* نسبيَّة الزمان *
. مقالة:سامي الحاج حسين
-هلِ الزمنُ موجودٌ أم أنَّه وهمٌ،وفي عِدادِ العدم..؟!
-هل هو مفهومٌ مجرَّدٌ اصطَلحه الإنسان..؟!!
-وماالضرورةُ الواقعيَّةُ لإيجادِه ..؟!
-وهلِ الزمانُ مفهومٌ مطلَقٌ ومتَّصِلٌ وأبديُّ..؟ أمْ أنَّه نسبيٌّ ومحدَّدٌ حسْبَ نظريَّةِ أنشتاين..؟!!
لعلَّنا نعني بالزمنِ على أنَّه إحساسٌ بالوقت لمدَّةٍ محدودة،لأنَّنا نعتقد واقعيَّاً بأنَّه مرهونٌ بديمومة الأشياء وصيرورتها الماديَّة، فلا نقصد به هنا ذاك الزمانَ السرمديَّ الأزليَّ والأبديَّ المستقلَّ عنِ المادَّة، ولانعتقد بأنَّه كان موجوداً قبلَ خَلقِ هذا الكونِ،أو أنَّه يَعْبُرُنا من ماضينا إلى حاضِرِنا في خطٍّ مستقيمٍ نحو مستقبلٍ لاينتهي، فالزمنُ نسبيٌّ وليس مطلَقاً كما ادعى الفلاسفةُ المثاليونَ القدماءُ أمثال أفلاطون.
فبعد ظهور الفيزياء الحديثة والنظريَّة النسبيَّة أخذت تتغيَّر هذه النظرة .
حيث أنَّ الزمن مرتبطٌ بالمادَّة،رغم أنَّه بذاته ليس بالشيء الماديِّ فهو غير ماديٍّ ولامحسوسٍ أوملموس،وليس خاضعاً للملاحظة أو التجريب كما هو حال العلم الطبيعيِّ، ورغم كونه كذلك نجد أنَّه يمكنُنا قياسَه،فقد تمكَّن الإنسان من قياسِه بوساطة الأدواتِ كالساعة والكيلو متراج وغيرهما، وحيث أنَّ الفيلسوفَ الرياضيَّ"ليبتز" قدِ اعتبر أنَّ الزمن هو نوعٌ من اللَّحظاتِ المتتابعةِ بدقَّةٍ رياضيَّة،أو هو عبارةٌ عن شعورٍ بوجداناتٍ وأحاسيس،إلَّا أنَّ أحاسيس الإنسان متبدِّلةٌ ومتقلِّبة، وهي تحدث بدون انتظامٍ،إذ ليس لها إيقاعها المستوي تماماً.
وعلى هذا فالزمنُ مفهومٌ عقليٌّ محضٌ بل هو مفهومٌ فلسفيٌّ رياضيٍّ مجرَّدُ، ككلِّ المفاهيمِ العامَّةِ الكليَّةِ الشاملة، والمفاهيم الرياضيَّة الكميَّة الرمزيَّة، مثل مفهوم الحرِّيَّة والعدالة والكرامة والحب،أوكمصطلح الدائرة والعدد والمستقيم والنقطة والمثلث والتابع والمتغير وغيرها.
لكنْ كيف تمَّ التصوُّر العقليُّ لمفهوم الزمن هذا..؟!!
لاشكَّ أنَّ فكرةَ الزمنِ المجرَّدةِ هي فكرةٌ مستمَدةٌ من واقع الحياة والتجارب الحيَّة،حيث استدلَّ عليها العقل من خلال الوقت أو المدَّة التي تأخذها الحركة، أو من الوقت الذي يمضي على تغيُّر المادَّة،إذ لاشيءَ ثابتٌ وكلُّ شيءٍ في الحياة متحوِّلٌ ومتبدِّلٌ كما قال "هيرقليطس".
فالكون كلُّه في حركةٍ،حتى أنَّ الذرَّةَ التي لاتُرى بالعين المجرَّدة هي متحركةٌ، وكُلُّ مافي داخلها متحركٌ أيضاً، إذ تدور حول نُواتِها إلكتروناتٌ وبروتوناتٌ ونترونات .
وكذلك المجرَّاتُ الكونيَّةُ العملاقة تتحرَّك وتدور، وكلُّ الكواكب في مجموعتنا الشمسيَّة كرويَّةٌ وتدور حول الشمس بما فيها كوكبُ الأرضِ يدور؛ وينجمُ عن دورانه حول مركزه تناوبُ الليلِ والنهارِ، وتحويلٌ الظلِّ خلال النهار..الخ،
كما ينتج عن مدار الارض حول الشمس تعاقب الفصول كما هو معلوم.
وهكذا نجد أنَّ كلَّ شيءٍ في الطبيعة هو في حركةٍ لاتتوقف وكلَّ شيءٍ يطرأُ عليه التغيُّر إنْ عاجلاً أو آجلاً .
ولمّا كانتِ المادَّةُ تتغيَّرُ كيفيَّتُها بفعل الحرارةِ والبرودة،وتتحوَّل من سائلٍ إلى غازٍ أوصلابٍ،كان الزمن هو تلك المدَّةُ االمقترِنةُ بهذه المتغيراتِ المتواصلة؛ لِمَا كانت عليه في الماضي القريبِ أو البعيدِ وماآلتْ عليه؛ أو من وقتٍ لآخَر .
فكما هو معلومٌ أنَّ دورةَ الأرض حول الشمس تستغرق سنةً اصطلاحاً، ودورتها حول نفسها تأخذ يوماًواحداً، والقمر تكتمل دورته حول الأرض في شهرٍ كاملٍ،وهكذا جرى تقسيم الزمن اتفاقاً واصطلاحاً حسب دوران الأرض أو القمر أو الكواكب، فقُسِّمَتِ السنةُ إلى أشهرٍ ؛والشهر إلى أسابيعَ وأيامٍ؛ واليومُ إلى ساعاتٍ ..الخ
وكلُّ هذا أمرٌ نسبيٌّ فلو أنَّنا كنَّا نعيش على كوكبٍ آخَر لاختلفتْ نِسبُ الزمانِ عندنا.
وإذا نظرنا إلى الزمن من ناحيةٍ فيزيائيَّةٍ رياضيَّةٍ لوجدناه عبارةً عن مسألةٍ حسابيَّةٍ ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالسرعة والمسافة .
ولعلَّ الذاكرة والتاريخ هما أهمُّ السجلَّات التوثيقيَّة للحوادث الماديَّةِوالإنسانيَّةِ التي تجري في حياة البشريَّة على مَرِّ الأيام بل والسنين.
أمَّا عن إحساسِنا بالزمن فقد يختلف باختلافِ حالاتنا النفسيَّة الوجدانيَّة، إذ نجده في لَحَظاتِ الفرح التي ننشد المتعةَ فيها قصيراً لأنَّنا لانرغب بانقضاء الوقتِ السعيد، لكنَّنا في حالات الانتظار أو حالات الحزن فنُحسُّه ثقيلاً وطويلا.
وأخيراً فلا يوجد تعريفٌ جامعٌ مانعٌ للزمان لأنَّ الزمان مرتبطٌ دائماً بالمادَّة وبالحركةِ والموقعِ ولاينفصل عن ِالمكانِ، فما نقيسه بالساعاتِ على كوكبِنا كوكبِ الأرض قد يستغرقُ لحظاتٍ أو شهوراً على سطح كوكبٍ غيرِه.