إيقاعات ريفية بريشة الفنان كائد حيدر

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • إيقاعات ريفية بريشة الفنان كائد حيدر


    إيقاعات ريفية بريشة الفنان كائد حيدر
    • لمى يوسف


    اللاذقيّة
    تنتشر على حبال ذاكرة الفنان كائد حيدر تلك المشاهد التي يندمج فيها لعب الطفل مع حلمه، يلاحق الضوء المتراقص مع الظل، فمذ كان طفلاً دغدغ الضوء خياله وأثار جموحه لاكتشاف متعة لا يوازيها شيء.

    يلعب، يرسم بالطباشير (خيال الظل) لأحد رفاقه الأطفال على الطريق الإسفلتية مطاردا الظلال المتحركة، بخطوط ملتوية ملونة بالفرح، وحركات لا متناهية كأنهم خارج العالم المادي، مستمر في ذلك حتى الغروب حيث تتطاول الظلال لتفقد شكلها الواقعي متخذة خطوطاً تجريدية ومساحات متمايزة.

    وحدهم كانوا قادرين على تفسيرها، فالأطفال أكثر قدرة على التعبير من أي فنان بارع لعدم اكتمال مخزونهم اللغوي...


    يقول الفنان حيدر الذي ولد في عام1967: مع تداعيات عجلة العولمة الفتاكة، بات التباين بين الذات والمحيط رمادياً حتى بدت الأماكن متشابهة كما الأشخاص، إذ يصعب تمييز الفروق التي تعطي الأشياء جمالها المتولد من التنوع والاختلاف، وأصبح الريف يشبه المدينة، ومطلوب منك أن ترمي أحمالك جانباً لتنخرط في العالم المحيط "لازلت أذكر كم كان غريباً وموحشاً انتقالي للدراسة في المدينة بسن صغيرة، في الصف السابع تحديداً.. معلومات هائلة ومشاهدات لخطوط وألوان مختلفة عما كان ممزوجاً بذاكرتي الطفولية من بساطة وحرية الحركة، فكان الريف مكاناً واسعاً وبيوته المتواضعة كلها لنا ندخلها ونلعب في فسحتها الداخلية بلا حساب، دون أن يطلب منك إلا أن تكون طفلاً دون أي تعديل على السلوك، تعبر دون حواجز إلى عوالم ربما فقدناها الآن في حياتنا حيث تقلص اللون الأخضر مع تزايد اكتشاف العالم خارج القرية، لم تعد القرية هي مركز العالم وليس الفستان الفضفاض المزركش لنساء القرية أو الجلباب (القمباز) المقصب هو اللون الطاغي لما يستر جسد الرجال.

    ويتابع الفنان حيدر: بتغير المكان انقلبت الخطوط الأفقية الممتدة عند الأفق مع نهايات حقول الزيتون، لصالح خطوط عمودية لكتل بيتونية طابقية، والمزج بين هذا الشاقولي والعمودي الذي ما زال مسيطراً على رصف العناصر وتوزيعها داخل لوحتي ليخلق ذلك تصارعاً بين ما هو أرضي وسمائي، حتى لأنني أجد صعوبة بالهروب منه، إلا ما ندر إلى اختراقات للمنظور الذي ظهر في لوحاتي بعد التخرج والتي كان الريف حاضراً فيها بقوة (إيقاعات ريفية في مشروع التخرج) التي لاحظها أستاذي د.نزار صابور والعمق المنظوري المائل بدرجة 45 فهو دمج بين العمق المنظوري التقليدي للفنانين الغربيين، والعمق المنظوري للفن الإسلامي العربي الذي تطفو عناصره على السطح مباشرة، بين مدى الأفق العميق في الريف، وانعدامه في المدينة حيث المسطحات البيتونية.

    ولا شك أن محطات أخرى في تلك المرحلة حاضرة في ذهن الفنان حيدر فقد كان شغفه بالتاريخ كبيراً يضيف مؤكداً: كنت أحب حصة أستاذ التاريخ المتقدم بالعمر في مدرسة جول جمال حيث استطاعت أن تحرض خيالي فرسمت من قصص التاريخ/ حروب نابليون ومصر سليمان الحلبي، قصص الأعراب والصور الأخلاقية لهم، امرئ القيس وعنترة، المتنبي وكليلة ودمنة وغيرها.

    وكنت أستمتع بالرسم الذي كنت أتقنه وأرسم بالفطرة ما يقع تحت نظري وسمعي مذ كنت في الصف السادس والسابع..

    بعد ذلك حصلت على صورة للسيدة العذراء من أحد أصدقاء والدي مع علبة ألوان مائية تشجيعاً لي، ولازلت أذكر كم كان ذلك حافزاً لأرسمها مراراً وغيباً فيما بعد لأهديها لمن حولي، أشعرني ذلك ولأول مرة أن ما أقوم به هو شيء ميزني وأسعد من حولي ولازلت أقع تحت هذا الكم من المؤثرات التي تعطي لوحاتي ذاتيتها ولونها، طعمها ونمطها الشخصي.

    أعيش هذا التاريخ الذي يعيد نفسه بأبواب مختلفة، أتلقفه وكأني ذاك الطفل الذي تبهره هذه الكمية من الأشياء التي يعرفها أقلبها، أدمجها مع ما أعيش به حالياً كل شيء يمتد من الماضي وينبثق للمستقبل، لا أستطيع أن أرسم دون ماضٍ أو تاريخ مرتبط بهذه اللحظة أو متولد من أماكن وأزمنة مرت بذاكرتي الجماعية.
يعمل...
X