حمزة باشر: الشعر هامشيّ في المشهد الأدبي في تشاد
صدام الزيدي 31 أكتوبر 2022
حوارات
الشاعر التشادي حمزة باشر
شارك هذا المقال
حجم الخط
صدرت للشاعر التشادي، حمزة طاهر باشر، المولود في أنجمينا العاصمة يوم 21 أبريل/ نيسان 1993، إلى الآن، مجموعتان شعريتان هما: "لحن يسافر في الريح" عن دار متن في العراق (2019)، و"ترانيم الكادح تحت سماء أنجمينا" عن دار النهضة العربية في لبنان (2022). وبالإضافة إلى ذلك، يعد حمزة حاليًا لمجموعة ثالثة تحمل عنوان "تماثيل صغيرة من صلصال مشوي". وله أيضًا كتاب بعنوان "في فضاء السياسة" هو عبارة عن مجموعة مقالات صحافية.
في عام 2022 الحالي، حصل باشر على ماجستير في التاريخ المعاصر من جامعة الملك فيصل، وهو يعمل في الوقت الحاليّ مديرًا لإحدى المدارس الإعدادية/ الثانوية في أنجمينا، وفي أثناء ذلك عمل مراسلًا صحافيًا، ونشرت قصائده في مجلات وصحف تشادية وعربية.
هذه الدردشة الحوارية السريعة مع حمزة باشر، أحد أصوات قصيدة النثر الشابة في تشاد، والذي يكتب بالعربية في بلد يتحدث الناس فيه العربية والفرنسية (اللغتان الرسميتان هناك)، تأخذنا إلى فضاءٍ (خارج الأضواء) قد يبدو جديدًا على المتلقي العربي، عندما يتحدث باشر عن تراجع الشعر وفشله في حجز موقع مرموق بين أصناف الأدب والكتابة في تشاد التي تعيش واقعًا اقتصاديًا مترديًا، وتنقسم إلى إثنيات وأنماط ثقافية تُوسع من هوّة غياب التقارب الثقافي وهموم التحديث الأدبيّ المنشودة.
هنا نص الحوار:
(*) نكاد لا نعرف كثيرًا عن الشعر في تشاد، فكيف هي أحوال الشعر هناك؟
إذا تعاملنا مع حركة الشعر التشادي، من زاوية زمنية، سنجد أن الشعر كان الفعل الأدبي الوحيد في الفترات الأولى من تاريخ هذه الدولة، قبل الاستعمار، وسنتذكر تلك الصور الشعرية التي عكفت على كتابة الألم، وكل ما له علاقة بالمأساة.
ولكن للأسف، لا يزال الشعر في تشاد متأخرًا في أن ينتزع مكانته بين الآداب والفنون الأخرى، وذلك يقودنا إلى الحديث عن محنة حقيقية يواجهها الشعر، وتتمثل في فشله في استيعاب مشهد مليء بالصور والتشابكات والاختلافات والإخفاقات. حتى في زمن الانفتاح على وسائل التعبير الحديثة، ما يزال الشعر هنا متأخرًا وهامشيًا في تفاعلات المشهد الأدبي والثقافي العام.
ودعني أقتبس ما قاله يومًا الشاعر التشادي "كولسي": "إن تشاد نفسها مسرح، حيث يتم لعب كل المشاعر المستوحاة من ثاناتوس! هناك كل شيء لإسكات الأفكار، لجعلها تطير بعيدًا بكل أجنحتها الصغيرة".
(*) في أفق كهذا، لا بد أن قصيدة النثر ستكون الأقلّ كتابة...؟
لا تزال الخطى بعيدة، وتنأى بنفسها عن أن تغامر في اكتشاف عوالم قصيدة النثر، فهي متأخرة جدًا، وأقل مقروئية في المشهد الأدبي التشادي، طبعًا للأسف.
في الربع الأخير من القرن المنصرم، كُتبت محاولات أولى لقصيدة نثر، لكنها لا تزال حتى الآن أسيرة بين "نمرود" الذي يعيش ويكتب في باريس، ومويس موجنان، وعبدياس نيباردوم (لجآ إلى مونتريال)، وكولسي لامكو، ونوكي دجدانون (اللذين يتجولان حاليًا بين لومي وواغادوغو). وإن المحاولات التي اجترحها هؤلاء، وإن بدت متوترة في معظمها، تجعل من هذه القصيدة أكثر افتعالًا في مساحات خارج حدود تشاد. أما في الداخل التشادي الآن فثمة أقلام تكتب قصيدة النثر بالعربية، مثل موسى شاري، وعطية جواد، ولكن تجربتهما للأسف لم تر النور، ولم يلتفت لها كثيرون، ما عدا ما هو مكتوب بالفرنسية، فقد نال حظوة طفيفة.
(*) صدرت لك باكورتان شعريتان عبر دور نشر عربية.. هل ذلك بسبب غياب حركة النشر بالعربية في الداخل التشادي؟
إن النشر في الصحف الخارجية مثّل بالنسبة إليّ بداية الطريق لربط علاقات مع أدباء وناشرين، ومثقفين بشكل عام، الأمر الذي أسهم في نشر مجموعتين شعريتين هما باكورة أعمالي. وجاء ذلك لأن الكتابة بالعربية لم تجد مبتغاها بشكل واسع في الداخل إلا مؤخرًا وتلبية لإصرار بعض المنتمين إلى الجيل الشاب من الكتاب على السير على خطى أسلاف قليلين جدًا من الجيل السابق لجيلنا. نأمل، مستقبلًا، أن تتسع حركة النشر باللغة العربية في تشاد.
لغتان وإثنيات عدة
(*) العربية والفرنسية هما لغتان رئيستان للمجتمع التشادي. هل حاولت الكتابة بالفرنسية؟
ما زلت أحاول قراءة ذاتي الأخرى، الكاتبة بالفرنسية، هذه اللغة التي ما برحت تدهشنا باستكشاف عوالمها. ثم إن الكتابة بلغتين أمر في حاجة للدربة المستمرة، ولهذا يظل التفكير فيها للبقية القادمة من الزمن.
(*) دراستك للتاريخ، هل تبتعد بك عن الشعر؟
المقارنة بين حقل العلوم الإنسانية من جهة والمجالات الفنية والأدبية من جهة أخرى، تفضي إلى حقيقة أن التاريخ هو جزء من عناصر تشكّل المعرفة على طريق البناء الانساني والمجتمعي. وبما أن الأدب هو ترجمة لاعتمالات النفس البشرية في سعيها لاكتشاف عوالمها وانفعالاتها الداخلية، ومن بين ذلك ما كان عليه ماضي هذا الإنسان، وارتباط ذلك بحاضره، ومستقبله، فمن هنا تحدث محاولات تخطي المآزق الكثيرة للحياة عبر الكتابة والتأليف والتحليل ونحو ذلك. والتاريخ لم يكن شيئًا يمكن الاستغناء عنه، على امتداد مسيرة الحياة البشرية. وبالتالي، فإن التاريخ، وغيره من المعارف الإنسانية، هو السند الخفيّ الذي يثري تجاربنا وابداعاتنا.
(*) تشاد معروفة بتعدد الإثنيات، وتنوع الموروث الثقافي. كيف ترى إلى تواصل المبدعين والكتاب هناك من كل الأطياف؟
ما أستطيع قوله بهذا الصدد هو أن هناك مهمة صعبة، في رأيي، ينبغي على الجيل الجديد من المثقفين والمبدعين أن يؤسس لها، وهي مهمة ترتيب ذاته في أفق يمكِّن من تجاوز الاختلافات في اللغات والأديان والإرث الإثنيّ، وكل ما هو نحو ذلك.
صدام الزيدي 31 أكتوبر 2022
حوارات
الشاعر التشادي حمزة باشر
شارك هذا المقال
حجم الخط
صدرت للشاعر التشادي، حمزة طاهر باشر، المولود في أنجمينا العاصمة يوم 21 أبريل/ نيسان 1993، إلى الآن، مجموعتان شعريتان هما: "لحن يسافر في الريح" عن دار متن في العراق (2019)، و"ترانيم الكادح تحت سماء أنجمينا" عن دار النهضة العربية في لبنان (2022). وبالإضافة إلى ذلك، يعد حمزة حاليًا لمجموعة ثالثة تحمل عنوان "تماثيل صغيرة من صلصال مشوي". وله أيضًا كتاب بعنوان "في فضاء السياسة" هو عبارة عن مجموعة مقالات صحافية.
في عام 2022 الحالي، حصل باشر على ماجستير في التاريخ المعاصر من جامعة الملك فيصل، وهو يعمل في الوقت الحاليّ مديرًا لإحدى المدارس الإعدادية/ الثانوية في أنجمينا، وفي أثناء ذلك عمل مراسلًا صحافيًا، ونشرت قصائده في مجلات وصحف تشادية وعربية.
هذه الدردشة الحوارية السريعة مع حمزة باشر، أحد أصوات قصيدة النثر الشابة في تشاد، والذي يكتب بالعربية في بلد يتحدث الناس فيه العربية والفرنسية (اللغتان الرسميتان هناك)، تأخذنا إلى فضاءٍ (خارج الأضواء) قد يبدو جديدًا على المتلقي العربي، عندما يتحدث باشر عن تراجع الشعر وفشله في حجز موقع مرموق بين أصناف الأدب والكتابة في تشاد التي تعيش واقعًا اقتصاديًا مترديًا، وتنقسم إلى إثنيات وأنماط ثقافية تُوسع من هوّة غياب التقارب الثقافي وهموم التحديث الأدبيّ المنشودة.
هنا نص الحوار:
"في الربع الأخير من القرن المنصرم، كُتبت محاولات أولى لقصيدة نثر، لكنها لا تزال حتى الآن أسيرة بين "نمرود" الذي يعيش ويكتب في باريس، ومويس موجنان، وعبدياس نيباردوم (لجآ إلى مونتريال)، وكولسي لامكو، ونوكي دجدانون (اللذين يتجولان حاليًا بين لومي وواغادوغو)" |
(*) نكاد لا نعرف كثيرًا عن الشعر في تشاد، فكيف هي أحوال الشعر هناك؟
إذا تعاملنا مع حركة الشعر التشادي، من زاوية زمنية، سنجد أن الشعر كان الفعل الأدبي الوحيد في الفترات الأولى من تاريخ هذه الدولة، قبل الاستعمار، وسنتذكر تلك الصور الشعرية التي عكفت على كتابة الألم، وكل ما له علاقة بالمأساة.
ولكن للأسف، لا يزال الشعر في تشاد متأخرًا في أن ينتزع مكانته بين الآداب والفنون الأخرى، وذلك يقودنا إلى الحديث عن محنة حقيقية يواجهها الشعر، وتتمثل في فشله في استيعاب مشهد مليء بالصور والتشابكات والاختلافات والإخفاقات. حتى في زمن الانفتاح على وسائل التعبير الحديثة، ما يزال الشعر هنا متأخرًا وهامشيًا في تفاعلات المشهد الأدبي والثقافي العام.
ودعني أقتبس ما قاله يومًا الشاعر التشادي "كولسي": "إن تشاد نفسها مسرح، حيث يتم لعب كل المشاعر المستوحاة من ثاناتوس! هناك كل شيء لإسكات الأفكار، لجعلها تطير بعيدًا بكل أجنحتها الصغيرة".
(*) في أفق كهذا، لا بد أن قصيدة النثر ستكون الأقلّ كتابة...؟
لا تزال الخطى بعيدة، وتنأى بنفسها عن أن تغامر في اكتشاف عوالم قصيدة النثر، فهي متأخرة جدًا، وأقل مقروئية في المشهد الأدبي التشادي، طبعًا للأسف.
في الربع الأخير من القرن المنصرم، كُتبت محاولات أولى لقصيدة نثر، لكنها لا تزال حتى الآن أسيرة بين "نمرود" الذي يعيش ويكتب في باريس، ومويس موجنان، وعبدياس نيباردوم (لجآ إلى مونتريال)، وكولسي لامكو، ونوكي دجدانون (اللذين يتجولان حاليًا بين لومي وواغادوغو). وإن المحاولات التي اجترحها هؤلاء، وإن بدت متوترة في معظمها، تجعل من هذه القصيدة أكثر افتعالًا في مساحات خارج حدود تشاد. أما في الداخل التشادي الآن فثمة أقلام تكتب قصيدة النثر بالعربية، مثل موسى شاري، وعطية جواد، ولكن تجربتهما للأسف لم تر النور، ولم يلتفت لها كثيرون، ما عدا ما هو مكتوب بالفرنسية، فقد نال حظوة طفيفة.
(*) صدرت لك باكورتان شعريتان عبر دور نشر عربية.. هل ذلك بسبب غياب حركة النشر بالعربية في الداخل التشادي؟
إن النشر في الصحف الخارجية مثّل بالنسبة إليّ بداية الطريق لربط علاقات مع أدباء وناشرين، ومثقفين بشكل عام، الأمر الذي أسهم في نشر مجموعتين شعريتين هما باكورة أعمالي. وجاء ذلك لأن الكتابة بالعربية لم تجد مبتغاها بشكل واسع في الداخل إلا مؤخرًا وتلبية لإصرار بعض المنتمين إلى الجيل الشاب من الكتاب على السير على خطى أسلاف قليلين جدًا من الجيل السابق لجيلنا. نأمل، مستقبلًا، أن تتسع حركة النشر باللغة العربية في تشاد.
لغتان وإثنيات عدة
(*) العربية والفرنسية هما لغتان رئيستان للمجتمع التشادي. هل حاولت الكتابة بالفرنسية؟
ما زلت أحاول قراءة ذاتي الأخرى، الكاتبة بالفرنسية، هذه اللغة التي ما برحت تدهشنا باستكشاف عوالمها. ثم إن الكتابة بلغتين أمر في حاجة للدربة المستمرة، ولهذا يظل التفكير فيها للبقية القادمة من الزمن.
"الكتابة بالعربية لم تجد مبتغاها بشكل واسع في تشاد إلا مؤخرًا تلبية لإصرار بعض المنتمين إلى الجيل الشاب من الكتاب على السير على خطى أسلاف قليلين جدًا من الجيل السابق لجيلنا" |
(*) دراستك للتاريخ، هل تبتعد بك عن الشعر؟
المقارنة بين حقل العلوم الإنسانية من جهة والمجالات الفنية والأدبية من جهة أخرى، تفضي إلى حقيقة أن التاريخ هو جزء من عناصر تشكّل المعرفة على طريق البناء الانساني والمجتمعي. وبما أن الأدب هو ترجمة لاعتمالات النفس البشرية في سعيها لاكتشاف عوالمها وانفعالاتها الداخلية، ومن بين ذلك ما كان عليه ماضي هذا الإنسان، وارتباط ذلك بحاضره، ومستقبله، فمن هنا تحدث محاولات تخطي المآزق الكثيرة للحياة عبر الكتابة والتأليف والتحليل ونحو ذلك. والتاريخ لم يكن شيئًا يمكن الاستغناء عنه، على امتداد مسيرة الحياة البشرية. وبالتالي، فإن التاريخ، وغيره من المعارف الإنسانية، هو السند الخفيّ الذي يثري تجاربنا وابداعاتنا.
(*) تشاد معروفة بتعدد الإثنيات، وتنوع الموروث الثقافي. كيف ترى إلى تواصل المبدعين والكتاب هناك من كل الأطياف؟
ما أستطيع قوله بهذا الصدد هو أن هناك مهمة صعبة، في رأيي، ينبغي على الجيل الجديد من المثقفين والمبدعين أن يؤسس لها، وهي مهمة ترتيب ذاته في أفق يمكِّن من تجاوز الاختلافات في اللغات والأديان والإرث الإثنيّ، وكل ما هو نحو ذلك.