* فنُّ الحوار والتواصل* مقالة:سامي الحاج حسين.
* الحوار هو تداول وتبادل الآراء والخبرات والأفكار والتساؤلات والاقتراحات حول موضوعٍ معين؛ بين شخصين أو أكثر.
وهو وسيلةُ التواصلِ والتفاهمِ والتلاقحِ الفكريِّ والوفاقِ والسلام.
-وقد يكون الحوار بسيطاً أو مجرَّداً ومترابطاً،قصيراً أو مطوّلاً، عاديَّاً أو عَرَضيَّاً عابراً،أو يكون فكريَّاً جادَّاً لمعالجة قضيَّةٍ من القضايا أومشكلةٍ ٍاجتماعيَّةٍ،أو مسألة ثقافيَّة،ممَّا يتطلَّب تأمُّلاً وجهداً فكريَّاً،أو منطقاً متماسكاً،أو ربَّما جدلاً طويلاً، تُستعرَضُ فيه وجهات نظرٍ متباينة من قِبَلِ المتحاوِرين،حيث يتُمُّ تقليب الآراء المقترحةوتمحيصها ويُدَعِّمَ كلُّ طرفٍ منهم رأيه بحُجَجِ عقليَّة مقْنعة وتبريرات تخدم الرأي.
-وهذا مايميِّز الحوار عن النقاش العشوائي،أوعن الثرثرات والأفكار العفَويَّة المتداعية،والخطابة و المجاملة والملاطفة والتشجيع.
فالحوار الحقيقيُّ له هدفٌ بالوصول إلى نتائج واضحة،إذ يتمحور حول موضوعٍ بعينه،ويكون موجَّها عقليَّاً ومتسلسلاً،ومتولِّداً ومتفرِّعاً لإيضاح الإلتباسات الغامضة،والتعمُّق في صلب الموضوع االمثار.
* فهو تفكير مشترك بين طرفين أو بين مجموعةأفراد،يُشترط الانتباه التأمُّلي، والاهتمام المركَّز،وحسن الإصغاء، والتساؤل الواضح الموجز،والمداخلة الموضوعية والحياديَّة النزيهة.
-والتحاور الهادئ؛يحمل في طياته ضمناً الاحترام والقبول للآخر.
ويهدف إلى التطوُّر والتكامل الفكريِّ، والتوافق،وإزالة الشكوك، وتعزيز القناعات،والإفادة من الرأي الآخر، ويفضي إلى شرح وجهات النظر المختلفة؛ وتقريب المسافات بين الطرفين المتحاورَين .
-وهو ضروريٌّ لتحريض الذهن، والحض على التفكير سواء أكان الحوارُ حواراً بين أفرادٍ أو بين جماعاتٍ أو بين مجتمعات.
وقد يكون الحوار شبه المستمر ِّمفيداً بين الزوجين في شؤون الحياة،
و كذلك مع الأبناء،أو بين الأخوة وبين الأصدقاء والأقارب وزملاء العمل،مع الحفاظ على المودَّة وخصوصيُّة كلِّ منهم،وعدم المساس بتميُّز الآخَر،والابتعاد عن لكنة التهكم أو السخرية أو التجريح.
-لابأس أن نختلف أو نتفق، فليس من الضروري أن يتحوَّل الناس جميعاً إلى نسخ متجانسة عن بعضها بعضاً،كما يجب ألا نتحوَّل فجأةً إلى أعداء متخاصمينَ.
*فالحوار نوعٌ من التفاعل والتقارب والتطبُّع والتثاقف المؤدِّي إلى التوافق والتفاهم ونجاح الحياة المشتركة الخالية من التشنُّجات والتوتُّر، حيث يؤدِّي الحوار إلى التقليل من انفعالاتنا السلبيَّة.
-أمَّا وقد يكون الحوار مشبَعاً بشحناتٍ انفعاليَّة سلبيَّة؛ فإنَّه سيُوَلِّد صداماً في بداياته-على الأرجح-وقد يتصعَّد الاختلاف ليخرج عن إطاره الديمقراطي،فيتحوَّل إلى نزاعٍ أو صراعٍ وتحدٍ؛ وهذا يتوقف على طبيعة المواقف؛ وطبيعة كلٍّ من الأطراف المختلفة؛ وعلى مدى تعصُّب كلِّ طرف لأفكاره،سيَّما إذا كانا مختلفَين بالمنطلقات أو بالمذاهب التي لها صفة القدسيَّة.
فالحوار فنٌّ قد لايتقنُه المتعصِّبون والمتزمِّتون المتشدِّدون،حيث يحتاج إلى كثيرٍ من المرونة والحب والتسامح والانفتاح والتقبُّل والصبر .
-وقد تهدأ النفوس بالتدريج إذا كان أحد الطرفين متعقِّلاً وقادراً على الإقناع واستيعاب الآخر؛ وبالنهاية يستقيم الحوار ويتحقق الهدف منه،لضبط وتنظيم العلاقات الإنسانية الإيجابية واستمراريتها بنجاح،وقد يُستكمَل الحوار الكبير على عدَّة جلساتٍ هادئةٍ بغرض الإفادة والوصول إلى نتائج مشتركة تُرضي الطرفين.
* فقد كان "سقراطُ" يفضِّل الحوارَ عن الكتابة،حيث كان يُشبِّه الكتابةَ بالرسم، بينما كان يرى بأنَّ الحوار يُوَلِّد أفكاراً أو يُوَلِّد موضوعاتٍ جديدةً للدراسةِ والتأمُّلِ والتفكير.
-هذا وكثيرٌ من الفلاسفة والكتَّاب والمبدعين حاوروا فلسفاتِ وإبداعَ ماقبلَهم؛ فتولَّدت لديهم إبداعاتٌ جديدةٌ؛ كردَّةِ فعلٍ على سابقيهم .
إذ كثيراً ماتنبع الفلسفة من تاريخ الفلسفة نفسِها، وكثيراً مايتولَّد الفنُّ والأدب بشحن الفنان وعصف ذهنه بالفنِّ،أو بالقدح الفكري للأديب.
*وماأجمل المسرحَ الذي يحتوي على السيناريو المؤلَّف من مجموعةِ حواراتٍ فنيَّةٍ؛ تخدم فكرة العملِ عبرَ مشاهدَ متكاملةٍ؛ وفي كلِّ مشهدٍ يدور فيه حوارٌ مختلفٌ وبسيطٌ ومعبِّرٌ لفظيَّاً وحركيَّاً وانفعاليَّاً بين ممثِّلَين اثنين أو أكثر،وصولاً إلى استكمال هذه الحوارات في النصِّ المسرحيِّ وتحقيقِ الهدفٍ منه.
*ولاننسى التنويهَ بأنَّ التربية الحديثة المدرسيَّة والمنزليَّة قد اعتمدت الطريقة الحواريَّة عوضاً عن التلقين؛ نظراً لأهميَّة الحوار مع الأطفال واليافعين في تفعيل أدمغتهم،وإنماء ذكائهم،وتوليد الثقة بأنفسهم،وتقوية شخصياتهم،وتحفيز فكرهم،وخلق جوٍّ اجتماعيٍّ تعاونيٍّ تنافسيٍّ إيجابيّ، وتشجيعهم على التعلُّم الذاتي،وتنمية مهاراتهم العقلية بالاستقراء والاستنتاج والتلخيص والشرح واستنباط الأفكار والتحليل والتركيب والتعبير والنقد والإبداع والتأليف.
*وهكذا فقد أضحى الحوارُ مِنهجاً عِلميَّاً يؤدِّي وظائفَ-يصعُب حصرُها-على كافَّةِ الأصعدةِ الشخصيَّةِ والاجتماعيَّةِ والعقليَّة والمعرفيَّة والتربويَّة والأخلاقيَّة والفنيَّة والأدبيَّة والثقافيَّة .
. حلب21/11/2021
تعليق