فيلم خيال علمي ينعى الطبيعة والحياة والبشر
"فينتش".. توم هانكس وكلب وروبوت هم الباقون بعد فناء الأرض.
الاثنين 2021/11/15
ثلاثي معزول وسط عالم ديستوبي
تبدو الصورة القاتمة للعالم من جراء الاحتباس الحراري والانفجارات الشمسية المحتملة وتقلبات الطبيعة والإشعاعات المدمّرة هي الصورة الأكثر تداولا لدى العديد من الأوساط في ظل سيناريو يطال الوجود البشري ملحقا أضرارا لا يمكن تصوّرها. وبالتالي لن يبقى هناك سوى الناجين من الكارثة والذين تعنى سينما الخيال العلمي بشكل خاص بالكيفية التي سوف يواجهون بها تلك التحوّلات الكارثية في سياق الصراع من أجل البقاء.
يُعالج فيلم “فينتش” للمخرج البريطاني ميغويل سابوشنيك الإشكالية المركّبة للديستوبيا الأرضية ومرحلة ما يعرف بـ”أبوكاليبس”، حيث الوجود البشري قد انقرض تقريبا، ولم يبق هناك سوى مهندس البرمجيات فينتش (الممثل توم هانكس) مصحوبا بكلبه والروبوت الذي قام بتصنيعه وتدريبه وتلقينه لكي يستطيع العناية بالكلب بعد رحيله.
والمخرج سابوشنيك يقدّم هذا الفيلم من إنتاجات الشركة العملاقة “آبل” وبمشاركة منتجين آخرين، وهو فيلمه الثاني بعدما كرّس مسيرته في المسلسلات التلفزيونية، وقد أخرج العديد منها وتميّز في ذلك، وخاصة بانضمامه إلى فريق إخراج المسلسل ذائع الصيت “لعبة العروش”، حيث أخرج عدة أجزاء منه.
الفيلم يُعالج الإشكالية المركّبة للديستوبيا الأرضية ومرحلة ما بعد أبوكاليبس حيث الوجود البشري قد انقرض تقريبا
الوجود المهدّد للكائن البشري يحيلنا إلى نوع من نعي الطبيعة والحياة والناس، البيئة مقفرة ولم يبق من حياة البشر إلاّ آثارهم، طرقات محطمة تتناثر عليها سيارات يغمرها التراب ودكاكين ومدارس ومطاعم ومكاتب وغيرها، كلها مهجورة دون أن يفصح الممثل الرئيسي توم هانكس عمّا جرى ويجري، ولماذا آلت الأمور إلى ما آلت إليه؟ إذ يكتفي فينتش بالقول “إنها قصة طويلة”.
على أن مجرّد تكرار الإنذارات والتحذيرات التي تصل إلى فينتش من أجهزة إلكترونية متطوّرة حول ارتفاع نسبة الإشعاع والسموم في مقابل ارتفاع درجة الحرارة إلى ما يقارب سبعين درجة مئوية، كل ذلك يساعد المشاهد في تكوين صورة واقعية عن فداحة الكارثة، أي أن الإشعاعات كانت تستدعي أن يلبس فينتش بدلة خاصة مثل بدلات الفضاء ومربوطة بجهاز تنفّس اصطناعي إلى درجة أنه لا يستطيع الخروج إلى الفضاء الخارجي من دون تلك البدلة المتطوّرة التي تحفظ له حياته. ومع ذلك تتسرّب الإشعاعات الذرية الخطيرة إلى جسد فينتش فتبدأ الفتك به حتى يشعر في آخر المطاف أن نهايته قريبة وأن لا سبيل أمامه للنجاة.
والحاصل أننا وطيلة هذا الزمن الفيلمي، نجد أنفسنا أمام شخصية واحدة، هذا إذا أضفنا وجود الروبوت والكلب، واقعيا إن هذه الشخصية هي التي تحاول أن تثبت لنا حقيقة ما يجري وكيف سوف تكافح من أجل إنقاذ نفسها وإنقاذ الكلب والروبوت، وها هو فينتش يطوّر أيضا عربة كبيرة يستطيع النوم فيها، فيما يدرّب الروبوت على قيادة العربة، بينما هو نائم بسبب الإعياء.
ما يلي ذلك هي حوارات متواصلة ما بين فينتش والروبوت الذي تم تلقينه كما هائلا من المعلومات حتى اقترب من الطبيعة البشرية، بينما هو كومة من الحديد والأسلاك، ولهذا تبدو ردود أفعال الروبوت مبالغا فيها، لكنه سدّ الفراغ الذي تحتاج الشخصية الرئيسية أن تملأه بالبشر، لاسيما وأن هناك الكثير من المعلومات المفقودة عن فينتش نفسه وماضيه وأسرته وما إلى ذلك، ويبدو وكأنه إنسان تائه في وسط تلك المعمعة، ولربما فقد ذاكرته الماضوية وصار منشغلا بالحياة اليومية، لاسيما وأنه يحصي الأيام والساعات المتبقية له في الحياة قبل رحيله.
رجل بلا ماض يصارع من أجل البقاء
على الصعيد المكاني ينجح المخرج بشكل ملحوظ في تقريبنا من الأجواء الديستوبية من خلال اختيار العديد من الأماكن التي ضربتها الكارثة وأبقتها أثرا بعد عين، ويتجلى ذلك في مشاهد دخول فينتش والروبوت إلى أحد المجمعات التسويقية الضخمة والذي صار مهجورا منذ زمن، وحيث الإشعاعات تطارد الجميع، لاسيما وأن فينتش يجد نفسه فجأة وهو يسابق العاصفة التي تقترب وبصعوبة يصل إلى المخبأ لكي يحمي نفسه وكلبه.
ولا شك أن دراما الشخصية الواحدة في السينما هي من التحديات المربكة بالنسبة إلى المخرج الذي لا يجد بديلا عن فقدان الشخصية لانتمائها، ولهذا فإن هناك الكثير ممّا يجب أن تقوم به الشخصية متعكّزة على الحوار، لكن في هذا الفيلم سعى المخرج لكسر هذا الجمود الذي يستند إلى الحوار المجرّد، ولهذا لجأ إلى الارتقاء بالشخصية الروبوتية لكي تكون ندا للشخصية الرئيسة وتتكامل معها، بل إن المخرج أعطاها مهامّ تقترب من البشر، وصولا إلى سعيها لاختيار ارتداء نوع معيّن من الملابس، فضلا عن معرفته قواعد السياقة والمسافات بين المدن.
ويمنح المخرج فيلمه نهاية مزدوجة، فهي نهاية حزينة وسعيدة في آن معا، فالنهاية الحزينة تكمن في احتضار فينتش ومن ثم موته وقيام الروبوت بإحراقه، وأما النهاية السعيدة فتكمن في بصيص الأمل بظهور الشمس للمرة الأولى ووجود حياة في الأراضي التي وصلوا إليها وقد دلّت عليها فراشة تحطّ على يد فينتش ثم تحلّق بعيدا.
نقديا، تراوحت آراء النقاد في المواقع والصحف الغربية ما بين تقييم الفيلم في حدود المتوسط، بينما كانت الجدارة قد أُضيفت لصالح توم هانكس ليُضيف هذا الفيلم إلى رصيده من الأفلام وللجمهور الذي يعجبه أداؤه.
طاهر علوان
كاتب عراقي مقيم في لندن
"فينتش".. توم هانكس وكلب وروبوت هم الباقون بعد فناء الأرض.
الاثنين 2021/11/15
ثلاثي معزول وسط عالم ديستوبي
تبدو الصورة القاتمة للعالم من جراء الاحتباس الحراري والانفجارات الشمسية المحتملة وتقلبات الطبيعة والإشعاعات المدمّرة هي الصورة الأكثر تداولا لدى العديد من الأوساط في ظل سيناريو يطال الوجود البشري ملحقا أضرارا لا يمكن تصوّرها. وبالتالي لن يبقى هناك سوى الناجين من الكارثة والذين تعنى سينما الخيال العلمي بشكل خاص بالكيفية التي سوف يواجهون بها تلك التحوّلات الكارثية في سياق الصراع من أجل البقاء.
يُعالج فيلم “فينتش” للمخرج البريطاني ميغويل سابوشنيك الإشكالية المركّبة للديستوبيا الأرضية ومرحلة ما يعرف بـ”أبوكاليبس”، حيث الوجود البشري قد انقرض تقريبا، ولم يبق هناك سوى مهندس البرمجيات فينتش (الممثل توم هانكس) مصحوبا بكلبه والروبوت الذي قام بتصنيعه وتدريبه وتلقينه لكي يستطيع العناية بالكلب بعد رحيله.
والمخرج سابوشنيك يقدّم هذا الفيلم من إنتاجات الشركة العملاقة “آبل” وبمشاركة منتجين آخرين، وهو فيلمه الثاني بعدما كرّس مسيرته في المسلسلات التلفزيونية، وقد أخرج العديد منها وتميّز في ذلك، وخاصة بانضمامه إلى فريق إخراج المسلسل ذائع الصيت “لعبة العروش”، حيث أخرج عدة أجزاء منه.
الفيلم يُعالج الإشكالية المركّبة للديستوبيا الأرضية ومرحلة ما بعد أبوكاليبس حيث الوجود البشري قد انقرض تقريبا
الوجود المهدّد للكائن البشري يحيلنا إلى نوع من نعي الطبيعة والحياة والناس، البيئة مقفرة ولم يبق من حياة البشر إلاّ آثارهم، طرقات محطمة تتناثر عليها سيارات يغمرها التراب ودكاكين ومدارس ومطاعم ومكاتب وغيرها، كلها مهجورة دون أن يفصح الممثل الرئيسي توم هانكس عمّا جرى ويجري، ولماذا آلت الأمور إلى ما آلت إليه؟ إذ يكتفي فينتش بالقول “إنها قصة طويلة”.
على أن مجرّد تكرار الإنذارات والتحذيرات التي تصل إلى فينتش من أجهزة إلكترونية متطوّرة حول ارتفاع نسبة الإشعاع والسموم في مقابل ارتفاع درجة الحرارة إلى ما يقارب سبعين درجة مئوية، كل ذلك يساعد المشاهد في تكوين صورة واقعية عن فداحة الكارثة، أي أن الإشعاعات كانت تستدعي أن يلبس فينتش بدلة خاصة مثل بدلات الفضاء ومربوطة بجهاز تنفّس اصطناعي إلى درجة أنه لا يستطيع الخروج إلى الفضاء الخارجي من دون تلك البدلة المتطوّرة التي تحفظ له حياته. ومع ذلك تتسرّب الإشعاعات الذرية الخطيرة إلى جسد فينتش فتبدأ الفتك به حتى يشعر في آخر المطاف أن نهايته قريبة وأن لا سبيل أمامه للنجاة.
والحاصل أننا وطيلة هذا الزمن الفيلمي، نجد أنفسنا أمام شخصية واحدة، هذا إذا أضفنا وجود الروبوت والكلب، واقعيا إن هذه الشخصية هي التي تحاول أن تثبت لنا حقيقة ما يجري وكيف سوف تكافح من أجل إنقاذ نفسها وإنقاذ الكلب والروبوت، وها هو فينتش يطوّر أيضا عربة كبيرة يستطيع النوم فيها، فيما يدرّب الروبوت على قيادة العربة، بينما هو نائم بسبب الإعياء.
ما يلي ذلك هي حوارات متواصلة ما بين فينتش والروبوت الذي تم تلقينه كما هائلا من المعلومات حتى اقترب من الطبيعة البشرية، بينما هو كومة من الحديد والأسلاك، ولهذا تبدو ردود أفعال الروبوت مبالغا فيها، لكنه سدّ الفراغ الذي تحتاج الشخصية الرئيسية أن تملأه بالبشر، لاسيما وأن هناك الكثير من المعلومات المفقودة عن فينتش نفسه وماضيه وأسرته وما إلى ذلك، ويبدو وكأنه إنسان تائه في وسط تلك المعمعة، ولربما فقد ذاكرته الماضوية وصار منشغلا بالحياة اليومية، لاسيما وأنه يحصي الأيام والساعات المتبقية له في الحياة قبل رحيله.
رجل بلا ماض يصارع من أجل البقاء
على الصعيد المكاني ينجح المخرج بشكل ملحوظ في تقريبنا من الأجواء الديستوبية من خلال اختيار العديد من الأماكن التي ضربتها الكارثة وأبقتها أثرا بعد عين، ويتجلى ذلك في مشاهد دخول فينتش والروبوت إلى أحد المجمعات التسويقية الضخمة والذي صار مهجورا منذ زمن، وحيث الإشعاعات تطارد الجميع، لاسيما وأن فينتش يجد نفسه فجأة وهو يسابق العاصفة التي تقترب وبصعوبة يصل إلى المخبأ لكي يحمي نفسه وكلبه.
ولا شك أن دراما الشخصية الواحدة في السينما هي من التحديات المربكة بالنسبة إلى المخرج الذي لا يجد بديلا عن فقدان الشخصية لانتمائها، ولهذا فإن هناك الكثير ممّا يجب أن تقوم به الشخصية متعكّزة على الحوار، لكن في هذا الفيلم سعى المخرج لكسر هذا الجمود الذي يستند إلى الحوار المجرّد، ولهذا لجأ إلى الارتقاء بالشخصية الروبوتية لكي تكون ندا للشخصية الرئيسة وتتكامل معها، بل إن المخرج أعطاها مهامّ تقترب من البشر، وصولا إلى سعيها لاختيار ارتداء نوع معيّن من الملابس، فضلا عن معرفته قواعد السياقة والمسافات بين المدن.
ويمنح المخرج فيلمه نهاية مزدوجة، فهي نهاية حزينة وسعيدة في آن معا، فالنهاية الحزينة تكمن في احتضار فينتش ومن ثم موته وقيام الروبوت بإحراقه، وأما النهاية السعيدة فتكمن في بصيص الأمل بظهور الشمس للمرة الأولى ووجود حياة في الأراضي التي وصلوا إليها وقد دلّت عليها فراشة تحطّ على يد فينتش ثم تحلّق بعيدا.
نقديا، تراوحت آراء النقاد في المواقع والصحف الغربية ما بين تقييم الفيلم في حدود المتوسط، بينما كانت الجدارة قد أُضيفت لصالح توم هانكس ليُضيف هذا الفيلم إلى رصيده من الأفلام وللجمهور الذي يعجبه أداؤه.
طاهر علوان
كاتب عراقي مقيم في لندن