العقل المبدع يحوّل النفايات إلى مجسّمات فنية عملاقة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • العقل المبدع يحوّل النفايات إلى مجسّمات فنية عملاقة

    العقل المبدع يحوّل النفايات إلى مجسّمات فنية عملاقة

    حنان مبروك

    إبراهيم صلاح فنان عصامي يحب الفن التشكيلي ويحاول الرسم وصناعة منحوتات صغيرة من الطين ومن الخردة.


    الخردة محفز للإبداع

    يشغّل تجار الخردة العمّال لديهم لجمع الفضلات البلاستيكية والمعدنية بغرض بيعها والتجارة فيها، لكن الفنانين قد تكون نظرتهم إلى المواد المهملة مختلفة تماما، فمنهم من يجمعها ليبعث فيها الحياة ويجعلها منحوتات عملاقة وتحفا فنية تبهر عين الناظر.

    ومن هؤلاء الفنانين الشاب المصري إبراهيم صلاح، الذي امتهن منذ سنوات صناعة مجسمات عملاقة من الخردة، فهو يجمعها بكميات كبيرة سواء كانت ألواح حديد وصاج، أو إطارات سيارات، أو تروسا حديدية وغيرها من الخردة المنتشرة في الكثير من المصبات في مصر ويجعلها المادة الأساسية لمجسماته الفنية.

    ويعتمد هذا الفنان كما تجارة الخردة على منتجات وقطع معدنية سبق استهلاكها، مصنوعة من معادن مختلفة، مثل الحديد والألمنيوم والنحاس وغيرها، وغالباً ما تكون ناتجة من الآلات والمعدات القديمة والمحركات وقطع السيارات التي لم تعد صالحة للعمل، أو تم استبدالها، بالإضافة إلى حطام السيارات التي تعرضت إلى حوادث، والمواسير المعدنية القديمة وبقايا المصانع والأجهزة المنزلية ومعدات المياه والمسامير وسواها.

    واستطاع الفنان الشاب أن ينجز مجسمات عملاقة وتماثيل لحيوانات أشهرها تمثال قط المصريين القدماء “باستيت”، وتمثال “حورس” إله الشمس، وأشكال لفنون إسلامية وتماثيل فرعونية، تشمل عربات ومقتنيات فرعونية.

    الفنان الشاب أنجز مجسمات عملاقة وتماثيل لحيوانات أشهرها تمثال عملاق لقط المصريين القدماء "باستيت"

    وتبدأ أول مراحل إنجاز العمل الفني بالبحث عن معلومات حول موضوع المجسم وأيّ شكل فرعوني، وذلك بمشاهدة الصور الخاصة به، ثم رسم تصوّر تقريبي له على الورق، وتحديد أبعاده، وعمل تمثال صغير له من الطين لمعرفة النسب المختلفة، ثم بعد ذلك يقوم الفنان بجولة على الورش والأسواق لتجميع الخردة من مناطق مختلفة تتناسب والشكل الذي يريد تنفيذه، بعد ذلك يقوم ببناء هيكل حديدي مكوّن من أسياخ الحديد يشبه الشكل المراد تنفيذه للبناء ووضع قطع الخردة عليه، ومن خلال مكواة اللحام وشريط اللحام يقوم الفنان بتشبيك القطع بعضها ببعض.

    وليس من السهل والبسيط إنجاز أعمال فنية من الخردة، خاصة وإن كانت هذه المجسمات ستعرض في أماكن عامة مما يجعلها عرضة للتقلبات الجوية، لذلك عادة ما تكون عملية تحضير الخردة طويلة وتحتاج إلى العديد من الخطوات التحضيرية لصيانتها وتأهيلها وعزلها بدهانات خاصة لضمان دوامها أطول فترة ممكنة بهيئتها الأصلية دون حدوث أيّ تغيير عليها.

    وإبراهيم صلاح، فنان عصامي، لم يدرس الفن ولا حتى أكمل تعليمه الجامعي، لكنه منذ كان عمره تسع سنوات، يحب الفن التشكيلي ويحاول الرسم وصناعة منحوتات صغيرة من الطين ومن الخردة. وحين كبر، كبر معه شغفه فاختار أن يطوره ويعرّف به ولمَ لا يعتمده مصدر رزق له.

    ومثلما كانت مواقع الإنترنت وسيلة للتعريف به عند الآخر، كانت مدرسته الأولى في فن إعادة التدوير، حيث تمكن بعد متابعته لفيديوهات ودروس عن بعد من صناعة نماذج مصغرة لمستلزمات منزلية مثل الأباجورات والتحف، وعرضها على مكاتب الديكور لتسويقها، ومن ثم عرضها على مواقع التواصل الاجتماعي وبيعها.

    ويتراوح ارتفاع المجسمات التي ينجزها الفنان بين متر وثمانية متر، وأول الأعمال التي نفذها وكانت سببا في شهرته بين الناس كانت تمثال قط المصريين القدماء “باستيت” والذي وصل ارتفاعه إلى حوالي 6.5 متر وهو مصنوع من خردة الصاج.

    ثم صار الفنان ينشر صور مجسماته العملاقة في مواقع السوشيل ميديا وعلى الصفحات والمجموعات المهتمة بالفنون والمواهب الفنية، حتى اكتسب شهرة واسعة بين المصريين وخاصة في محافظات القاهرة. وهو ما جعله محل اهتمام أجهزة الدولة ليصمم مجسمات لمناسبات مهمة في البلاد ومنها مجسم طائرة حربية صممها الفنان من الحديد الخردة ومخلفات المدينة الصلبة من عمدان النور والبراميل والأسياخ الحديدية، والتي وصل ارتفاعها إلى 9 أمتار وتوجد الآن بميدان الحصري بمدينة 6 أكتوبر.


    بعد ذلك، قام الفنان الشاب بتصميم شعار بطولة العالم لكرة اليد التي نظمتها مصر في العام 2021 وهو “مفتاح الحياة” من خامة الصاج الحديد وكان أكبر مجسم للبطولة على ارتفاع 7 أمتار. ثم قام بتنفيذ تمثال “حورس” إله الشمس عند المصريين القدامى ويعدّ أحد أهم وأقدم المعبودات المصرية على الإطلاق، وقام الفنان بتنفيذه من خامة الصاج المستعمل، وبلغ ارتفاعه 6.5 متر، ووصل وزنه إلى 550 كيلوغراما، واقتنت التمثال محافظة أسوان ليكون مجسما قارا في أحد ميادينها بمنطقة إدفو.

    وكان آخر أعماله الفنية مجسم ضخم لحيوان الشمبانزي “كونغ” المستوحى من فيلم “كينغ كونغ” الذي عرض في العام 2005، وصنعه من الإطارات البلاستيكية للسيارات، وهو معروض في جبل الطويلات في مدينة ذهب السياحية.

    وتتكون معظم التماثيل من 5 أجزاء فقط ويتم تفكيكها وتجميعها بسهولة عبر وصلات الأنابيب المترابطة في أقل من 15 دقيقة.

    بهذا الفكر المختلف، استطاع إبراهيم صلاح أن ينقذ البيئة في وقت تبدو أنها في أمسّ الحاجة إلى أيّ تدخل بشري مهما كان بسيطا لتخفيف أعبائها من النفايات والخردة، وعوض إلقاء الخردة في الأراضي المهجورة وتلويثها أو في أحسن الحالات جمعها وإعادة تصنيعها، يطوّع الفنان المصري النفايات ليصنع منها مجسمات وتحفا فنيا ترضي أنانيته الفنية والإنسانية وتنفع الأرض والبلاد.

    ورغم التجاهل الرسمي لمثل هذه الموهبة وحالة الإبهار التي تحدثها المجسّمات في المحافظات المصرية التي صارت تتنافس على عرض الأعمال الفنية لفترات زمنية محددة في الميادين والحدائق العامة، يحلم الشاب العشريني بأن يتمّ تسليط الضوء على فن الخردة وأن تنتشر مجسماته الفنية ليحقق رقما قياسيا في بلوغ مجسماته العملاقة أقصى ارتفاع ممكن، كما يحلم بأن يكون لديه معرض مفتوح خاص ومتحف لفن الخردة يحوي تماثيل عملاقة عن شخصيات ورموز من التراث المصري، بالإضافة إلى ورشات لتعليم إعادة التدوير وإنتاج أعمال صديقة للبيئة.
يعمل...
X