الروبوت الرسام.. ابتكار يطور الفن التشكيلي أم خطر مضاعف على الرسامين

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الروبوت الرسام.. ابتكار يطور الفن التشكيلي أم خطر مضاعف على الرسامين

    الروبوت الرسام.. ابتكار يطور الفن التشكيلي أم خطر مضاعف على الرسامين


    الفن التشكيلي فن تمارسه روبوتات بأساليبها الخاصة.
    الاثنين 2022/04/18

    حنان مبروك
    لا فرق بين لوحات الروبوت ولوحات البشر

    حين تقول فنا تشكيليا، تخطر على بال السامع مباشرة ألوان زيتية ومائية وريشات متناثرة هنا وهناك، ومحامل كبيرة يلقي عليها الإنسان بنتاج أفكاره المتحررة والمجنونة، وربما مواد متنوعة يشكلها بيديه كما يشاء فيخرج منها منحوتات وشخوصا من عوالم غريبة. وقد يذهب عقل الكثيرين نحو “الموناليزا”، اللوحة الأكثر شهرة في العالم والتي يعرفها أغلب الناس حتى وإن جهلوا هوية رسامها ليوناردو دافنشي.

    ما لا يخطر في بال أغلبنا، تلقائيا، أن الفن التشكيلي قد يصبح أو هو بدأ يصبح فعليا فنا “آليا” تمارسه روبوتات بأساليبها الخاصة التي قد تخلو من فوضى الإنسان ومن المراسم الخاصة المكتظة بالألوان والمعدات.

    عاما تلو الآخر، يزداد هوس الإنسان بالتقنية وبالذكاء الاصطناعي والروبوتات، حيث بتنا نسمع عن اختراع روبوتات صالحة لكل مجال، منها من يعوض حضور الإنسان في الأعمال الشاقة والمهن الصعبة وفيها من صار ينافس الإنسان حتى في القطاع الفني لاسيما الفن التشكيلي.

    الكثيرون يعتقدون أن رواد الفن التشكيلي القادمون سيكونون كتلا من الحديد مدفوعة بالذكاء الاصطناعي وبتوجيه بشري

    ورغم اختراع العديد من التطبيقات الإلكترونية وبرامج الذكاء الاصطناعي القادرة على تعزيز قدرات الفنانين التشكيليين وتدعيم مهاراتهم ومستوى الأعمال الفنية التي يقدمونها، إلا أن الروبوتات تظل الأكثر إبهارا من حيث أنها تقدم لوحات تضاهي أعمال أشهر الرسامين لا بل بإمكانها رسمها مباشرة أمام عين الزائر وبسرعة تفوق القدرات البشرية الخارقة.

    ومن هذه الروبوتات، الروبوت “آي - دا” أو ما اختارت وسائل إعلام عربية تسميته “عايدة”، والذي يحمل اسم عالم الرياضيات آيدا لوفلي، وابتكر منذ نحو ثلاثة أعوام ويعتبر الأول من نوعه في مجال الفنون، فهو أول فنان آلي يرسم البشر، يتحدث باللغة الإنجليزية، ويقدم لجمهوره أعمالا ورسومات فنية مختلفة، وللروبوت الكثير من المميزات من بينها أنه لا يستغرق سوى ساعة في رسم البورتريه، باستخدام عينيه وقلم رصاص في يده “الذكية”.

    ويستخدم هذا الروبوت الفنان ذراعا آلية خاصة للطلاء وكاميرا مثبتة “للرؤية”، ويقول عنه مطوره إيدان ميلر إنه رائد في حركة فنية جديدة للذكاء الاصطناعي، يصنع فنه الخاص، بالإضافة إلى كونه فنانا في الأداء.

    وانشغل العالم بـ”آي – دا” قبل الجائحة، حتى أنه لقب بأنه “واحد من أبرز الفنانين في العصر الحالي”، لكنه غاب كأغلب الفنانين التشكيليين جراء الإغلاق بسبب فايروس كورونا، وقبل ذلك شارك في الدورة الحادية عشرة من معرض فن أبوظبي الذي أقيم في منارة السعديات، وقدم معرضا تشكيليا خاصا به يحمل عنوان “أنسيكيورد فيوتشرز” (العقود الآجلة غير المضمونة) في جامعة أكسفورد، ويضم مجموعة مختارة من أعمال الروبوت، والتي تم تطويرها باستخدام عمليات الذكاء الاصطناعي والخوارزميات في الجامعة، واستعرضت مهارات عايدة في الرسم والتلوين والنحت وفن الفيديو مما يتيح للزائر استكشاف الحدود بين الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا والحياة العضوية.

    وكما يفعل الفنان التشكيلي، تلتقط عينا الروبوت “آي – دا” اللتان تحتويان على عدسات الكاميرا، صورة للموضوع، ثم يتم تخزينها بواسطة الروبوت واستخدامها كمرجع للرسم، وغالبا ما يقوم الروبوت بإسقاط الطلاء على ورقة رغم أنه لم يتمكن بعد من مزج الألوان معا بالكامل.

    وتوضح الفيديوهات المتداولة للروبوت على مواقع التواصل أنه باستخدام الذكاء الاصطناعي، يتخذ الروبوت القرارات من تلقاء نفسه، لذلك قد تختلف صورتان لنفس الشخص، ورغم أنه لا عقل ولا ذاكرة له إلا أن الروبوت يمتلك العديد من المراجع الثقافية والمدارس الفنية التي يرسم وفقها.

    وليست “آي – دا” آخر روبوت رسام، بل تعددت التجارب بعدها حيث طور مهندسون أتراك برمجية رسم تعتمد على الذكاء الاصطناعي أطلقوا عليها اسم “الرسام الرقمي” وهو قادر على تعلم الرسم مثل الإنسان، ويملك القدرة على التعلم والاستلهام والارتجال مثل البشر.

    وتختلف كل رسمة ينتجها الرسام الرقمي عن الأخرى، وعند النظر إلى مجموعة من رسوماته، يلاحظ أنها تبدو مثل رسومات مئة رسام مختلف، ولذلك يستطيع الرسام الرقمي دائما إنتاج أعمال جديدة ومبتكرة باستخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، بالرغم من أن المتحكم به إنسان.


    باستخدام الذكاء الاصطناعي، يتخذ الروبوت القرارات من تلقاء نفسه


    وعلى عكس الإنسان لا يعتمد الذكاء الاصطناعي على مصدر واحد أو مصادر محدودة للتعلم، فالبرمجية الذكية تتعلم من المئات من المعلمين، وتنهل من كل المدارس الفنية، وفي هذا السياق يطمئن مخترعو هذه الروبوتات الرسامة الفنانين من بني جنسهم البشري بأنهم صاروا يميلون أكثر لاستخدام الروبوت أو الرسام الرقمي لإضافة إبداعات فنية جديدة بأسلوب تكنولوجي يواكب شكل العالم الجديد بلوحات ومنحوتات تكنولوجية يتم إنتاجها بأسلوب حديث لا يخضع لمعايير الفن التشكيلي الكلاسيكية والقديمة.

    ويقول هؤلاء إنه يمكننا توظيف الروبوتات الرسامة في عدة قطاعات مختلفة، فمن الممكن استخدامها في الصناعات المعتمدة على التصميم، مما يساعد في زيادة التنوع وخفض التكاليف والسرعة في تلبية احتياجات الناس للحصول على منتج فريد ومريح، وربما في المستقبل سيكون لكل منزل مصمم وطابع خاص وأشياء خاصة بذوق خاص.

    كل هذه محاولات قليلة، تثبت أنها محاولات ناجحة إلى حد الآن، لكنها تشجعنا على التفكير في الذكاء الاصطناعي والاستخدامات والانتهاكات التكنولوجية التي يمكن أن يرتكبها الروبوت الرسام في العالم مستقبلا، وبتوجيه بشري. فالآلة كما تستخدم لخدمة الإنسان وجعل حياته أكثر يسرا وسهولة، تستخدم أيضا في الغش والخداع والتضليل، فما الذي سيمنع من استغلال الروبوت الرسام في نسخ أعمال فنية شهيرة بدقة شديدة، أو ما الذي سيمنع الناس من الانصراف عن المعارض التشكيلية التقليدية والاهتمام أكثر بمعارض الروبوتات، وهم الذين يسيرون خلف التطور التقني كالعميان ينبهرون بكل ماهو جديد دون تفكر في سلبياته؟

    لا شك أن مستقبل الفن التشكيلي (وإن كان مستقبلا بعيدا نوعا ما) ستقوده الآلة، فحتى الروبوت “آي – دا” يحاول مبتكروه أن يجعلوه قادرا على التواصل مع المحيطين به بنفسه، وربما يصف الأعمال الفنية التي يبتكرها بنفسه، ولهذا السبب يعتقد الكثيرون أن رواد الفن التشكيلي القادمون سيكونون كتلا من الحديد مدفوعة بالذكاء الاصطناعي، وبتوجيه بشري، وعوض أن تكون هذه الاختراعات لخدمة الفن التشكيلي وتطوير القطاع ستكون خطرا مضاعفا على الرسامين خاصة أولئك المقيمين في العالم الثالث ممن تباع لوحاتهم وتشترى بأثمان زهيدة، ولا تنال معارضهم الاهتمام اللازم فتظل تجاربهم الفنية ضيقة لا يتجاوز إشعاعها حدود العائلة، وخاصة أننا نحن المقيمون في ذلك العالم نشكو من انسياق شعوبنا نحو التفاهة والتشدد، ورفضهم لكل الإبداعات البشرية لحجج واهية قد تدفعهم بسرعة في أحضان الإبداعات الآلية.
يعمل...
X