أول كاتبة أطفال تحصل على جائزة "بن بينتر"
سناء عبد العزيز 26 يونيو 2022
تغطيات
مالوري بلاكمان قبل العرض الأول لفيلم "أصفار وصلبان" (2/3/2020/Getty)
شارك هذا المقال
حجم الخط
استهدف نادي القلم الدولي (بن)، منذ تأسيسه عام 1921، دعم الكلمة، وإتاحة مساحة تفاعلية لمؤلفيها تسمح لهم بتبادل الرؤى والأفكار. غير أنه في عام 1960 وجد لزامًا عليه أن يولي اهتمامًا خاصًا بالكتاب المضطهدين في جميع أنحاء العالم، ردًا على استشراء محاولات تكميم الأفواه.
وفي ما بعد أن أطلق جائزة أدبية سنوية تكريمًا للكاتب المسرحي الحائز على نوبل للآداب، هارولد بينتر، الذي تكشف أعماله "الهاوية الموجودة خلف قوى الاضطهاد في غرف التعذيب المغلقة"، على حد تعبير الأكاديمية السويدية المانحة لنوبل.
تُمنح جائزة "بن بينتر" إلى "كاتب مقيم في بريطانيا يتمتع بالجدارة الأدبية التي تمكنه من تسليط الضوء بشجاعة على العالم، مبديًا ’تصميمًا فكريًا لا يعرف الهوادة... لكشف حقيقة حياتنا ومجتمعاتنا’". وهي الجائزة الوحيدة التي تسمح للفائز بأن يختار كاتبًا شجاعًا من أي بقعة في العالم، ليشاركه الجائزة، ويُعرف بأنه "شخص تعرض للاضطهاد بسبب جهره بأفكاره ومعتقداته"، ويعلن عنه خلال حفل توزيع الجوائز الذي يقام في المكتبة البريطانية في 10 أكتوبر/ تشرين الأول؛ الذكرى السنوية لميلاد هـ. بينتر.
كان من بين الفائزين السابقين تسيتسي دانغاريمبغا، لينتون كويسي جونسون، مارجريت أتوود، وسلمان رشدي. وشاركهم من الكتاب الشجعان الروائي الأوغندي كاكوينزا روكيراباشيجا، الذي أبرحته حكومته تعذيبًا في أثناء احتجازه عام 2020، والشاعر الإريتري أمانويل أسرات، المعتقل منذ سبتمبر/ أيلول 2001 وسط حملة قمع على وسائل الإعلام الخاصة، وما زال محتجزًا من دون أن توجه له تهمة، أو تجري محاكمته، لأكثر من 20 عامًا في سجن شديد الحراسة.
لِمَ لا تخاطبني كما تخاطب الكبار؟
فازت بالجائزة لهذا العام 2022 الكاتبة البريطانية مالوري بلاكمان، التي أشادت لجنة التحكيم بروايتها الديستوبية "أصفار وصلبان"، لتحديها قضايا الظلم على نحو رائع، وهي أول كاتبة أطفال تحصل على جائزة "بن بينتر" منذ انطلاقها عام 2009.
تقول روث بورثويك، رئيسة لجنة التحكيم، إن بلاكمان "غيرت معايير الكتابة للشباب باختيارها عدم التحدث إلى قرائها مطلقًا داخل عوالمها الخيالية الديناميكية، حيث يعيش أبطالها ويتحدون الظلم بطريقة مثيرة للغاية، لأنها قبل كل شيء راوية قصص رائعة". بينما يرى المحرر والمترجم، دانيال هان، أحد أعضاء لجنة التحكيم، أن تشجيع الشباب على الانخراط في القضايا السياسية والاجتماعية هو بمثابة عمل حيوي، وأن لا أحد استطاع أن يضطلع به أفضل من بلاكمان.
سيكون على بلاكمان أن تلقي كلمة في الحفل، قبل أن تتقاسم الجائزة مع الكاتب الدولي للشجاعة الذي ستختاره من قائمة قصيرة تشمل عددًا من الحالات الدولية رصدها نادي القلم الإنكليزي. وهو ما جعلها تعرب عن امتنانها لمنحها الفرصة لاختيار الفائز معها قائلة: "إن هؤلاء المؤلفين الذين يسعون إلى كتابة حقيقتهم على الرغم من المعارضة الشرسة في كثير من الأحيان، يعرفون حقًا معنى كلمة الشجاعة".
كتبت بلاكمان أكثر من 70 كتابًا للأطفال والشباب، لكنها اشتهرت بسلسلة كتبها "أصفار وصلبان"، التي تدور أحداثها في عالم يحتل "الصلبان" ذوو البشرة الداكنة مناصب القوة والامتياز، في حين يتم تسخير "الأصفار" ذوي البشرة الفاتحة لخدمة الصلبان. هذه الرؤية المتتالية في ستة كتب استغرقت حوالي عشرين عاما من مؤلفاتها حتى تكتمل، بالنظر إلى تاريخ نُشر الكتاب الأول عام 2001 والكتاب الأخير ـ "نهاية اللعبة" ـ عام 2021.
عود أبدي لروميو وجولييت
على الرغم من ازدياد العالم شراسة يومًا عن يوم، وبلوغ القسوة حدًا يتعذر على كثيرين منا احتماله، فلم تزل القصص الرومانسية تتفجر هنا وهناك كاشفة، عن طريق التضاد، الجانب المخزي من الواقع. ربما لأجل هذا استلهمت بلاكمان مأساة روميو وجولييت في روايتها "أصفار وصلبان"، لتطرح من خلالها استحالة أن يعيش شيء لا بديل عنه للنفس البشرية كالحب، وسط العصبية والعنصرية والتحيز والسياسة.
سيفي وكالوم هما المحبان الجديدان اللذان يتناوب السرد بينهما عبر الفصول من منظور مختلف، وإن لم يختلفا كثيرًا على قيمة الصداقة التي نشأت بينهما منذ الطفولة، حيث اعتادا اللعب معًا عندما قامت والدة سيفي بتعيين ميجي ماكجريجور، والدة كالوم، مربية أطفال لديها. ومع تقدمهما في السن، سرعان ما يتضح أن العيش في مجتمع منفصل، إذ تنتمي سيفي ذات البشرة الداكنة إلى الطبقة الحاكمة، مقارنة بكالوم عديم اللون الذي ينتمي إلى الطبقة الدنيا، لن يؤثر فقط على صداقتهما، بل بوسعه أيضًا أن يقودهما إلى نهاية مفجعة.
لقد تمكنت بلاكمان من طرح قضيتها من خلال قلب موازين القوى؛ فماذا لو تغير الممسكون بالدفة، وهيمن الأسود على الأبيض بعد تاريخ طويل بينهما من الاستعباد المهين؟ ما الذي نتوقعه من الآخر الذي جرب ويلات السياسات العرقية والطبقية التي تشكل جزءًا لا يتجزأ من كل مجتمع مهما بلغت درجة وعيه، حين تؤول إليه مقاليد الأمور، سيما مع غياب القوانين والحماية الدستورية من التمييز والعنصرية؟!
بشر حقيقيون في عالم مواز
لا يقتصر الصراع في رواية "أصفار وصلبان" على قضايا العرق والطبقة فحسب، فهنالك أيضًا صراعات لا حصر لها تعتمل داخل الشخصيات نفسها جراء التنشئة في عوالم مسمومة. يريد كالوم أن يصبح شيئًا. فهو يعتقد بقدراته التي تتجاوز ما هو متوقع منه، ومن الصلبان ككل. إنه يستشيط غضبًا من محاولة حكومة الصليب إجباره على الاندماج ببساطة. فهو، وإن كان في حاجة ماسة إلى المساواة، لا يستطيع الانضمام إلى ميليشيا التحرير، لأنهم متوحشون، ويعتقدون أن "الغاية تبرر الوسيلة"، حتى لو كان النصر يعني أن يجر الخراب والموت في أعقابه. إنه أيضًا غاضب من نفسه، لأنه يحب سيفي ـ عضو من الطبقة المهيمنة التي تضطهده وابنة السياسي الثري كمال هادلي، الذي تولى في ما بعد منصب رئيس الوزراء، وله دور فعال في قمع الأصفار وإذلالهم.
يفطن كالوم إلى حقيقة أن حبه لسيفي يعني أن يحب مصدر كل ألمه وكراهيته وغضبه. مع ذلك، وعلى الرغم من موقعها المتميز في المجتمع، فإن سيفي ممتلئة بالخزي، لكونها من الصلبان، وتحاول أن تفعل المستحيل لتنبيه قومها والحرب من أجل تحقيق العدالة وإنقاذ كالوم، وهو ما يجعله دائمًا يشعر بأنه مدين لها.
"عزيزي الله، دعه يسمعني من فضلك.
لو سمحت.
إذا كنت موجودًا حقًا.
في مكانٍ ما".
لا شك في أن عوالم بلاكمان في كتبها الستة تميل إلى الغرائبية، لكن هنالك ما يبدد غرائبيتها كأن تستعين بشخصيات حقيقية مثلنا تمامًا، تخطئ وتصيب، وتمتلئ بالخوف والشك والإحباط والتردد والارتياب، وهو ما يضفي لمسات واقعية تجعلنا نصدقهم حين ينهضون من كبوتهم ويحرزون انتصارًا ما، ومن ثم يفتحون طريقًا للأمل، ويمنحوننا الشجاعة للقتال من أجل ما نؤمن به.
اقتباسات للمسرح والتلفزيون
ذهب النقد إلى أن بلاكمان قلبت التحيز العنصري رأسًا على عقب بسرد مثير للتفكير لكل من المراهقين والبالغين، على حد سواء، استطاع أن يتحدى أفكارنا المسبقة عن المجتمع. كما حظيت بتعليقات إيجابية حين قدمت للمسرح تحت عنوان "بالأسود والأبيض"، من إنتاج شركة شكسبير الملكية. حتى أن بلاكمان نفسها قالت "كنت أعلم أنها في أيد أمينة حقًا".
أعيد اقتباسها مرة أخرى بعنوانها الأصلي في مسرح ديربي في فبراير/ شباط 2019، وقامت بجولة واسعة في المملكة المتحدة. وفي العام نفسه أدرجتها البي بي سي نيوز في قائمتها لأكثر 100 رواية إلهامًا. وضمنتها صحيفة "الغارديان" لاحقًا في قائمتها لأفضل 100 كتاب في القرن الحادي والعشرين.
في أغسطس/ آب 2016، أعلنت الـ(بي بي سي) عن أن مسلسل "أصفار وصلبان" المأخوذ عن رواية بلاكمان سيتم عرضه قريبًا على الشاشة الصغيرة، لكن الحلقة الأولى لم يتم بثها إلا منذ عامين، وتبدأ بوصول سيارة شرطة السود الذين يتربعون على السلطة إلى مكان يحتفل به البيض، ومن بينهم البطل "كالوم" لحصوله على فرصة للالتحاق بالشرطة التي كانت حكرًا على السود، غير أن المسلسل يتجاهل مناوبة السرد بين البطلين حسب رواية بلاكمان، مع الاحتفاظ بالعناصر الأخرى.
لدى حصولها على هذا التكريم، عبرت بلاكمان عن غبطتها وفخرها قائلة إنها قد تكون الأولى التي حظيت بهذا الشرف، ولكنها لن تكون آخر مؤلفة أطفال تفوز بالجائزة، فهنالك عدد من المؤلفين "الشجعان" الذين يكتبون للشباب، و"يعالجون قضايا معقدة بطريقة مبتكرة ومفهومة وغنية بالمعلومات"، وهو ما يعني ازدهار كتابة الأطفال أخيرًا على يد كوكبة واعدة من الكتاب.
سناء عبد العزيز 26 يونيو 2022
تغطيات
مالوري بلاكمان قبل العرض الأول لفيلم "أصفار وصلبان" (2/3/2020/Getty)
شارك هذا المقال
حجم الخط
استهدف نادي القلم الدولي (بن)، منذ تأسيسه عام 1921، دعم الكلمة، وإتاحة مساحة تفاعلية لمؤلفيها تسمح لهم بتبادل الرؤى والأفكار. غير أنه في عام 1960 وجد لزامًا عليه أن يولي اهتمامًا خاصًا بالكتاب المضطهدين في جميع أنحاء العالم، ردًا على استشراء محاولات تكميم الأفواه.
وفي ما بعد أن أطلق جائزة أدبية سنوية تكريمًا للكاتب المسرحي الحائز على نوبل للآداب، هارولد بينتر، الذي تكشف أعماله "الهاوية الموجودة خلف قوى الاضطهاد في غرف التعذيب المغلقة"، على حد تعبير الأكاديمية السويدية المانحة لنوبل.
تُمنح جائزة "بن بينتر" إلى "كاتب مقيم في بريطانيا يتمتع بالجدارة الأدبية التي تمكنه من تسليط الضوء بشجاعة على العالم، مبديًا ’تصميمًا فكريًا لا يعرف الهوادة... لكشف حقيقة حياتنا ومجتمعاتنا’". وهي الجائزة الوحيدة التي تسمح للفائز بأن يختار كاتبًا شجاعًا من أي بقعة في العالم، ليشاركه الجائزة، ويُعرف بأنه "شخص تعرض للاضطهاد بسبب جهره بأفكاره ومعتقداته"، ويعلن عنه خلال حفل توزيع الجوائز الذي يقام في المكتبة البريطانية في 10 أكتوبر/ تشرين الأول؛ الذكرى السنوية لميلاد هـ. بينتر.
كان من بين الفائزين السابقين تسيتسي دانغاريمبغا، لينتون كويسي جونسون، مارجريت أتوود، وسلمان رشدي. وشاركهم من الكتاب الشجعان الروائي الأوغندي كاكوينزا روكيراباشيجا، الذي أبرحته حكومته تعذيبًا في أثناء احتجازه عام 2020، والشاعر الإريتري أمانويل أسرات، المعتقل منذ سبتمبر/ أيلول 2001 وسط حملة قمع على وسائل الإعلام الخاصة، وما زال محتجزًا من دون أن توجه له تهمة، أو تجري محاكمته، لأكثر من 20 عامًا في سجن شديد الحراسة.
لِمَ لا تخاطبني كما تخاطب الكبار؟
فازت بالجائزة لهذا العام 2022 الكاتبة البريطانية مالوري بلاكمان، التي أشادت لجنة التحكيم بروايتها الديستوبية "أصفار وصلبان"، لتحديها قضايا الظلم على نحو رائع، وهي أول كاتبة أطفال تحصل على جائزة "بن بينتر" منذ انطلاقها عام 2009.
"تُمنح جائزة "بن بينتر" إلى "كاتب مقيم في بريطانيا يتمتع بالجدارة الأدبية التي تمكنه من تسليط الضوء بشجاعة على العالم"" |
تقول روث بورثويك، رئيسة لجنة التحكيم، إن بلاكمان "غيرت معايير الكتابة للشباب باختيارها عدم التحدث إلى قرائها مطلقًا داخل عوالمها الخيالية الديناميكية، حيث يعيش أبطالها ويتحدون الظلم بطريقة مثيرة للغاية، لأنها قبل كل شيء راوية قصص رائعة". بينما يرى المحرر والمترجم، دانيال هان، أحد أعضاء لجنة التحكيم، أن تشجيع الشباب على الانخراط في القضايا السياسية والاجتماعية هو بمثابة عمل حيوي، وأن لا أحد استطاع أن يضطلع به أفضل من بلاكمان.
سيكون على بلاكمان أن تلقي كلمة في الحفل، قبل أن تتقاسم الجائزة مع الكاتب الدولي للشجاعة الذي ستختاره من قائمة قصيرة تشمل عددًا من الحالات الدولية رصدها نادي القلم الإنكليزي. وهو ما جعلها تعرب عن امتنانها لمنحها الفرصة لاختيار الفائز معها قائلة: "إن هؤلاء المؤلفين الذين يسعون إلى كتابة حقيقتهم على الرغم من المعارضة الشرسة في كثير من الأحيان، يعرفون حقًا معنى كلمة الشجاعة".
كتبت بلاكمان أكثر من 70 كتابًا للأطفال والشباب، لكنها اشتهرت بسلسلة كتبها "أصفار وصلبان"، التي تدور أحداثها في عالم يحتل "الصلبان" ذوو البشرة الداكنة مناصب القوة والامتياز، في حين يتم تسخير "الأصفار" ذوي البشرة الفاتحة لخدمة الصلبان. هذه الرؤية المتتالية في ستة كتب استغرقت حوالي عشرين عاما من مؤلفاتها حتى تكتمل، بالنظر إلى تاريخ نُشر الكتاب الأول عام 2001 والكتاب الأخير ـ "نهاية اللعبة" ـ عام 2021.
عود أبدي لروميو وجولييت
على الرغم من ازدياد العالم شراسة يومًا عن يوم، وبلوغ القسوة حدًا يتعذر على كثيرين منا احتماله، فلم تزل القصص الرومانسية تتفجر هنا وهناك كاشفة، عن طريق التضاد، الجانب المخزي من الواقع. ربما لأجل هذا استلهمت بلاكمان مأساة روميو وجولييت في روايتها "أصفار وصلبان"، لتطرح من خلالها استحالة أن يعيش شيء لا بديل عنه للنفس البشرية كالحب، وسط العصبية والعنصرية والتحيز والسياسة.
"الجائزة هي الوحيدة التي تسمح للفائز بأن يختار كاتبًا شجاعًا من أي بقعة في العالم ليشاركه الجائزة، ويُعرف بأنه "شخص تعرض للاضطهاد بسبب جهره بأفكاره ومعتقداته"" |
سيفي وكالوم هما المحبان الجديدان اللذان يتناوب السرد بينهما عبر الفصول من منظور مختلف، وإن لم يختلفا كثيرًا على قيمة الصداقة التي نشأت بينهما منذ الطفولة، حيث اعتادا اللعب معًا عندما قامت والدة سيفي بتعيين ميجي ماكجريجور، والدة كالوم، مربية أطفال لديها. ومع تقدمهما في السن، سرعان ما يتضح أن العيش في مجتمع منفصل، إذ تنتمي سيفي ذات البشرة الداكنة إلى الطبقة الحاكمة، مقارنة بكالوم عديم اللون الذي ينتمي إلى الطبقة الدنيا، لن يؤثر فقط على صداقتهما، بل بوسعه أيضًا أن يقودهما إلى نهاية مفجعة.
لقد تمكنت بلاكمان من طرح قضيتها من خلال قلب موازين القوى؛ فماذا لو تغير الممسكون بالدفة، وهيمن الأسود على الأبيض بعد تاريخ طويل بينهما من الاستعباد المهين؟ ما الذي نتوقعه من الآخر الذي جرب ويلات السياسات العرقية والطبقية التي تشكل جزءًا لا يتجزأ من كل مجتمع مهما بلغت درجة وعيه، حين تؤول إليه مقاليد الأمور، سيما مع غياب القوانين والحماية الدستورية من التمييز والعنصرية؟!
بشر حقيقيون في عالم مواز
لا يقتصر الصراع في رواية "أصفار وصلبان" على قضايا العرق والطبقة فحسب، فهنالك أيضًا صراعات لا حصر لها تعتمل داخل الشخصيات نفسها جراء التنشئة في عوالم مسمومة. يريد كالوم أن يصبح شيئًا. فهو يعتقد بقدراته التي تتجاوز ما هو متوقع منه، ومن الصلبان ككل. إنه يستشيط غضبًا من محاولة حكومة الصليب إجباره على الاندماج ببساطة. فهو، وإن كان في حاجة ماسة إلى المساواة، لا يستطيع الانضمام إلى ميليشيا التحرير، لأنهم متوحشون، ويعتقدون أن "الغاية تبرر الوسيلة"، حتى لو كان النصر يعني أن يجر الخراب والموت في أعقابه. إنه أيضًا غاضب من نفسه، لأنه يحب سيفي ـ عضو من الطبقة المهيمنة التي تضطهده وابنة السياسي الثري كمال هادلي، الذي تولى في ما بعد منصب رئيس الوزراء، وله دور فعال في قمع الأصفار وإذلالهم.
يفطن كالوم إلى حقيقة أن حبه لسيفي يعني أن يحب مصدر كل ألمه وكراهيته وغضبه. مع ذلك، وعلى الرغم من موقعها المتميز في المجتمع، فإن سيفي ممتلئة بالخزي، لكونها من الصلبان، وتحاول أن تفعل المستحيل لتنبيه قومها والحرب من أجل تحقيق العدالة وإنقاذ كالوم، وهو ما يجعله دائمًا يشعر بأنه مدين لها.
"عزيزي الله، دعه يسمعني من فضلك.
لو سمحت.
إذا كنت موجودًا حقًا.
في مكانٍ ما".
لا شك في أن عوالم بلاكمان في كتبها الستة تميل إلى الغرائبية، لكن هنالك ما يبدد غرائبيتها كأن تستعين بشخصيات حقيقية مثلنا تمامًا، تخطئ وتصيب، وتمتلئ بالخوف والشك والإحباط والتردد والارتياب، وهو ما يضفي لمسات واقعية تجعلنا نصدقهم حين ينهضون من كبوتهم ويحرزون انتصارًا ما، ومن ثم يفتحون طريقًا للأمل، ويمنحوننا الشجاعة للقتال من أجل ما نؤمن به.
اقتباسات للمسرح والتلفزيون
ذهب النقد إلى أن بلاكمان قلبت التحيز العنصري رأسًا على عقب بسرد مثير للتفكير لكل من المراهقين والبالغين، على حد سواء، استطاع أن يتحدى أفكارنا المسبقة عن المجتمع. كما حظيت بتعليقات إيجابية حين قدمت للمسرح تحت عنوان "بالأسود والأبيض"، من إنتاج شركة شكسبير الملكية. حتى أن بلاكمان نفسها قالت "كنت أعلم أنها في أيد أمينة حقًا".
أعيد اقتباسها مرة أخرى بعنوانها الأصلي في مسرح ديربي في فبراير/ شباط 2019، وقامت بجولة واسعة في المملكة المتحدة. وفي العام نفسه أدرجتها البي بي سي نيوز في قائمتها لأكثر 100 رواية إلهامًا. وضمنتها صحيفة "الغارديان" لاحقًا في قائمتها لأفضل 100 كتاب في القرن الحادي والعشرين.
"ذهب النقد إلى أن بلاكمان قلبت التحيز العنصري رأسًا على عقب بسرد مثير للتفكير لكل من المراهقين والبالغين، على حد سواء، استطاع أن يتحدى أفكارنا المسبقة عن المجتمع" |
في أغسطس/ آب 2016، أعلنت الـ(بي بي سي) عن أن مسلسل "أصفار وصلبان" المأخوذ عن رواية بلاكمان سيتم عرضه قريبًا على الشاشة الصغيرة، لكن الحلقة الأولى لم يتم بثها إلا منذ عامين، وتبدأ بوصول سيارة شرطة السود الذين يتربعون على السلطة إلى مكان يحتفل به البيض، ومن بينهم البطل "كالوم" لحصوله على فرصة للالتحاق بالشرطة التي كانت حكرًا على السود، غير أن المسلسل يتجاهل مناوبة السرد بين البطلين حسب رواية بلاكمان، مع الاحتفاظ بالعناصر الأخرى.
لدى حصولها على هذا التكريم، عبرت بلاكمان عن غبطتها وفخرها قائلة إنها قد تكون الأولى التي حظيت بهذا الشرف، ولكنها لن تكون آخر مؤلفة أطفال تفوز بالجائزة، فهنالك عدد من المؤلفين "الشجعان" الذين يكتبون للشباب، و"يعالجون قضايا معقدة بطريقة مبتكرة ومفهومة وغنية بالمعلومات"، وهو ما يعني ازدهار كتابة الأطفال أخيرًا على يد كوكبة واعدة من الكتاب.