عمارة الميلاد.. في دفء مِذْوَد ولدت معظم فنون الأرض

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • عمارة الميلاد.. في دفء مِذْوَد ولدت معظم فنون الأرض

    عمارة الميلاد.. في دفء مِذْوَد ولدت معظم فنون الأرض
    محمد جميل خضر 25 ديسمبر 2021
    عمارة
    عمارة بيت لحم مهد الميلاد
    شارك هذا المقال
    حجم الخط

    تَحْتَ شجرةٍ (شجرةُ نخيلٍ في الرواية الإسلامية)، أو في دفءِ مِذْوَد (في معظم الروايات المسيحية) وُلِدَت أجْمَلُ فنونِ الأرض وأكثرُها وأغزرُها.
    وكما شيّد الوعي المسيحيّ شجرة الميلاد مفردةً مُفردةً، وجعلَ، على مدى الدهور والعصور، عِمارتها زاهية الألوان، غنية التفاصيل، كريمة الجمال، كذلك فعل مع باقي رموز ميلاد المسيح عليه السلام، ومع الأيام الأخيرة من كل عام، والأيام الأولى من عامٍ جديد (تحتفل بعض الطوائف المسيحية بالميلاد المجيد مطلع شهر كانون الثاني/ يناير).
    عمارة تشمل هندسة الكنائس، وروعة الكاتدرائيات، وزينة الساحات، ونجوم الفرح، والصورة التقليدية لقديسٍ يركب عربة ثلج يقودها غزلان، أو أيائل، أو ثدييات أخرى، يجوب بها (سانتا كلوز) دروب التلال المكسوة بالأبيض النقيّ، يقف عند عتبات البيوت، صغار ينتظرونه، تلوّح الأمهات بأنْ يا سيد العطاء هات ما عندك هات.




    (بازيليكا) البدايات

    مغارة الميلاد
    لا معنى واضحًا محددًا لمفردة (بازيليكا). ولعلها اصطلاح كان يقصد الإغريق به صالة الملك، أو العرش، أو القاعة الملكية.
    في العصر الروماني، ومع تبدّلات هذا العصر وتلوّناته بألوان ساستِه، أخذت البازيليكا منعرجًا وظيفيًّا مغايرًا لصورة القصر وامتناعه عن العامة وحاجاتهم، عندما بدأوا بناءها بالقرب من الأسواق، أو بجانب الطرق الرئيسية لغرضٍ تجاريٍّ بحت. وفي نقلةٍ أخرى للبازيليكا، أصبحت جزءًا لا يتجزأ من المباني الملحقة بالميدان العام، وبدأت تستعمل كدار قضاء تجري داخل أروقتها المحاكمات والمرافعات القضائية. ثم مكان لعقد الصفقات وتصديق العقود.
    ما يهمّنا هنا أن العمارة المسيحية المبكرة (في بداياتها)، وربما قبل دخول الإمبراطورية الرومانية في المسيحية، أو خلال انتشارها بين الأفراد والأعيان، اتّخذت من منازل الأعيان الذين اعتنقوا الديانة الجديدة، أماكن للعبادة والاجتماع وتدارس أوضاع الدين في حواضر الإمبراطورية، وأماكن نفوذها مترامية الأطراف.

    "في العصر الروماني، أخذت البازيليكا منعرجًا وظيفيًّا مغايرًا لصورة القصر وامتناعه عن العامة وحاجاتهم، عندما بدأوا بناءها بالقرب من الأسواق"


    وبعض منازل هؤلاء كانت تحاكي بازيليكيات الملوك، وضخامة القصور على صعيد مساحات خدمة المكان، وارتفاع الجدران، وأبّهة الأعمدة، وجماليات النقوش.
    وهكذا أصبحت البازيليكا رمزًا لأماكن العبادة المسيحية، وعلى منوالها شيّدت الكنائس وأكثر الكاتدرائيات.
    وعلى عكس المعابد القديمة في الشرق وفي الغرب، يمكن لـ(الباسيليس) الشاسعة أن تستوعب حشود المدينة وتجمعات المؤمنين. شيئًا فشيئًا، ومع ازدياد أعداد المنخرطين في الدين الواعد الجديد، لم تعد بيوت الأعيان قادرة على استيعاب كل حشود الإيمان، فشرعوا بتشييد مبانٍ جديدة على طراز البازيليكا المدنية القديمة، التي تتكيف تصاميمها مع (الليتورجية المسيحية)، المضاف إليها، لاحقًا، قبّة مستديرة مركزية، وفضاءات للمعمودية والأضرحة المكرّسة للقديسين، خصوصًا شهداء البدايات منهم.
    في بعدها المِعماريّ، تتجلّى البازيليكا بوصفها مستطيلًا مقسّمًا إلى ثلاثة أجزاء: الصحن المركزي الذي يتوسط المبنى، جناحان يتفرّعان من هذا الصحن وينتشران على جانبي البهو تفصل بينهما الأعمدة، حنية شرقية، وبعض البزيليكات لها حنيتان شرقية وغربية. أبواب بعضها يفتح على ساحة الميدان العام، وبعضها على شارع رئيسيٍّ من شوارع المدينة. سقف البازيليكا نصف برميليٍّ مُزينٌ بالمنحوتات والتماثيل الجميلة. الأرضيات رخامية، والجدران مكسوة بالرخام. من أقدم البازيليكات في العصر الروماني بازيليكا إيميليا، وبازيليكا جوليا، اللتان تعودان إلى عصر الجمهورية. بازيليكا ميدان تراجان التي شيّدت في عهد الامبراطور تراجان. ومنها، إلى ذلك، بازيليكا سبتيميوس سويروس في مدينة لبدة العظمى في ليبيا.




    مجدُ الكاتدرائيات

    كنيسة التوحيد الأرثوذكسية الإثيوبية
    على مرّ العصور، غدت الكاتدرائيات والبازيليكا من أهم مآثر العِمارة المسيحية.
    الكاتدرائياتُ، على وجه الخصوص، حوَت أشكالًا هيكلية معقدة لا تحوزها، في معظم الأحيان، كنائس الرعية. كما أنها تميل إلى عرض مستوى أعلى من الأنماط المعماريّة المعروفة في زمانها، أو العائدة إلى أزمان مجد العمارة التقليدية (الرومانية واليونانية والبيزنطية). وبناء كاتدرائية واحدة، يحتاج، عادة، إلى عدد ضخم من العمّال والبُناة، وإلى مهندسين بارعين، ما يحوّل بناء كاتدرائيةٍ إلى طقسٍ آخر من طقوس العبادة الجماعية، والسعي للصعود نحو الرب في العُلا، حيث المجد وحده هو سدرة المنتهى، والغاية المرتجاة.

    "على عكس المعابد القديمة في الشرق وفي الغرب، يمكن لـ(الباسيليس) الشاسعة أن تستوعب حشود المدينة وتجمعات المؤمنين"


    مجدُ الكاتدرائية، بالتالي، يقبض على معاني هذا المجد في العلا، من ناحية، ويحرِص على مسرّات الأرض من ناحية ثانية. في هذا السياق، فإن كثيرًا من الكاتدرائيات تحقق أبهى المسرّات من مجرّد النظر إليها، وتأمّل سحر عِمارتها، وشموخ صعودها، وباهر زخرفاتها.
    وعليه، فإن بعض الكاتدرائيات والكنائس والأديرة، تعد من بين الأعمال الأكثر شهرة في فن العمارة على كوكب الأرض. ومن الأكثرها دهشة وفخامة: بازيليك القديس بطرس في روما؛ نوتردام دي باريس، كاتدرائية كولونيا، كاتدرائية ساليسبوري، كاتدرائية براغ، كاتدرائية لنكولن، دير القديس دينيس في باريس، بازيليك سانتا ماريا ماجوري في روما، كنيسة سان فيتالي في رافينا؛ بازيليك القديس مرقص في البندقية، كنيسة وستمنستر في لندن، كاتدرائية القديس باسيل في موسكو، كاتدرائية واشنطن الوطنية، ساغرادا فاميليا في برشلونة، وكنيسة آيا صوفيا في إسطنبول، التي تحوّلت إلى متحف، ثمّ، حديثًا، إلى مسجد.
    لم تجرِ الأمور بالنسبة للكنيسة الشرقية، كما جرت عليه في الكنائس والكاتدرائيات الغربية. ومع انتقال مركز الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية إلى روسيا في القرن السادس عشر، أُنشئ نموذج معماري أرثوذكسي جديد، وجرى استبدال القبة إلى شكل أكثر رقّة وأطول. وأصبح شكل السقف مخروطيًّا لِمنع الثلوج من التراكم على أسطح المباني. ومن أبرز الأمثلة على الكنيسة الشرقية كاتدرائية القديس باسيل في الساحة الحمراء في موسكو.
    في مصر، تأثرت عِمارة الكنائس بفنون العِمارة القبطية التي تعود أصولها، بحسب عدد من الباحثين، إلى العِمارة المصرية القديمة.
    من أوجه تشابه الكنيسة الأرثوذكسية في مصر مع العمارة القبطية: التقدم من الفِناء الخارجي إلى الملاذ الداخلي الخفيّ. صحن الكنيسة الخارجي، أو الشرفة. الملاذ الخفيّ وراء الحاجز الأيقوني، أو الأيقونسطاس. من جهة أخرى، يرى بعض الباحثين أن العمارة القبطية تعود إلى تلك العمارة التي في الكنائس البيزنطية والرومانية، ما يجعلنا نخلصُ إلى أن العمارة القبطية الأصلية انصهرت مع التقاليد المصرية والأنماط المعمارية اليونانية ـ الرومانية والبيزنطية المسيحية، وصولًا إلى منتج مِعماريّ جديد يستوعب كل هذه التأثيرات.
    بعد الفتح الإسلامي لمصر، أثّرت العمارة والفن القبطي على العمارة الإسلامية المصرية، ودمجت بعض الملامح الفنية القبطية في بناء العمارة الإسلامية في مصر. وفي وقت لاحق، تأثر الفن والعمارة القبطية أيضًا بفن الزخارف التي استوحت من الأنماط الفنيّة الإسلامية. وتعد الكنيسة المعلقة في القاهرة القبطية من أبرز كنائس العمارة القبطية.
    طوّر الأرمن، وهم بالمناسبة أوّل شعب يتّخذ من المسيحية دينًا رسميًّا له، كنيسة رسولية أرمنية (الكنيسة الوطنية للشعب الأرمني)، تحتوي نمطًا معماريًّا خاصًّا بهم، من أبرز سماته أن الكنيسة، وفق هذا النمط، أكثر انخفاضًا من الكنائس الأخرى الغربية والشرقية، وجدرانها أسمك من جدران الكنائس الأخرى.
    أمّا ديانة التوحيد الأرثوذكسية الإثيوبية، فقد طورّت فنًّا مسيحيًّا فريدًا، جعلت الكنائس عبره منحوتة داخل تجاويف الصخر، مزروعة فوق أعالي الجبال. وتعد الكنائس الاثنتا عشر في لاليبيلا شمال البلاد، من أكثر كنائس إثيوبيا شهرة.
    في القرن السادس الميلادي، كان لهندسة الكنائس الإثيوبية تأثير قوي على طريقة بناء الكنائس في المناطق القريبة، ومنها صنعاء عاصمة اليمن، وفي معظم أنحاء شبه الجزيرة العربية. يوجد شكلان مميزان لبناء الكنائس الأثيوبية: المربع، أو المستطيل في تجراي، والدائريّ في أمهرة وشيوة.


    دروبُ الحَج

    نموذج من البازيليكا المسيحية
    عبر الدروب التي باتت في ما بعد دروبًا للحج المسيحيّ، حملت السيّدة مريم وعثاء سفرها، وسارت بحملها في بطنها من الناصرة (شمال فلسطين)، إلى بيت لحم (جنوب القدس).

    "مع انتقال مركز الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية إلى روسيا في القرن السادس عشر، أُنشئ نموذج معماري أرثوذكسي جديد، وجرى استبدال القبة إلى شكل أكثر رقّة وأطول"


    الأتان بأذنيها الكبيرتيْن العريضتيْن لا تفكّر إلا بالعلف، ومريم الكنعانية، بورعها وصبرها وجمالها وسموّها وحرصها، مثل كل نساء كنعان، على إرثها ورعاية الجنين الرابض في رحمها، لا يشغل بالها أمر سوى الوصول السالم الغانم إلى أرض الميلاد.
    هناك في بيت لحم، سبقتها بألف عام راعوت الصبية المؤابية الإقامة في أرض الحب.
    وعرةٌ هي الدروب إلى بيت الخبز يا مريم، لكنه لقاء الأسرة السنويّ. طويلةٌ هي الدروب من الناصرة إلى بيت لحم يا مريم (160 كيلومترًا)، لكنه التعداد الذي يحصي النّفوس والأنفاس.
    في (أفراتة) التي تتجلى بوصفها حديقة ممتدة تزينها محاصيل الخضار وأشجار الفاكهة، لم تجد أم المسيح، بسبب تزاحم الأقدام، مكانًا يحضنها بعد طول السفر. فانحازت، ومعها من يقول الوعي المسيحيّ إنه يوسف النجار، نحو ناحية بعيدة. سكنت دفء مغارة. وعندما حانت ساعة الولادة، لم تجد سريرًا تضع حملها فوقه سوى مِذوَد.




    عِمارة المِذْوَد

    الطفل في المغارة- لوحة لجيرارد فان
    والمِذوَد هو كما يصفه بعض الباحثين "ضربٌ من المعالفِ على شكل زوْرق، يوضع فيه عَليق الدّواب".
    ويا لها من مفارقة، إن الدين الذي أسهم مؤمنوه بأكثر عِمارة الأرض شموخًا وجماليات وزركشة وزخرفة وأعمدة وصروحًا شاهقة، بدأ سيرته، واستقبل الخلقُ والتاريخُ والمعنى رسولَ محبّته فوق مِذوَد.
    فوق هذا المِذْوَد المتقشّف الفقير، وُلِدَ الفداءُ، وانطلقت عِمارة الأرض، بدءًا من عِمارة بيت لحم، حيث الخبز وفير، والرعاة شهود، والمجوس تطهّروا، ولو لِساعةٍ كافيةٍ لِتحقيق النّبوءة وسطوع النُّور.
    "يسوع ولد في مِذوَد.. في مِذْوَد البقر.."، هكذا صارت المعجزة أغنية في الترانيم، وصعدت عِمارة المِذْوَد حتى أعالي السماء.
    وحتى تأخذ عِمارة هذا المكان المقدّس، معانيها الكبرى، فقد انقلب السحر على الساحر بالنسبة للإمبراطور الروماني أدريانوس (هادريان قيصر) (من سنة 117 ميلادية إلى سنة 138 ميلادية حكمه، ومن سنة 76 ميلادية إلى سنة 138 ميلادية حياته)، عندما أمر بوضع تمثال للإله اليونانيّ أدونيس في المكان الذي ولد فيه المسيح يسوع فوق المِذْوَد، لِينسى المؤمنون مكان ولادة نبيّهم، فإذا به بفعلته هذه، يكرّس مكان الولادة، ليس هذا فقط، بل يضع له علامة، ويثبته إلى أبد الآبدين.
    في عام 1952، صمّم المهندس الإيطالي أنطون بارلوزي، أو بارلوتسي (1884 ـ 1960)، مكان المهد/ المِذوَد، كنيسةً صغيرةً على هيئةِ خيمةٍ، وقامت حراسة الأراضي المقدّسة عام 1954، بتنفيذ التصميم الذي أنجزه بارلوتسي. هي عِمارة تقوم هنا على الممكن من جهة، وعلى مشيئة الرب من جهة ثانية، وتعلي من شأن اللحظة الدينية المقدّسة، وتنشر فوانيس الضوء حول لحظة الميلاد، وتروي عطش الخطايا بعطر الأولياء، وبخور العابدين القانطين الرافعين أكف الضراعة من أجل أن يعم السلام في أرض السلام.




    طقوس العيد المجيد

    كاتدرائية القديس بطرس في الفاتيكان
    تتشابه طقوس عيد الميلاد المجيد في معظم دول العالم شرقًا وغربًا. ولعل صناعة مغارة تحاكي مغارة الميلاد، من الطقوس التي تحرص كثير من الأسر المسيحية على القيام بها فترة الأعياد، وهي الفترة التي تتفاوت من أسرة إلى أخرى، ومن بلد إلى آخر. ولكن نادرًا ما تدخل السنة شهرها الأخير، ولم تزين الشجرة بعد بيوت أتباع المسيح يسوع عيسى ابن مريم، ولم تنتصب الخيمة المغارة في مكانها قرب الشجرة.

    "في عام 1952، صمّم المهندس الإيطالي أنطون بارلوزي، أو بارلوتسي (1884 ـ 1960)، مكان المهد/ المِذوَد، كنيسةً صغيرةً على هيئةِ خيمةٍ، وقامت حراسة الأراضي المقدّسة عام 1954، بتنفيذ التصميم الذي أنجزه بارلوتسي"


    كما ترتبط بعض طقوس الميلاد بهطول الثلج، وتزيّن الأرض والدروب والجبال بالأبيض النقيّ الطاهر الجليل.
    ولهذا الارتباط قصة، يرى بعض الباحثين أن صانعها هو الروائي الإنكليزي تشارلز ديكنز (1812 ـ 1870). في تقرير نشره موقع قناة BBC News عربي على الإنترنت، يقول جورج آدمسون، مدرّس الجغرافيا في كلية "كينجز كوليدج"، إنه عندما كان صغيرًا كان يهرع إلى النافذة، آملًا في أن يجد عالمًا يكسوه اللون الأبيض على الجانب الآخر من المنزل. لكن بمجرد أن يزيح الستائر، كان يصاب بخيبة أمل، فقد جاء "كريسماس آخر بلا ثلوج". عندما كبر آدامسون حمّل الروائي تشارلز ديكنز مسؤولية هذه الصورة الذي ظلّت عالقة في مخيلته، فقصصه تغص بمشاهد تصوّر الحياة وقد كستها الثلوج خلال فترة عطلة عيد الميلاد.
    ليس آدامسون وحده من كان يتخيل فترة أعياد الميلاد وقد غطت الثلوج فيها كل شيء. ودائمًا ما يثير هؤلاء اهتمام وإعجاب هذا الرجل. ففي المملكة المتحدة التي نشأ فيها لا تتساقط عادة الثلوج في كانون الأول/ ديسمبر، ورغم ذلك تجد المحال هناك تبيع بطاقاتٍ بريديةً تحمل صورًا للبلاد وقد غمرتها الثلوج في عيد الميلاد. كما تتزيّن المطاعم بثلوجٍ اصطناعية، أو زخارف على شكل ثلوج. فمن أين استمد الناس هذه التوقعات، إذا لم يكونوا قد عايشوها بالفعل من قبل؟
    يعتقد الباحثون، بحسب ما يوضح تقرير BBC، أن تلك التصورات نابعةٌ من مفاهيم ثقافية تم تناقلها عبر العصور، ونبعت بشكلٍ أساسيٍ من السنوات العشر شديدة البرودة التي بدأت عام 1810. ثم أعقب ذلك، "تغلغل كتابات ديكنز المرموقة والشهيرة في مخيلتنا".
    وعليه، فإن العِمارة المتعلّقة بأجواء ليلة الميلاد، وباقي أيام عيد الميلاد المجيد، هي عِمارة صمّمتها ورسمت ملامحها رواية ديكنز "أنشودة عيد الميلاد"، التي أصدرها عام 1843، وزرع من خلالها في الوجدان الجمعيّ الإنكليزيّ الفِكتوريّ على وجه الخصوص، والمسيحيّ على وجه العموم، ملامح الطقس الذي يُتوقع أن يسود، ويرتبط إلى الأبد، بخصوصيةِ ولونِ ما يحيط بنا أيام الميلاد. في هذا السياق يقول بيتر أكرويد، كاتب سيرة ديكنز، إن ديكنز "ابتكر وحده تقريبًا الصورة الحديثة السائدة لعيد الميلاد".
    وبعيدًا عن الجدل المرتبط بطقس باب نويل (سانتا كلوز)، بردائه الأحمر، وجرسه المجلجل، وكيسه المحتشد بالهدايا، وابتسامته الجالبة للصغار، الزارعة في قلوبهم طمأنينة صافية، فإن عِمارة ما وصل إليه التصوّر الجمعيّ حوله من أبدع عِمارات الميلاد. قد لا يكون هذا القديس المعطاء ابن بلاد الثلج، وربما لم يكن يستخدم عربة الغزلان الطائرة، ولعلّه، كما يورد بعض الباحثين، القديس نيكولاس أسقف مدينة "ميرا" القريبة جدًّا من مدينة أنطاليا التركية الرابضة بين زرقة ساحل المتوسط وبين جبال طوروس العالية. وقد يكون قد عاش، كما يؤكدون، في القرن الخامس الميلادي، وكان يقوم أثناء الليل بتوزيع الهدايا على الفقراء وعائلات المحتاجين من دون أن تعلم هذه العائلات من هو الفاعل، وصادف أن توفي في شهر ديسمبر. ورغم كل هذا وذاك، فقد باتت الصورة التي استقرّ عليها بابا نويل في وجدان الناس، جميلة، مشعّة بالمعاني، محمولةٌ بالشجن.
    بقي أن نقول إن عِمارة الميلاد تحوز كل ما ورد أعلاه، وتزيد عليه ترانيم محفورة في دفاتر التاريخ.
    عِمارة بدأت بالرحلة من الناصرة، تعاظمت بالبِشارة، وتكلّلت بلحظة الميلاد. ولكلِّ بندٍ من بنودها طقوس، وصلوات، ومعان.
يعمل...
X