"الزمن" يأخذنا نحو أربعة عقود من تجربة العراقي هيمت علي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • "الزمن" يأخذنا نحو أربعة عقود من تجربة العراقي هيمت علي

    "الزمن" يأخذنا نحو أربعة عقود من تجربة العراقي هيمت علي


    التشكيلي العراقي يستلهم قصائد أدونيس في تشكيلات فنية تقارب الاسكتشات.


    لوحات مستوحاة من تجارب مبدعين آخرين

    عمان - تُعرض أعمال الفنان العراقي الكردي هيمت محمّد علي (كركوك، 1960) حتى نهاية شهر نوفمبر الجاري في معرضٍ يحمل عنوان “الزمن”، يستضيفه كلٌّ من غاليري نبض وغاليري كريم في عمّان.

    وتؤشر لوحات هيمت علي على ما راكمه الفنان خلال تجربته اللونية التي بدأها قبل أربعة عقود، فمنذ ثمانينات القرن الماضي يجدد هذا الفنان العراقيُّ الموادَّ، ويستنطق الحقول المختلفة في الفن ويقارب مدارسه، ويشتغل على الثقافات المتنوعة، لذا ليس مستغرَبًا أن تحضر في معرض “الزمن” لوحات متأثرة بالفن الياباني أو تستلهم الخط العربي أو تشتبك مع التجريد.

    يتجلى ذلك في عناوين ست سلاسل تضمنت كلّ واحدة منها مجموعة من اللوحات، واختار الفنان للسلاسل عناوين: “حوار مع أدونيس”، و”رسائل إلى عشتار”، و”إلى شاكر حسن آل سعيد”، و”زهور السماء”، و”مذكّرات الأرض”، و”ألوان من كركوك والأندلس”.

    وبتأمل هذه العناوين يمكن الحدس بالموضوعات التي اهتم بها هيمت علي المولود عام 1960، إذ استلهم قصائد أدونيس في تشكيلات فنية تقارب الاسكتشات، واختار لها الألوان الحارة والقوية، وبدا واضحًا تأثر الفنان بالشعر محاولا تقديمه ضمن تجربة صوفية روحانية، كما استوحى صورة عشتار وأعاد التفاعل مع الأسطورة مستخدمًا الأبيض والأسود اللذين يظهران كرموز أو خطوط على سطح اللوحات المصغرة. وفي إطار هذه المصغرات أيضًا قدم الفنان تحية إلى التشكيلي العراقي الراحل شاكر حسن آل سعيد (1925 – 2004).

    الفنان هيمت علي تأثر بالشعر وحاول تقديمه ضمن تجربة صوفية روحانية، كما استوحى فيه صورة عشتار

    وجاءت تنويعات الفنان على الزهور متأثرة بالفن الياباني الذي جسد من خلال تقنياته أزهار مدينته كركوك ضمن لوحات كبيرة، وفي لوحات أخرى استعاد الفنان روح الزخرفة التي شاعت في الأندلس وشمال العراق، وفق أسلوب تجريدي يحتل فيه التجاورُ اللوني دور البطولة.

    ولا يحضر الرمز في أعمال هيمت علي مثل هاجس لا فكاك منه، وإنما مثل عنصر جمالي بحت، حيث الأزهار التي تحمل في ألوانها أجواء مدينته وتخلد المأساة ولكن من أجل الدعوة إلى عيْش الحياة، وقد نُفذت هذه الأعمال وفق التقنيات الرقمية والكولاج الفني والغرافيك والرسم بالزيت على الكانفاس، واختار لها الفنان أحجامًا كبيرة وجعلها ذات أثر رقيق على بصر المشاهد وأحاسيسه.

    وتمثل أعمال المعرض محطات فارقة في حياة هيمت علي، وهي تحكي بمجملها عن قريته وذكرياته فيها، فمنذ أن غادر العراق قبل ثلاثة عقود لم تغادره الذكريات التي عاشها هناك، وبعد كل تلك السنوات نجد أن ما اختزنه من قصص وما عاشه من تجارب كان قادرًا على التحول عبر الزمن والتفاعل في ذهنه على شكل صور حسية تتفاعل مع الحاضر بقدر ما تستقي من الماضي.

    ويحتفي الفنان في إحدى لوحاته الكبيرة بالأزهار، ذلك أنه وجد قريته عندما زارها فارغة، وحين ذهب إلى المقبرة حيث دُفن والدَاه وجدها مهمَلة، فرأى في رسم الأزهار تعبيرًا عن الوفاء لذكرى من رحلوا، وهكذا رسم لوحته الكبيرة (بعرض أربعة أمتار وطول ستة أمتار) ووضعها عند جدار المقبرة والتقط صورًا لها، فكانت تلك الخطوة بمثابة تخليد لحضور الورد في المقبرة، واستذكار لأرواح الراحلين.


    وتصحب لوحات هيمت علي الدائرية والمربعة والمستطيلةُ المشاهدَ في رحلة إلى ذاكرة الفنان نفسها، هناك حيث الامتنان للشخصيات الفنية والأدبية التي أثّرت فيه وصقلت تجربته الإبداعية، والاحتفاء بقريته الصغيرة التي عاشت سنوات حرب لا ترحم، والارتباط بعائلته التي أمدّته بالأمل، والنظر بتفاؤل إلى المستقبل، وهو ما تُبرزه الألوان المبهجة والتشكيلات اللونية الفارقة التي تسيطر على أجواء المعرض وتعكس حالات متشابكة من الحنين والحب والأمل.

    يُذكر أن هيمت علي يقيم في باريس، وقد ألّف برنارد نويل وفاروق يوسف كتابًا حول فنه حمل عنوان “تمائم العزلة”، كما قدّم أدونيس لكتابه “كتاب الكتب”، وتقتني أعمالَه عدة مؤسسات فنية منها: دارة الفنون – مؤسسة خالد شومان، والمتحف الوطني الأردني للفنون الجميلة، ومتحف الفن الحديث في العراق، ومعهد العالم العربي بباريس، والمكتبة الوطنية في فرنسا، ومتحف الشارقة، ووزارة الثقافة التونسية.

    ويقول عنه المؤلف والناقد الراحل جبرا إبراهيم جبرا “الطاقة التي تستمر في تفجّرها في كل صوب في لوحات هيمت محمد علي تتنوّع باستمرار ضمن وحدتها البدائيّة الأصيلة، فتتقاذف بغزارتها في أنساق تبقى دائماً مثيرة للعين والعاطفة، لتعود فتتقاذف من جديد في ما يشبه الموسيقى: حيث يكون الاضطراب، والفوضى، والتصارع بعضاً من التناغم النهائي في إبداع الفنان. تحيتي لهيمت مجدداً، فناناً عراقيّاً متميّزاً”.



    انشرWhatsAppTwitterFacebook
يعمل...
X