النشاط الحركي المفرط لدى الطفل
Mohammed Dunia
٢٩ سبتمبر، الساعة ٢:٠٠ ص ·
مقالات مترجمة لعلها تحمل فائدة
النشاط الحركي المفرط لدى الطفل
النشاط الحركي المفرط مع نقص الانتباه هو أحد الاضطرابات الهامة التي تؤدي إلى فشل بعض الأطفال مدرسياً. فما هي أسبابه؟.
هذا الاضطراب هو أكثر انتشاراً بين الذكور. ويتميز بأعراض مختلفة، أهمها ضعف قابليات الانتباه، الذي يتمخض عن صعوبات في التركيز، ونشاط حركي زائد مع اندفاع غير منضبط. وهذا العرَض الثاني هو الأكثر ملاحظة عند المصابين. ويعتبر ظهورهما المبكر ( قبل سن خمس سنوات ) واستمرارهما من عناصر التشخيص الجوهرية. وليس نادراً أن يترافقا باضطرابات أخرى، كتأخر اكتساب اللغة الشفوية أو الكتابية، واختلال الأداء الحركي الذي يتجلى على شكل ضعف مهارة حركية، وصعوبات تنسيق أو اهتداء في المكان والزمان. وغالباً ما تترافق هذه المظاهر باضطرابات التصرف، فضلاً عن سلوكيات عدوانية وصعوبة إقامة علاقات عادية مع الآخرين، وقلق، وربما اكتئاب.
تتمخض هذه الاضطرابات، على صعيد التعلم، والتآلف المدرسي، و العلاقات ضمن الأسرة، عن نتائج وخيمة: بما أنه يصعب على الطفل المصاب البقاء متنبهاً ولا يستطيع تركيز انتباهه على موضوع محدد دون أن يسهو ويشرد ذهنه، يصبح أكثر نزوعاً نحو الفشل في المدرسة ( ينطبق ذلك على 40 % من الأطفال المصابين بهذا الاضطراب ). وبما أن هذا الطفل لا يكف عن الحركة ويعجز عن ضبط نشاطاته ولا يستقر في موضع وقتاً كافياً، فإنه عرضة للعقوبة والتوبيخ باستمرار.
من طبيعة الأطفال المصابين باضطراب النشاط والحركة الزائدين عدم التفكير قبل الإقدام على الفعل. ويتكلمون دون أن يأبهوا بمن يتحدث إليهم. ردودهم متسرعة ولا قدرة لديهم على الانتظار ولا يتحملون الحرمان... . وقد ازددنا فهماً لهذه المتلازمة من خلال علوم المعرفة الحديثة: بين عدد من الدراسات أن الأطفال المصابين بهذا الاضطراب يعانون من قصور ضبط التثبيط: عندما يطلب منهم خلال الاختبار أن يستجيبوا لبعض المنبهات وأن يتجاهلوا أخرى، يجدون صعوبة كبيرة في ذلك، بل هم أكثر ميلاً للاستجابة إلى المنبهات المطلوب تجاهلها. وعند طرح سؤال عليهم، غالباً ما يجيبون قبل انتهاء السؤال. كما يصعب عليهم القيام بعمليات تتطلب جهداً ذاكرياً، كالحساب الذهني.
وإن كان مؤكداً أن الاضطراب متعددُ المنشأ، فإن الباحثين قد اختلفوا في تفسيره: عزاه البعض إلى أذيات عصبية تنتج عنها أعراض متشابهة، ورأى آخرون أنه اضطراب غامض المنشأ، بينما رده البعض الآخر إلى أسباب عاطفية نفسية أو وصفوه بأنه عصبي بيولوجي المنشأ، وأنه ناجم عن شذوذات دماغية " صغيرة "، وراثية أو خلْقية. لكن هذا الاختلاف، الذي استمر طويلاً، قد تم تجاوزه اليوم.. .
أصبح معروفاً الآن أن سيرورات نمو الوظائف المعرفية والنفسية مترابطة لا انفصام بينها، وهي ثمرة عوامل عصبية بيولوجية وبيئية على حد سواء. في الواقع، تبين أن الأطفال المصابين باضطراب النشاط الحركي المفرط ونقص الانتباه يتميزون جزئياً بنفس أعراض المرضى متأذي الفص الجبهي من المخ. وتم منذ عشر سنوات، بمساعدة تقنيات التصوير الطبي الدماغي، تأكيد الفرضية التي تفيد بوجود خلل في عمل نواحي مقدم الجبهة المخية. وهكذا، اتضح وجود نقصان نسبي في حجم نواحي مقدم الجبهة اليمنى والبنى تحت القشرية المخية الأمامية، خصوصاً النواة المذنبة. يمكن أن يكون خلل وظيفتها، أو نقص نضج بعض شبكات العصبونات ( الخلايا العصبية التي تربط نواحي الجسم المخطط بنواحي مقدم الجبهة )، هو سبب الأعراض الرئيسية للاضطراب.
في وقت أحدث، اتضح أن للمخيخ دوراً أيضاً: في الواقع، تبين أن حجم الدودة المخيخية هو أصغر عند وجود هذا الاضطراب. وكانوا ينظرون إلى هذه البنية ولزمن طويل على أن دورها يقوم فقط على ضبط الحركية والتوازن في الجسم. إلا أن الدراسات الحديثة تشير إلى أنه ربما كانت تؤدي دوراً في الوظائف التنفيذية وحفظ الانتباه.
وقد أمكن، بوساطة التصوير الطبي الوظيفي، معاينة درجة مشاركة مختلف باحات الدماغ في إنجاز مهمات المعرفة. وعندما طلب من الأطفال المصابين بالاضطراب القيام بمهمات متطورة، مع تسجيل نشاطهم الدماغي في ذات الوقت، أمكن ملاحظة تضاؤل تنشُّط نواح جبهية وبنى قشرية مخية معروفة بدورها في عمليات الانتباه.
مع ذلك، هنالك عناصر ترجح وجود عوامل وراثية. في الواقع، تواتر ظهور الاضطراب هو أعلى بخمس مرات لدى أسر الأطفال زائدي الحركة والنشاط. عدا ذلك، إن توافق هذه المتلازمة هو أعلى بـ 2,5 مرة وسطياً ( 66 % ) لدى توائم البيضة الواحدة ( التوائم الحقيقيين ) منه لدى توائم البيضتين المختلفتين. يبقى أن نشير إلى أن هذه العوامل الوراثية تعتبر بالأحرى عوامل تأهُّب.
لا يمكن مع ذلك استبعاد دور البيئة. ذلك أنه عند وجود اضطراب النشاط الحركي المفرط مع نقص الانتباه، تغدو العلاقات ضمن الأسرة صعبة على الأقل. هذه الصعوبات متأتية جزئياً عن فرط النشاط، الذي يترك أثره بالضرورة على العلاقات بين الأفراد. إلا أنها أيضاً على علاقة بتاريخ الطفل، وتاريخ محيطه. تؤدي العوامل النفسية الاجتماعية، والكيفيات العلائقية والتواصلية ضمن الأسرة، منذ السنوات الأولى من الحياة، دوراً لا يستهان به أيضاً.
ومع تضافر عوامل الخطر الوراثية، والعصبية البيولوجية، والبيئية، لا يمكن للاضطراب أن يرتكز إلى نمط واحد من العناية والعلاج. ينبغي أن تؤخذ بالحسبان، في الآن نفسه، الاضطرابات الانفعالية، والقلقية، وعلاقات الطفل مع محيطه، وواقعه المعاش، بل أيضاً الأعراض والانعكاسات بعبارات التعلم. وغالباً ما يتطلب ذلك تدخل عدة اختصاصيين: المعالج النفسي، والمعالج النفسي الحركي، ومقوِّم النطق... . إن الطفل المصاب بمتلازمة فرط الحراك هذه هو طفل مختلف، ولا بد أن يتفهم الأهل والمعلمون وضعه، وأن يتعرفوا جيداً إلى مرضه، من أجل مساعدته على نحو أفضل وتحسين ظروف معيشته في الخلية الأسرية. ذلك أن هذه الخلية تضطرب جداً مع وجود هذا الطفل كثير الحركة، والاندفاعي، والحالم والخيالي أيضاً، والإبداعي والعاطفي جداً، ولكن الذي يعاني كثيراً. فكيف نميزه؟:
• لا يمكنه إعارة الانتباه للتفاصيل. له أخطاء ناتجة عن الطيش.
• يصعب عليه تثبيت الانتباه.
• يبدو غير مصغ عند التحدث إليه.
• لا يمتثل للأوامر. غير قادر على أداء واجباته في موعد محدد.
• يصعب عليه تنظيم نشاطاته.
• يبتعد عن المهمات التي تتطلب نشاطاً عقلياً مستمراً، أو ينجزها على مضض.
• غالباً ما يضيع الأشياء الضرورية لعمله.
• تجعله الأشياء الخارجية، كالأصوات، يسهو بسهولة.
• غالباً ما يبقى يحرك يديه وقدميه أو يتلوى في مقعده.
• كثيراً ما نراه ينهض واقفاً في الصف.
• يركض ويقفز هنا وهناك في أوضاع غير اعتيادية.
• يتعذر عليه أن يهدأ خلال الألعاب وأوقات الفراغ.
• يصعب عليه التوقف عن الكلام، وكثيراً ما يقاطع الآخرين عندما يتكلمون.
#
عن " العلم والحياة " الفرنسية ترجمة محمد الدنيا