ميشــيل كرشـــة.. موهبة عَشِقَت اللون والضوء حتى الثّمالة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • ميشــيل كرشـــة.. موهبة عَشِقَت اللون والضوء حتى الثّمالة

    الناقد سعد القاسم
    اضغط على الصورة لعرض أكبر. 

الإسم:	319618062_852130676028558_1156103685409839702_n.jpg 
مشاهدات:	11 
الحجم:	53.6 كيلوبايت 
الهوية:	43185
    (ميشــيل كرشـــة.. موهبة عَشِقَت اللون والضوء حتى الثّمالة) تحت هذا العنوان كتب الراحل محمد مروان مراد آخر مقالة له إلى مجلة (الحياة التشكيلية) استعرض فيها سيرة الحياة الإبداعية للفنان الرائد من خلال ما عرفه عنه شخصياً وما قراءه في كتابات الفنانين والباحثين والنقاد. وقد نشرت هذه المقالة في العدد الأحدث من المجلة الذي صدر بعد رحيل الكاتب في 24 صفحة تتضمن صورة للفنان في مرسمه و32 صورة لمختارات من لوحاته وأعماله التي تدل على سمو موهبته وبراعته بآن واحد. ولأهمية ميشيل كرشة التي لا تنقص مهما طال الزمن. وتحية لروح المرحوم مراد أنشر هنا ما أجده الأكثر جوهرية في المقالة. بما يحفظ قيمتها، حيث المجال لا يتسع لنشرها كاملة.

    اضغط على الصورة لعرض أكبر. 

الإسم:	319819262_923176631933375_3966381021487410073_n.jpg 
مشاهدات:	11 
الحجم:	215.7 كيلوبايت 
الهوية:	43186
    ___________________________________
    ذات يوم من عام 1948، وكنت تلميذاً في ثانوية جودت الهاشمي بدمشق، دخل أستاذ جديد إلى الصف وعرّف بنفسه: أنا ميشيل كرشة معلّم الرسم.. ساد الصمت فتمشّى بخطوات متأنّية وطاف بنظّارته في الوجوه، ثمّ تابع: كثيرون يحسبون الرسم مضيعة للوقت، وينظرون إليه على أنه فرصة للّهو والتسلية، فهل ترون أنتم هذا صحيحاً؟ سأقول لكم: هذا مفهوم خاطئ قديم، انتهى مع مطلع العصر الجديد، إذ برز الفن عنصراً أساسياً في عملية النهضة والتقدّم، وكما نرى فإنّ دول العالَـم المتحضرة تهتم بالفنون، وتنفق عليها الملايين، وتعتز كثيراً بالفنانين، وتكرّم المبدعين..
    لماذا؟ تساءل الأستاذ، أقول لكم: إنّ الفن معبّر عن نفسية الإنسان، ويخاطب عواطفه في الفرح والحزن، كما يدفعه إلى النّظر بثقة وتفاؤل، كما يكتشف الفن المواهب الكامنة في النفوس، ويعمل على تهذيبها وفتح الطريق أمامها لتظهر وتتألّق. بالفن نحيي تراثنا العظيم، ونحميه من عاديات الزمن، ونخلّد به البطولات الوطنية، ونسجّل وفاءنا للمبدعين والعظماء. اليوم هذه فرصة جديدة أمامنا لندخل في عالَـم الرسم، ونتدرّب ونُعِدّ لجيل منتج ومبدع، ومَن يدري إذا كنّا أمام كوكبة جديدة ستحمل راية الإبداع وتتابع مسيرة الروّاد الكبار في بلدنا.
    كنت أول من بُهر بالمعلّم الجديد الذي كنت أتوقف وأنا في طريقي إلى ثانوية جودت الهاشمي أمام واجهة المكتبة العمومية قبالة سينما الأهرام - روكسي سابقاً – وأتأمّل باهتمام لوحاته الجميلة التي كان يعرضها في الواجهة، طيلة أسبوع بالتناوب مع أبناء جيله من فناني تلك الحقبة. وكان ذلك فاتحة تعرّفي إلى المعلّم الرائد.

    اضغط على الصورة لعرض أكبر. 

الإسم:	319829699_5856261147771838_4330889026255295234_n.jpg 
مشاهدات:	11 
الحجم:	83.3 كيلوبايت 
الهوية:	43187
    عرفتُ أنه ولد في مدينة دمشق عام 1900 في بيت أسرته بحارة الخمارين في حي القيمرية الشعبي، أحد أجمل أحياء المدينة القديمة، ونشأ في عالَـم ساحر، احتضن ألواناً من عطايا الطبيعة الخلابة، حيث عرائش الياسمين البلدي، وأحواض الفل والورد الجوري، تنشر عبقها الأخاذ، ودفق الماء الرائق من نافورة تتراقص على البحرة الكبيرة وسط صحن الدار، وقد تشبّعت روحه بهذا العرس المشهود، وتعايش مع مفاتن الطبيعة، وتفاعل مع إيحاءاتها في داخله، وراح يتصور بخياله أشياء وأشياء في الطبيعة يضيف إليها ما يعجبه ويحذف ما لم يعجبه، وظهرت هوايته للتصوير مبكّراً متجاوزة حدود الرسم والتلوين، التي كانت مقررة في المدرسة، فعمد إلى تكبير صورة لوالده عن صورة ضوئية، وأنجزها بدقة، إذ أمسك بالملامح بصورة مدهشة، ووزّع جهده الفني في سائر الجوانب. كما أنه خلال تعلّمه اللغة الفرنسية في المدرسة البطريركية للروم الأرثوذكس، نسخ من معجم اللاروس صورة للسياسي الفرنسي الشهير هنري بوانكارييه ولكن مكافأته كانت (فلقة) مؤلمة على قدميه، حتى لا يعود إلى مثلها وينشغل بالرسم، وقد بشّرت الصورتان بموهبة منتظرة في هذا العمر المبكّر، وقبل أي دراسة تمهيدية، وعدم وجودها في أي محترف بمحيطه الفني.

    اضغط على الصورة لعرض أكبر. 

الإسم:	319545326_1821221274906045_4415953242182012070_n.jpg 
مشاهدات:	5 
الحجم:	108.3 كيلوبايت 
الهوية:	43188


    في عام 1919 غادر الفنان الكبير إلى فرنسا لدراسة الفنون في المدرسة العليا للفنون الجميلة في باريس، وتتلمذ على الأستاذ (سيمون لوسيان) الذي عُرف أنه كان في فن الرسم آفاقياً، تتلخّص تعاليمه بدعوة طلابه إلى الاقتباس من كل المدارس الفنية دون التأثّر بإحداها، وأن يجهدوا لأن يكونوا شخصيين في ابتكاراتهم، وشهد اليوم الأول لدخول ميشيل كرشة إلى مدرسة الفنون حدثاً طريفاً، إذ ما كاد يخطو أولى خطواته إلى المرسم الذي خُصّص له لمتابعة دروسه حتى تعالت صيحات الطلاب جميعاً تطالبه بخلع ثيابه ويقف عارياً أمامهم إلى جانب الصبية (الموديل) التي انهمكوا في رسم تقاطيع جسدها. وكانت هذه عادتهم مع كل طالب جديد يفِد إلى المدرسة، واضطرّ للاستجابة لهم، وتعرّى يعرض (مفاتن جسده) على أنظارهم لمدة ساعة، ثم أن يأمر لكل منهم في نهايتها بقدح من الشراب، وهكذا سُمح له أن يكون زميلاً لهم، وأن يجالسهم ويشاركهم في حياتهم البوهيمية بين مدرسة الفنون العليا وبين مراسم المونبارناس و المونمارتر.
    تزامن وجود كرشة في باريس مع قيام حركة ثورية على صعيد الفن، كانت باريس مركزاً لها، وقد شكّل هذا الوجود – بلا شك، هواجس الانتقال من حدود الرسم الكلاسيكي الواقعي، إلى أسلوب الرسم بلمسات عفوية متلاحقة سجّل من خلالها انطباع تأمّلاته للمشهد، في محاولة لتجاوز المظاهر الجامدة، وإيجاد دلالات التعبيرية الجديدة عبر الانفتاح، هي موجات وإشعاعات الحركات الضوئية تحت وهج الشمس في حالات البريق والتألّق والغنائية. في باريس شعر الفنّان بقربه من المدرسة الانطباعية، ووجد أنها تلبّي حاجاته اللونية والضوئية، وهو المشبَع بشمس الشرق وضوئها، وبغنى التنوّع اللوني وتراثه، وقد ظهرت في أعماله المبكّرة، تأثره الواضح بـمانيه ورينوار، وأعجب بألوان الوحشي ماتيس كل الإعجاب.
    عاد ميشيل كرشة إلى سورية بعد أن أنهى دراسته الجامعية لفن التصوير الزيتي بمدرسة الفنون العليا في باريس ما بين 1919 و 1923، ودراسة فن الحفر والطباعة اليدوية بمدرسة أسيتن ما بين 1923 – 1925، وعمل بعد عودته مدرّساً للتربية الفنية حتى تقاعده عام 1949. وقد حمل معه الأسلوب الانطباعي الذي مثّل ردّة فعل على الأسلوب السائد في سورية، ومواجهة مع مَن سبقوه، مع اختلاف في الأساليب، وتميّز إنتاجه بعد العودة بالغزارة، وسمح له أسلوب الانطباعي بكَثرة الإنتاج، إذ كان يعتمد السرعة في الإنتاج بلمسات سريعة للفرشاة لخلق أكثر ما يمكن من الإحساس بالصدق والتلقائية، زد على ذلك أنّ أغلب لوحاته كان يرسمها من الطبيعة مباشرة إخلاصاً منه للمدرسة الانطباعية. لم تكن التجارب الانطباعية لبعض الروّاد قد أخذت مداها الحقيقي، فالفنان نصير شورى الذي يعتبر من روّاد الانطباعية كان في تلك المرحلة مصوّراً واقعياً، مما يعني أن ميشيل كرشة هو أول فنّان انطباعي وهو الرائد الذي فتح الباب لولادة جيل انطباعي عاصره وجاء بعده. لقد أعاد ميشيل كرشة تنظيم اللوحة من جديد، مؤكّداً على التعاليم الانطباعية التي تلقاها خلال دراسته في باريس، وهو الذي قال عند عودته: « إنني أفضّل الطريقة الانطباعية التي هي أقرب ما يكون إلى ذوق شعبنا ورهافة حسّه ». وهكذا اخترق التقاليد الكلاسيكية وأعطى الضوء واللون أهمية خاصة، مؤكّداً على الواقع وخاصة المواضيع المستوحاة من الريف والمناظر الخلوية والقرى وأحياء دمشق القديمة، واتّجه إلى الرسم من الطبيعة مباشرة والانفعال بالموضوع ومعايشته، وتصويره ضمن فترة زمنية معيّنة.

    اضغط على الصورة لعرض أكبر. 

الإسم:	319493468_1379755602796764_2108986878855595201_n.jpg 
مشاهدات:	11 
الحجم:	95.9 كيلوبايت 
الهوية:	43189

    ينظر ميشيل كرشة إلى الطبيعة كينبوع فني لا يمكن أن ينضب، وينقل مشاهدها ويجعلها في لوحاته، غير أنه لا يرى أن جمالها كاملاً، ويعتقد أنّ الجمال الفني يفوق الجمال الطبيعي، وأن بإمكان الفنان الموهوب أن يصحّح هذا الجمال الأخير، ويضيف إليه ويُنقص منه حتى تستقيم الآيات الفنية على لوحة من اللوحات، وهو كذلك يحب معالجة مواضيع تقلّب الطبيعة في الأيام العاصفة أو الممطرة أو الحارّة، ولا يهتم إذا كان عمله في الصحراء أو الغابات أو السهول بل يحرص على أن يتمكّن من دراسة النور دراسة عملية، ومعرفة تركيبه وتحليله إلى عناصره الأولى، ومتابعة تبدّله وتغيّره في كل لحظة من لحظات النهار، وما ينشأ عنه من ظلال، وتغيّر الألوان برأيه خير تعبير عن النور كما تعبّر عن عواطف الفنّان الفرحة أو الحزينة، وبإمكان هذه الألوان ومشتقاتها السبعة أن توجد كل التأثير في لوحة من اللوحات كنوطات التناغم الذي يسجم الألحان ويخلق الطرب.لم يستخدم في لوحاته ألواناً صريحة، وذات درجة واحدة، بل كان يعتمد على أكثر من لون في لمسة واحدة من دون أن تفقد هذه الألوان خواصها، أي أنّ لمسته مكوّنة من مجموعة ألوان جمعها معاً من دون مزجها مزجاً كاملاً. لا يفضّل لوناً على لون بل يحبّ جميع الموسيقا التي يمكن بواسطة اجتماعها خلق الألوان ما عدا اللون الأسود الذي لا يمكن أن يسمح له بالظهور في أي لوحة من لوحاته، ويعترف أنه أفسح مجالاً واسعاً في هذه اللوحات إلى اللون الأصفر المائل إلى الاحمرار لأنه لون النور الطبيعي الذي يجب أن يضيء كل الأشياء المرسومة. وهو يرسم في أوقات اندفاع فجائية، لما يشعر بالحاجة إلى الرسم، كما يشعر بإحساس الجوع.
    اهتمّ الفنانون والمثقفون والنقّاد بمسيرة كرشة وشغفتهم أعماله الباهرة، فكتبوا شهاداتهم، معبّرين عن تقديرهم وإعجابهم بها، كتب الدكتور سليم عادل عبد الحق المدير العام للآثار والمتاحف في سورية: «أنا من المعجبين بكل لوحات هذا الفنان، لما تنطوي عليه من دراسات دقيقة تبلغ دائماً حد الاتقان والكمال، وأحب هذه اللوحات إلى نفسي لوحة كآبة» وقد رسمها في باريس، ومثّل بها امرأة متعرية قد التفّت بمعطف غليظ انحسر عن صدرها وعن كتفها الأيمن، وهو يزعم أنّ كآبة هذه المرأة متأتية عن كآبته النفسية لأنه لما كان يرسمها أتاه نبأ مخزن هدّ كل قواه النفسية. ومن لوحاته الجميلة أيضاً لوحة (خيمة عرب) التي تتمثّل فيها أرض خضراء أمام سلسلة من التلال المرتسمة في الأفق البعيد، وتنتصب في وسطها خيمة العرب بخطوطها العريضة مشابهة لخيمات البدو التي تمتلئ بها البادية السورية في بعض الفصول، وإلى جانبها بعض الأعراب جالسين أو منصرفين إلى أعمالهم وتقوم بدوية بطهو الطعام في قصعة يتصاعد منها البخار، وينتشر الكلأ والزهر هنا وهناك فنعرف أننا في فصل الربيع الذي تسرح فيه الأنعام وتخضّر البادية وتمشي الأودية.
    وعن اللوحة نفسها يقول طارق الشريف: « رسم ميشيل كرشة هذه اللوحة بإبداع لوني وتجديد لا نظير له، فالأشكال ترسم باللون وحده، والشكل يحدد اللون، والحركة بارزة وممتلئة بالحيوية، والرؤية للمشهد واقعية لها لحظتها الزمانية، وهو ينقل موضوعه بأمانة كما يراه من خلال أحاسيسه بكل سلبياته، إذ ليس الهام هو جمال الموضوع أو تجميله، بل الهام هو العلاقات اللونية والحركات المعبّر عنها باللون وحده، والحيوية التي يكتسبها المشهد نتيجة إحساس المشاهد بأنّ الفنان لا يرسم عمله بمعزل عن اللحظة الزمانية التي تحدّد كل الأشياء، ويرسمه مثالياً خيالياً، بل من الواقع ويقدّم دون تنميق، وبإنجاز سريع مباشر لهذا فهو ممتلئ بالحياة».
    في الأسبوع الأخير من نيسان (ابريل) 1973 كان متحف المتروبوليتان في نيويورك على موعد مع الفنان القدير، لافتتاح معرفته الفردي الجديد في صالة المتحف العريقة، وقد عاد كرشة إلى المدينة وباشر الإعداد بحماس وانتقاء أكثر من مئة لوحة فنية من مجموع أعماله، ولكن كان للقدر قرار مختلف إذ ما لبثت شمس حياته أن آذنت للمغيب قبل أسبوع واحد من يوم الافتتاح المرتقب. ورحل ميشيل كرشة بعد أن طبع بصمته الأنيقة في سجل الخلود رائداً للانطباعية والإبداع الفني الذي انصهرت في بوتقته نبضة القلب الرهينة وشهقة الضوء وهسهسة الموسيقا الدافئة.
    كان يوم 27شباط (فبراير) عام 2006 يوماً مشهوداً في تاريخ الفن التشكيلي في سورية، فقد توجّه جمهور كبير من الفنانين التشكيليين والنقّاد والكتّاب والطلاب إلى المتحف الوطني بدمشق، والذي احتضن حوالي 200 لوحة من أعمال ميشيل كرشة التي اختيرت من بين ألف لوحة للفنان موزّعة في سورية ولبنان وفرنسا وأمريكا وانكلترا وبلغاريا ورومانيا وتشيكوسلوفاكيا وروسيا، وعرضت في صالة العرض المخصصة للفنون التشكيلية في الطابق الأول للمتحف. المعرض في مضامينه الشكلية ومعالجته التقنية والمحتوى الموضوعي والغزارة العددية لمجموع لوحاته متنوعة المقاييس والتقنيات والمتناسلة من واحة فن التصوير الزيتي والملون تشير بما لا يقطعه الشك بأننا أمام فنان تشكيلي سوري عملاق أمتلك كل مقوّمات إنتاج الفن التشكيلي الخالد.
    سورية في مآثرها التاريخية، طبيعتها الجميلة عموماً ومدينة دمشق القديمة على وجه الخصوص، حاضرة في سائر أعماله، بشخوصها وناسها في سويعات صحوتها ونشاطها وحركة شوارعها المزدحمة بالعابرين والعاملين، واسواقها المشرعة على المحبة ولحظات الأمل، وحدائقها وغوطتها العامرة بكل ما يطيب للعين من نظر وتأمّل بصري، تبرز مفاعيل الإحساس الواضح بالوطن والمواطنة عبر رسوم ولوحات حافلة بالمواقف التعبيرية المقصية لكلاسيكية اللقطة السياحية، بل مؤثّرة لمساحة الابتكار الفني، والتي تسعى لإبراز ملامس سطوحه الواقعية بتعبيرية تفوح منها أنفاس الانطباعية، انطباعية الفنان ذاته في خصوصية متفردة جامعة لأساليب معالجته التصويرية لمفرداته ومساحة أفكاره وطريقته الخاصة في رصف خطوطه وملوّناته، والمكحّلة بأشعة الشمس العربية ودائرة الألوان الشاملة لكافة أطياف المشرق العربي في بهاء طلعته وصفوته وفِطرته ومكوّناته صفحات ممجّدة للإنسان في لوحات وجهية (بورتريه) وأخرى للطبيعة الخلابة المستحضرة لأماكن الجمال والمُتعة، في مرابع سورية التاريخية، ومآثرها وأوابدها الأثرية، وكذلك بالنسبة لأسواقها، وحاراتها والبيوت الدمشقية القديمة، ومناظرها الطبيعية الصامتة فيها، لوحات تصدّق فيها مقولة اجتماع الفن على واحة الجمال والكمال، واستنهاض جماليات الطبيعة والإنسان، ومكانة الماء والخضرة والوجوه الملاح. معرض لا تكفي فيه المشاهد العابرة، بل المشاهدة المقصودة والمعمّقة عدة مرات.
    في طريقي للخروج من صالة العرض بعد طواف بلوحات الفنان، خُيّل إليّ أنني أحلّق في فضاء ساحر بأجنحة الفن والشعور الإنساني، وأشرق وجه ميشيل كرشة أمامي، فقرأت في تقاطيعه عبارات سجّلتها ذات حوار معه في لقاء بمعرض للوحاته أقيم بثانوية جودت الهاشمي عام 1971:
    - إني أصرّ على الفنان الذي ينفعل مع الأحداث وينطلق من أعماقه في إنتاجه لا بد وأن تؤثر لوحاته في المتفرّج وإذا لم يتأثّر بها فلأنّ اللوحة تكون فاشلة بالتأكيد.
    - ما يخرج من القلب لابد وأن يدخل إلى القلب.
    - كنت منذ صغري خيالياً أتصوّر أشياء وأشياء في الطبيعة وأزيد عليها ما يعجبني وأحذف منها ما لا يعجبني.
    - كنتُ فناناً طليقاً حرّاً في تفكيري، أكره التقيّد بالعقائد والعادات، وكل شيء في نظري ممكن.
يعمل...
X