تاريخ الفلسفة في العالم الإسلامي
علم الكلام و المعتزلة
كان علم الكلام مختصا بموضوع الإيمان العقلي بالله وكان غرضه الإنتقال بالمسلم من التقليد إلى اليقين و إثبات أصول الدين الاسلامي بالأدلة المفيدة لليقين بها. علم الكلام كان محاولة للتصدي للتحديات التي فرضتها الالتقاء بالديانات القديمة التي كانت موجودة في بلاد الرافدين أساسا (مثل المانوية و الزرادشتية و الحركات الشعوبية) وعليه فإن علم الكلام كان منشأه الإيمان على عكس الفلسفة التي لا تبدأ من الإيمان التسليمي ، أو من الطبيعة ، بل تحلل هذه البدايات نفسها إلى مبادئها الأولى [10] . هناك مؤشرات على إن بداية علم الكلام كان سببه ظهور فرق عديدة بعد وفاة الرسول محمد ،ومن هذه الفرق: [11]:
كان نشأة علم الكلام في التاريخ الإسلامي نتيجة ما إعتبره المسلمون ضرورة للرد على ما إعتبروه بدعة من قبل بعض "الفرق الضالة" وكان الهدف الرئيسي هو إقامة الأدلة وإزالة الشبه ويعتقد البعض إن جذور علم الكلام يرجع إلى الصحابة و التابعين ويورد البعض على سبيل المثال رد ابن عباس و ابن عمر و عمر بن عبد العزيز والحسن بن محمد ابن الحنفية على المعتزلة، ورد علي بن أبي طالب على الخوارج و رد إياس بن معاوية المزني على القدرية والتي كانت شبيهة بفرضية الحتمية. كان علم الكلام عبارة عن دراسة "أصول الدين" التي كانت بدورها تتمركز على 4 محاور رئيسية وهي: [13]
دور الكندي في الفلسفة
كان يعقوب بن اسحاق الكندي (805 - 873) أول مسلم حاول استعمال المنهج المنطقي في دراسة القرآن ، كانت أفكار الكندي متأثرا نوعا ما بفكر المعتزلة ومعارضا لفكر أرسطو من عدة نواحي . نشأ الكندي في البصرة و إستقر في بغداد وحضي برعاية الخليفة العباسي المأمون، كانت إهتمامات الكندي متنوعة منها الرياضيات و العلم و الفلسفة لكن إهتمامه الرئيسي كان الدين [15].
بسبب تأثره بالمعتزلة كان طرحه الفكري دينيا وكان مقتنعا بأن حكمة الرسول محمد النابعة من الوحي تطغى على إدراك وتحليل الإنسان الفيلسوف هذا الرأي الذي لم يشاركه فيه الفلاسفة الذين ظهروا بعده . لم يكن إهتمام الكندي منصبا على دين الإسلام فقط بل كان يحاول الوصول إلى الحقيقة عن طريق دراسة الأديان الأخرى وكانت فكرته هو الوصول إلى الحقيقة من جميع المصادر ومن شتى الديانات و الحضارات [16].
كان الخط الفكري الرئيسي للكندي عبارة عن خط ديني إسلامي ولكنه إختلف عن علماء الكلام بعدم بقاءه في دائرة القرآن و السنة وإنما خطى خطوة إضافية نحو دراسة الفلسفة اليونانية وقام بإستعمال فكرة أرسطو والتي كانت مفادهاان الحركة وإن كانت تبدو عملية لا متناهية فإن مصدرها الثبات وإن هذه الكينونة الثابتة هي التي حولت الثبات إلى حركة فقام الكندي بطرح فكرة مشابهة ألا وهي إن لا بد من وجود كينونة ثابتة وغير متحركة لتبدأ نقطة إنطلاق حركة ما. كان الكندي لحد هذه النقطة موافقا لأرسطو ولكنه ومن هذه النقطة أدار ظهره لفكر أرسطو ولجأ إلى القرآن لتكملة فكرته عن الخلق و النشوء وإقتنع بأن الله هو الثابت وإن كل المتغيرات نشأت بإرادته [17].
لكن الفلسفة التقليدية اليونانية كانت لاتعترف بهذه الفكرة على الإطلاق وعليه فإن الكندي حسب تعريف المدرسة الفكرية اليونانية لايمكن وصفه بفيلسوف حقيقي ولكنه كان ذو تأثير على بداية تيار فكري حاول التناغم بين الحقيقة الدينية و الميتافيزيقيا [18].
و في عصره (عصر المعتصم) سيحاول الكندي أن ينخرط في معركة "نصرة العقل" ضد أفكار الهرمسية و الأفلاطونية المحدثة لذلك سنجده يؤلف "الرد على المنانية و المثنوية" و سيرفض نظرية الهرمسية و الأفلاطونية المحدثة عن وجود جملة من العقول السماوية (و هي الطريقة التي تجعل بها الهرمسية وسائط بين العقل الكلي أو العقل العاشر الفعال و الإنسان ) و هي أساس نظرية الفيض التي تجعل معرفة الإنسان قابلة للحصول عن طريق الفيض أو الغنوص [2]. يرفض الكندي هذا الاتصال و يميز بين "علم الرسل" الذي يحدث عن طريق الوحي (الوسيلة الوحيدة بين الله و الإنسان ) و "علم سائر البشر" الذي لا يحدث إلا عن طريق البحث و الاستدلال و الاستنتاج . في مجال الوجود و على عكس الفلاسفة اللاحقين سيتنى الكندي فكرة "حدوث العالم" مستندا إلى مجموعة من المفاهيم الأرسطية : فجرم العالم متناه و الزمان متناه أيضا و الحركة متناهية ، إذا العالم متناه و محدث : حسب تعبير الكندي : " الله هو العلة الأولى التي لا علة لها الفاعلة التي لا فاعل لها المتممة التي لا متمم لها ، المؤيس الكل عن ليس و المصير بعضه لبعض سببا و علة " . و واضح هنا أن أثر الثقافة الإسلامية واضح في كلام الكندي الذي لم يصله الكثير بعد من ترجمات كتب أرسطو .
إضافة لذلك يقرر الكندي أن الحقيقية الدينية و الحقيقة الفلسفية واحدة فلا تناقض بينهما ، غير أن ظاهر النص قد يوحي ببعض الاختلاف إذا لم يعمل العقل في مجال تأويل معقول .
بالمقابل سيؤلف الكندي "رسالة في الفلسفة الأولى" ليهديها إلى الخليفة المعتصم و هي بمجملها تخطئة لموقف الفقهاء و المتكلمين من علوم الأوائل (الفلسفة) و الدعوة إلى الاستفادة لما ورد في علوم الأوائل من علوم مفيدة . الرسالة بمجملها تعتبر دفاعا عن الفلسفة وسط حالة الرفض لكل ما هو أجنبي لكنها لاترقى إلى تأسيس فهم و ترسيخ الفكر الأرسطي بشكل واضح [3].
دور الرازي في الفلسفة
تميز الجيل الذي ظهر بعد الكندي بصفة أكثر حزما وراديكالية ، فكان أبو بكر الرازي (864 - 923) الذي وصف بكونه ذو تيار فكري رفض إقحام الدين في شؤون العقل ورفض في نفس الوقت نظرة أرسطو للميتافيزيقيا وكان فكره أقرب إلى الغنوصية أو (العارفية) حيث قال الرازي إن من المستحيل ان يكون منشأ المادة عبارة عن كينونة روحية ورفض الرازي ايضا فكرة والتي كانت مفادهاان الحركة وإن كانت تبدو عملية لا متناهية فإن مصدرها الثبات ورفض في نفس الوقت تحاليل علماء الكلام عن الوحي و النبوة [19].
كان الرازي مقتنعا إن التحليل العقلي و المنطقي هي الطريقة الوحيدة للوصول إلى المعرفة وعليه فإن الكثير من المؤرخين لايعتبرون الرازي مسلما بالمعنى التقليدي للمسلم ويرى الكثيرون انه كان الإنعطافة الحقيقية الأولى نحو الفلسفة و الفيلسوف كما كان يعرف في الحضارة اليونانية. كان الرازي طبيبا بارعا ومديرا لمستشفى في الري في إيران وكان جريئا في مناقشة التيار الفكري الذي سبقه وكان مؤمنا إن الفيلسوف الحقيقي لايستند على تقاليد دينية بل يجب عليه التفكير بمنآى عن تأثير الدين وكان مقتنعا إن الإعتماد على الدين غير مثمر لإختلاف الأديان المختلفة في وجهات النظر حول الخلق وماهية الحقيقة [20].
أكبر نقد تم توجيهه إلى الرازي كان نقدا عميقا جدا بالرغم من بساطته و النقد البسيط العميق كان إذا كانت الفلسفة الطريقة الوحيدة للوصول إلى الحقيقة فماذا عن عامة الناس او الناس البسطاء الغير قادرين على التفكير الفلسفي هل يعني هذا بأنهم تائهون للابد ، يأتي أهمية هذا النقد بسبب كون الفلسفة في المجتمع الإسلامي ولحد هذا اليوم مرتبطة بطبقة النخبة وباشخاص إتسموا بذكاء عالي وهذا كان مناقضا لمفهوم الأمة الإسلامية الواحدة والأفكار الروحية المفهومة من قبل الجميع وليس البعض [21].
دور الفارابي في الفلسفة
الفارابي كما يظهر على عملة كازاخستان.
بدأ الفارابي من من نقطة الإنتقاد الموجهة للرازي وللفلسفة بصورة عامة وكان النقد عبارة عن فائدة الفلسفة في تنظيم الحياة اليومية للإنسان البسيط الذي يرى الفلسفة شيئا بعيدا كل البعد عن مستوى أستيعابه ولايجد في ذلك النوع من المناقشات اي دور عملي ملموس في حياته اليومية . حاول أبو نصر محمد الفارابي (874 - 950) الفيلسوف من تركستان تضييق حجم الفجوة بين المسلم البسيط و الفلسفة ويعتبره البعض رائدا في هذا المجال حيث حاول في كتابه "آراء أهل المدينة الفاضلة" التطرق إلى القضايا الاجتماعية و السياسية المتعلقة بالإسلام. في كتاب "الجمهورية" طرح أفلاطون فكرة إن المجتمع المثالي يجب ان يكون قائده فيلسوفا يحكم حسب قوانين العقل والمنطق وتبسيطها لتصبح مفهومة من قبل الإنسان البسيط . من هذه الفكرة حاول الفارابي ان يطرح فكرته حول إن الرسول محمد كان بالضبط ما حاول أفلاطون ان يوضحه عن صفات قائد "المجتمع الفاضل" لقدرته حسب تعبير الفارابي من تبسيط اللهم روحية عليا وإيصالها إلى الإنسان البسيط [22].
بهذه النظرة إبتعد الفارابي كليا عن مفهوم الخالق في الفلسفة اليونانية الذي كان بعيدا كل البعد عن هموم الإنسان البسيط والذي لم يخاطب الإنسان يوما، ولكن الفارابي ضل ملتقيا مع فكر أرسطو في نقطة إن قرار الخلق لم يكن عبثيا ولا متسرعا. إستخدم الفارابي فكرة النشوء اليونانية التي كانت تختلف عن فكرة الخلق في الديانات التوحيدية فحسب النظرية اليونانية فإن النشوء يبدأ من كينونة أولية ثابتة ولكن سلسلة النشآت تخضع لقوانين طبيعية بحتة وليست لقوانين دينية او إلهية [23]. حاول الفارابي تطويع هذه الفكرة من النظرة التوحيدية للخلق فقال إن الإنسان بالرغم من منشأه على هذه الأرض فإنه إمتداد لسلسلة من أطوار النشوء التي بدأت من المصدر إلى السماء العلى إلى الكواكب والشمس و القمر وإن الإنسان له القدرة بأن يزيل أتربة هذه التراكمات من النشوء لكي يرجع إلى الخالق الأولي وكان هذا التحليل بالطبع مخالفا لفكرة القرآن عن خلق الإنسان [24]
الكثير من الدراسات تعتبر الفارابي أهم من استطاع إيصال و شرح علوم المنطق بالعربية ، بالمقابل سنجد أن الفارابي كان يشغله هاجس الوحدة و التوحيد في ظل دول و إمارات إسلامية متفرقة في عهد الدولة الحمدانية ، كان الفارابي يتطلع لتوحيد الملة عن طريق توحيد الفكر لذلك سنجده يحاول التوحيد بين الأمة (الشريعة) و الفلسفة في كتاب الحروف [4] و سيحاول ان يجمع بين رأي الحكيمين : أفلاطون و أرسطو في كتاب الجمع بين الحكيمين [5]، و سنجده أيضا عكس الكندي يحاول أن يدخل العرفان أو الغنوص في منظومته الفكرية فيقبل نظرية العقول السماوية و الفيض لكن العرفان لا يتحقق عند الفارابي بنتيجة النفس و التأمل بل المعرفة و السعادة (الصوفية العرفانية) هي نتيجة المعرفة عن طريق البرهان . و كما في نظرية الإفلاطونية المحدثة : العقل الأول الواجب الوجود لا يحتاج شيئا معه بل يفيض وجوده فيشكل العقل الثاني فالثالث حتى العقل العاشر التي يعطي الهيولى و المادة التي تتشكل منها العناصر الأربعة للطبيعة : الماء و الهواء و النار و التراب . و الدين و الفلسفة يخبراننا الحقيقة الواحدة فالفلسفة تبحث و تقرر الحقائق و الدين هو الخيالات و المثالات التي تتصور في نفوس العامة لما هي عليه الحقيقة ، و كما تتوحد الفلسفة مع الشريعة و الملة كذلك يجب أن تبنى المدينة الفاضلة على غرار تركيب الكون و العالم بحيث تحقق النظام و السعادة للجميع . هذا كان حلم الفارابي المقتبس من فكرة المدينة الفاضلة لأفلاطون [6].
كتاب الحروف
يحتل كتاب الحروف للفارابي أهمية خاصة بين أعماله و يعتبر الكتاب بحثا في الفلسفة الأولى ، إضافة إلى نقاش علماء اللغة و الكلام حول الكثير من الإشكاليات التي كانت تتعلق أساسا بعلاقة اللغة و المنطق و إشكالية اللفظ/المعنى عن طريق محاولة استنتاجية منطقية لتأسيس مفهوم الكلي و تشريع دور المنطق في البيئة الإسلامية التي كانت رافضة لها . يحاول الفارابي بداية شرح كيفية تكون المعرفة بدءا من الإحساس فالتجربة فالتذكر فالفكرة من ثم نشأة العلوم العملية و النظرية [7] . وبين الفكرة و نشأة العلوم يضع الفارابي مرحلة نشوء اللغة : فبعد تولد الفكرة عند الإنسان تأتي الإشارة ثم التصويت (إخراج أصوات معينة) و من تطور الأصوات تنشأ الحروف و الألفاظ (و يختلف النطق حسب الجماعات البشرية و فيزيولوجيتها و بيئتها ) و هكذا تتشكل الألفاظ و الكلمات : المحسوس أولا ثم صورته في الذهن ثم اللفظ المعبر عنه . في مرحلة لاحقة تتكون العبارات و التعابير من دمج الكلمات و الألفاظ لتعبر ليس فقط عن الأسياء بل عن العلاقات التي تربط بينها . الفارابي هنا يستخدم أسلوب برهانيا ليحدد العلاقة بين اللفظ و المعنى و يقرر أسبقية المعنى على اللفظ (مخالف بذلك لمدرسة أهل الكلام الذين يعطون الأسبقية للفظ على المعنى ). و بنفس السياق أيضا يقرر أن نظام الألفاظ (اللغة) هي محاولة لمحاكاة نظام الأفكار (في الذهن) و ما نظام الأفكار في الذهن إلا محاولة لمحاكاة نظام الطبيعة في الخارج من علاقات بين الأشياء الفيزيائية المحسوسة [8]. إضافة إلى ذلك فقد تقرر نتيجة تحليل الفارابي أن هناك نظامين : نظام للألفاظ يحاول محاكاة ترتيب العلاقة بين المعاني في النفس، و نظام آخر مستقل للمفهومات و المعقولات تحاول محاكاة ترتيب الأشياء الحسية في الخارج الفيزيائي . و من هنا ضرورة وجود علمين : علوم اللغة أو علم اللسان الذي يعنى بصر ألفاظ اللغة و علاقاتها مع مدلولاتها و معانيها . و علم المنطق الذي يعنى بترتيب العقل للمفاهيم و طرق الاستنتاج السليم للقضايا من البدهيات أي قواعد التفكير السليم.
يلي ذلك حسب ترتيب الفارابي مرحلة جمع اللغة و صون الألفاظ من الدخيل و الغريب ثم تقنين اللغة عن طريق وضع القواعد التي تضبط طريقة كتابتها و نطقها (نشأة علوم النحو) ، و هكذا تتطور ما يمكن تسميته بالعلوم العامية .
يترافق ذلك مع تطور للعلوم العملية من قياس و تقنية ، و من ثم سيتلو ذلك نشأة العلوم القياسية التي تعرف بالعلوم الطبيعية ، هي العلوم بحق ضمن المفهوم الأرسطي الذي يتبناه الفارابي أيضا أي علوم الرياضيات و المنطق و لأسلوب القياسي الاستنتاجي . فتتميز الطرق الاستدلالية : الخطبية و الجدلية و السفسطائية و الاللهمية (الرياضية) و أخيرا البرهانية و يتضح أن المعرفة اليقينية تنحصر في الطرق البرهانية ، و هكذا تتشكل الفلسفة ليليها بعد الذلك نشأة الشريعة أو الدين أو بمصطلح الفارابي الملة فحسب الفاربي : الفلسفة يجب أن تسبق الملة و ما الملة (الشريعة) إلا وسائل خطبية للجمهور و العوام لنقل الحقائق التي نتوصل لها عن طريق الفلسفة [9].
لكن في بعض الحالات (و يقصد هنا حالة الأمة الإسلامية) لا تتشكل الفلسفة في مرحلة مبكرة بل يتشكل الدين بشكل مسبق و من هنا يحصل التعارض بين تأويلات الدين و تاوبلات الفلسفة و واجب الفلاسفة تبيين الحقائق بحيث يبدو ما تقرره الملة ليس إلا مجرد مثالات لما تقرره الفلسفة [10].
علم الكلام و المعتزلة
كان علم الكلام مختصا بموضوع الإيمان العقلي بالله وكان غرضه الإنتقال بالمسلم من التقليد إلى اليقين و إثبات أصول الدين الاسلامي بالأدلة المفيدة لليقين بها. علم الكلام كان محاولة للتصدي للتحديات التي فرضتها الالتقاء بالديانات القديمة التي كانت موجودة في بلاد الرافدين أساسا (مثل المانوية و الزرادشتية و الحركات الشعوبية) وعليه فإن علم الكلام كان منشأه الإيمان على عكس الفلسفة التي لا تبدأ من الإيمان التسليمي ، أو من الطبيعة ، بل تحلل هذه البدايات نفسها إلى مبادئها الأولى [10] . هناك مؤشرات على إن بداية علم الكلام كان سببه ظهور فرق عديدة بعد وفاة الرسول محمد ،ومن هذه الفرق: [11]:
- المعتزلة (القدرية) لإنكارهم القدر.
- الجهمية (الجبرية) أتباع جهم بن صفوان كانوا يقولون إن العبد مجبور في أفعاله لا اختيار له.
- الخوارج
- الزنادقة
- الاشاعرة والماتريدية والصوفية والسلفية.
- الامامية والزيدية والاسماعيلية
- الاباضية [12]
كان نشأة علم الكلام في التاريخ الإسلامي نتيجة ما إعتبره المسلمون ضرورة للرد على ما إعتبروه بدعة من قبل بعض "الفرق الضالة" وكان الهدف الرئيسي هو إقامة الأدلة وإزالة الشبه ويعتقد البعض إن جذور علم الكلام يرجع إلى الصحابة و التابعين ويورد البعض على سبيل المثال رد ابن عباس و ابن عمر و عمر بن عبد العزيز والحسن بن محمد ابن الحنفية على المعتزلة، ورد علي بن أبي طالب على الخوارج و رد إياس بن معاوية المزني على القدرية والتي كانت شبيهة بفرضية الحتمية. كان علم الكلام عبارة عن دراسة "أصول الدين" التي كانت بدورها تتمركز على 4 محاور رئيسية وهي: [13]
- الالوهية: البحث عن اثبات الذات و الصفات الالهية.
- النبوة: عصمة الأنبياء و حكم النبوة بين الوجوب عقلاً، وهو مذهب المعتزلة و الجواز عقلاً، وهو مذهب الاشاعرة.
- الامامة: الآراء المتضاربة حول رئاسة العامة في أمور الدين و الدنيا لشخص من الاشخاص نيابة عن النبي محمد.
- المعاد: فكرة يوم القيامة و إمكان حشر الاجسام. ويدرج البعض عناوين فرعية أخرى مثل "العدل" و "الوعد" و "الوعيد" و "القدر" و "المنزلة" [14].
دور الكندي في الفلسفة
كان يعقوب بن اسحاق الكندي (805 - 873) أول مسلم حاول استعمال المنهج المنطقي في دراسة القرآن ، كانت أفكار الكندي متأثرا نوعا ما بفكر المعتزلة ومعارضا لفكر أرسطو من عدة نواحي . نشأ الكندي في البصرة و إستقر في بغداد وحضي برعاية الخليفة العباسي المأمون، كانت إهتمامات الكندي متنوعة منها الرياضيات و العلم و الفلسفة لكن إهتمامه الرئيسي كان الدين [15].
بسبب تأثره بالمعتزلة كان طرحه الفكري دينيا وكان مقتنعا بأن حكمة الرسول محمد النابعة من الوحي تطغى على إدراك وتحليل الإنسان الفيلسوف هذا الرأي الذي لم يشاركه فيه الفلاسفة الذين ظهروا بعده . لم يكن إهتمام الكندي منصبا على دين الإسلام فقط بل كان يحاول الوصول إلى الحقيقة عن طريق دراسة الأديان الأخرى وكانت فكرته هو الوصول إلى الحقيقة من جميع المصادر ومن شتى الديانات و الحضارات [16].
كان الخط الفكري الرئيسي للكندي عبارة عن خط ديني إسلامي ولكنه إختلف عن علماء الكلام بعدم بقاءه في دائرة القرآن و السنة وإنما خطى خطوة إضافية نحو دراسة الفلسفة اليونانية وقام بإستعمال فكرة أرسطو والتي كانت مفادهاان الحركة وإن كانت تبدو عملية لا متناهية فإن مصدرها الثبات وإن هذه الكينونة الثابتة هي التي حولت الثبات إلى حركة فقام الكندي بطرح فكرة مشابهة ألا وهي إن لا بد من وجود كينونة ثابتة وغير متحركة لتبدأ نقطة إنطلاق حركة ما. كان الكندي لحد هذه النقطة موافقا لأرسطو ولكنه ومن هذه النقطة أدار ظهره لفكر أرسطو ولجأ إلى القرآن لتكملة فكرته عن الخلق و النشوء وإقتنع بأن الله هو الثابت وإن كل المتغيرات نشأت بإرادته [17].
لكن الفلسفة التقليدية اليونانية كانت لاتعترف بهذه الفكرة على الإطلاق وعليه فإن الكندي حسب تعريف المدرسة الفكرية اليونانية لايمكن وصفه بفيلسوف حقيقي ولكنه كان ذو تأثير على بداية تيار فكري حاول التناغم بين الحقيقة الدينية و الميتافيزيقيا [18].
و في عصره (عصر المعتصم) سيحاول الكندي أن ينخرط في معركة "نصرة العقل" ضد أفكار الهرمسية و الأفلاطونية المحدثة لذلك سنجده يؤلف "الرد على المنانية و المثنوية" و سيرفض نظرية الهرمسية و الأفلاطونية المحدثة عن وجود جملة من العقول السماوية (و هي الطريقة التي تجعل بها الهرمسية وسائط بين العقل الكلي أو العقل العاشر الفعال و الإنسان ) و هي أساس نظرية الفيض التي تجعل معرفة الإنسان قابلة للحصول عن طريق الفيض أو الغنوص [2]. يرفض الكندي هذا الاتصال و يميز بين "علم الرسل" الذي يحدث عن طريق الوحي (الوسيلة الوحيدة بين الله و الإنسان ) و "علم سائر البشر" الذي لا يحدث إلا عن طريق البحث و الاستدلال و الاستنتاج . في مجال الوجود و على عكس الفلاسفة اللاحقين سيتنى الكندي فكرة "حدوث العالم" مستندا إلى مجموعة من المفاهيم الأرسطية : فجرم العالم متناه و الزمان متناه أيضا و الحركة متناهية ، إذا العالم متناه و محدث : حسب تعبير الكندي : " الله هو العلة الأولى التي لا علة لها الفاعلة التي لا فاعل لها المتممة التي لا متمم لها ، المؤيس الكل عن ليس و المصير بعضه لبعض سببا و علة " . و واضح هنا أن أثر الثقافة الإسلامية واضح في كلام الكندي الذي لم يصله الكثير بعد من ترجمات كتب أرسطو .
إضافة لذلك يقرر الكندي أن الحقيقية الدينية و الحقيقة الفلسفية واحدة فلا تناقض بينهما ، غير أن ظاهر النص قد يوحي ببعض الاختلاف إذا لم يعمل العقل في مجال تأويل معقول .
بالمقابل سيؤلف الكندي "رسالة في الفلسفة الأولى" ليهديها إلى الخليفة المعتصم و هي بمجملها تخطئة لموقف الفقهاء و المتكلمين من علوم الأوائل (الفلسفة) و الدعوة إلى الاستفادة لما ورد في علوم الأوائل من علوم مفيدة . الرسالة بمجملها تعتبر دفاعا عن الفلسفة وسط حالة الرفض لكل ما هو أجنبي لكنها لاترقى إلى تأسيس فهم و ترسيخ الفكر الأرسطي بشكل واضح [3].
دور الرازي في الفلسفة
تميز الجيل الذي ظهر بعد الكندي بصفة أكثر حزما وراديكالية ، فكان أبو بكر الرازي (864 - 923) الذي وصف بكونه ذو تيار فكري رفض إقحام الدين في شؤون العقل ورفض في نفس الوقت نظرة أرسطو للميتافيزيقيا وكان فكره أقرب إلى الغنوصية أو (العارفية) حيث قال الرازي إن من المستحيل ان يكون منشأ المادة عبارة عن كينونة روحية ورفض الرازي ايضا فكرة والتي كانت مفادهاان الحركة وإن كانت تبدو عملية لا متناهية فإن مصدرها الثبات ورفض في نفس الوقت تحاليل علماء الكلام عن الوحي و النبوة [19].
كان الرازي مقتنعا إن التحليل العقلي و المنطقي هي الطريقة الوحيدة للوصول إلى المعرفة وعليه فإن الكثير من المؤرخين لايعتبرون الرازي مسلما بالمعنى التقليدي للمسلم ويرى الكثيرون انه كان الإنعطافة الحقيقية الأولى نحو الفلسفة و الفيلسوف كما كان يعرف في الحضارة اليونانية. كان الرازي طبيبا بارعا ومديرا لمستشفى في الري في إيران وكان جريئا في مناقشة التيار الفكري الذي سبقه وكان مؤمنا إن الفيلسوف الحقيقي لايستند على تقاليد دينية بل يجب عليه التفكير بمنآى عن تأثير الدين وكان مقتنعا إن الإعتماد على الدين غير مثمر لإختلاف الأديان المختلفة في وجهات النظر حول الخلق وماهية الحقيقة [20].
أكبر نقد تم توجيهه إلى الرازي كان نقدا عميقا جدا بالرغم من بساطته و النقد البسيط العميق كان إذا كانت الفلسفة الطريقة الوحيدة للوصول إلى الحقيقة فماذا عن عامة الناس او الناس البسطاء الغير قادرين على التفكير الفلسفي هل يعني هذا بأنهم تائهون للابد ، يأتي أهمية هذا النقد بسبب كون الفلسفة في المجتمع الإسلامي ولحد هذا اليوم مرتبطة بطبقة النخبة وباشخاص إتسموا بذكاء عالي وهذا كان مناقضا لمفهوم الأمة الإسلامية الواحدة والأفكار الروحية المفهومة من قبل الجميع وليس البعض [21].
دور الفارابي في الفلسفة
الفارابي كما يظهر على عملة كازاخستان.
بدأ الفارابي من من نقطة الإنتقاد الموجهة للرازي وللفلسفة بصورة عامة وكان النقد عبارة عن فائدة الفلسفة في تنظيم الحياة اليومية للإنسان البسيط الذي يرى الفلسفة شيئا بعيدا كل البعد عن مستوى أستيعابه ولايجد في ذلك النوع من المناقشات اي دور عملي ملموس في حياته اليومية . حاول أبو نصر محمد الفارابي (874 - 950) الفيلسوف من تركستان تضييق حجم الفجوة بين المسلم البسيط و الفلسفة ويعتبره البعض رائدا في هذا المجال حيث حاول في كتابه "آراء أهل المدينة الفاضلة" التطرق إلى القضايا الاجتماعية و السياسية المتعلقة بالإسلام. في كتاب "الجمهورية" طرح أفلاطون فكرة إن المجتمع المثالي يجب ان يكون قائده فيلسوفا يحكم حسب قوانين العقل والمنطق وتبسيطها لتصبح مفهومة من قبل الإنسان البسيط . من هذه الفكرة حاول الفارابي ان يطرح فكرته حول إن الرسول محمد كان بالضبط ما حاول أفلاطون ان يوضحه عن صفات قائد "المجتمع الفاضل" لقدرته حسب تعبير الفارابي من تبسيط اللهم روحية عليا وإيصالها إلى الإنسان البسيط [22].
بهذه النظرة إبتعد الفارابي كليا عن مفهوم الخالق في الفلسفة اليونانية الذي كان بعيدا كل البعد عن هموم الإنسان البسيط والذي لم يخاطب الإنسان يوما، ولكن الفارابي ضل ملتقيا مع فكر أرسطو في نقطة إن قرار الخلق لم يكن عبثيا ولا متسرعا. إستخدم الفارابي فكرة النشوء اليونانية التي كانت تختلف عن فكرة الخلق في الديانات التوحيدية فحسب النظرية اليونانية فإن النشوء يبدأ من كينونة أولية ثابتة ولكن سلسلة النشآت تخضع لقوانين طبيعية بحتة وليست لقوانين دينية او إلهية [23]. حاول الفارابي تطويع هذه الفكرة من النظرة التوحيدية للخلق فقال إن الإنسان بالرغم من منشأه على هذه الأرض فإنه إمتداد لسلسلة من أطوار النشوء التي بدأت من المصدر إلى السماء العلى إلى الكواكب والشمس و القمر وإن الإنسان له القدرة بأن يزيل أتربة هذه التراكمات من النشوء لكي يرجع إلى الخالق الأولي وكان هذا التحليل بالطبع مخالفا لفكرة القرآن عن خلق الإنسان [24]
الكثير من الدراسات تعتبر الفارابي أهم من استطاع إيصال و شرح علوم المنطق بالعربية ، بالمقابل سنجد أن الفارابي كان يشغله هاجس الوحدة و التوحيد في ظل دول و إمارات إسلامية متفرقة في عهد الدولة الحمدانية ، كان الفارابي يتطلع لتوحيد الملة عن طريق توحيد الفكر لذلك سنجده يحاول التوحيد بين الأمة (الشريعة) و الفلسفة في كتاب الحروف [4] و سيحاول ان يجمع بين رأي الحكيمين : أفلاطون و أرسطو في كتاب الجمع بين الحكيمين [5]، و سنجده أيضا عكس الكندي يحاول أن يدخل العرفان أو الغنوص في منظومته الفكرية فيقبل نظرية العقول السماوية و الفيض لكن العرفان لا يتحقق عند الفارابي بنتيجة النفس و التأمل بل المعرفة و السعادة (الصوفية العرفانية) هي نتيجة المعرفة عن طريق البرهان . و كما في نظرية الإفلاطونية المحدثة : العقل الأول الواجب الوجود لا يحتاج شيئا معه بل يفيض وجوده فيشكل العقل الثاني فالثالث حتى العقل العاشر التي يعطي الهيولى و المادة التي تتشكل منها العناصر الأربعة للطبيعة : الماء و الهواء و النار و التراب . و الدين و الفلسفة يخبراننا الحقيقة الواحدة فالفلسفة تبحث و تقرر الحقائق و الدين هو الخيالات و المثالات التي تتصور في نفوس العامة لما هي عليه الحقيقة ، و كما تتوحد الفلسفة مع الشريعة و الملة كذلك يجب أن تبنى المدينة الفاضلة على غرار تركيب الكون و العالم بحيث تحقق النظام و السعادة للجميع . هذا كان حلم الفارابي المقتبس من فكرة المدينة الفاضلة لأفلاطون [6].
كتاب الحروف
يحتل كتاب الحروف للفارابي أهمية خاصة بين أعماله و يعتبر الكتاب بحثا في الفلسفة الأولى ، إضافة إلى نقاش علماء اللغة و الكلام حول الكثير من الإشكاليات التي كانت تتعلق أساسا بعلاقة اللغة و المنطق و إشكالية اللفظ/المعنى عن طريق محاولة استنتاجية منطقية لتأسيس مفهوم الكلي و تشريع دور المنطق في البيئة الإسلامية التي كانت رافضة لها . يحاول الفارابي بداية شرح كيفية تكون المعرفة بدءا من الإحساس فالتجربة فالتذكر فالفكرة من ثم نشأة العلوم العملية و النظرية [7] . وبين الفكرة و نشأة العلوم يضع الفارابي مرحلة نشوء اللغة : فبعد تولد الفكرة عند الإنسان تأتي الإشارة ثم التصويت (إخراج أصوات معينة) و من تطور الأصوات تنشأ الحروف و الألفاظ (و يختلف النطق حسب الجماعات البشرية و فيزيولوجيتها و بيئتها ) و هكذا تتشكل الألفاظ و الكلمات : المحسوس أولا ثم صورته في الذهن ثم اللفظ المعبر عنه . في مرحلة لاحقة تتكون العبارات و التعابير من دمج الكلمات و الألفاظ لتعبر ليس فقط عن الأسياء بل عن العلاقات التي تربط بينها . الفارابي هنا يستخدم أسلوب برهانيا ليحدد العلاقة بين اللفظ و المعنى و يقرر أسبقية المعنى على اللفظ (مخالف بذلك لمدرسة أهل الكلام الذين يعطون الأسبقية للفظ على المعنى ). و بنفس السياق أيضا يقرر أن نظام الألفاظ (اللغة) هي محاولة لمحاكاة نظام الأفكار (في الذهن) و ما نظام الأفكار في الذهن إلا محاولة لمحاكاة نظام الطبيعة في الخارج من علاقات بين الأشياء الفيزيائية المحسوسة [8]. إضافة إلى ذلك فقد تقرر نتيجة تحليل الفارابي أن هناك نظامين : نظام للألفاظ يحاول محاكاة ترتيب العلاقة بين المعاني في النفس، و نظام آخر مستقل للمفهومات و المعقولات تحاول محاكاة ترتيب الأشياء الحسية في الخارج الفيزيائي . و من هنا ضرورة وجود علمين : علوم اللغة أو علم اللسان الذي يعنى بصر ألفاظ اللغة و علاقاتها مع مدلولاتها و معانيها . و علم المنطق الذي يعنى بترتيب العقل للمفاهيم و طرق الاستنتاج السليم للقضايا من البدهيات أي قواعد التفكير السليم.
يلي ذلك حسب ترتيب الفارابي مرحلة جمع اللغة و صون الألفاظ من الدخيل و الغريب ثم تقنين اللغة عن طريق وضع القواعد التي تضبط طريقة كتابتها و نطقها (نشأة علوم النحو) ، و هكذا تتطور ما يمكن تسميته بالعلوم العامية .
يترافق ذلك مع تطور للعلوم العملية من قياس و تقنية ، و من ثم سيتلو ذلك نشأة العلوم القياسية التي تعرف بالعلوم الطبيعية ، هي العلوم بحق ضمن المفهوم الأرسطي الذي يتبناه الفارابي أيضا أي علوم الرياضيات و المنطق و لأسلوب القياسي الاستنتاجي . فتتميز الطرق الاستدلالية : الخطبية و الجدلية و السفسطائية و الاللهمية (الرياضية) و أخيرا البرهانية و يتضح أن المعرفة اليقينية تنحصر في الطرق البرهانية ، و هكذا تتشكل الفلسفة ليليها بعد الذلك نشأة الشريعة أو الدين أو بمصطلح الفارابي الملة فحسب الفاربي : الفلسفة يجب أن تسبق الملة و ما الملة (الشريعة) إلا وسائل خطبية للجمهور و العوام لنقل الحقائق التي نتوصل لها عن طريق الفلسفة [9].
لكن في بعض الحالات (و يقصد هنا حالة الأمة الإسلامية) لا تتشكل الفلسفة في مرحلة مبكرة بل يتشكل الدين بشكل مسبق و من هنا يحصل التعارض بين تأويلات الدين و تاوبلات الفلسفة و واجب الفلاسفة تبيين الحقائق بحيث يبدو ما تقرره الملة ليس إلا مجرد مثالات لما تقرره الفلسفة [10].