التليف النقوي (Myelofibrosis) هو نوع نادر من أمراض الدم، إذ يًستبدل نسيجٌ ليفي ندبي بنسيجِ نقي العظم (الأنسجة الإسفنجية الرخوة داخل العظم) عن طريق الترسب غير الطبيعي للكولاجين، وقد وُصف أول مرة من قبل (Hueck) في عام 1879 لدى مرضى مصابين بسرطان نقوي المنشأ.
ويعدُّ التليف النقوي نوعًا من أنواع أمراض الدم المزمنة، وينتمي إلى مجموعة اضطرابات تدعى "اضطرابات النقي التكاثرية (MDs)" المتضمنة إضافة له الابيضاضَ النقوي المزمن، وفرط الصفحيات الأساسي، وكثرةَ الحمر الحقيقية (1,2,3,4,5).
يدعى التليف النقوي "بدئي" في حال حدوثه من تلقاء نفسه، وأما في حال حدوثه نتيجة مرض آخر فعندها يدعى "ثانوي"، وذلك تظاهرة ثانوية لعديدٍ من الاضطرابات النقوية الأخرى أو أمراض المناعة الذاتية (1,5)
ويحتوي نقي العظم على خلايا غير ناضجة تكوِّن الدم، والتي تتطور إلى 3 أنواع من الخلايا المتخصصة؛ وهي الكريات الحمراء و الكريات البيضاء والصفيحات الدموية، وعند حدوث تغيير (طفرة) في الحمض النووي لهذه الخلايا غير الناضجة، عندها ستمرّر الطفرة إلى الخلايا الجديدة الناتجة عن الانقسام، ومع مرور الوقت يُنتَج مزيد من الخلايا غير الطبيعية، وتُكتسب طفرات إضافية أخرى أيضًا؛ ما يؤدي في النهاية إلى استبدال الخلايا الطبيعية في النقي وحدوث فِقد تدريجي في قدرته على إنتاج الخلايا الدموية (1,2)
ويُعد الإنتاج الكبير للخلايا النواءة (الخلايا التي تعطي الصفيحات الدموية) أحد خصائص التليف النقوي؛ إذ تُنتج هذه الخلايا كثيرًا من بروتينات تسمى السايتوكينات (TGFb-PDGF-EGF-bEGF) ، وتسبب هذه المواد تراكم مزيد من الأنسجة الليفية ونمو أوعية دموية جديدة وزيادة كثافتها في النقي (1,4).
ويُعد التليف النقوي حالة نادرة؛ إذ يُبلَّغ عن قرابة 0.5 -1.5 حالة لكل 100000 شخص كل عام في الولايات المتحدة الأمريكية، ويحدث لدى الرجال والنساء، ويعد أكثر شيوعًا لدى القوقازيين، ويحدث على نحوٍ مميز لدى الأفراد الذين تزيد أعمارهم على 50 عامًا، ويبلغ وسطي عمر الإصابة 65 عامًا عند التشخيص، ولكن يمكن الإصابة به في الفئات العمرية جميعها؛ إذ إن قرابة 22% من المرضى أعمارهم أٌقل من 65 سنة، ويحدث لدى الأطفال عادة في أول 3 سنوات من العمر (1,4)، ويبلغ وسطي الحياة لدى المصابين بالتليف النقوي من لحظة التشخيص قرابة 2.4 سنة (5).
لم يُحدّد المسبب الأساس للتليف النقوي، وعلى الرغم من أنه غير موروث، فإن حدوثه يرتبط بتغييرات في الحمض النووي في جينات معينة، وللبروتينات التي تدعى ((Janus-associated kinases (JAKs) دور في إحداث المرض، إذ تنظم الـ (JAKs) إنتاج خلايا الدم في نقي العظم عن طريق إرسال إشارات للخلايا من أجل الانقسام والنمو، ولدى قرابة 50% من المرضى طفرة في جين (JAK2) وهي أشيع الطفرات المرافقة للتليف النقوي، ويساعد معرفة وجود هذه الطفرة على تحديد الإنذار والعلاج.
ويوجد عديد من العوامل التي تزيد خطر الإصابة بالتليف النقوي:
- العمر؛ إذ غالبًا مايُشخَّص لدى الأشخاص الأكبر من 50 عامًا.
- وجود اضطرابات دموية أخرى: قد يكون التليف هو حالة مضاعفة لكثرة الصفيحات أو كثرة الحمر الحقيقية.
- التعرض لبعض المواد الكيميائية مثل البنزن والتولوين.
- التعرض للإشعاع المؤين.
- الفيروسات.
- العلاج الكيميائي أو رد فعل للغزو الورمي للنقي (1,2,5,4).
يتطور التليف النقوي ببطء، وقد تمر سنوات عدة على عدد من المرضى دون أن يعانوا أي أعراض؛ إذ لا يُظهر قرابة ثلث المرضى أعراضًا في المراحل الأولى من الاضطراب، وتتضمن الأعراض والعلامات:
- فقر الدم مصحوبًا مع تعب وضيق تنفس وشحوب.
- ضخامة طحال: يؤدي إلى شعور بالامتلاء أو الانزعاج في الجزء العلوي الأيسر من البطن.
- التعرق الليلي.
- تجلط الدم غير المفسر.
- الإنتانات المتكررة.
- الحمى.
- سهولة التكدم والنزف.
- آلام المفاصل أو العظام.
- فقدان الوزن (1,2,3)
يكون التشخيص بدايةً عبر الفحص السريري للعلامات الحيوية والعقد الليمفاوية والطحال والبطن، والسؤال عن التاريخ المرضي وما يتضمنه من أعراض يعانيها المريض أيضًا، وتشمل الاختبارات التي يمكن إجراؤها:
- تعداد الدم الكامل (CBC): يظهر تدنِ في عدد الكريات الحمراء على نحوٍ غير طبيعي؛ وهي دلالة على وجود فقر الدم الذي يعدّ شائعًا لدى مرضى التليف النقوي، ويظهر أعداد الكريات البيضاء والصفيحيات أعلى أو أقل من الطبيعي أيضًا.
- اختبارات دموية : كارتفاع حمض البول والبيليروبين و (LDH).
- اللطاخة المحيطية: تظهر خلايا الدم الحمراء بشكل قطرة الدمع مع كثرة أرومات الكريات البيضاء و الحمراء، وخلايا نقوية غير ناضجة.
- فحص نقي العظم : إذ تؤكد خزعة نقي العظم تشخيص الحالة، ويجري ذلك عبر إبرة خاصة تعمل على أخذ عينة من نقي العظم من عظم الورك، ولسحب عينة من سائل النقي أيضًا، وتُجرى الدراسة في المختبر مع تقصي أعداد الخلايا الموجودة وأنواعها.
- فحص جيني: يُجرى عن طريق عينة دم أو نقي عظم للبحث عن طفرات جينية معينة مرتبط بالتليف النقوي.
- التصوير الشعاعي: باستخدام الأمواج الفوق الصوتية للتحقق من ضخامة الطحال (1,2,4)
تتوفر طرائق مختلفة لعلاج التليف النقوي اعتمادًا على أعراض المريض وخصوصية حالته، فعند غياب الأعراض لدى المريض يُلجأ إلى المراقبة بواسطة فحوصات واختبارات منتظمة، ومراقبة أيّة علامات تدل على تطور المرض، إذ من الممكن أن يبقى المريض دون أعراض سنوات عدة.
ويتضمن التدبير:
- دواء (Ruxolitinib) : وهو أول دواء اعتُمد من قبل إدارة الغذاء والدواء لعلاج التليف النقوي المتوسط أو العالي الخطورة، ويعمل على كبح إشارات الـ (JAK) المفرطة التفعيل، ويساعد على تخفيف بعض الأعراض المرتبطة بالمرض من تضخم الطحال، والتعرق، والحكة، وفقدان الوزن.
- علاج فقر الدم.
- زرع نقي العظم: عن طريق استعمال خلايا جذعية دموية سليمة من متبرع (زرع خيفي) بدلًا من النقي المصاب، ويمكن لهذا الإجراء علاج التليف النقوي، إلا أنه ينطوي على مخاطر مهددة للحياة.
- تدبير الضخامة الطحالية باستخدام:
- دواء (Ruxolitinib) أو هيدروكسي يوريا.
- العلاج الكيميائي: يقلل من حجم الطحال ويخفف من الأعراض المرتبطة به كالألم.
- الاستئصال الجراحي: وذلك عندما يصبح الطحال متضخمًا بشدة ويؤدي إلى مضاعفات، وفي حال عدم الاستجابة للعلاجات الأخرى.
- العلاج الشعاعي: يساعد على تقليل الحجم في حال عدم القدرة على إجراء استئصال جراحي (1,2,4).
وقد تساعد بعض الإجراءات الداعمة التلطيفية التي تُعطي للمريض إلى جانب العلاجات الأخرى على تحسين نوعية الحياة وتوفير الراحة للمريض عن طريق التعرف إلى معلومات أكثر عن المرض، والانضمام إلى مجموعات دعم، وممارسة بعض الأنشطة كاليوغا أو ممارسة الرياضة، والحديث مع مختصين اجتماعيين في حال الحاجة للتعامل مع التحديات العاطفية (2).
تتضمن المضاعفات التي من الممكن حدوثها التكون الدموي خارج النقي الذي يؤدي إلى عدة مشكلات؛ كالنزيف الهضمي أو السعال أو ضغط النخاع الشوكي، وقد يحدث ارتفاع توتر وريد الباب لدى 7% من المرضى أيضًا، وهو مرتبط بزيادة التدفق الدموي الناتج عن ضخامة الطحال أو انسداد داخل الكبر بسبب التخثر الدموي داخل أوردة الكبد، فيؤدي إلى زيادة الضغط الدموي باتجاه أوردة المعدة والمريء زيادة خطر التمزق والنزف، وتشمل الأسباب الشائعة للوفاة تطور سرطان الدم (Acute Leukemia) الذي يحدث في 20% من الحالات، إضافة إلى الإنتان، والنزف، والقصور الكلوي، والقصور الكبدي والتجلط الدموي (2,3,4)
المصادر:
1- Myelofibrosis; Causes, Symptoms, Treatment & Prevention [Internet]. Cleveland Clinic. [cited 2020 Jul 28]. Available from: هنا
2- Myelofibrosis - Symptoms and causes - Mayo Clinic [Internet]. [cited 2020 Jul 28]. Available from: هنا
3- Primary myelofibrosis: 2012 update on diagnosis, risk stratification, and management - Tefferi - 2011 - American Journal of Hematology - Wiley Online Library [Internet]. [cited 2020 Jul 28]. Available from: هنا
4- Primary Myelofibrosis: Practice Essentials, Pathophysiology, Etiology [Internet]. [cited 2020 Jul 28]. Available from: هنا
5- Roy E.Smith, Mark K.Chelmowski, Edward J.Szabo. 1990.Myelofibrosis: A review of clinical and pathologic features and treatment. Critical Reviews in Oncology/Hematology.Volume 10, Issue 4, Pages 305-314. Jan 1;10(4):305–14. Available from: هنا