ياسمين بريكي: مشاريعي الفرانكو جزائرية تثمّن المصالحة بين الشعوب

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • ياسمين بريكي: مشاريعي الفرانكو جزائرية تثمّن المصالحة بين الشعوب

    ياسمين بريكي: مشاريعي الفرانكو جزائرية تثمّن المصالحة بين الشعوب
    فائزة مصطفى 11 ديسمبر 2022
    حوارات
    الأميرة ياسمين بالزي التقليدي الجزائري رفقة زوجها الأمير جواشيم
    شارك هذا المقال
    حجم الخط

    منذ أن تزوجت الفارسة والرسامة الجزائرية ياسمين بريكي من جواشيم مرات، وهو أحد أحفاد الإمبراطور الفرنسي نابليون بونابرت، أضحت حديث وسائل الإعلام في البلدين. لكنْ، قبل هذا الاقتران، الذي وصف بالسابقة التاريخية في عام 2021، اختارت التخصص في الدراسات الأورومتوسطية، وأطلقت مشاريع فرانكو ـ جزائرية بحكم نشأتها وسط عائلة مزدوجة الثقافة. وتركت في غضون سنوات قليلة بصمتها في المشهدين الثقافي والاجتماعي على ضفتي البحر الأبيض المتوسط، فإلى جانب عملها في مجال الرقمنة والتكنولوجيا في مؤسسة بباريس، تخصص الفنانة وقتًا وجهدًا كبيرين للاهتمام بأطفال الضواحي المهمشة، كما تشرف صاحبة كتاب "مايا ضد فيروس كورونا" على إدارة ندوات للحوار بين الغرب والشرق، وتنظيم استعراضات للفروسية، وخاضت تجربة ترجمة أعمال لكتاب من منطقة الخليج إلى لغة موليير، في حين تستعد حاليًا لنشر عمل أدبي عن العلاقة الإنسانية الاستثنائية بين الأمير عبد القادر (1808 ـ 1883)، ونابليون الثالث (1808 ـ 1873). هنا، حوار معها:
    الزميلة الصحافية فائزة مصطفى برفقة الأميرة ياسمين بريكي
    (*) ولدت في مدينة عنابة شرق الجزائر في عام 1982، وغادرت الجزائر للدراسة الجامعية في فرنسا، ثم اخترت الاستقرار للعمل، وأيضًا الانخراط في المجتمع المدني، والوسط الثقافي الفرنسيين، فهل يمكن أن نتوقف معك عند محطات هذه الرحلة؟
    التحقت بأول دفعة للعلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة عنابة، شرق الجزائر، ثم حالت الظروف لاحقًا دون إكمال دراسة الماجستير في العاصمة. وبحكم ثقافتي المزدوجة، توجهت للدراسة في جامعة نانسي، ثم السوربون، في فرنسا. اخترت التخصص في العلاقات الأورومتوسطية إدراكًا مني لأهمية هذا المجال، لا سيما على صعيد التعاون الفرانكو ـ جزائري. للأسف، لم ير هذا الفضاء الرابط بين ضفتي البحر الأبيض المتوسط النور، برغم توافر إرادة سياسية لخلق تكتل يوازي الاتحاد الأوروبي، فاخترت العلاقات الدولية. تحصلت على ماجستير اقتصاد، ثم أنجزت أطروحة دكتوراة حول موضوع التمويل الإسلامي. أعمل حاليًا ضمن مجموعة عالمية في مجال التقنيات الرقمية، وأقود مهمة لتطوير الشراكات الدولية. وفي هذا الإطار، سافرت إلى دول عدة، من بينها الإمارات العربية المتحدة. لكن الثقافة تأخذ حيزًا كبيرًا من اهتماماتي، نظرًا لأهميتها في التقريب بين مختلف الشعوب.



    "بحكم ثقافتي المزدوجة، توجهت للدراسة في جامعة نانسي، ثم السوربون، في فرنسا. اخترت التخصص في العلاقات الأورومتوسطية"


    (*) كيف تسير مجلتك "ثينك تانك للحوكمة"/ Gouvernance Think Tank Magazine للتفكير في التكنولوجيا والسياسة والاقتصاد، والتي تعد تجربة رائدة حتى في فرنسا منذ تأسيسها عام 2016؟
    هي منصة الحوكمة، والعالم اليوم يشهد أزمة في هذا المجال، فكما نعلم لم يعد حجم الدولة، أو شكلها، أو نظامها السياسي، هو المهم في وقتنا الراهن، بل الأهم أن يجمع قائد إمارة، أو مملكة، أو جمهورية، بين الحكم والحكمة. والمنصة تقدم قاعدة بيانات تجمع كل الأفكار البناءة والخلاقة لإدارة الشؤون السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتنقل تجارب دول أخرى ناجحة. عقدنا شراكة مع المنتدى الاقتصادي العالمي دافوس، والذي تواصل معنا بحثًا عن أفكار جديدة، نقلوا عنا مقالات وتحليلات منشورة على منصتنا.


    (*) خضت مشوارا آخر مع الجمعية الثقافية "يونايتد هوبس"- United Hopes التي تأسست عام 2017، فما الذي تمخض عنها من إنجازات حتى اليوم، لا سيما في ما يتعلق بورشات القراءة لصالح أطفال الضواحي المهمشة في فرنسا، وفي الجزائر أيضًا؟
    ولدت فكرة هذه الجمعية انطلاقًا من ثقافتي العربية والأوروبية، وإدراكًا مني لأهمية الانفتاح على الآخر، فسعينا لتأسيس هذه الروابط المشتركة كسبيل لخلق فضاء للتعايش والسلام، وتركز اهتمامنا بالأطفال الذين ينتمون إلى أسر معوزة ويعيشون في بيئات مهمشة، وعليه تركز عملنا على مسقط رأسي بمدينة عنابة الجزائرية، من خلال تعاوني مع جمعية محلية تسمى "عنابة خير لناس الخير"، نظمنا مع متطوعين نشاطات لعشرات الأطفال، قدمنا لهم كتبًا وهدايا وحلويات، خلقنا جوًا من الفرجة والمتعة عبر قراءة قصص، وزرعنا في قلوبهم الرغبة في التواصل والمطالعة وروح النقد والسؤال. سأستأنف هذه المبادرات مع جمعيات في الضواحي الباريسية قريبًا، من خلال إقامة ورشات للكتابة والقراءة.



    ""مجلة ثينك تانك للحوكمة" تقدم قاعدة بيانات تجمع كل الأفكار البناءة والخلاقة لإدارة الشؤون السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتنقل تجارب دول أخرى ناجحة"


    (*) بالحديث عن أدب الطفل والوباء الذي عطل تنظيم كثير من الفعاليات في مختلف الدول، استغليت رفقة أختك نسرين فترة الحجر لإصدار كتاب مشترك: "مايا في مواجهة فيروس كورونا"، المصادق عليه من قبل اختصاصي تربوي، لكن هذه المغامرة بدأت منذ سنة 2010 مع منشورات القصبة في الجزائر، حدثينا عن هذا الجانب من موهبتك في رسم القصص المصورة؟
    نعم، أصدرنا معًا ضمن سلسلة حكايات العلوم كتاب: "مايا في مواجهة فيروس كورونا". قدمنا من خلاله تفسيرًا مبسطًا لظروف الحجر الصحي، وشرحًا عن الفيروس، وطريقة الوقاية منه. ومن إصداراتنا أيضًا: "الذرة توم والانفجار الكوني"، و"مغامرات ليلي"، و"مالك، الفنك الصغير"، وكتاب جديد "النملة الثرثارة" سيصدر في الإمارات، وتدور قصته عن حكمة الكلام والصمت. تتكفل أختي نسرين بريكي بالتأليف، بينما أقوم برسم مشاهد الحكاية، حيث أمارس موهبتي وشغفي بالرسم. نحرص على توزيع الكتب على الأطفال مجانًا، ولأننا نتحمل النفقات بأنفسنا، وهي مكلفة جدًا، اخترنا الكتاب الرقمي حتى يصل إلى شريحة واسعة من القراء، وترجمناه إلى لغات مختلفة، مثل: العربية، والرومانية، والإيطالية، والبرتغالية.


    (*) أنت شغوفة أيضًا بعالم الترجمة، وبالأدب الخليجي، إذ أشرفت على ترجمة رواية الكاتب الإماراتي محمد خميس، بعنوان: "لا يحظى الجميع بنهاية سعيدة"، الصادرة عام 2014. لماذا وقع الاختيار على هذا العمل والكاتب؟
    بدأت المغامرة خلال زيارتي رفقة أختي إلى معرضي الكتاب في أبو ظبي، والشارقة، رغبة منا في الاطلاع على جديد سوق الكتب في بلد يستضيف فعاليات ثقافية لها صدى واسع، ويستقبل شخصيات أدبية وفكرية مشهورة، وأيضًا رغبة منا في اكتشاف هذه المنطقة، وامتلاك قادتها للحوكمة التي مكنتهم من تحقيق نهضة في بلادهم. اقتنينا حينها نحو عشرين كتابًا من جديد إصدارات المؤلفين الإماراتيين، لكن أكثر ما لفت انتباه أختي هو كتاب الروائي محمد خميس، لجمالية أسلوبه وسرديته، فلم تتردد في نقله إلى اللغة الفرنسية، بينما اخترت أنا احدى لوحاتي كغلاف للنسخة المترجمة، بعدما قبلت دار النشر الفرنسية إيريك بيونيه بإصدارها كأول رواية لكاتب إماراتي شاب تترجم إلى لغة موليير؛ فيما أشرف على الاحتفالية الأمير جواشيم مرات، وهو أحد أحفاد ملك نابل، والإمبراطور نابليون بونابرت، الذي أصبح في ما بعد زوجي، وأبًا لابني.
    ياسمين بريكي (يسار) مع أختها المترجمة نسرين والكاتب الإماراتي محمد خميس في معرض الكتاب في أبو ظبي
    (*) إجمالًا، هل تخطط جمعيتك لإقامة مشاريع أخرى عربية وغربية مشتركة مستقبلا؟
    أطمح إلى تجسيد برامج تعاون في مجالين أنا شغوفة بهما كثيرًا، وهما: الفروسية، والتاريخ. كما أن أحد أجداد زوجي المارشال جواشيم الأول صُنف كأفضل فارس في أوروبا في عهده، حينما قاد 12 ألف فارس في معركة أيلاو الشهيرة في عام 1807، ثم أصبح في العام الموالي ملك نابل. كما اشتهر الإمبراطور نابليون بونابرت بحبه للحصان العربي، إضافة الى ذلك أنا أمارس رياضة البولو، كل ذلك يدفعني نحو تنظيم استعراض فولكلوري للخيل في فرنسا يحضره فرسان من الدول العربية. فضلًا عن ذلك، نسعى إلى تقديم محاضرات تاريخية، ومعارض مشتركة.



    "الأمير جواشيم دعم جمعيتنا حتى قبل أن تتحول علاقتنا إلى صداقة، ثم تتكلل بالزواج في عام 2021، كما تولى الرعاية الرسمية لبرامجنا وإصداراتنا"


    (*) تتقاسمين مع زوجك الأمير جواشيم شارل مرات نابليون الشغف بعوالم التكنولوجيا والثقافة والتاريخ. وإن لم يعد للملكية أي مكان في المجتمع منذ الثورة الفرنسية في 1789، ما زالت سلالات الأسر النبيلة تحظى باحترام، فما هي أهمية الدور الذي يقوم به زوجك لدعم نشاطاتك ومشاركتك المتميزة في صالونات النخبة الفرنسية والأوروبية؟
    لقد دعم جمعيتنا حتى قبل أن تتحول علاقتنا إلى صداقة، ثم تتكلل بالزواج في عام 2021، كما تولى الرعاية الرسمية لبرامجنا وإصداراتنا. يشجعني عبر نصائحه وتوجيهاته دائمًا، كما يحرص من جهته على مساندة شباب الضواحي الفرنسية والمهاجرين من أصول مغاربية وأفريقية. عادة الناس شغوفة بحضور الحفلات ذات الديكور الملكي، تلك فرص للقاء شخصيات مرموقة تقدم تبرعات لنشاطات خيرية وثقافية. لقد منحني هؤلاء قناعة أن نبل الإنسان يكمن في رقي شخصيته وطيبة قلبه، بعيدًا عن الألقاب والمراتب والأصول.


    (*) نعلم جميعًا تلك العلاقة الإنسانية التي جمعت بين الملك الفرنسي نابليون الثالث ومؤسس الدولة الجزائرية الحديثة الأمير عبد القادر، خلال فترة أسر هذا الأخير في قلعة الأمبواز جنوب فرنسا. كيف يمكن أن تلهم تلك العلاقة الشعبين الجزائري والفرنسي من أجل ترميم جراح الذاكرة، تزامنًا مع احياء ذكرى ستينية الاستقلال؟
    أنا لا أمثل أي جهة رسمية، لكنني كمواطنة أثمن المصالحة بين الشعوب، ولأنني ولدت في بلد الأمير عبد القادر، وينحدر زوجي من سلالة نابليون، قررنا تأليف كتاب ومسرحية يتناولان عمق الصداقة بين هاتين الشخصيتين التاريخيتين، انطلاقًا من وثائق ومراسلات بينهما، كما استجوبنا مؤرخين من البلدين. سيصدر المشروع السنة المقبلة بمناسبة مرور 150 عامًا على وفاة نابليون الثالث. وعلى مدار العام، ستقام فعاليات حول أحد أهم حكام فرنسا. للأسف، هنالك أطراف تحاول تهميش ذاكرته.


    (*) إذًا، كيف يمكن الرهان على هذا النموذج من الحوار الحضاري بين الشرق والغرب، لحلحلة كثير من الخلافات والأزمات التي يشهدها العالم؟
    ما نستخلصه من قصة هذين الرجلين هو أن في إمكان الأعداء احترام بعضهم بعضًا انطلاقًا مما يحملونه من قيم، وبمدى وفائهم بالعهود والمواثيق، فالملك الفرنسي أعجب بسماحة وبسالة الأمير في دفاعه عن أرضه وشعبه ضد المحتل، فيما احترم القائد الجزائري نابليون الثالث لالتزامه بوعده بإطلاق سراحه مع أفراد عائلته ومرافقيه. بل رفض الأمير مقترح الملك الفرنسي بجعله على رأس مملكة عربية في الجزائر، واختار أن يكمل حياته زاهدًا متصوفًا بين كتبه في منفاه بدمشق. والدرس الآخر الذي نستخلصه من العلاقة الودية بين الشخصيتين هو أنه إذا كنا خصومًا في الماضي فهذا لا يمنع من أن نصبح أصدقاء في الحاضر، وأن ديمومة الصداقة مرهونة بمدى حفاظنا عليها وتعزيزها. وإذا فشلنا في ذلك قد تتحول مجددًا إلى نزاع وصراع. وما نتعلمه أيضًا هو ضرورة التفكير في مصالح الشعوب ومستقبل الأجيال بعيدًا عن أحقاد الأزمنة الغابرة.
يعمل...
X