مئة عام من السينما التونسية مسار تصاعدي رغم العوائق
المخرجون التونسيون جربوا كل الأنماط ليصلوا إلى بصمة تونسية خاصة.
السبت 2022/12/31
انشرWhatsAppTwitterFacebook
السينما تطورت لكن التحديات كثيرة
حققت السينما التونسية خطوات هامة عربيا ودوليا خلال السنوات القليلة الماضية، ولكن تاريخ السينما في تونس ليس جديدا بل يعود إلى قرن كامل أي منذ عشرينات القرن العشرين، وفي ديسمبر من هذا العام احتفلت تونس بمرور مئة عام على ولادة السينما وانتهاجها مسارا تصاعديا أفرز بصمة خاصة وتجارب فريدة عربيا وعالميا. “العرب” تنجز ملفا حول السينما التونسية من نشأتها وأبرز قضاياها.
مئة عام من السينما في تونس، قرن من الزمن منذ أطلق الفوتوغرافي التونسي، الذي افتتن بالسينما الفرنسية، ألبير شمامة شكلي أول الأفلام التونسية سنة 1922 بعنوان “زهرة” تلاه فيلمه “عين الغزال”، لكن ورغم البدايات المبكرة والمحاولات هنا وهناك لم يتبلور ما يمكن اعتباره سينما تونسية، إذ بقيت أغلب الأعمال المصورة في تونس بنظرة استشراقية أو استعمارية أو بأعين بعض المعجبين بمعمار تونس أو طبيعتها، لكن السينما لم تتركز فنا تونسيا إلا في فترة لاحقة ما بعد الاستقلال وتحديدا مع بداية ستينات القرن العشرين.
كان لمنابر تعنى بالسينما الدور الكبير في انطلاقة السينما التونسية في الستينات، ونذكر بشكل خاص مجلة “نوادي السينما” التي صدر عددها الأوّل سنة 1958 وكان يرأس تحريرها الطاهر شريعة، وهو مؤسس أهم وأعرق مهرجان سينمائي لا على المستوى التونسي فحسب بل وأفريقيا وعربيا، هو أيام قرطاج السينمائية التي تأسست سنة 1966.
مسار تصاعدي
بدأت بوادر الحراك السينمائي التونسي وتشكيل وعي وذائقة وخصوصية جمالية وفكرية تتنصل تدريجيا من السينما الفرنسية الرائدة عالميا، مع انطلاقة أيام قرطاج السينمائية، وانطلاق ما يعرف بنوادي السينما، وهي تجربة هامة في مختلف البلدان العربية، ومن ثم تأسيس الجامعة التونسية لنوادي السينما والجامعة التونسية للسينمائيين الهواة، اللتين كان لهما فضل كبير في صقل العديد من المواهب.
إذن من منبر إعلامي إلى مهرجان دولي إلى نواد عرفت تونس بعد الستينات حركية سينمائية هامة، وظهر معها ما يمكن اعتباره بوادر الحركة السينمائية الحقيقية في تونس، فظهر للمخرج عمار الخليفي فيلماه “الفجر” (1966) و”المتمرد” (1968)، ودارت عجلة الإنتاج لتقدم العديد من الأعمال على غرار أفلام “مختار” (1968) للصادق بن عائشة و”خليفة الأقرع” لحمودة بن حليمه سنة 1969 و”أم عباس” لعلي عبدالوهاب في نفس العام، وتواصل الإنتاج في العقدين اللاحقين بوتيرة متسارعة شهدت خلالها السينما التونسية نضجا هاما، وافترقت جزئيا عن المدرسة الفرنسية، وانفتحت على مدارس جديدة مثل الإيطالية والروسية والأميركية، وتناولت مواضيع عديدة، وقدمت حتى أعمالا في الكوميديا وأعمالا اجتماعية جريئة.
موجة لاحقة من السينمائيين المؤسسين مثل رضا الباهي وسلمى بكار ومفيدة التلاتلي وناصر خمير وفريد بوغدير والنوري بوزيد وخالد البرصاوي وغيرهم رسخوا السينما التونسية أكثر في عمق بيئتها، واجترحوا شاعرية جديدة مختلفة للسينما التونسية، إذ بات من الممكن مع هؤلاء أن نتحدث عن سينما تونسية لها بصمتها الخاصة ومعالجتها التي تقتحم مواضيعها بجرأة وقوة.
لم يدخل السينمائيون التونسيون في عالم السينما التجارية، بل خيروا اتجاهات أخرى، حاولوا نحت قصصهم فكانت سينما المؤلف المهيمنة على الأعمال المقدمة، وطرحت أفلاما لافتة، بينما اختارت أخرى الذهاب عميقا في مساءلة تاريخ الاستعمار، وأخرى حاولت أن تنير المناطق المهمشة من مدينة تونس وحياتها الاجتماعية وبيئة القاع، وذهبت في جرأتها إلى حد كشف الواقع من خلال الخيال الجريء بدقة عالية وشجاعة كبيرة، وربما يعود ذلك إلى نخبوية السينما، على غرار فيلم “عصفور سطح” الذي راج عالميا باشتغاله على جزئيات المدينة التونسية العتيقة ومغامرات شاب مراهق وحياة ناسها وعلاقاتهم الحميمة.
أفلام أخرى انتهجت مسارا تجريبيا آخر قدمها مخرجون مسرحيون على غرار “عرب” للفاضل الجزيري وفاضل الجعايبي، وتلاه في وقت لاحق “جنون” للجعايبي.
تنوعت السينما التونسية وليس صحيحا نعتها بأنها تكتفي بنمط واحد، هو سينما المؤلف الغارق في تهويماته الذاتية، ومن الخطأ أيضا حصرها في الإثارة الفارغة والإغراء، إذ سارت السينما التونسية بتوازن وجرّب مخرجوها في عدة نواح، وأثاروا موضوعات غاية في الجرأة والكشف والتأثير، عالجوا قضايا المرأة وقضايا الواقع السياسي والهجرة وقضايا الإنسان التونسي في علاقته مع ذاته وعالمه، من أقاصي القرى إلى أزقة المدينة المتخمة بالحكايات والفضائح والإشاعات والخيالات، ولكن كل ذلك كان في أغلبه بطرق رمزية نظرا إلى الوضع السياسي وقبضة السلطة في عهد نظامي الرئيسين الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي.
صحيح أن نظام بن علي استعمل السينما في تمرير بعض أفكاره، وكان الدعم للأفلام مربوطا بشروط فيها ما هو سياسي مقنع، لكن لا ننكر أن الدولة ساهمت في دعم الحركية السينمائية من خلال تطوير المهرجانات على غرار أيام قرطاج ومهرجان السينمائيين الهواة في قليبية الذي خلق حركية بالغة الأثر إلى اليوم ومازال مستمرا.
ما بعد الثورة ظهرت موجة جديدة من الأفلام السينمائية ومعها موجة جديدة من السينمائيين الشباب أو غير المكرسين، تجاوزت الأفلام المنتجة بعد 2011 الرمزية التي كان ينتهجها السينمائيون في ظل التضييق على الحريات في عهد النظام السابق، وطرحت الواقع بجرأة أكبر، ولكن أغلبها في السنوات الأولى التالية للثورة سقط في الانفعالية على غرار “لا خوف بعد اليوم” لمراد بن الشيخ أو فيلم “ما نموتش” للنوري بوزيد وغيرهما من الأعمال.
وللمفارقة كانت السينما والسينمائيون أبرز من تعرضوا لهجومات الإخوان المسلمين والحركات الإسلامية المتطرفة، التي انتشرت في تونس وحاولت إحكام سيطرتها عليها بعد الثورة، لكن السينمائيين واصلوا نحت التجارب لتظهر أفلام لاحقة أعتبرها تتويجا لمسار طويل للسينما التونسية، أفلام لها بصمة خاصة، مشغولة بدقة وخيال ومرجعية ثقافية، ومنتجة بشراكات دولية متجاوزة دعم الدولة ومهمة في توزيع الأفلام، ما ساهم في ظهور السينما التونسية على منصات عالمية ونيلها تتويجات هامة من برلين إلى كان إلى البندقية إلى مالمو إلى الأوسكار.
حلول ممكنة
◙ شعرية خاصة ميزت السينمائيين التونسيين (فيلم "عرائس الطين")
ولعل أبرز الأحداث وصول الفيلم التونسي “الرجل الذي باع ظهره” لكوثر بن هنية إلى القائمة القصيرة لجائزة الأوسكار، أو النجاحات التي حققتها أفلام مثل “بيك نعيش” أو “في عينيا”، أفلام تنبئ بتوجهات جديدة لجيل مختلف من السينمائيين التونسيين الذين نجحوا في تحويل الواقع التونسي إلى مادة فنية فريدة.
استقطبت تونس السينمائيين العالميين للتصوير على أراضيها، منذ تصوير الأخوين لوميار لمشاهد حية لأنهج تونس العاصمة عام 1896، وصولا إلى أفلام عالمية مثل “حرب النجوم” و”البحث عن الكنز المفقود” و”المريض الإنجليزي”، لكن تراجع الإقبال على الفضاءات التونسية وخاصة الصحراوية في ظل منافسة قوية من بلدان أخرى مثل المغرب والأردن ولاحقا دول الخليج.
ومن ثم لم تقم السلطات بتطوير المجال القانوني لاستقطاب السينما العالمية للتصوير في تونس، رغم توفر الكادر المهني المحلي بشكل جيد، لكن لم يتم تفعيل الدبلوماسية الثقافية لمواصلة اجتذاب المخرجين العالميين.
من ناحية أخرى تواجه السينما التونسية وهي في عمر المئة عام إشكاليات التمويل الحكومي التي لم تعد مناسبة في ظل سيطرة أسماء بعينها عليها من جهة، ومن جهة أخرى عدم إيلاء السينما الدور الهام اقتصاديا وتنمويا كصناعة أيضا بالتوازي مع أهميتها الفنية.
كما أن الأفلام التونسية لطالما عانت من سوء التوزيع بشكل فادح، وهو ما تجاوزه بعض المخرجين على غرار كوثر بن هنية من خلال الاعتماد على الشراكات الدولية مع مؤسسات مختلفة ما يضمن الترويج للفيلم على أكثر من جهة وبالتالي ضمان توزيعه، وهو ما يمكن العمل أكثر على تطويره للخروج نسبيا عن دعم الدولة المنهكة اقتصاديا.
في تونس تراجعت قاعات السينما وخاصة في المدن المتاخمة أو في الجهات حيث غابت تماما، وهو ما يدعو إلى إعادة التفكير في تنشيط الحركية السينمائية وفتح القاعات والتشجيع على الاستثمار في اقطاع السينمائي سواء في العرض أو الإنتاج، وهو ما من شأنه خلق حركية أوسع.
◙ للمفارقة كانت السينما والسينمائيون في تونس أبرز من تعرضوا لهجومات الإخوان المسلمين والحركات الإسلامية المتطرفة بعد الثورة
انشرWhatsAppTwitterFacebook
محمد ناصر المولهي
كاتب تونسي
المخرجون التونسيون جربوا كل الأنماط ليصلوا إلى بصمة تونسية خاصة.
السبت 2022/12/31
انشرWhatsAppTwitterFacebook
السينما تطورت لكن التحديات كثيرة
حققت السينما التونسية خطوات هامة عربيا ودوليا خلال السنوات القليلة الماضية، ولكن تاريخ السينما في تونس ليس جديدا بل يعود إلى قرن كامل أي منذ عشرينات القرن العشرين، وفي ديسمبر من هذا العام احتفلت تونس بمرور مئة عام على ولادة السينما وانتهاجها مسارا تصاعديا أفرز بصمة خاصة وتجارب فريدة عربيا وعالميا. “العرب” تنجز ملفا حول السينما التونسية من نشأتها وأبرز قضاياها.
مئة عام من السينما في تونس، قرن من الزمن منذ أطلق الفوتوغرافي التونسي، الذي افتتن بالسينما الفرنسية، ألبير شمامة شكلي أول الأفلام التونسية سنة 1922 بعنوان “زهرة” تلاه فيلمه “عين الغزال”، لكن ورغم البدايات المبكرة والمحاولات هنا وهناك لم يتبلور ما يمكن اعتباره سينما تونسية، إذ بقيت أغلب الأعمال المصورة في تونس بنظرة استشراقية أو استعمارية أو بأعين بعض المعجبين بمعمار تونس أو طبيعتها، لكن السينما لم تتركز فنا تونسيا إلا في فترة لاحقة ما بعد الاستقلال وتحديدا مع بداية ستينات القرن العشرين.
كان لمنابر تعنى بالسينما الدور الكبير في انطلاقة السينما التونسية في الستينات، ونذكر بشكل خاص مجلة “نوادي السينما” التي صدر عددها الأوّل سنة 1958 وكان يرأس تحريرها الطاهر شريعة، وهو مؤسس أهم وأعرق مهرجان سينمائي لا على المستوى التونسي فحسب بل وأفريقيا وعربيا، هو أيام قرطاج السينمائية التي تأسست سنة 1966.
مسار تصاعدي
بدأت بوادر الحراك السينمائي التونسي وتشكيل وعي وذائقة وخصوصية جمالية وفكرية تتنصل تدريجيا من السينما الفرنسية الرائدة عالميا، مع انطلاقة أيام قرطاج السينمائية، وانطلاق ما يعرف بنوادي السينما، وهي تجربة هامة في مختلف البلدان العربية، ومن ثم تأسيس الجامعة التونسية لنوادي السينما والجامعة التونسية للسينمائيين الهواة، اللتين كان لهما فضل كبير في صقل العديد من المواهب.
إذن من منبر إعلامي إلى مهرجان دولي إلى نواد عرفت تونس بعد الستينات حركية سينمائية هامة، وظهر معها ما يمكن اعتباره بوادر الحركة السينمائية الحقيقية في تونس، فظهر للمخرج عمار الخليفي فيلماه “الفجر” (1966) و”المتمرد” (1968)، ودارت عجلة الإنتاج لتقدم العديد من الأعمال على غرار أفلام “مختار” (1968) للصادق بن عائشة و”خليفة الأقرع” لحمودة بن حليمه سنة 1969 و”أم عباس” لعلي عبدالوهاب في نفس العام، وتواصل الإنتاج في العقدين اللاحقين بوتيرة متسارعة شهدت خلالها السينما التونسية نضجا هاما، وافترقت جزئيا عن المدرسة الفرنسية، وانفتحت على مدارس جديدة مثل الإيطالية والروسية والأميركية، وتناولت مواضيع عديدة، وقدمت حتى أعمالا في الكوميديا وأعمالا اجتماعية جريئة.
موجة لاحقة من السينمائيين المؤسسين مثل رضا الباهي وسلمى بكار ومفيدة التلاتلي وناصر خمير وفريد بوغدير والنوري بوزيد وخالد البرصاوي وغيرهم رسخوا السينما التونسية أكثر في عمق بيئتها، واجترحوا شاعرية جديدة مختلفة للسينما التونسية، إذ بات من الممكن مع هؤلاء أن نتحدث عن سينما تونسية لها بصمتها الخاصة ومعالجتها التي تقتحم مواضيعها بجرأة وقوة.
لم يدخل السينمائيون التونسيون في عالم السينما التجارية، بل خيروا اتجاهات أخرى، حاولوا نحت قصصهم فكانت سينما المؤلف المهيمنة على الأعمال المقدمة، وطرحت أفلاما لافتة، بينما اختارت أخرى الذهاب عميقا في مساءلة تاريخ الاستعمار، وأخرى حاولت أن تنير المناطق المهمشة من مدينة تونس وحياتها الاجتماعية وبيئة القاع، وذهبت في جرأتها إلى حد كشف الواقع من خلال الخيال الجريء بدقة عالية وشجاعة كبيرة، وربما يعود ذلك إلى نخبوية السينما، على غرار فيلم “عصفور سطح” الذي راج عالميا باشتغاله على جزئيات المدينة التونسية العتيقة ومغامرات شاب مراهق وحياة ناسها وعلاقاتهم الحميمة.
أفلام أخرى انتهجت مسارا تجريبيا آخر قدمها مخرجون مسرحيون على غرار “عرب” للفاضل الجزيري وفاضل الجعايبي، وتلاه في وقت لاحق “جنون” للجعايبي.
تنوعت السينما التونسية وليس صحيحا نعتها بأنها تكتفي بنمط واحد، هو سينما المؤلف الغارق في تهويماته الذاتية، ومن الخطأ أيضا حصرها في الإثارة الفارغة والإغراء، إذ سارت السينما التونسية بتوازن وجرّب مخرجوها في عدة نواح، وأثاروا موضوعات غاية في الجرأة والكشف والتأثير، عالجوا قضايا المرأة وقضايا الواقع السياسي والهجرة وقضايا الإنسان التونسي في علاقته مع ذاته وعالمه، من أقاصي القرى إلى أزقة المدينة المتخمة بالحكايات والفضائح والإشاعات والخيالات، ولكن كل ذلك كان في أغلبه بطرق رمزية نظرا إلى الوضع السياسي وقبضة السلطة في عهد نظامي الرئيسين الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي.
الأفلام التونسية المميزة في السنوات الأخيرة تتويج لمسار طويل ولها بصمة خاصة مشغولة بدقة وخيال ومرجعية ثقافية
صحيح أن نظام بن علي استعمل السينما في تمرير بعض أفكاره، وكان الدعم للأفلام مربوطا بشروط فيها ما هو سياسي مقنع، لكن لا ننكر أن الدولة ساهمت في دعم الحركية السينمائية من خلال تطوير المهرجانات على غرار أيام قرطاج ومهرجان السينمائيين الهواة في قليبية الذي خلق حركية بالغة الأثر إلى اليوم ومازال مستمرا.
ما بعد الثورة ظهرت موجة جديدة من الأفلام السينمائية ومعها موجة جديدة من السينمائيين الشباب أو غير المكرسين، تجاوزت الأفلام المنتجة بعد 2011 الرمزية التي كان ينتهجها السينمائيون في ظل التضييق على الحريات في عهد النظام السابق، وطرحت الواقع بجرأة أكبر، ولكن أغلبها في السنوات الأولى التالية للثورة سقط في الانفعالية على غرار “لا خوف بعد اليوم” لمراد بن الشيخ أو فيلم “ما نموتش” للنوري بوزيد وغيرهما من الأعمال.
وللمفارقة كانت السينما والسينمائيون أبرز من تعرضوا لهجومات الإخوان المسلمين والحركات الإسلامية المتطرفة، التي انتشرت في تونس وحاولت إحكام سيطرتها عليها بعد الثورة، لكن السينمائيين واصلوا نحت التجارب لتظهر أفلام لاحقة أعتبرها تتويجا لمسار طويل للسينما التونسية، أفلام لها بصمة خاصة، مشغولة بدقة وخيال ومرجعية ثقافية، ومنتجة بشراكات دولية متجاوزة دعم الدولة ومهمة في توزيع الأفلام، ما ساهم في ظهور السينما التونسية على منصات عالمية ونيلها تتويجات هامة من برلين إلى كان إلى البندقية إلى مالمو إلى الأوسكار.
حلول ممكنة
◙ شعرية خاصة ميزت السينمائيين التونسيين (فيلم "عرائس الطين")
ولعل أبرز الأحداث وصول الفيلم التونسي “الرجل الذي باع ظهره” لكوثر بن هنية إلى القائمة القصيرة لجائزة الأوسكار، أو النجاحات التي حققتها أفلام مثل “بيك نعيش” أو “في عينيا”، أفلام تنبئ بتوجهات جديدة لجيل مختلف من السينمائيين التونسيين الذين نجحوا في تحويل الواقع التونسي إلى مادة فنية فريدة.
استقطبت تونس السينمائيين العالميين للتصوير على أراضيها، منذ تصوير الأخوين لوميار لمشاهد حية لأنهج تونس العاصمة عام 1896، وصولا إلى أفلام عالمية مثل “حرب النجوم” و”البحث عن الكنز المفقود” و”المريض الإنجليزي”، لكن تراجع الإقبال على الفضاءات التونسية وخاصة الصحراوية في ظل منافسة قوية من بلدان أخرى مثل المغرب والأردن ولاحقا دول الخليج.
ومن ثم لم تقم السلطات بتطوير المجال القانوني لاستقطاب السينما العالمية للتصوير في تونس، رغم توفر الكادر المهني المحلي بشكل جيد، لكن لم يتم تفعيل الدبلوماسية الثقافية لمواصلة اجتذاب المخرجين العالميين.
من ناحية أخرى تواجه السينما التونسية وهي في عمر المئة عام إشكاليات التمويل الحكومي التي لم تعد مناسبة في ظل سيطرة أسماء بعينها عليها من جهة، ومن جهة أخرى عدم إيلاء السينما الدور الهام اقتصاديا وتنمويا كصناعة أيضا بالتوازي مع أهميتها الفنية.
كما أن الأفلام التونسية لطالما عانت من سوء التوزيع بشكل فادح، وهو ما تجاوزه بعض المخرجين على غرار كوثر بن هنية من خلال الاعتماد على الشراكات الدولية مع مؤسسات مختلفة ما يضمن الترويج للفيلم على أكثر من جهة وبالتالي ضمان توزيعه، وهو ما يمكن العمل أكثر على تطويره للخروج نسبيا عن دعم الدولة المنهكة اقتصاديا.
في تونس تراجعت قاعات السينما وخاصة في المدن المتاخمة أو في الجهات حيث غابت تماما، وهو ما يدعو إلى إعادة التفكير في تنشيط الحركية السينمائية وفتح القاعات والتشجيع على الاستثمار في اقطاع السينمائي سواء في العرض أو الإنتاج، وهو ما من شأنه خلق حركية أوسع.
◙ للمفارقة كانت السينما والسينمائيون في تونس أبرز من تعرضوا لهجومات الإخوان المسلمين والحركات الإسلامية المتطرفة بعد الثورة
انشرWhatsAppTwitterFacebook
محمد ناصر المولهي
كاتب تونسي