صناعة التفاهة
حسان يونس محمود
نجلس على بركان ، وسوف ينفجر عاجلاً أم آجلاً والكل يتفرج وكأن الأمر لا يعني احداً، والفواتير التي تتراكم سوف تتنزل علينا أن لم تكن تنزلت أصلاً هذه الأيام.
-هناك كارثة اجتماعية تتعلق بصناعة التفاهة في شخصية الأجيال الجديدة ، ولو اردنا البدء بالكلام لأشرنا أولاً الى وجود مئات الشباب في الشوارع يتسكعون ويدخنون ويجلسون على الأرصفة في الاحياء و الحارات و يتصفحون الموبايلات ولا يفعلون شيئاً وكل ما يحصلونه في المدارس يفقدونه خلال إجازة الصيف ، حتى خلال الدوام في المدرسة التي تراجع دورها
●-يقول جمال الدين الأفغاني "التسفل أيسر من الترفّع" فكل مرتفع يقاوم الجاذبية وكل منحدر يسلم نفسه بيسرإليها .
ويقول الفيلسوف الكندي "آلان دونو"
إن ثورتي الاتصال والمعلومات دفعت بالبشرية سنوات عديدة نحو الأمام ،مقارنة مع ما كان البشر عليه قبل أكثر من قرن، فإنهما كذلك صنعتا نظاماً صار يتعاظم ويتعملق وينتشر ،بل يسود بعد حين من الدهر قليل، إنه نظام التفاهة.
●-بتنا اليوم نرى كيف أصبح العالم قائما على هذا النظام ،بل إنه يصنعه صناعة ،ويدفعه دفعاً ليسود ويسيطر،فأينما تولي وجهك تجد إنتاجات للتفاهة بمختلف أنواعها ، كالتفاهات الفنية والتفاهات الثقافية والتفاهات الاجتماعية والتفاهات السياسية وحتى تجرؤوا على العلم والمعرفة ويحاولون تتفيهها.
ومن أخطر المخاطر التي ألمسها في مجتمعنا اليوم وهو مبتلى بهذه الصناعة الخبيثة أن هذا الجيل ينسحب وينجذب وينقاد إلى صناع التفاهة وروادها وخاصة على وسائل التواصل الاجتماعي يدخلون جحور ضبّها دون اكتراث، ويركضون خلف وهم الحضارة الزائفة فيها ، وخلف سراب النجاح المزيف والشهرة المضللة ،
أجد جيل الشباب يتيه في عالم افتراضي يجعل له من الفنانات الساقطات نماذج ،ومن المشاهير عباد الدنانير قدوات، فيحيد عن جادة الصواب وينحرف تفكيره ويغسل دماغه ،وهو يرى كيف لهؤلاء النشطاء الذين يتصدرون مواقع التواصل في التيك توك وتويتر واليوتيوب والفيس بوك ،يحصدون الأرباح المهولة والأموال الطائلة والشهرة العارمة بمقابل صنعة تافهة لاقيمة فكرية ولامادية ولاحتى معنوية لها ، يقدمونها بابتذال ويعرضونها بانحلال ، والنتيجة هي الربح والنجاح والشهرة.
●- كيف للجيل أن يعي خطورة التلوث الفكري والسمعي والبصري والقيمي والأخلاقي .كيف له أن يقتنع بأنّ مايراه وهم زائل وزيف مائل .
هنا يكمن دور العقلاء والعلماء والآباء والأمهات والدعاة والمدرسين في إحداث صحوة فكرية للمجتمع تعزز القيم الأخلاقية النبيلة وتدعم المعرفة والعلم والفكر المستنير لأننا بالعلم نميز الغث من السمين ونخلق جيلا ً واعياً يستطيع إيجاد المحتوى البديل ، ويصنع القدوات الحقيقة ، ويوجد مشاهير حقيقية تتميز بالوعي والثقافة والحضارة الحقيقية .
نحتاج إلى توعية أبنائنا وبناتنا بأن هؤلاء المغردون والناشطون والمؤثرون السلبيون والمشاهير من صناع التفاهة لاقيمة حقيقية لهم وإن ما يشاهدونه من شهرة ومال وجاه وإعجاب ماهو إلا صناعة محكمة للتفاهة تُقدَّم لنا وتُصدَّر إلينا لهدم مابناه أسلافنا من مجد وعز ورفعة وسمو بناه عظماء الأمة ورواد نهضتها ممن سبقوا العالم كله بعملهم ومعرفتهم وإن مانشهده اليوم من ثورة معرفية وتكنولوجية ماهي إلا نتاج اللبنات الأساسية التي أرساها علماؤنا سابقاً في كافة مجالات المعرفة من طب وهندسة ورياضيات وفلك وفيزياء وغيرها من العلوم .
على أبنائنا أن يحملوا رسالة أجدادهم رواد النهضة والمعرفة من حققوا شهرة عالمية بماحملوه من علوم ،فلم يحقق ابن سينا شهرته العالمية بهز كرشه،
ولم يبهر ابن النفيس الكون برقصاته ، ولم يخدم الخوارزمي البشرية وهو يصنع أطول (سندويشة فلافل في العالم)
ولم ينر الفارابي العقول ب"بثه المباشر وهو يلعب (البوبجي)
نحن لا نقف ضد التطور والتكنولوجيا ومواكبة العصر ،لكننا ندعوا لاستثمار هذا التطور بما يخدم الإنسانية وبما يعطي قيمة لنا كبشر ، والخير مازال في أمتنا إلى يوم القيامة ،فنستبشر بأبنائنا أصحاب الوعي ومحاربي التفاهة ، وصناع المحتوى الهادف والقدوات الحقيقية ، من يصلوا إلى القمم ،و تعلو بهم الهمم، وترتقي بهم الأمم.