«منتصف الليل في باريس».. أوروبا بعيون وودي آلن

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • «منتصف الليل في باريس».. أوروبا بعيون وودي آلن

    «منتصف الليل في باريس».. أوروبا بعيون وودي آلن



    «سينماتوغراف» ـ عرفان رشيد

    يروي فيلم «منتصف الليل في باريس» مغامرة خطيبين شابين يصلان إلى باريس للإعداد لحفل زواجهما القريب، هو (جيل ـ أوين ويلسن) كاتب شاب من الطبقة الوسطى يحلم بأن يكتب روايته الأولى ويعشق السير تحت زخْات المطر، بالذات في باريس، وهي (هيلين ـ ريتشيل ماك آدامز) ابنة عائلة أمريكية ثرية لا همّ لها إلاّ المتعة وقضاء الوقت في المطاعم الفاخرة وفي محلات الموضة العالية وصالات الرقص حتى ساعة متأخرة من الليل، وتكره المشي تحت المطر.

    نقيضان لا يجمع بينهما إلاّ ما يبدو لهما (حباً) ويتضّح في أول هزة إنه لم يكن إلاّ نزوة من قبلها وولعاً بها من قبله، وأنهما لم يُجبّلا لأحدهما الآخر، وبما أنه هو الأصدق في هذه العلاقة فهو المبادر إلى الرحيل في حين هي تواصل الكذب فيما قضّت ليلتين برفقة صديق قديم التقت به وبزوجته بالصدفة في مطعم باريسي. أستاذ جامعي يدّعي أنه يعرف كل شيء عن كل شيء ويثير من جانب إعجاب هيلين المطلق به مقت جيل له.



    وبرغم أن الانفصال بين الاثنين هو في صلب الأحداث، لكن ما يُطلق العنان لتلك الأحداث ويُغيّر من طبيعة العلاقة بين جيل وهيلين، ليس البروفيسور ثقيل الظل والمدّعي، بل هي الصدفة التي تقود جيل إلى عوالم الماضي وتجعله يلتقي بكل ما هو جميل وحي من عالم الماضي الباريسي، وبعملية تبدو وكأنها انقياد لماكينة الزمن يعود جيل إلى الماضي، إلى الوراء لما يربو عن قرن من الزمان ليلتقي رموز الثقافة في تلك المدينة التي جمعت مبدعي الفنون في بنهايات القرن الثامن عشر وبدايات القرن العشرين، ليكتشف فيما بعد أنه لا ينتمي إلى هذا العصر، وأنه ليس كاليفورنياً، بل هو باريسي، أو بالأحرى أوروبي ينبغي أن يترك نفسه وجسده يتبللان بمطر الليل في باريس.



    «منتصف الليل في باريس» أيضاً شهادة انتماء لوودي آلين (النيويوركي الخالص) إلى أوروبا، فبعد أن عُرف لسنين طويلة أنه (المخرج الأمريكي الأكثر أوروبية)، إنما يأتي بهذا العمل ليُثبّت للتاريخ انتماءه الكامل للثقافة الأوروبية، أو لتلك الثقافة التي وجدت في باريس (أوروبا) مكاناً خصباً لها، بصرف النظر عن المكان الذي جاء منها أولئك المثقّفون.

    وبعد استعراض ممل وطويل بشكل غير مبرر في البداية ليرسم مسار يوم كامل منذ الفجر حتى منتصف الليل، سرعان ما يُمسك وودي آلن بخيط الفيلم ويقود المشاهد في رحلة طويلة يُزيل منها الزمن ويمسح مناطق العبور بين الحاضر والماضي، تاركاً لدى الجميع ابتسامات واندهاش يُعبّر عنها بإيماءات إعجاب صامتة، ويحدث ذلك كلّما أخرج من قبّعته شخصية من شخصيات بدايات القرن الماضي لتُطلّ علينا وتحدّثنا بالبديهي الذي قرأناه عنهم وعلى لسانهم مراراً، لكنه بديهي مثير للدهشة لأننا نسمعه من لسان الشخصيات ذاتها.



    أمور عديدة يريد وودي آلن قولها في هذا الفيلم، أولهما أن ساعة منتصف الليل لم تدُقّ لسندريلا الفتاة فقط، بل بالإمكان أن تدقّ لكاتب شاب يبحث عن نفسه. أما الأمر الثاني، فهو ما يرشح من قراءتنا للفيلم ويبدو مثل نصيحة يقدّمها وودي آلن إلى مشاهده بمنطق الفيلسوف العارف بالأمور. يقول له: «إذا كنت تحلم حلماً جميلاً فلا تستيقظ من ذلك الحلم» ويُضيف «لا تتقاسم ذلك الحلم مع أي من معاصريك. إنه حلمك، حافظ عليه وعشه حتى العمق».
يعمل...
X