أحمد الصوفي
حاورته: سمر محفوض- سورية
قد لا يحتاج الإبداع إلى أن يترجم للغات؛ لأنه بالأصل لغة تعبير لها خصائصها وقواسمها التي تخصها تعبيرا وأدواتٍ وتلقيًا، خصوصا حين يتربع المبدع على عرش الألوان بضربة ريشة أو قلب. يثير التشكيلي السوري أحمد الصوفي كثيرًا من التساؤلات والإشكالات؛ فهو دائم البحث وراء ما يجري في هذا الجزء الملتبس من العالم، والمنغمس في إنجاز خرابه، سورية الحزينة والمتعبة، والتي تعيش وسط إرهاصات الكوميديا الغرائبية لعالم يتغير نحو الأسوأ، يتماهى أحمد ضمن كل ذلك في عوالم إبداعاته، واستطاع أن يجد لنفسه مكانا خاصا في الوسط المليء بالمتاعب والألغاز، والجماليات أيضا، منغمسًا بمشروعه الإبداعي عبر بحثه الدائم عن مفردات لونية بالفن التشكيلي؛ وخاصة التصوير الزيتي .. تنوعت أعماله في التصوير من الواقعية إلى الواقعية الرمزية إلى التجريدية، ويختار موضوعاته وينفذها بمنتهى الجدية، مشحونا دائما بالاحتجاج ورفض القهر الاجتماعي والشخصي، وينبع أسلوبه الخاص من طبيعته ومن رؤيته الخاصة للموضوع الذي يعبر عنه، فيتميز بشخصية فنية واضحة ترتكز على الجدية والإخلاص، فاللوحة عند أحمد الصوفي تشف عن ملامح فنان مبدع ومتمكن من أدواته، متجذر في فهمه لعوالم التشكيل والأسلوب الخاص للتعبير.. اللوحة عنده تعكس للمتلقي كثيرًا من الاحتمالات البصرية، وتفتح باب المخيلة على إضافات تالية خارج إطار اللوحة، وخارج التأطير بمفهومه الشامل…. على شكل لقاء مبسط لشرح رؤيته للفن والحياة كان لقاؤنا.
على هيئة بداية؛ لا بد من السؤال التقليدي حول الملهمات الأولى التي شكلت الوعي الفني أو الشغف لدى الصوفي، أشير هنا إلى أول تجربة منجزة أو شبه منجزة ربما شكلت أسلوبك الفني؟
بداية هناك الكثير من المكونات الأساسية التي تلعب دورا مهما في صياغة الوعي الفني للفنان وصقله.. تتشكل هذه المكونات منذ بداية تفتح وعيه الإدراكي لما يحيط به من تفاصيل وجماليات تتعلق بالمخزون الطبيعي الذي يراه كعالم حي يتحاور معه ويترسخ في عمق وجدانه.. وتتطور ضمن مسائل مختلفة تتعلق بمخزون بيئته؛ من معمار إلى زي ينتمي إلى محيطه ويغنيه بتفاصيل تتعلق بتراث ما، إضافة إلى القصص التي يحكيها الأجداد، والتي تغني المخيلة وتعبق بأحلام لا تنتهي، فتلهب مخيلة الطفل..
وتتطور وفقا لمحيطه والحاضنة التي ينتمي إليها الفنان كطفل، وتتغذى بما يستطيع أن ينهله من بحر الأمكنة..
أما الوعي الفني وما أسهم في تشكل اللوحة الأولى؛ فقد لعبت بعض الألبومات والمجلات التي توفرت لي دورا مهما في إغناء المخيلة الفطرية الأولى؛ فنسخت بعض الصور لأعمال بعض الفنانين العالميين، من الأعمال التي كانت رائجة، وبدأت باكتشاف عالم اللون والأبيض والأسود..
من الطفولة.. تكللت في الصف الأول الثانوي بنسخ لوحات زيتية عالمية، وغصت في عالم الألوان الزيتية السحري، وما زلت أبحث وأغوص فيه، وأعشق دهشة اكتشافه.
حول الخصائص الأسلوبية عند الفنان التشكيلي أحمد الصوفي؛ كيف تحدد أولوياتك الفنية؟
بالنسبة إلى الأسلوب فلا أتقصد أن أرسم لوحة ضمن مدرسة معينة؛ إلا أن شغفي الفني التشكيلي أخذني إلى عوالم المدرسة التعبيرية.. وتطورت لاحقا إلى التجريدية بعد أن كانت البدايات ومرحلة البحث عن ذاتي الفنية ضمن الواقعية.
غالبا ما يشكل العنوان مدخلًا أول للوحة أو العمل الفني، فهل يعنون الصوفي لوحاته؟ وكيف يتم ذلك؟ أتأتي اللوحة بالعنوان أم العكس؟
عنوان اللوحة له أهمية عند بعض المهتمين، وخصوصا في الغرب؛ إذ يهتمون بالقصة وينشدّون إليها؛ لذلك يكون للعنوان أهمية ما.. أما أنا فمع عدم تسمية الأعمال؛ لأنني أعتبر المتلقي شريكًا في نسج قصة اللوحة وعوالمها؛ لذلك من المهم أن يكون له طريقته في الولوج إلى اللوحة وسبر عوالمها؛ فلا يقسر على عنوان يعمل جاهدا للبحث عنه ضمن النص البصري..
إلا انه من المهم أحيانا هنا، وضمن عدم رواج الثقافة البصرية، وعدم وجود جمهور كبير لها؛ أن يطرح الفنان عنوانًا ليعطي مفتاحًا يساعد المشاهد على دخول واكتشاف عوالم مختلفة.
عندي تنتج اللوحة أولا؛ لأنني عندما أرسم عملًا ما أطلق العنان لخيالي وللاشعور، فأستحضره كلون وشكل وتكوين.. وقد يأتي لاحقا موضوع العنونة أو لا يأتي.
يقول فيكتور هوغو: “لا تكثر الإيضاح فتفسد روعة الفن”؛ هل يعني ذلك أن الغموض يسهم في انتشار العمل الفني ويضفي عليه جمالا ما؟
على الفنان ترك مفاتيح متعددة تسمح بالولوج المتعدد للقراءة، كأي نص شعري أو مقطوعة موسيقية..
انتشرت مؤخرا بعض المقالات حول ظاهرة إقامة المعارض الفنية مقابل مبلغ مالي، مما يسهم في تصدير وتلميع بعض المبتدئين، متصدرين وسائل الإعلام المرئية والمطبوعة، لتوجه لهم الدعوات لاحقا، ممثلين أوطانهم على حساب أصحاب الموهبة الحقيقية.
موضوع العرض مقابل بدل مادي منتشر للأسف في مواقع التواصل الاجتماعي كنوع من النصب والاحتيال الثقافي .. ذاك الذي يستغل رغبة المبتدئين أو أشباه المواهب التي تجد عجزا في إثبات ذاتها فنيا في صالات محترمة، فتتهافت إلى هكذا نصابين ولصوص يدفعون مقابل عرض بعض أعمالهم البذيئة.. ومقابل شهادة صممها مصمم فاشل أيضا، ويتفاخرون بها ويتعاملون معنا كأنها شهادة دخول إلى عالم الفن.
طبعا ستسقط الشهادة الخاصة بالمشاركة والعمل السيئ بعد مرور أيام، وهناك أمثلة كثيرة، والأسوأ منها وجود بعض المواقع التي تمنح شهادة دكتوراه فخرية لا يمكن عدها سوى مسخرة وتفاهة تضاف إلى من منحها ومن قبلها، وهو ما ينم عن شخصية مريضة؛ لأنهم يعرفون تماما أنها لا تساوي الحبر الذي كتبت به..
ما دور وأهمية الخيال للفنان التشكيلي؟
لاحياة ولا إبداع للفنان إلا بالخيال؛ فهو الذي يؤسس كل نتاجات الفن، حتى على مستوى الاكتشافات العلمية يأتي الخيال سابقا، قيحيل المستحيل إلى واقع ملموس، ويحيل الجنون بالفكرة إلى واقع حقيقي يغير ملامح الحياة كلها، فالخيال ضمن هذه الرؤيا عالم قائم بحد ذاته، يحرض الفنان للإبداع، ويهيئ له كل الطرق الأساسية للوصول إلى منتجه النهائي، فعند الفنان لا حياة إلا في الخيال.
ذكرت في أحد اللقاءات السابقة أن الفن عامة والتشكيل بصورة خاصة، ليسا ترفا أو سياحة بصرية، فشعب بلا فن وبدون منظومة جمالية هو شعب بحكم المغيب. كيف يترجم الصوفي مقولته تشكيليا؟
الفن رسالة يحملها من كان منغمسا أكثر وأكثر في إنسانيته، والتي يستشعرها من كان يحمل فيضا من الفكر والمشاعر، والثقافة التي تهيؤه لكي يستطيع ترجمة ما يراه ويحس به، ويحوله إلى نص بصري أو كتابي أو سمعي؛ وبالتالي تأتي الموهبة كمخرج يصقل وينظم ويرتب عوالمه.. وهذا الحد الأمضى والأقوى والأذكى.. في مقابل ذلك هناك بعض أدعياء الفن الذين يتعدون على الإبداع، ويقومون بأعمال لا تنتمي إلى أي جنس فني، وهي بالتالي تشبه النظّامين التافهين الذين يتناثرون على موائد المتنفذين، والمداحين الذين يلحسون ما يرمى لهم من بقايا صحون المتنفذين.. ولا تكون مناسبة إلا ولهم فيها فتات ما.. طبعا ينطبق هذا أيضا على الفن التشكيلي؛ فالأصيل المبدع لا يستطيع الركض والمحاباة، وأن يكون انتهازيا للفرص كلما وردت، فهو غارق في عالمه بشكل كامل، ومع الأسف فإن ما يؤثر سلبا في صورة الفن التشكيلي هو أن يتسلط أشباه المواهب وسفلة الوسط على مفاصل الإبداع، فينصبون المكائد ويحيدون المبدعين الحقيقيين، وذلك لمصالح دنيئة.. هؤلاء أكثر قربا إلى الطراشين الذين ينحتون شواهد القبور منهم إلى الفنان المبدع الحقيقي، والكثير من الفنانين الحقيقيين هم في دائرة الظل بسبب بعض عديمي الموهبة.
لكل مشروع فني أو ثقافي إبداعي جملة أهداف ومرتكزات؛ على ماذا يرتكز مشروعك الفني الجمالي كحوار بين التشكيل والواقع؟
تشكل اللوحة نصًا بصريًا للفنان يطرح فيه كل مكنوناته الفكرية والثقافية وخبرته الجمالية، فهي تعكس كمرآة مدى عمق أو سطحية الفنان الذي أنجزها.. وبالتالي تحتاج إلى عين متمرسة تستطيع تفكيك بنيتها وإعادة رؤيتها بطريقة المتلقي، فيضيف إليها برأيي مسارب جديدة خاصة به، بعيدة أو قريبة من رؤية الفنان؛ ولذا فإن شرح أو تأطير اللوحة ضمن نمطية خاصة بالفنان يجعلها مقولبة ومحددة القراءة، ويقسر المتلقي على استعارة منظور الفنان؛ ليرى من خلاله، متسببًا في خنق الرؤيا وتحجيم خيال المتلقي.
ما ظروف العمل الإبداعي ومستقبله وسط الرقابات المتعددة المفروضة على الفنان اجتماعيا ونقابيا ومهنيا.. بما أن الفنان مرآة الواقع في مواجهة الظروف والمتغيرات والتحديات التي تواجهه؟
أحسب أن مسألة الرقيب والرقابة خارج اعتبارات الفنان التشكيلي؛ كون اللوحة لا تطرح ولا تتبنى شعارات سياسية مباشرة، مع أن تفاعل الفنان وانفعاله هو في صلب الحق السياسي والإنساني، لكن بعيدًا عن الطرح المؤدلج المؤطر برؤية عقائدية واضحة الملامح، فالفنان يتأمل.
الفن مرتبط بالواقع ومنه يستمد قوته وتعابيره؛ فلمن يتوجه الفنان أحمد الصوفي بمنتجه وما هو هاجسه؟
الإنسان أولا وأخيرًا هو الهاجس الكلي لأي مبدع، وهو أساس الحياة، وكل ما يحيط بنا منذ زمن طويل من مآسٍ ونكبات وتشوهات روحية ونفسية وأخلاقية تكرس هذه الفكرة وتؤكدها؛ أي أن الإنسان هو محور العالم، حتى كل الأديان والفلسفات والأحزاب وجدت لخدمة الإنسان نظريا، ولكنها سُرقت فيما بعد وتشوهت وشوهت.
بطاقة تعريف
الفنان التشكيلي أحمد الصوفي من مواليد 1969الجنسية : سوري \خريج كلية الفنون الجميلة بدمشق \1999\ قسم الرسم والتصوير الزيتي \عضو اتحاد الفنانين التشكيليين في سوريا
المعارض الفردية\المركز الثقافي العربي في إدلب 2010\غاليري النهر الخالد في حمص 2010 \ في غاليري زمان في بيروت 2008 \في صالة الفنون الجميلة بحمص أعوام 2003- 2004-2007 \في صالة نقابة الفنون الجميلة في اللاذقية عام 2004
المعارض الجماعية \ معرض خريجي كلية الفنون الجميلة عام 1999 \ معرض خيري دير الآباء اليسوعيين في حمص 1999 – 2009 \معرض الخريف في نقابة الفنون في حمص منذ عام 2000 حتى 2007 \ معرض في برج السباع الأثري في طرابلس لبنان 2000 \ معرض الفنانين التشكيليين في سوريا من عام 2001 حتى 2007 \معرض الشباب في سوريا أعوام 2002- 2003 \ معرض الربيع 2002 حتى 2007 \ معرض في غاليري زوايا أعوام 2003 – 2004 \معرض في وارسو مع مجموعة فنانين بولونيين عام 2019\ ملتقى أهدن في لبنان عام 2004 \ فناني من حمص النهر الخالد في حمص 2009 \اللوحة الصغيرة نقابة الفنون حمص 2009 \ملتقى الفن العالمي في اليونان (باترا) \ملتقى الواسطي الدولي للفنون في العراق.