في رحيل جيري لويس.. أول عازف روك على البيانو
سمير رمان 13 نوفمبر 2022
تغطيات
جيري لي لويس (أغسطس 1957/ Getty)
شارك هذا المقال
حجم الخط
توفي في 28 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، عن عمرٍ ناهز 87 عامًا، في مدينة ممفيس بولاية تينيسي في الولايات المتحدة الأميركية، أحد أهمّ رواد موسيقى روك آند رول، عازف البيانو الأكثر شهرةً في أميركا، ومؤلّف الأغاني، جيري لي لويس/ Jerry Lee Lewis.
لويس هو من ابتدع عزف موسيقى الروك آند رول على البيانو. كانت الفكرة بسيطةً للغاية، فقد استطاعت أصابعه الفريدة أن تحوّل البيانو إلى أوتار ضاربة. وعندما لم تكن أصابع اليدين كافية، كان جيري لويس يشرك قبضتيه ومرفقيه وكوعيه، ليحرر طاقةً كتلك التي يستخرجها تشاك بريمن من غيتاره الإلكتروني. لم يكن هذا الأسلوب مفاجئًا، لأنّ موسيقى روك آند رول كانت في بداياتها مجرّد سيركٍ استعراضي في المقام الأوّل.
إبداع لويس لم يكن يقتصر على التأثيرات البصرية، بل كان بإيجاد توافق بين العزف بأسلوب البوغي ـ فوغي، وبين أسلوب كورال التراتيل الإنجيلية. كما أضافت استعراضاته المميزة إحساسًا بالغ التوتر مصدره العازف وآلته معًا.
ولد لويس في عائلة فقيرة في بلدة فيريدي في ولاية لويزيانا. وهناك تعلّم مع ابن عمّه منذ نعومة أظفارهما العزف على البيانو. بدأت مسيرته الاحترافية في ممفيس، حيث وجد هناك رجلًا يدعمه ويقدر موهبته. كان الرجل هو سام فيليبس، صاحب Sun Records، الذي كان حينها يبحث عن نجمٍ جديد من نجوم الروك آند رول ليحلَ مكان إلفيس بريسلي، الذي كان عقده مع الاستديو قد شارف على الانتهاء، لتؤول جميع مؤلفاته إلى العلامة التجارية الجديدة RCA.
في استديوهات Sun Records، سجّل لويس كثيرًا من معزوفاته الشهيرة، بما فيها مؤلفات تقليدية للروك آند رول، مثل:"Whole Lotta Shakin Goin On" ـ "Great Balls Of Fire" ـ "High School Confidentional" ـ "Great Balls Of Fire".
لكنّ حلم لويس بأن يصبح بريسلي الجديد لم يتحقق أبدًا، وبقي يعاني من عقدة الرجل الثاني التي بقيت تعذبه حتى شيخوخته.
تلقى لويس دعوةً عام 1976 من إلفيس بريسلي لزيارته في مزرعته. وعندما وصل إلى المزرعة أوقفه الحرّاس عند البوابة مستفسرين عن هدف الزيارة، فأخرج لويس مسدّسه، وقال: جئت كي أقتل بريسلي.
لقب القاتل اكتسبه لويس نتيجة تعامله العاصف مع البيانو بالدرجة الأولى. إلا أنّ اللقب التصق به بعد إطلاقه النار، أثناء احتفاله بعيد ميلاده الواحد والأربعين، على زميله عازف الغيتار، فجرحه في صدره. ولم تفلح جميع تبريراته التي تفيد أنّ الحادثة كانت مجرد مزحةً فاشلة في تخليصه من لقب القاتل.
لاحقت الفضائح عازف البيانو الشهير من دون توقف، وأشهرها فضيحة أثيرت بعد إلغاء حفلات كانت مقررة في إنكلترا واسكتلندا، نتيجة نشر الصحافة البريطانية خبر زواجه من قريبته مايرا براون (13 عامًا). في هذا المجال، استطاع لويس أن يتفوق على إلفيس بريسلي، الذي سبق له أن دخل في علاقةٍ غرامية مع بريسيلا بوليو، قبل أن تصبح بريسيلا بريسلي، عندما كانت في الرابعة عشرة من عمرها فقط.
بعد عودته إلى الولايات المتحدة الأميركية، استقبل لويس بفتور، وتوقفت معظم محطات الراديو لفترة طويلة عن بثّ أغانيه على موجاتها.
خلال ربع قرنٍ من مسيرته المهنية، أطلق لويس 38 ألبومًا، ولكنّ إصداراته تراجعت بشكلٍ حادّ في سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين، واقتصر نشاطه على إصدار أسطوانة واحدة أو اثنتين في كلّ عقدٍ. لكنّ القرن الواحد والعشرين شهد تحسّنًا في نشاط لويس، فسجّل ثلاثة ألبوماتٍ مكثفة، الأمر الذي شكّل، بالنسبة لرجلٍ متقدّمٍ في العمر، إنجازًا مثيرًا.
أخذت استديوهات تحمل العلامة التجارية على عاتقها جميع تكاليف الإصدار بكلّ طيب خاطر، حين رأى زملاء لويس الأصغر سنًّا، مثل: ميك جاغر، وجيمي بيج، وكريس روك، أنّ استضافة لويس للتسجيل في استوديوهاتهم هو تشريفٌ لهم.
في عام 1989، حول المخرج جيم ماكبرايد كتاب مايرا براون، وهو السيرة الذاتية لجيري لويس، إلى فيلمٍ بعنوان: "الكرات النارية العظيمة/ Great Balls Of Fire!"، لعب الدور الرئيس فيه دينيس كويد/Dennis Quaid ، في حين لعبت الممثلة وينونا رايدر/ Winona Ryder دور مايرا. ويتحدث الفيلم عن حياة لويس منذ الطفولة وصولًا إلى عام الفضيحة 1958. كتب الموسيقار معظم أغاني الفيلم. في فيلمٍ آخر من أفلام السيرة الذاتية بعنوان "تخطي الخطوط" عن جوني كاش (2005) ، كان للويس دور مميز في الفيلم.
جاء إدراج الفنان في قاعة مجد فنّ (الكاونتري) كآخر إنجازات لويس (القاتل). ولا عجب في ذلك، لأنّه واعتبارًا من نهاية ستينيات القرن الماضي، كانت جميع مآثره الفنية تدور في ساحات هذه السوق الفنية بالتحديد. لم يتمكّن لويس من الحضور شخصيًا للمشاركة في هذا الحدث المهمّ في مسيرته الفنية، فقد كانت حالته الصحية تزداد سوءًا، ولذلك تولى موسيقي مهم آخر، هو كريس كريستوفرسون، مهمة تقليد الفنان الجائزة في منزله.
يقال إنّ لويس احتفظ في منزله حتى يوم وفاته بالبيانو الذي أهداه له والده. أليس هذا الوفاء بعينه، عندما يعيش المرء 87 سنة، مرّ خلالها في أطوار الشهرة، وعانى من النسيان والتجاهل، وحلّ ضيفًا في السجن، وأشهر إفلاسه، ومن ثمّ عاد من جديد إلى أضواء الشهرة، ورغم كلّ ذلك يحتفظ بآلة الموسيقى التي عزف عليها في طفولته؟
سمير رمان 13 نوفمبر 2022
تغطيات
جيري لي لويس (أغسطس 1957/ Getty)
شارك هذا المقال
حجم الخط
توفي في 28 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، عن عمرٍ ناهز 87 عامًا، في مدينة ممفيس بولاية تينيسي في الولايات المتحدة الأميركية، أحد أهمّ رواد موسيقى روك آند رول، عازف البيانو الأكثر شهرةً في أميركا، ومؤلّف الأغاني، جيري لي لويس/ Jerry Lee Lewis.
لويس هو من ابتدع عزف موسيقى الروك آند رول على البيانو. كانت الفكرة بسيطةً للغاية، فقد استطاعت أصابعه الفريدة أن تحوّل البيانو إلى أوتار ضاربة. وعندما لم تكن أصابع اليدين كافية، كان جيري لويس يشرك قبضتيه ومرفقيه وكوعيه، ليحرر طاقةً كتلك التي يستخرجها تشاك بريمن من غيتاره الإلكتروني. لم يكن هذا الأسلوب مفاجئًا، لأنّ موسيقى روك آند رول كانت في بداياتها مجرّد سيركٍ استعراضي في المقام الأوّل.
إبداع لويس لم يكن يقتصر على التأثيرات البصرية، بل كان بإيجاد توافق بين العزف بأسلوب البوغي ـ فوغي، وبين أسلوب كورال التراتيل الإنجيلية. كما أضافت استعراضاته المميزة إحساسًا بالغ التوتر مصدره العازف وآلته معًا.
ولد لويس في عائلة فقيرة في بلدة فيريدي في ولاية لويزيانا. وهناك تعلّم مع ابن عمّه منذ نعومة أظفارهما العزف على البيانو. بدأت مسيرته الاحترافية في ممفيس، حيث وجد هناك رجلًا يدعمه ويقدر موهبته. كان الرجل هو سام فيليبس، صاحب Sun Records، الذي كان حينها يبحث عن نجمٍ جديد من نجوم الروك آند رول ليحلَ مكان إلفيس بريسلي، الذي كان عقده مع الاستديو قد شارف على الانتهاء، لتؤول جميع مؤلفاته إلى العلامة التجارية الجديدة RCA.
في استديوهات Sun Records، سجّل لويس كثيرًا من معزوفاته الشهيرة، بما فيها مؤلفات تقليدية للروك آند رول، مثل:"Whole Lotta Shakin Goin On" ـ "Great Balls Of Fire" ـ "High School Confidentional" ـ "Great Balls Of Fire".
لكنّ حلم لويس بأن يصبح بريسلي الجديد لم يتحقق أبدًا، وبقي يعاني من عقدة الرجل الثاني التي بقيت تعذبه حتى شيخوخته.
تلقى لويس دعوةً عام 1976 من إلفيس بريسلي لزيارته في مزرعته. وعندما وصل إلى المزرعة أوقفه الحرّاس عند البوابة مستفسرين عن هدف الزيارة، فأخرج لويس مسدّسه، وقال: جئت كي أقتل بريسلي.
لقب القاتل اكتسبه لويس نتيجة تعامله العاصف مع البيانو بالدرجة الأولى. إلا أنّ اللقب التصق به بعد إطلاقه النار، أثناء احتفاله بعيد ميلاده الواحد والأربعين، على زميله عازف الغيتار، فجرحه في صدره. ولم تفلح جميع تبريراته التي تفيد أنّ الحادثة كانت مجرد مزحةً فاشلة في تخليصه من لقب القاتل.
"إبداع لويس لم يكن يقتصر على التأثيرات البصرية، بل كان بإيجاد توافق بين العزف بأسلوب البوغي ـ فوغي، وبين أسلوب كورال التراتيل الإنجيلية" |
لاحقت الفضائح عازف البيانو الشهير من دون توقف، وأشهرها فضيحة أثيرت بعد إلغاء حفلات كانت مقررة في إنكلترا واسكتلندا، نتيجة نشر الصحافة البريطانية خبر زواجه من قريبته مايرا براون (13 عامًا). في هذا المجال، استطاع لويس أن يتفوق على إلفيس بريسلي، الذي سبق له أن دخل في علاقةٍ غرامية مع بريسيلا بوليو، قبل أن تصبح بريسيلا بريسلي، عندما كانت في الرابعة عشرة من عمرها فقط.
جيري لي لويس مع زوجته الثالثة مايرا التي تزوجها وهي في سن 13 عامًا. الصورة في بريطانيا (8/ 5/ 1962/Getty) |
خلال ربع قرنٍ من مسيرته المهنية، أطلق لويس 38 ألبومًا، ولكنّ إصداراته تراجعت بشكلٍ حادّ في سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين، واقتصر نشاطه على إصدار أسطوانة واحدة أو اثنتين في كلّ عقدٍ. لكنّ القرن الواحد والعشرين شهد تحسّنًا في نشاط لويس، فسجّل ثلاثة ألبوماتٍ مكثفة، الأمر الذي شكّل، بالنسبة لرجلٍ متقدّمٍ في العمر، إنجازًا مثيرًا.
أخذت استديوهات تحمل العلامة التجارية على عاتقها جميع تكاليف الإصدار بكلّ طيب خاطر، حين رأى زملاء لويس الأصغر سنًّا، مثل: ميك جاغر، وجيمي بيج، وكريس روك، أنّ استضافة لويس للتسجيل في استوديوهاتهم هو تشريفٌ لهم.
"أشهر فضيحة أثيرت حول سلوك لويس جاءت بعد إلغاء حفلات كانت مقررة في إنكلترا واسكتلندا، نتيجة نشر الصحافة البريطانية خبر زواجه من قريبته مايرا براون (13 عامًا)" |
في عام 1989، حول المخرج جيم ماكبرايد كتاب مايرا براون، وهو السيرة الذاتية لجيري لويس، إلى فيلمٍ بعنوان: "الكرات النارية العظيمة/ Great Balls Of Fire!"، لعب الدور الرئيس فيه دينيس كويد/Dennis Quaid ، في حين لعبت الممثلة وينونا رايدر/ Winona Ryder دور مايرا. ويتحدث الفيلم عن حياة لويس منذ الطفولة وصولًا إلى عام الفضيحة 1958. كتب الموسيقار معظم أغاني الفيلم. في فيلمٍ آخر من أفلام السيرة الذاتية بعنوان "تخطي الخطوط" عن جوني كاش (2005) ، كان للويس دور مميز في الفيلم.
جاء إدراج الفنان في قاعة مجد فنّ (الكاونتري) كآخر إنجازات لويس (القاتل). ولا عجب في ذلك، لأنّه واعتبارًا من نهاية ستينيات القرن الماضي، كانت جميع مآثره الفنية تدور في ساحات هذه السوق الفنية بالتحديد. لم يتمكّن لويس من الحضور شخصيًا للمشاركة في هذا الحدث المهمّ في مسيرته الفنية، فقد كانت حالته الصحية تزداد سوءًا، ولذلك تولى موسيقي مهم آخر، هو كريس كريستوفرسون، مهمة تقليد الفنان الجائزة في منزله.
يقال إنّ لويس احتفظ في منزله حتى يوم وفاته بالبيانو الذي أهداه له والده. أليس هذا الوفاء بعينه، عندما يعيش المرء 87 سنة، مرّ خلالها في أطوار الشهرة، وعانى من النسيان والتجاهل، وحلّ ضيفًا في السجن، وأشهر إفلاسه، ومن ثمّ عاد من جديد إلى أضواء الشهرة، ورغم كلّ ذلك يحتفظ بآلة الموسيقى التي عزف عليها في طفولته؟