وطنه. فاعطاني علمه بكل حب وبأعلى درجات العطاء . كان كلامه منطقيا جدا وكم تمنيت ان نكون شعوبنا بهذ ا الفكر البناء .ثم تابعنا جولتنا في هذا العالم الجميل . فطرح علي سؤال هل لديك ادوات رسم ؟ فقلت له طبعا اكيد فأنا عندما اتوقف عن الرسم اتوقف عن الحياة.. فالرسم بالنسبة لي الهواء الذي اتنفسه فقال لي ساعطيك بعض الاوكسجين اذن... وضحكنا وعلت اصوات الضحكات إلى ارجاء المكان حتى ضحكاتنا كانت لها صدى جميل لا يقل عن جمال المكان... ثم ذهب إلى قاعة اخرى واعطاني براويظ ك هدية تذكارية . فقالت له انستي . لقد اعطيته كل هذا ولم تشاهد اعماله الفنية .!!! اعتقد انك عندما تشاهد اعماله ستترك المكان له فعاودت ضحكاتنا إلى ان غرقت عيوننا ب الدموع من شدة الضحك ثم تناولت هاتفي من الجيب وقلت له اعطيني رايك؟ فكان يقلب في الصور تارة وتارة ينظر الي ببتسامة ودهشة وعندما انتهى قال لي أنت فنك يسبق عمرك بكثير اظن ان هنالك من سكب علمه في عقلك وقلبك ايضا ؟ فقلت له صدقت ان والدي فنان ومصور فوتوغرافي واعطاني علمه بكل حب وباعلى درجات العطاء فقال لي هل هو على قيد الحياة ؟ فقلت الحمد لله وكرر قائلا وهل مازال يرسم؟ فقلت لأ للاسف بعد ماجرى من احداث في سوريا لم يتحمل هذا الدمار وما آلت بنا الظروف كانت صدمة بالنسبة له وعلى مايبدو كان يحمل بنفسه حزن والم إلى ان نالت منه جلطة دماغية اوقفته عن الفن فوضع يده على كتفي وابتسم وقال لي لاتقلق فوالدك مازال يرسم بيدك وسيظل يعيش في قلبك ومن خلال اطلاعي على اعمالك اتوقع لك النجومية . فضحكت وقلت له انا ارسم لانه ملاذي وعشقي الوحيد .ثم خرجنا من المرسم واوصلني إلى مرسمي وتشكرته وتشكرت الله الذي دائما يجمعني مع الطيبين ثم قال لي الاتريد الاوكسجين ؟ ههههه فقلت له هل سنعود الى مرسمك؟ فقال لي لا لن اعطيك الوان مستعملة سنذهب لكي نشتريها وفعلا ذهبنا بسيارته واشترى الكثير من الالوان والقماش وعاد ليوصلني وودعني واعطاني رقم جواله وقال لي عندما تنتهي هذه الجائحة سيكون بيني وبينك معرض مشترك في الايام القادمة . ومازلنا حتى الآن اصدقاء لم اشاهده منذ وقت طويل بسبب جائحة الكورونا ولكن مازلنا على تواصل .انها حقا لصداقة رائعة بنيت على الحب والعطاء والاخوة . فعلا أينما يكون الحب والعطاء يكون الابداع شكرا فينسينت