Saad Alkassem
١٨ أكتوبر، الساعة ١٠:٢٤ م ·
فـــي عالــم يصغـــر باســتمرار
سعد القاسم
18 تشرين1/ أكتوير 2021
ليست الجغرافيا بالطبع المقصودة بهذا العنوان. فالأرض بالمفهوم الجغرافي هي هي لم يتغير حجمها. إنما الحديث عن وسائل الاتصال الجماهيري التي قربت بين مناطق العالم حتى كاد المجتمع البشري معها أن يتحول إلى وحدة واحدة رغم كل ما فيه من تباينات واختلافات.
وقد يسأل سائل: وأية علاقة والحال هذه بين الثقافة أو الثقافات الوطنية، وهذا التطور الهائل في وسائل الاتصال؟!..
هذا السؤال تحديداً ما يلامس أكثر المسائل حيوية في عصرنا الراهن لا بالنسبة للثقافة أو وسائل الاتصال وحدهما، وإنما ببقاء كثير من المجتمعات البشرية، وبتوفر - أو انتفاء- امكانيات تطورها الخاص.
لقد لعبت الثقافة دوراً في تاريخ المجتمعات أكبر بكثير مما يبدو للوهلة الأولى. وهذه الحقيقة لن يصعب الاستدلال عليها إن نحن نظرنا للثقافة بمفهومها الواسع على أنها تشمل كل ما يتعلق بحياة الناس بما في ذلك البيوت والملابس والطعام والشراب والأثاث وأدوات الاستخدام اليومي واللغة والنتاج الإبداعي الفكري والفني. فإذا قادنا ما سبق للحديث عن شكل من أشكال التبادل الثقافي بين مجتمعاتنا والمجتمعات المتقدمة، فإن عليه أن يقودنا أيضاً لملاحظة أن هذا الشكل فرضته تلك المجتمعات بأخذها من عندنا ما تراه الأهم، وما تراه الأهم هو غالباً ما يكرس فكرة تخلفنا. وفي المقابل فهي تنشر ثقافتها في بلادنا اعتماداً على تفوقها الكبير في وسائل الاتصال المختلفة وخاصة التلفزيون سابقاً، والفضاء الإلكتروني حالياً، وما قد يستجد مستقبلاً. وقدرتها العالية بالتالي على إيصال ثقافتها إلى مجتمعاتنا والاستيطان فيها اعتماداً على جملة من الأسباب في مقدمتها الشعور بالنقص تجاه المجتمعات المتقدمة. وضعف وسائل الاتصال الجماهيري عندنا قياساً، وضعف المضمون المعلوماتي على شبكة النت . وعجز الإنتاج التلفزيوني العربي عن تغطية ساعات الإرسال ببرامج خاصة هامة، غير مستوردة قادرة على منافسة البرامج المستوردة فكرة وشكلاً وهوية.
إن الحديث والواقع هذا عن الاستلاب الثقافي لا يمكن اعتباره مبالغة أو تهويلاً فهذا الاستلاب صار خطراً حقيقياً لا يهدد المهتمين بالثقافة وحدهم حين تتاح أمامهم إمكانية التعرف على الحياة الثقافية في الدول المتقدمة ويحرمون من فرص التعرف على سواها، وإنما أيضاً هو خطر يهدد البناء الثقافي للمجتمعات النامية بأكملها بفعل ما يحدثه من تغييرات كبيرة في أنماط حياتها. وفي كل الأحوال فإن الحديث لا يصب في صالح العزلة الثقافية فهي فكرة مرفوضة بكل الأوقات. وهي أيضاً مسألة مستحيلة في راهن زمننا، فمن هو المجتمع الذي عاد قادراً على عزلة نفسه عن العالم؟!
إنما الحديث عن واقع يواجهه العالم ومجتمعاته الساعية للنمو، على وجه التحديد، حيث يتساوى تهديد ثقافاتها بتهديد وجودها. وهو ما يجب أن يدفعها لإيلاء اهتمام حقيقي لثقافتها الوطنية وتطويرها وتطوير وسائل نشرها وتعميمها. دون أن تحرم نفسها فرصة الاطلاع على ثقافات الآخرين والاستفادة منها.
http://thawra.sy/.../saad_elkasem/292993-2021-10-18-12-54-29
١٨ أكتوبر، الساعة ١٠:٢٤ م ·
فـــي عالــم يصغـــر باســتمرار
سعد القاسم
18 تشرين1/ أكتوير 2021
ليست الجغرافيا بالطبع المقصودة بهذا العنوان. فالأرض بالمفهوم الجغرافي هي هي لم يتغير حجمها. إنما الحديث عن وسائل الاتصال الجماهيري التي قربت بين مناطق العالم حتى كاد المجتمع البشري معها أن يتحول إلى وحدة واحدة رغم كل ما فيه من تباينات واختلافات.
وقد يسأل سائل: وأية علاقة والحال هذه بين الثقافة أو الثقافات الوطنية، وهذا التطور الهائل في وسائل الاتصال؟!..
هذا السؤال تحديداً ما يلامس أكثر المسائل حيوية في عصرنا الراهن لا بالنسبة للثقافة أو وسائل الاتصال وحدهما، وإنما ببقاء كثير من المجتمعات البشرية، وبتوفر - أو انتفاء- امكانيات تطورها الخاص.
لقد لعبت الثقافة دوراً في تاريخ المجتمعات أكبر بكثير مما يبدو للوهلة الأولى. وهذه الحقيقة لن يصعب الاستدلال عليها إن نحن نظرنا للثقافة بمفهومها الواسع على أنها تشمل كل ما يتعلق بحياة الناس بما في ذلك البيوت والملابس والطعام والشراب والأثاث وأدوات الاستخدام اليومي واللغة والنتاج الإبداعي الفكري والفني. فإذا قادنا ما سبق للحديث عن شكل من أشكال التبادل الثقافي بين مجتمعاتنا والمجتمعات المتقدمة، فإن عليه أن يقودنا أيضاً لملاحظة أن هذا الشكل فرضته تلك المجتمعات بأخذها من عندنا ما تراه الأهم، وما تراه الأهم هو غالباً ما يكرس فكرة تخلفنا. وفي المقابل فهي تنشر ثقافتها في بلادنا اعتماداً على تفوقها الكبير في وسائل الاتصال المختلفة وخاصة التلفزيون سابقاً، والفضاء الإلكتروني حالياً، وما قد يستجد مستقبلاً. وقدرتها العالية بالتالي على إيصال ثقافتها إلى مجتمعاتنا والاستيطان فيها اعتماداً على جملة من الأسباب في مقدمتها الشعور بالنقص تجاه المجتمعات المتقدمة. وضعف وسائل الاتصال الجماهيري عندنا قياساً، وضعف المضمون المعلوماتي على شبكة النت . وعجز الإنتاج التلفزيوني العربي عن تغطية ساعات الإرسال ببرامج خاصة هامة، غير مستوردة قادرة على منافسة البرامج المستوردة فكرة وشكلاً وهوية.
إن الحديث والواقع هذا عن الاستلاب الثقافي لا يمكن اعتباره مبالغة أو تهويلاً فهذا الاستلاب صار خطراً حقيقياً لا يهدد المهتمين بالثقافة وحدهم حين تتاح أمامهم إمكانية التعرف على الحياة الثقافية في الدول المتقدمة ويحرمون من فرص التعرف على سواها، وإنما أيضاً هو خطر يهدد البناء الثقافي للمجتمعات النامية بأكملها بفعل ما يحدثه من تغييرات كبيرة في أنماط حياتها. وفي كل الأحوال فإن الحديث لا يصب في صالح العزلة الثقافية فهي فكرة مرفوضة بكل الأوقات. وهي أيضاً مسألة مستحيلة في راهن زمننا، فمن هو المجتمع الذي عاد قادراً على عزلة نفسه عن العالم؟!
إنما الحديث عن واقع يواجهه العالم ومجتمعاته الساعية للنمو، على وجه التحديد، حيث يتساوى تهديد ثقافاتها بتهديد وجودها. وهو ما يجب أن يدفعها لإيلاء اهتمام حقيقي لثقافتها الوطنية وتطويرها وتطوير وسائل نشرها وتعميمها. دون أن تحرم نفسها فرصة الاطلاع على ثقافات الآخرين والاستفادة منها.
http://thawra.sy/.../saad_elkasem/292993-2021-10-18-12-54-29