ما وراء القص التاريخي؟
أماني أبو رحمة
ميزت ليندا هتشيون بين ظاهرتين في كتابات ما بعد الحداثة : ما وراء القص ، وما وراء القص التاريخي . وجاء في تعريفها لما وراء القص التاريخي :
إن ما وراء القص التاريخي هو احد أنواع الرواية ما بعد الحداثية التي ترفض إسقاط المعتقدات والمعايير الحالية على الماضي , وتؤكد على خصوصية وفردية الحدث الماضي.
كما أنها تقترح تمايزا بين الأحداث والحقائق التي نادرا ما يميز بينها العديد من المؤرخين ؛ لان الوثائق أصبحت دلائل على الأحداث التي حولها المؤرخون الى حقائق كما في ما وراء القص التاريخي . والهدف من هذا أن الماضي كان موجودا يوما ما , ولكن معرفتنا التاريخية عنه قد انتقلت لفظيا او سيميائيا ، وهنا يشير ما وراء القص التاريخي الى الحقيقة الكامنة في توظيف الاتفاقيات المناصية للكتابة التاريخية من اجل تسجيل وتقويض سلطة وموضوعية المصادر والتفسيرات التاريخية .
وإذا ما اتفقنا ان مهمة ما بعد الحداثة هي استجواب " الواقع " وطريقة معرفتنا به , ذلك إنها تجبرنا على فحص الوسائل التي نختارها أو التي نضطر الى اختيارها ـ لتمثيل أنفسنا فان ما وراء القص التاريخي هو إحدى الوسائل الأدبية التي وظفها كتاب ما بعد الحداثة لفحص فرضيات الأيديولوجيا بوعي وانعكاسية ذاتية من اجل تحقيق أمرين :
(1) استجلاب السياق التاريخي الى النص للاعتراف بسلطة وقوة التاريخ في ذات الوقت .
(2) مساءلة القيود التاريخية عن طريق حشو عناصر تخيلية ضمن السياق التاريخي. وبذلك فإنها تعرض الحقيقة بوصفها معنى منسوب الى المؤلف او تأويل ذاتي للحدث . وتبعا لذلك يصبح التمثيل التاريخي بوحا غير حاسم , بل انه ليس أكثر من سرد إضافي يوظف نفس أدوات الرواية والتخييل .
ان العلاقة ما بعد الحداثية بين الرواية والتاريخ أكثر تعقيدا من مجرد التفاعل و التضمينات المتبادلة . ما وراء القص التاريخي يعمل من اجل أن يموضع نفسه ضمن الخطاب التاريخي دون التنازل عن استقلاليته بوصفه رواية . انه نوع من المفارقة التهكمية الجادة التي تؤثر على كلا الهدفين: التناصات مع التاريخ والرواية التي تلبس حالة موازية (وان لم تكن مساوية) لإعادة تهكمية من الماضي النصي لكل من العالم والأدب .
وباختصار فان النص ليس أكثر من محاكاة تناصية ساخرة هي في الواقع جوهر ما وراء القص التاريخي : إنها تمنح الإحساس بحضور الماضي , ولكنه الماضي الذي يعرف من نصوصه وآثاره , سواء كانت أدبا أو تاريخاً . أما من ناحية كون النص بناءا ما بعد حداثياً فان هناك دائما مفارقة في قلب تلك الدعامة : التهكم يخدش الاختلاف مع الماضي , ولكن في الوقت ذاته , تعمل المحاكاة التناصية الساخرة على:
1) حشر الماضي بصورته النصية في نص الحاضر .
2) تجسير الهوة بين ماضي القارئ وحاضره مع رغبة جديدة في إعادة كتابة الماضي في سياق جديد .
3) وتعليمنا أن كلا من النصوص الروائية والتاريخ تشير إلى المستوى الأول من نصوص أخرى : إننا لا نعرف الماضي إلا من خلال بقاياه المنصصة .
لقد تناول النقاد التناص في كتابات ما بعد الحداثة ، لا سيما في ما وراء القص التاريخي على مستوى التخييل بمعنى مناقشة الأساليب التي اعتمدها المؤلفون في حشر الماضي بشخصيات وأحداث مشهورة او غير مشهورة ضمن رواياتهم ، وكيف أن هذا النوع من التناصات يساهم في تأكيد فكرة تخيلية الواقع والحقيقة ، فضلا عن انه قد يذهب أعمق حين يستجوب دور هذه التناصات .
أماني أبو رحمة
ميزت ليندا هتشيون بين ظاهرتين في كتابات ما بعد الحداثة : ما وراء القص ، وما وراء القص التاريخي . وجاء في تعريفها لما وراء القص التاريخي :
إن ما وراء القص التاريخي هو احد أنواع الرواية ما بعد الحداثية التي ترفض إسقاط المعتقدات والمعايير الحالية على الماضي , وتؤكد على خصوصية وفردية الحدث الماضي.
كما أنها تقترح تمايزا بين الأحداث والحقائق التي نادرا ما يميز بينها العديد من المؤرخين ؛ لان الوثائق أصبحت دلائل على الأحداث التي حولها المؤرخون الى حقائق كما في ما وراء القص التاريخي . والهدف من هذا أن الماضي كان موجودا يوما ما , ولكن معرفتنا التاريخية عنه قد انتقلت لفظيا او سيميائيا ، وهنا يشير ما وراء القص التاريخي الى الحقيقة الكامنة في توظيف الاتفاقيات المناصية للكتابة التاريخية من اجل تسجيل وتقويض سلطة وموضوعية المصادر والتفسيرات التاريخية .
وإذا ما اتفقنا ان مهمة ما بعد الحداثة هي استجواب " الواقع " وطريقة معرفتنا به , ذلك إنها تجبرنا على فحص الوسائل التي نختارها أو التي نضطر الى اختيارها ـ لتمثيل أنفسنا فان ما وراء القص التاريخي هو إحدى الوسائل الأدبية التي وظفها كتاب ما بعد الحداثة لفحص فرضيات الأيديولوجيا بوعي وانعكاسية ذاتية من اجل تحقيق أمرين :
(1) استجلاب السياق التاريخي الى النص للاعتراف بسلطة وقوة التاريخ في ذات الوقت .
(2) مساءلة القيود التاريخية عن طريق حشو عناصر تخيلية ضمن السياق التاريخي. وبذلك فإنها تعرض الحقيقة بوصفها معنى منسوب الى المؤلف او تأويل ذاتي للحدث . وتبعا لذلك يصبح التمثيل التاريخي بوحا غير حاسم , بل انه ليس أكثر من سرد إضافي يوظف نفس أدوات الرواية والتخييل .
ان العلاقة ما بعد الحداثية بين الرواية والتاريخ أكثر تعقيدا من مجرد التفاعل و التضمينات المتبادلة . ما وراء القص التاريخي يعمل من اجل أن يموضع نفسه ضمن الخطاب التاريخي دون التنازل عن استقلاليته بوصفه رواية . انه نوع من المفارقة التهكمية الجادة التي تؤثر على كلا الهدفين: التناصات مع التاريخ والرواية التي تلبس حالة موازية (وان لم تكن مساوية) لإعادة تهكمية من الماضي النصي لكل من العالم والأدب .
وباختصار فان النص ليس أكثر من محاكاة تناصية ساخرة هي في الواقع جوهر ما وراء القص التاريخي : إنها تمنح الإحساس بحضور الماضي , ولكنه الماضي الذي يعرف من نصوصه وآثاره , سواء كانت أدبا أو تاريخاً . أما من ناحية كون النص بناءا ما بعد حداثياً فان هناك دائما مفارقة في قلب تلك الدعامة : التهكم يخدش الاختلاف مع الماضي , ولكن في الوقت ذاته , تعمل المحاكاة التناصية الساخرة على:
1) حشر الماضي بصورته النصية في نص الحاضر .
2) تجسير الهوة بين ماضي القارئ وحاضره مع رغبة جديدة في إعادة كتابة الماضي في سياق جديد .
3) وتعليمنا أن كلا من النصوص الروائية والتاريخ تشير إلى المستوى الأول من نصوص أخرى : إننا لا نعرف الماضي إلا من خلال بقاياه المنصصة .
لقد تناول النقاد التناص في كتابات ما بعد الحداثة ، لا سيما في ما وراء القص التاريخي على مستوى التخييل بمعنى مناقشة الأساليب التي اعتمدها المؤلفون في حشر الماضي بشخصيات وأحداث مشهورة او غير مشهورة ضمن رواياتهم ، وكيف أن هذا النوع من التناصات يساهم في تأكيد فكرة تخيلية الواقع والحقيقة ، فضلا عن انه قد يذهب أعمق حين يستجوب دور هذه التناصات .