هل يمكن الإدمان بلا مخدرات ( 2 من 3 ).- ترجمة : Mohammed Dunia

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • هل يمكن الإدمان بلا مخدرات ( 2 من 3 ).- ترجمة : Mohammed Dunia



    Mohammed Dunia

    ٢٣ سبتمبر ·
    إدمان بلا مخدرات ( 2 من 3 )
    هناك كثير من " المدمنين " على دور اللعب ( القمار وما شاكله )، وشبكة الإنترنت، والجنس... لأن الحالة هنا هي إدمانية، إذ يؤكد التصوير الطبي الدماغي أن مناطق الدماغ التي تتنشط هنا هي نفس مناطق الدماغ التي تتنشط حين تعاطي المخدرات. وفي ذلك ما يكشف عن أسرار جديدة في موضوع الإدمان.
    لو دخلت أحد الكازينوهات، لوجدت في صالة آلات النقود رجالاً ونساء من كل الأعمار. عيونهم مشدودة إلى الأجهزة، وحركاتهم محدَّدة، ويقِظة وآلية. يبقى بعضهم هنا حتى وقت متأخر من الليل، غير مبالين بما يدور حولهم. إن 2 إلى 6% على الأقل من مجموع هؤلاء اللاعبين هم ضحايا ما يسميه الأطباء النفسانيون " اللعب الباثولوجي "، أي ضحايا اعتماد من نوع خاص جداً، إذ لا تدخل فيه أية مادة كالكحول أو الكوكايين أو سواها. " هؤلاء الأفراد هم ممن يعتمدون على المتعة التي يمنحها لهم الأملُ بالربح. هذه الحالة هي نوع من الاعتماد، لأن الأشخاص هنا يكرسون لهذا النشاط وقتاً متزايداً، إلى درجة أنه يفلت من سيطرتهم تماماً "، على حد عبارة الطبيب النفساني الاختصاصي " مارك فالور " M. Valleur.
    بعبارة أخرى، هؤلاء مدمنون حقيقيون..بلا مخدرات. إذا كان القمار هو الشكل الأكثر شيوعاً لهذا السلوك، فإنه ليس " الإدمانَ بلا مخدرات " الوحيد. في الواقع، يقدر الأطباء النفسانيون أنه توجد أشكال تبعية ( اعتماد ) - للإنترنت ( يتحدثون عن " اعتماد إلكتروني " cyberdépendance عندما لا يعود الفرد قادراً على تحديد الوقت الذي يمضيه على شبكة الإنترنت )، - وللعمل ( لا يستطيع هؤلاء الـ workaholics الامتناع عن تكريس الوقت الأعظم من وقتهم لنشاطهم المهني )، وأيضاً - للمشتريات الاستحواذية، حيث ينفق ضحايا هذه التبعية الأموال بلا تروّ، ودون أن يكون لذلك أية علاقة بالميزانية التي يملكونها فعلياً.
    " هناك أيضاً أشخاص معتمِدون على علاقة عاطفية ممْرِضة، كما هو الحال بالنسبة للمرأة المتعلقة، رغماً عن إرادتها، بشريكها المدمن على الكحول، والعنيف "، يضيف " فالور ". كذلك الأمر بالنسبة للإدمان على الرياضة، الذي يدفع ممارسَها إلى تفضيل رياضته على حياته الأسرية والاجتماعية. يجب أن لا تخدعنا حالات الإدمان هذه التي لا مخدرات فيها: النقطة المشتركة بينها جميعاً هي انعدام القدرة على التحكم بالسلوك. " يتميز هذا النوع من الاعتماد، كما هو حال مدمني المخدرات التقليديين، بفقدان حرية الامتناع، أي أن الفرد يعي سلوكه، ويعرف أنه يسبب له مشكلات، لكنه لا يتمكن من وضع حد له، ولو بذل قصارى جهده في ذلك "، يشرح " فالور ". ذلك كما لو أن قوة غامضة، أقوى من الإرادة، تجبر الشخص على الاستمرار بلا نهاية في السلوك نفسه، مع ما يرافقه من نتائج اجتماعية باتت معروفة، مثلما هو الحال مع متعاطي الكحول والهيروين: فقدان عمل، وطلاق، وصعوبات مالية... .
    السبب كيمياء الدماغ
    لا تتوفر لدى الاختصاصيين الإحصائيات المطلوبة، غير أنهم متفقون على القول إن هذا النوع من الإدمان بات يشكل ظاهرة متنامية الاتساع يمكن أن تكون مرتبطة مباشرة بازدياد انتشار الأوضاع المؤاتية للاعتماد، كتزايد ألعاب القمار وتطور الإنترنت، وتشجيع الاستهلاك...، إلى درجة أن بعض الدول ( فرنسا ) أوجدت منذ عشر سنوات منشآت طبية تضم أقساماً لتقديم العلاج النوعي لهذه الحالات من الإدمان.
    من هنا ضرورة معرفة المزيد حول هذه الباثولوجيات الغريبة. وتكمن غرابتها في أنها تتميز عن حالات الإدمان " التقليدية " بفارق كبير: لا توجد أدنى مادة مسؤولة عن الوضع الإدماني. كيف يمكن إذاً تفسير مثل هذا التأثير على الضحايا؟ من خلال كيمياء الدماغ، حسب تأكيد الاختصاصيين، وهو ما تؤيده دراسات أجريت في هذا الاتجاه، لاسيما تلك التي أنجزت في مشفى ماساشوستس العام ( الولايات المتحدة ) على محبي ألعاب القمار: لاحظ الباحثون، بواسطة التصوير الدماغي أن توقّع الربح ينتهي بتنشيط عدة باحات مخية، منها " النواة المتكئة "؛ غير أن هذه الباحات معروفة بأنها تتنشط عندما يتناول الفرد مخدرات تسبب الانشراح. وأوضح البروفسور " مونسيرا إستورش " M. Estorch، من مشفى سانتا كرو ( برشلونة / إسبانيا ) أن القيام بجرْي واحد يضاعف ثلاثَ مرات معدلَ أندورفينات – بيتا bêta - endorphines ، وهي نواقل عصبية تعمل على تخفيف الألم وتمنح إحساساً بالمتعة. قد يكون هذا النشاط الدماغي، الضالع في تحرير " الدوبامين " في الدماغ، بالغ الشدة عند الأشخاص المعرضين للاعتماد. إن تحريض هذه الدارات أخيراً هو ما ينشده هؤلاء المدمنون دون تأخير. ولكن، كيف نفسر أن مناطق الدماغ التي تتنشط والنواقل العصبية التي تتحرر بتأثير تعاطي مادة مخدرة هي نفس المناطق التي تتنشط ونفس النواقل العصبية التي تتحرر حين قضاء الليالي في الكازينوهات أو حين ممارسة الجري؟ أين تتوضع بالضبط الآلية المطلِقة؟ ليس لدى العلماء اليوم سوى الفرضيات. يعتبر الطبيب النفساني " ميشيل رينو " M. Reynaud، من مشفى بول – بروس في باريس، " أن حالات الإدمان السلوكية هي اشتداد ( سوْرة ) في الآليات الطبيعية للمتعة "، في حين أن الاعتماد على المنتجات المخدرة يحرف هذه الآليات، حيث تعمل المخدرات على غرار خدائع صيدلانية تحل محل نواقلنا العصبية الطبيعية ". هل يكفي ذلك كي تتعرض الدارات العصبونية للتلف بشكل مستديم، بأن تُحدث على المدى الطويل خللاً من شأنه الإبقاء على حالة التبعية، مثلما يمكن أن يفعل المخدر؟ يرى " جان – بول تاسّن " J.-P. Tassin، من الكوليج دو فرانس، " أن حالات الإدمان بلا مخدر تستند إلى تنشيط منظومات الكرْب في الدماغ، خصوصاً إفراز ما يسمى بهرمونات الكرب، " القشرانيات " (الكورتيكوئيدات) corticoïdes ". وربما كان هذا الإفراز يحدث خللاً بين الدارات العصبونية ( دارات الخلايا العصبية ) لا يعوض عنه سوى تكرار السلوك وحده. " يمكن النظر إلى الإدمان على أنه استجابة لحالة اكتئاب، لأن الكرب في بعض الحالات يأتي بحل، من حيث أنه ينشط المنظومات التي أصابها وهن: يحرض تحريرَ القشرانيات فيُحدث ذلك متعةً من تلقاء نفسه، متعة لا تتخذ شكل الحاجة غير المشبعة إلا إذا وقع تحديداً على منظومة مكتئبة، مثبَّطة. لا يحفز الخوفُ من الخسارة أو متعةُ الربح المحتملة سلوكاً اعتمادياً إلا بشرط أن يكون الانفعال الذي يثيره هذا الوضع شديداً جداً "، يضيف " تاسن ".
    عسر وظيفي مبكر
    أما فيما يتعلق بالشروط التي تحث على ظهور " الإدمان بلا مخدرات " فتبدو من نفس نمط تلك الملاحظة في حالات الإدمان التقليدي. في الواقع، يتفق الأطباء النفسانيون على وجود عامل نفسي، ولاسيما صعوبات الطفولة، إلى جانب العاملين البيولوجي والوراثي. " غالباً جداً ما نكتشف عند المعتمِدين، مع أو بلا مخدرات، وجود عسر وظيفي مبكر في العلاقة بين الفرد والأشخاص الذين كان من المفترض أنهم يحمونه ويؤازرونه في تلبية حاجاته المادية والعاطفية حينما كان بعد طفلاً صغيراً – الأبوان في أغلب الأحيان. ومتى يصبح في سن البلوغ، يمكن أن يميل إلى الانكفاء على سلوكيات إدمانية لتهدئة قلقه قبالة أوضاع يشوبها الشك وعدم الثقة بالعلاقة مع الآخرين "، حسب عبارة " مارك فالور ". وتلك آلية ليست بجديدة، " غير أن هذه السلوكيات التعبيرية أثارت على الدوام مشكلات بالنسبة للمجتمعات، إذ أنها تهدد التوازن الأسري والاجتماعي "، يضيف " فالور ".
    بدائل بانتظار علاجات جديدة
    قد تكون المسألة برمتها مسألة إرادة، أو على نحو أدق مسألة استحالة في استخدام الإرادة، لأن إحدى النقاط المشتركة لدى الأفراد الواقعين تحت سطوة الإدمان هي أنه حتى لو كان تصميمهم على الإقلاع حقيقياً فإنهم لا يتمكنون منه غالباً. ذلك لأن الدارات العصبونية التي توجه أحاسيس انشراحهم ومتعتهم تتحوَّر بعمق بالاعتماد على مخدر أو على سلوك ما.
    لا يعود العقل هنا قادراً على السيطرة على " دارة المكافأة " والمتعة، في الدماغ. وللتخلص من حالة الإدمان، يتوجب التمكن من إعادة التوازن من جديد إلى هذه الدارة المشوَّشة. ومن المعروف الآن أن الدارة العصبونية الضالعة فيما يسمى الإرادة ما تزال حتى اليوم سراً غامضاً تماماً.
    ضمن هذه الشروط، تقتصر الوسائل الصيدلانية لخدمة المرضى على البدائل: من لصاقات النيكوتين إلى " الميتادون " ( مشتق تركيبي من المورفين )، الهدف هو استبدال استهلاك المنتَج المخدِّر بهذه المادة نفسها أو بمشتق قريب جداً منها، ولكن بشكل آخر. والفكرة هنا هي الاستمرار في إعطاء المريض " مخدِّرَه "، بغرض مساعدته في التخلص من التصرفات والبيئة المحيطة بإدمانه ( الكف عن أخذ سيجارة أو الحقن بالهيروين.. ). عدا ذلك، يخفض التخلص البطيء من المنتَج ( حقناً أو بلعاً ) عتبة الإحساس بالنقص دون أن يحدث " ومضةَ " المتعة التي تقع حين وصول المخدر إلى الدماغ بشكل مكثف. باختصار، العلاج المثالي غير متوفر حتى الآن، المثالي بمعنى أنه قادر على إيصال المريض إلى باب التخلص من الإدمان دون أن يفعل فعل " المخدر ". ستستهدف العلاجات القادمة أنواعاً محددة من المستقبلات الدماغية، من بينها مستقبلات تقع على غشاء عصبونات " النواة المتكئة "، التي تشكل الناحية الرئيسية في الاعتماد.
    #
    ترجمة محمد الدنيا
    عن " العلم والحياة " الفرنسية
يعمل...
X