استبدال بطل المسرحية الكلاسيكية ببطلة.. "الملكة لير" بالمسرح الإسباني
أحمد عبد اللطيف 11 نوفمبر 2022
تغطيات
المؤلف المسرحي خوان كارلوس روبيو ومشهد من العمل
شارك هذا المقال
حجم الخط
ماذا لو استبدلنا أبطال المسرحيات الكلاسيكية ببطلات؟ هل يمكن أن تتغير الأحداث؟ هل يمكن للمرأة أن تحسّن من مصير الأفراد في مملكتها؟ كانت هذه الأسئلة تراود المؤلف المسرحي الإسباني، خوان كارلوس روبيو، حتى توصّل إلى اختيار مسرحية "الملك لير" لشكسبير ليجعلها "الملكة لير" ويعرضها على المسرح الإسباني بوسط مدريد قبل مدة وجيزة (في تشرين الأول/أكتوبر الماضي).
يقول روبيو، في تصريح لجريدة "الكولتورال" الإسبانية، إنه لا يعمل باعتقاد أنه يقدم شيئًا ذا قيمة. هذا التواضع كنقطة انطلاق يصلح عند تناول أحد نصوص شكسبير، إذ النص نفسه يتمتع بعبقرية ستغطي على ما دونه. "لا شيء يحركني إلا دافع شخصي: هذا الموضوع يهمني وسأعمله فيه"، يقول روبيو. وما كان يهمه هذه المرة أن يبدّل جنس البطل: بدلًا من أن يكون رجلًا يمكن أن يكون امرأة. هذا التغيير الراديكالي انطلق من سؤال جوهري: هل ستتغير مقاليد الحكم لو حكمت امرأة؟
قدمت الديمقراطية الأوروبية العديد من الوجوه النسائية اللامعة مثل أنجيلا ميركل ومارغريت تاتشر، ما دفع المؤلف الإسباني للتفكير في أنه ما من فرق بين الجنسين. يقول روبيو: "على طول التاريخ كان ثمة ملكات ورئيسات، لكن البطريركية بوجودها الساحق حددت خطوطًا للنساء لا يمكن تجاوزها، فكان توريث السلطة من جيل لجيل بين رجل ورجل، كأنه قانون لا يمكن اختراقه".
يضيف روبيو أن العرض الذي تقوم ببطولته منى مارتينيث في دور الملكة، ليس الهدف منه تقديم إجابات معلبة، وإنما طرح أسئلة تطفو على السطح. شارك روبيو الفكرة مع المخرجة ناتاليا مننديث لتعد سينوغرافية العمل، وهي المسؤولة الفنية رقم واحد في المسرح الإسباني، وهي أيضًا مديرة المونتاج. تحمست مننديث للمشروع وشرعا في العمل. ومع تطور البروفات ساهمت منندث في الكتابة وتطوير الحبكة.
يقول المؤلف القرطبي: "ساعات طويلة من الحديث والقراءات والكتابة والقهوة كانت نتيجتها إعادة بناء النص، منحه لحم ودم جديدين". هكذا جاءت "الملكة لير" في نسخة خاصة مطعمة بنصوص أخرى لشكسبير مثل "هاملت" و"العاصفة". عكف روبيو على تمشيط أعمال شكسبير الكاملة لتلهمه ما يخدمه في تشكيل الملكة، فغدا العمل تشكيلة تعبر أيضًا عن رؤية مسرحية شكسبيرية.
لا يحب روبيو أن يتحدث عن مكانة هذا العمل بالتحديد بين أعمال شكسبير العظيمة، يقول: "مضيعة للوقت، فأنا أهتم بكل ما كتبه، حتى أخطاؤه كانت درسًا. و"الملك لير" نص مليء بالفضائل، وعاء كبير للشرط الإنساني".
لم يتوقف مؤلف "جروح الريح" عن تجاوز تفاصيل أخرى في العمل المسرحي، إذ أنه "أضاف بذرة احتمال للطيبة" كما يقول، معتقدًا أن الأشياء يمكن أن تكون على وجه أفضل.
مؤلف متعدّد المواهب
منذ أن أنهى روبيو دراسة المسرح عام 1990 وهو يكرس حياته لكتابة سيناريوهات تلفزيونية وسينمائية، والتمثيل والإخراج. في عام 2008 ترشح لجائزة غويا لأفضل سيناريو أصلي عن "العودة إلى هانسالا"، وفي عام 2010 فاز بالجائزة الفضية لأفضل سيناريو في مهرجان مالاغا السينمائي عن "بون ابيتي دابيد بينيوس". عُرضت مسرحياته في العديد من الدول منها بيرو وتشيلي وكوستاريكا والولايات المتحدة وألمانيا وسويسرا واليونان وسلوفاكيا وإيطاليا. وفي عام 2013 فاز بجائزة لوبيد ي بيجا المسرحية عن عمله "شكسبير لم يوجد هنا أبدًا". وفي عام 2014 فاز يجائزة أندالوثيا للنقد في الكتابة المسرحية عن مسرحية "سأكون مختصرًا". وفي تشرين الثاني/ نوفمبر 2017 فاز بجائزة أفضل سينمائي بأندالوثيا عن فيلمه "جروح الريح".
النسخة النسائية
تقدم النسخة النسائية برؤية المخرجة ناتاليا مننديث جوانب كثيرة مثيرة للاهتمام، غير أن التمثيل وتهيئة النص أضعفا التعبير عن التراجيديا، بحسب الناقدة ليز بيراليس.
تقول مننديث إن هذه النسخة تنطلق من فكرة تطويع المسرح من أجل تخيل إن كان ثمة فروقات بين حكم الرجل وحكم المرأة، وطرح سؤال هل ممارسة السلطة من النموذج البطريركي يؤدي إلى العنف أم يتطلع إلى السلام؟
نسخة روبيو ومننديث تعتمد على ستة ممثلين فحسب (العمل الأصلي يضم 18)، وتضم مقاطع من النص الأصلي، وتلخص القصة في أقل من ساعتين، وهي مدة عرض ليست قليلة. في هذه النسخة تحذف مننديث الحبكة الثانية، الخاصة بالكونت جلوستيري وأبنائه. كذلك تركز الموضوعات الرئيسية على: طمع البنات في السلطة السياسية على حساب خيانة الأم، حرب عائلية بين الأخوات، ثم التأمل في مسيرة الحياة وتقلبات القدر وخطورة بلوغ النضج، وفتح الطريق للأجيال الشابة بأفكارهم المثالية التي تواجه العجائز.
أحمد عبد اللطيف 11 نوفمبر 2022
تغطيات
المؤلف المسرحي خوان كارلوس روبيو ومشهد من العمل
شارك هذا المقال
حجم الخط
ماذا لو استبدلنا أبطال المسرحيات الكلاسيكية ببطلات؟ هل يمكن أن تتغير الأحداث؟ هل يمكن للمرأة أن تحسّن من مصير الأفراد في مملكتها؟ كانت هذه الأسئلة تراود المؤلف المسرحي الإسباني، خوان كارلوس روبيو، حتى توصّل إلى اختيار مسرحية "الملك لير" لشكسبير ليجعلها "الملكة لير" ويعرضها على المسرح الإسباني بوسط مدريد قبل مدة وجيزة (في تشرين الأول/أكتوبر الماضي).
يقول روبيو، في تصريح لجريدة "الكولتورال" الإسبانية، إنه لا يعمل باعتقاد أنه يقدم شيئًا ذا قيمة. هذا التواضع كنقطة انطلاق يصلح عند تناول أحد نصوص شكسبير، إذ النص نفسه يتمتع بعبقرية ستغطي على ما دونه. "لا شيء يحركني إلا دافع شخصي: هذا الموضوع يهمني وسأعمله فيه"، يقول روبيو. وما كان يهمه هذه المرة أن يبدّل جنس البطل: بدلًا من أن يكون رجلًا يمكن أن يكون امرأة. هذا التغيير الراديكالي انطلق من سؤال جوهري: هل ستتغير مقاليد الحكم لو حكمت امرأة؟
قدمت الديمقراطية الأوروبية العديد من الوجوه النسائية اللامعة مثل أنجيلا ميركل ومارغريت تاتشر، ما دفع المؤلف الإسباني للتفكير في أنه ما من فرق بين الجنسين. يقول روبيو: "على طول التاريخ كان ثمة ملكات ورئيسات، لكن البطريركية بوجودها الساحق حددت خطوطًا للنساء لا يمكن تجاوزها، فكان توريث السلطة من جيل لجيل بين رجل ورجل، كأنه قانون لا يمكن اختراقه".
"ما كان يهم المؤلف المسرحي الإسباني خوان كارلوس روبيو أن يبدّل جنس البطل: بدلًا من أن يكون رجلًا يمكن أن يكون امرأة. هذا التغيير الراديكالي انطلق من سؤال جوهري: هل ستتغير مقاليد الحكم لو حكمت امرأة؟" |
يقول المؤلف القرطبي: "ساعات طويلة من الحديث والقراءات والكتابة والقهوة كانت نتيجتها إعادة بناء النص، منحه لحم ودم جديدين". هكذا جاءت "الملكة لير" في نسخة خاصة مطعمة بنصوص أخرى لشكسبير مثل "هاملت" و"العاصفة". عكف روبيو على تمشيط أعمال شكسبير الكاملة لتلهمه ما يخدمه في تشكيل الملكة، فغدا العمل تشكيلة تعبر أيضًا عن رؤية مسرحية شكسبيرية.
لا يحب روبيو أن يتحدث عن مكانة هذا العمل بالتحديد بين أعمال شكسبير العظيمة، يقول: "مضيعة للوقت، فأنا أهتم بكل ما كتبه، حتى أخطاؤه كانت درسًا. و"الملك لير" نص مليء بالفضائل، وعاء كبير للشرط الإنساني".
لم يتوقف مؤلف "جروح الريح" عن تجاوز تفاصيل أخرى في العمل المسرحي، إذ أنه "أضاف بذرة احتمال للطيبة" كما يقول، معتقدًا أن الأشياء يمكن أن تكون على وجه أفضل.
مؤلف متعدّد المواهب
منذ أن أنهى روبيو دراسة المسرح عام 1990 وهو يكرس حياته لكتابة سيناريوهات تلفزيونية وسينمائية، والتمثيل والإخراج. في عام 2008 ترشح لجائزة غويا لأفضل سيناريو أصلي عن "العودة إلى هانسالا"، وفي عام 2010 فاز بالجائزة الفضية لأفضل سيناريو في مهرجان مالاغا السينمائي عن "بون ابيتي دابيد بينيوس". عُرضت مسرحياته في العديد من الدول منها بيرو وتشيلي وكوستاريكا والولايات المتحدة وألمانيا وسويسرا واليونان وسلوفاكيا وإيطاليا. وفي عام 2013 فاز بجائزة لوبيد ي بيجا المسرحية عن عمله "شكسبير لم يوجد هنا أبدًا". وفي عام 2014 فاز يجائزة أندالوثيا للنقد في الكتابة المسرحية عن مسرحية "سأكون مختصرًا". وفي تشرين الثاني/ نوفمبر 2017 فاز بجائزة أفضل سينمائي بأندالوثيا عن فيلمه "جروح الريح".
"تقدم النسخة النسائية برؤية المخرجة ناتاليا مننديث جوانب كثيرة مثيرة للاهتمام، غير أن التمثيل وتهيئة النص أضعفا التعبير عن التراجيديا، بحسب الناقدة ليز بيراليس" |
تقدم النسخة النسائية برؤية المخرجة ناتاليا مننديث جوانب كثيرة مثيرة للاهتمام، غير أن التمثيل وتهيئة النص أضعفا التعبير عن التراجيديا، بحسب الناقدة ليز بيراليس.
تقول مننديث إن هذه النسخة تنطلق من فكرة تطويع المسرح من أجل تخيل إن كان ثمة فروقات بين حكم الرجل وحكم المرأة، وطرح سؤال هل ممارسة السلطة من النموذج البطريركي يؤدي إلى العنف أم يتطلع إلى السلام؟
نسخة روبيو ومننديث تعتمد على ستة ممثلين فحسب (العمل الأصلي يضم 18)، وتضم مقاطع من النص الأصلي، وتلخص القصة في أقل من ساعتين، وهي مدة عرض ليست قليلة. في هذه النسخة تحذف مننديث الحبكة الثانية، الخاصة بالكونت جلوستيري وأبنائه. كذلك تركز الموضوعات الرئيسية على: طمع البنات في السلطة السياسية على حساب خيانة الأم، حرب عائلية بين الأخوات، ثم التأمل في مسيرة الحياة وتقلبات القدر وخطورة بلوغ النضج، وفتح الطريق للأجيال الشابة بأفكارهم المثالية التي تواجه العجائز.