ليبيا مائة عام من المسرح"1908م- 2008م"أوهكذا تكلم المسرحيون -1-15- نوري عبدالدائم
**************************
من يحتفل بمئوية المسرح الليبي ؟!!
أحمد الغماري - هدى الغيطاني - سوزان الغيطاني
واقع مأزوم ومهزوم، ومتضررون يصرخون ولايجدون إلا آذاناً صماء ومسرحاً تزلزلت خشبته وتصدعت.. إنه وصف بسيط للحال الذي وجدنا عليه مسرحنا الذي يحتفل هذا العام بعيده المئة رغم أن الناظر لواقع المسرح الليبي لا يصدق أن عمره مئة عام خاصة إذا كان قد حضر الاحتفالية المتواضعة جداً والتي أقيمت في هذه المناسبة والمؤسف أنها كانت بالمجهود الذاتي من فرقة غفران للأعمال الفنية والمسرحية بإخراج الفنان صالح أبو السنون يوم الخميس الماضي أما المؤسسات الرسمية فربما لا تعلم أن هذا العام هو المئة للمسرح الليبي بل قد لاتعلم أن ليبيا بها مسرح أصلاً، هذا ليس تهكماً على مسوولينا بقدر ماهو محاولة لتحريك سكونهم المميت الذي لمسناه بأنفسنا عندما أجرينا لقاءات مع المثقفين والفنانين والممثلين في مسرحنا الوطني فأثناء دخولنا للمسرح ومشاهدة الاحتفالية وجدنا لفيفاً من الممثلين والفنيين والمثقفين يتجاذبون أطراف الحديث قبل الدخول للمسرح كان من بينهم الفنان يحيي عبدالسلام والفنان عبدالله الشاوش الذي لم يعطنا فرصة لنسأله بل اندفع هو وسألنا من يحتفل بمئوية المسرح ؟! ..وارتسمت على وجهه علامات الامتعاض والرفض لواقع المسرح الليبي الذي وصفه بأنه لم يقدم شيئاً للفنان مقارنة بالمسارح العربية... وأضاف أن وضع المسرح الليبي بهذا الشكل يجعل الناس تقول إن لا ثقافة أو مسرح لدينا، وتدخل الفنان الكبير يحيي عبدالسلام قائلاً:-
لقد قدمنا مسرحاً حقيقياً في السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات واعتمدنا في ذلك على الموهبة لكن هذا الجيل الجديد لم يقدم شيئاً بالتالي فالمسرح الجديد هو عبارة عن سراب وأوهام مقارنة بالمسرح الذي قمنا نحن بتأسيسه في الماضي رغم اعتمادانا على مجهودات فردية لأن الدولة لم تقدم شيئاً للمسرح فقط تقوم كل بضعة أعوام بتنظيم تظاهرة مسرحية وفي مستوى ضعيف ... مثلا في مدينة طرابلس كيف يقدم ثلاثة عروض في يوم واحد رغم عدم توفر مسرح جيد ويطلق عليه اسم مهرجان مسرحي وكل ذلك للحصول على مال.. إن مايقدم من أعمال مسرحية تحمل هذا النمط جعل المسرح يهتز وهنا قاطعه الفنان عبدالله الشاوش وعلامات الأسف ترتسم على ملامح وجهه قائلاً: - نحن دولة لا تحترم المسرح ولا تحترم الفنان الليبي حتى في الحقوق المادية في العمل المشترك، فلماذا لا تنشر أجور الفنانين الليبيين في الصحف كما هو في الدول الأخرى؟.... وبعد لحظات أضاف أن الفن الحقيقي هو موهبة وثقافة وليس مؤهلاً علمياً كما أن الظهور على المرئية لمرة أو مرتين لايعني النجومية بل الرصيد المسرحي هو الذي يصنعها.
وفي سؤالنا عن ظاهرة المنتج المنفذ ومدى تأييدهم لها أجاب الفنان يحيي عبدالسلام قائلاً :- إن هذه الظاهرة التي خرجت في السنوات الأخيرة فكرة سيئة جداً فيجب أن تكون الجهة المنتجة شركة أو إذاعة ونعامل مادياً وفقاً للائحة لأن هذا سيضمن حصولنا على حقوقنا كاملة فمثلاً الممثلين الذين كانوا يعتبرون فريقاً أو ثنائياً تفرقوا ليقوم كل منهم بعمل منفرد ويرصد للعمل 120 ألف دينار ويتعاون مع 5 أو 6 آخرين ويعطيهم مبلغاً معيناً ولايعرف أين يذهب باقي المبلغ لذا أقول إن فكرة المنتج المنفذ والمخرج والبطل والكاتب خطأ لأن المنتج هو تاجر وما خالف ذلك فهو ( كلام فارغ ) .
وبعد رصدنا لهذه الآراء التي استشعرنا من خلالها مرارة وما يعانيه الفنانون توجهنا إلى قاعة المسرح وفي طريقنا إليها التقينا الفنان عيسى عبدالحفيظ فاستوقفناه ليفيدنا برأيه في فكرة إقامة مهرجانات في المدن فقال:إن إقامة مهرجان وطني للمسرح في منطقة معينة تعتمد على أن هناك مهرجانات قارة يجب أن تقام في ذات المنطقة التي أقيمت بها أول مرة وفي نفس الوقت هناك مهرجانات متنقلة ولكن مسرح الليالي طرابلس يجب أن يكون في طرابلس خاصة وأنها استضافته لثماني سنوات وبذلك نكون حققنا مهرجاناً معروفاً في ليبيا كمهرجان قرطاج في تونس والقاهرة في مصر ولتنشيط الحركة المسرحية في باقي مدن الجماهيرية يمكن عمل فروع لهذه المهرجانات كما في مصر وتونس.
"أويا" ما تقييمك لمراسم الاحتفال بمرور مائة عام على المسرح الليبي الحديث؟
* إن هذا الاحتفال لم ينل اهتماماً كافياً خاصة وأننا لم نحتفل باليوم العالمي للمسرح الذي يفترض أن نحتفل به كل عام ويمكن أن تتولى ذلك أمانة الثقافة على اعتبار أنها الراعي الرسمي للمسرح أو الهيئة العامة للمسرح التي كانت تحتفل به ولكنها غير موجودة الآن.
"أويا" هل يمكن الاعتماد على المسرح التجاري لتنشيط الحركة المسرحية؟
* إن تطبيق فكرة المسرح التجاري كمنشط للثقافة هو في الواقع استغلال وليس ثقافة لأن المواطن لم يصل بعد لدرجة الاهتمام المطلوبة بالمسرح وهذه مسؤولية أمانة الثقافة والمناشط المدرسية والهيئات الاجتماعية.
وفور انتهاء حديثنا هذا مر بجانبنا حسن السعداوي الممثل الذي يعتبر دماً جديداً ننتظر أن يضخ في عروق المسرح الليبيي الحديث فيساهم في إعادة النبض لقلبه فاستوقفناه لنرصد رأيه حول هذا الاحتفال وقبل أن نكمل سؤالنا أجاب وعلامات الرفض ترتسم على محياه نحن لانجد من يحتفل حقيقة بمرور مائة عام على المسرح الليبي فلا يوجد دعم من اللجنة الشعبية العامة للثقافة والإعلام أو اللجنة الشعبية للثقافة والإعلام طرابلس وهذا العمل أهلي يعتمد على دعم فردي ولم تقدم الدولة أي دعم أو مساعدة إلا في أرض المسرح الذي تسلمه لأي كان.
وحامت لحظات صمت قليلة ليقطعها مندفعاً ويجب أن يكون مثل هذا العمل الأهلي تنبيهاً للمسؤولين كي يتبنوا هذه الفكرة ويحتفلوا كل عام باليوم الوطني للمسرح الليبي.
"أويا" بما تفسر عدم مبادرة المسؤولين حتى الآن لاتخاذ خطوة إيجابية للنهوض بالحركة المسرحية؟
أجاب في صوت عالٍ يمتزج فيه الاستياء والسأم لأن المسؤلين الموجودين في الثقافة لا علاقة لهم بالثقافة وهؤلاء الذين تقلدوا هذه المناصب لا يوجد منهم من ألف كتاباً أو كتب شعراً أو حتى يعرف قيمة عمل يقدم له بل ربما نجد منهم من لم يشاهد مسرحية طوال حياته ؟؟
أويا :/ كحل لكل هذا التخبط هل تؤيد فكرة المسرح التجاري ؟
طالما أن الدولة لا ترغب في تقديم شيئاً للمسرح فيمكن اعتبار أنها فكرة جيدة ولكن يجب أن نضع في الاعتبار أن تطبيق هذه الفكرة في بنغازي كان لها وضع خاص لأن مناخ المدينة ساهم في نجاح العمل المسرحي نظراً للزيارات المتبادلة والمستمرة بين فناني مصر وبنغازي إضافة لروح النكتة والفكاهة التي يتمتع بها أهل المنطقة ولاننسى الدعم الذي يقدم لمسرح بنغازي بينما هو غائب عن مسرح طرابلس .
ولاستكمال رصد الآراء اعتلينا خشبة المسرح وتجولنا بين الفنانين خلف الكواليس فالتقينا الفنان صلاح سنون مخرج وممثل الذي قال في عجالة: نحن نتساءل لماذا لم تحتفل اللجنة الشعبية العامة للثقافة بمئوية المسرح الليبي الحديث واحتفلت به فرقة أهلية مع العلم أننا نعد له من شهر الربيع - مارس،
ثم أعطينا لاقط الصوت للفنان - علي دعدوش- الذي كان يقف بالقرب منه بعد أن ارتدى ملابس الدور الذي سيمثله بالمسرحية ووضع المكياج اللازم لإتقان الدور وقال في أناة إن المسرح الليبي يعاني من رفع أيدي المسؤولين عنه رغم أن الخطاب الرسمي يفرض دعم أي جهة مسؤولة تملك وعياً بضرورة وأهمية المسرح والفن ولا أعلم سبب ذلك فهل هو نفاق داخلي أم هناك خللاً أم يوجد دعم ولكن لم يصل ؟!!
أويا / بما تفسر غياب الحركة المسرحية في ليبيا ؟
إن غياب المسرح خاصة في مدينة طرابلس عاصمة ليبيا وعاصمة الثقافة الإسلامية سابقاً يعني أن الحياة الثقافية فيها ميتة خاصة وأن المسرح سيدالفن بكل معاييره لذا أقول أن هناك هوة بين الإعلام كخطاب والإعلام كثقافة .
أويا / هل يمكن أن يكون المسرح التجاري بديلاً ؟
لا، لأن المسرح التجاري هو أيضاً بحاجة لرأسمال ليكون محركاً ، ورأس المال لن يُجازف لعدم توفر مسارح وفنانين وكتاب ولكن بشكل عام لايمكن الحكم على فكرة المسرح التجاري إلا إذا تم خوضها.
وعندما نزلنا من على خشبة المسرح وجدنا مصطفى المصراتي الذي يمتد عمره المسرحي لأكثر من 40 سنة فسألناه عن رأيه في هوية المسرح الليبي بل إن كان للمسرح الليبي هوية فأجابنا في ضيق إننا لا نملك هوية ثابتة لمسرحنا في إطار التخبط بين المدارس المختلفة وساعد على ذلك عدم عرض مسرحيات إلا في المناسبات الوطنية أو الدينية ولا تتوج بالاستمرارية لذا لانجد عائلات تدفع ثمن تذاكر لتدخل للمسرح كما في دول شقيقة.
أويا / ما تقييمك لهذا الاحتفال الذي يقام بمناسبة مئوية المسرح الليبي ؟
المئوية تستحق الكثير من الاهتمام والدعم وكان يفترض بالجهات المسؤولة أن تتبنى هذه الاحتفالية على اعتبار أن أمانة الثقافة والإعلام هي الباب الواسع لاحتضان المسرح والمسرحيين والفرق المسرحية ، وأعتقد أن عدم الاهتمام بالمسرح يعود لتعدد اهتمامنا نحن المسرحيين خاصة وأن ظروف الفنان لها دور كبير في هذا، ففي السابق كنا نعيب على أساتذتنا في شكواهم من قلة الدعم وها نحن نشكو من ذات الموضوع لذا لا يمكن أن نعفي الدولة من التقصير ، فمثلاً تقام خلال الفترة القادمة الدورة الحادية عشرة للفنون المسرحية في مدينة درنة تقريباً ولم يصُرف لنا حتى الآن أي مبالغ مالية لذا أقول لامسرح بدون دعم.
وبعد برهة صمت قال صحيح أن المسرح أستاذ الشعوب ولكن يجب أن يتم تشجيعه مادياً ومعنوياً .
أويا / بحكم خبرتكم الطويلة في مجال المسرح هل لديكم تصور لتطوير الحركة المسرحية وتشجيعها ؟
أولاً يجب الاستفادة من التجارب السابقة فمثلاً قمنا في الماضي بعمل مسرحيات مقتبسة من المناهج المدرسية واستفاد الجميع منها حيث ظهرت المواهب واستفاد الطلاب ، كما يجب أن يكون المسرح هو المسرح الواقعي الذي ينقل الحياة الاجتماعية، أما مسرحيات شكسبير فهي تخص طبقة معينة فقط .
أويا / وماذا عن دعم القطاع الخاص للمسرح ؟
هذا الدعم موجود ولكن في المناسبات الوطنية في حين إنه في مصر أصبح تجارة إلا أن هناك وعياً بقيمة الفن المسرحي رغم أن أغلب العارضين كانوا طلاباً في أخر عمل شاهدته بالإسكندرية ومع ذلك كانت الصالة ممتلئة بالجمهور المتلهف لمشاهدة العرض .
وفور انتهاء العرض المسرحي ووسط الزحام والضجيج اغتنمنا فرصة اختطاف لقاء سريع مع - علي الخمسي - الذي سألناه إن كان هذا الاحتفال يليق بمئوية المسرح الليبي الحديث فقال في تعجب أين هو الاحتفال !!؟ ثم تدارك الحديث قائلاً هذه الاحتفالية متواضعة جداً ولم تتبناها أمانة الثقافة والأعلام أو الفرق المحلية أو المسرح الوطني لذا لا أستطيع أن أسمى هذا العمل احتفالاً والسبب في ذلك هو غياب التخطيط أو غياب الاهتمام ، فلا يمكن أن يُطلق على فرقة صغيرة أهلية بسيطة عمرها قصير أنها وقعت بأسمها احتفالية بمئوية المسرح الليبي الحديث وأنا في هذا لا أشك في تاريخ المسرح الليبي وإمكانياته وقدرات ممثلينا ومخرجينا ومؤلفينا ولكن هذا الاحتفال غير رسمي فهناك مكتب متخصص في أمانة الإعلام كان يجب أن يشرف أو ينظم الاحتفالية ، ثم رفع صوته قائلاً بحماس أنا أدعو إلى إحياء مئوية المسرح الليبي خلال هذا العام وأخيراً أؤكد على أن الإمكانيات البشرية والمادية موجودة وكذلك مقومات العمل المسرحي فقط ينقصنا التخطيط .
وبعد لحظات وقع بصرنا على الهادي البكوش وبشير مبروك الذي كان يعبر عن استيائه من غياب المسرحيين عن هذا العمل وأرجع ذلك لعدم وجود إدارة وغياب التنسيق وضعف الإنتاج لذلك أرى أن الحركة المسرحية الآن في غيبوبة فهناك مسرح ولكنه غائب والمسرحيون متوفرون ولكن لا أحد يتبناهم فهناك مجموعة كبيرة من الخريجين وذوي المواهب ولكن أين هم في الفرق المسرحية ، وتدخل بشير المبروك قائلاً: إن مسرحنا بحاجة لتوجيه فالمسرح مدرسة ونحن لانستطيع أن نرفض نوعاً معيناً من المسرح ولكن المشكلة في بداية هيكلة الفرق من جديد خاصة وأن الفرق تحتاج لدعم مادي كبير ، وأكمل يشير المبروك أن عمل ممثلي المسرح في المرئية أثر بشكل كبير على العمل المسرحي وبالتالي يصبح وقته منشغلاً بتدريبات المرئية خاصة وأنه سيحصل على مقابل مادي أما هنا فقد لايحصل على شيء كما هو الحال معنا في بعض الأحيان .
وأضاف في اندفاع إنني لاأؤيد دخول القطاع الخاص للمسرح فهذا غير صحيح لأنه فشل في مصر وأصبح لايقدم مضموناً إلا إذا كان هناك تفاعل ، فاعترضه مخالفاً للرأي الهادي البكوش إن العمل سيباع ولكننا لانملك أرضية ليبنى عليها القطاع الخاص لأنه يسعى للربح أولاً ولكن الاستمرارية ترتقي بالعمل.
وكان ختام لقاءاتنا مع أحمد القطعاني منتج هذا العمل الذي مثل الاحتفال بمئوية المسرح الليبي والذي لم تتذكره جميع هيئات الدولة وقال في حديثه القصير إلينا : إن هذه الاحتفالية يقصد بها توجيه رسالتين الأولى تنبيه الجهات المسؤولة علّها تفيق وتعتني قليلا بهذا الابن العليل وهو المسرح ، والرسالة الثانية هي إجابة على بعض التساؤلات التي قد تثار لدى الناس ومن خلال المسرح يجاب عنها وفي هذا رفع لقدر المسرح وتشجيع له ، كما أن هذا الاحتفال جماهيري أقيم بمناسبة مرور مئة عام على المسرح الليبي الحديث وهو ليس احتفال الدولة لأنها غائبة عن هذا الأمر ، وهذا العرض من تمويل فرد وبعيد كل البعد عن الدولة .
هذا ليس إلا غيضاً من فيض وقطرة من كأس ما جعلنا حريصين على رصد آراء عدد كبير من المختصين والمتضررين كي لايمر هذا التجاهل لمئوية المسرح الليبي الحديث مرور الكرام ، ونؤكد لقرائنا أن هذا التحقيق ليس إلا جزءاً من سلسلة تحقيقات ستتواصل حتى بداية العام الجديد .
ليبيا مائة عام من المسرح"1908م- 2008م"أوهكذا تكلم المسرحيون -1-15- نوري عبدالدائم
**************************
من يحتفل بمئوية المسرح الليبي ؟!!
أحمد الغماري - هدى الغيطاني - سوزان الغيطاني
واقع مأزوم ومهزوم، ومتضررون يصرخون ولايجدون إلا آذاناً صماء ومسرحاً تزلزلت خشبته وتصدعت.. إنه وصف بسيط للحال الذي وجدنا عليه مسرحنا الذي يحتفل هذا العام بعيده المئة رغم أن الناظر لواقع المسرح الليبي لا يصدق أن عمره مئة عام خاصة إذا كان قد حضر الاحتفالية المتواضعة جداً والتي أقيمت في هذه المناسبة والمؤسف أنها كانت بالمجهود الذاتي من فرقة غفران للأعمال الفنية والمسرحية بإخراج الفنان صالح أبو السنون يوم الخميس الماضي أما المؤسسات الرسمية فربما لا تعلم أن هذا العام هو المئة للمسرح الليبي بل قد لاتعلم أن ليبيا بها مسرح أصلاً، هذا ليس تهكماً على مسوولينا بقدر ماهو محاولة لتحريك سكونهم المميت الذي لمسناه بأنفسنا عندما أجرينا لقاءات مع المثقفين والفنانين والممثلين في مسرحنا الوطني فأثناء دخولنا للمسرح ومشاهدة الاحتفالية وجدنا لفيفاً من الممثلين والفنيين والمثقفين يتجاذبون أطراف الحديث قبل الدخول للمسرح كان من بينهم الفنان يحيي عبدالسلام والفنان عبدالله الشاوش الذي لم يعطنا فرصة لنسأله بل اندفع هو وسألنا من يحتفل بمئوية المسرح ؟! ..وارتسمت على وجهه علامات الامتعاض والرفض لواقع المسرح الليبي الذي وصفه بأنه لم يقدم شيئاً للفنان مقارنة بالمسارح العربية... وأضاف أن وضع المسرح الليبي بهذا الشكل يجعل الناس تقول إن لا ثقافة أو مسرح لدينا، وتدخل الفنان الكبير يحيي عبدالسلام قائلاً:-
لقد قدمنا مسرحاً حقيقياً في السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات واعتمدنا في ذلك على الموهبة لكن هذا الجيل الجديد لم يقدم شيئاً بالتالي فالمسرح الجديد هو عبارة عن سراب وأوهام مقارنة بالمسرح الذي قمنا نحن بتأسيسه في الماضي رغم اعتمادانا على مجهودات فردية لأن الدولة لم تقدم شيئاً للمسرح فقط تقوم كل بضعة أعوام بتنظيم تظاهرة مسرحية وفي مستوى ضعيف ... مثلا في مدينة طرابلس كيف يقدم ثلاثة عروض في يوم واحد رغم عدم توفر مسرح جيد ويطلق عليه اسم مهرجان مسرحي وكل ذلك للحصول على مال.. إن مايقدم من أعمال مسرحية تحمل هذا النمط جعل المسرح يهتز وهنا قاطعه الفنان عبدالله الشاوش وعلامات الأسف ترتسم على ملامح وجهه قائلاً: - نحن دولة لا تحترم المسرح ولا تحترم الفنان الليبي حتى في الحقوق المادية في العمل المشترك، فلماذا لا تنشر أجور الفنانين الليبيين في الصحف كما هو في الدول الأخرى؟.... وبعد لحظات أضاف أن الفن الحقيقي هو موهبة وثقافة وليس مؤهلاً علمياً كما أن الظهور على المرئية لمرة أو مرتين لايعني النجومية بل الرصيد المسرحي هو الذي يصنعها.
وفي سؤالنا عن ظاهرة المنتج المنفذ ومدى تأييدهم لها أجاب الفنان يحيي عبدالسلام قائلاً :- إن هذه الظاهرة التي خرجت في السنوات الأخيرة فكرة سيئة جداً فيجب أن تكون الجهة المنتجة شركة أو إذاعة ونعامل مادياً وفقاً للائحة لأن هذا سيضمن حصولنا على حقوقنا كاملة فمثلاً الممثلين الذين كانوا يعتبرون فريقاً أو ثنائياً تفرقوا ليقوم كل منهم بعمل منفرد ويرصد للعمل 120 ألف دينار ويتعاون مع 5 أو 6 آخرين ويعطيهم مبلغاً معيناً ولايعرف أين يذهب باقي المبلغ لذا أقول إن فكرة المنتج المنفذ والمخرج والبطل والكاتب خطأ لأن المنتج هو تاجر وما خالف ذلك فهو ( كلام فارغ ) .
وبعد رصدنا لهذه الآراء التي استشعرنا من خلالها مرارة وما يعانيه الفنانون توجهنا إلى قاعة المسرح وفي طريقنا إليها التقينا الفنان عيسى عبدالحفيظ فاستوقفناه ليفيدنا برأيه في فكرة إقامة مهرجانات في المدن فقال:إن إقامة مهرجان وطني للمسرح في منطقة معينة تعتمد على أن هناك مهرجانات قارة يجب أن تقام في ذات المنطقة التي أقيمت بها أول مرة وفي نفس الوقت هناك مهرجانات متنقلة ولكن مسرح الليالي طرابلس يجب أن يكون في طرابلس خاصة وأنها استضافته لثماني سنوات وبذلك نكون حققنا مهرجاناً معروفاً في ليبيا كمهرجان قرطاج في تونس والقاهرة في مصر ولتنشيط الحركة المسرحية في باقي مدن الجماهيرية يمكن عمل فروع لهذه المهرجانات كما في مصر وتونس.
"أويا" ما تقييمك لمراسم الاحتفال بمرور مائة عام على المسرح الليبي الحديث؟
* إن هذا الاحتفال لم ينل اهتماماً كافياً خاصة وأننا لم نحتفل باليوم العالمي للمسرح الذي يفترض أن نحتفل به كل عام ويمكن أن تتولى ذلك أمانة الثقافة على اعتبار أنها الراعي الرسمي للمسرح أو الهيئة العامة للمسرح التي كانت تحتفل به ولكنها غير موجودة الآن.
"أويا" هل يمكن الاعتماد على المسرح التجاري لتنشيط الحركة المسرحية؟
* إن تطبيق فكرة المسرح التجاري كمنشط للثقافة هو في الواقع استغلال وليس ثقافة لأن المواطن لم يصل بعد لدرجة الاهتمام المطلوبة بالمسرح وهذه مسؤولية أمانة الثقافة والمناشط المدرسية والهيئات الاجتماعية.
وفور انتهاء حديثنا هذا مر بجانبنا حسن السعداوي الممثل الذي يعتبر دماً جديداً ننتظر أن يضخ في عروق المسرح الليبيي الحديث فيساهم في إعادة النبض لقلبه فاستوقفناه لنرصد رأيه حول هذا الاحتفال وقبل أن نكمل سؤالنا أجاب وعلامات الرفض ترتسم على محياه نحن لانجد من يحتفل حقيقة بمرور مائة عام على المسرح الليبي فلا يوجد دعم من اللجنة الشعبية العامة للثقافة والإعلام أو اللجنة الشعبية للثقافة والإعلام طرابلس وهذا العمل أهلي يعتمد على دعم فردي ولم تقدم الدولة أي دعم أو مساعدة إلا في أرض المسرح الذي تسلمه لأي كان.
وحامت لحظات صمت قليلة ليقطعها مندفعاً ويجب أن يكون مثل هذا العمل الأهلي تنبيهاً للمسؤولين كي يتبنوا هذه الفكرة ويحتفلوا كل عام باليوم الوطني للمسرح الليبي.
"أويا" بما تفسر عدم مبادرة المسؤولين حتى الآن لاتخاذ خطوة إيجابية للنهوض بالحركة المسرحية؟
أجاب في صوت عالٍ يمتزج فيه الاستياء والسأم لأن المسؤلين الموجودين في الثقافة لا علاقة لهم بالثقافة وهؤلاء الذين تقلدوا هذه المناصب لا يوجد منهم من ألف كتاباً أو كتب شعراً أو حتى يعرف قيمة عمل يقدم له بل ربما نجد منهم من لم يشاهد مسرحية طوال حياته ؟؟
أويا :/ كحل لكل هذا التخبط هل تؤيد فكرة المسرح التجاري ؟
طالما أن الدولة لا ترغب في تقديم شيئاً للمسرح فيمكن اعتبار أنها فكرة جيدة ولكن يجب أن نضع في الاعتبار أن تطبيق هذه الفكرة في بنغازي كان لها وضع خاص لأن مناخ المدينة ساهم في نجاح العمل المسرحي نظراً للزيارات المتبادلة والمستمرة بين فناني مصر وبنغازي إضافة لروح النكتة والفكاهة التي يتمتع بها أهل المنطقة ولاننسى الدعم الذي يقدم لمسرح بنغازي بينما هو غائب عن مسرح طرابلس .
ولاستكمال رصد الآراء اعتلينا خشبة المسرح وتجولنا بين الفنانين خلف الكواليس فالتقينا الفنان صلاح سنون مخرج وممثل الذي قال في عجالة: نحن نتساءل لماذا لم تحتفل اللجنة الشعبية العامة للثقافة بمئوية المسرح الليبي الحديث واحتفلت به فرقة أهلية مع العلم أننا نعد له من شهر الربيع - مارس،
ثم أعطينا لاقط الصوت للفنان - علي دعدوش- الذي كان يقف بالقرب منه بعد أن ارتدى ملابس الدور الذي سيمثله بالمسرحية ووضع المكياج اللازم لإتقان الدور وقال في أناة إن المسرح الليبي يعاني من رفع أيدي المسؤولين عنه رغم أن الخطاب الرسمي يفرض دعم أي جهة مسؤولة تملك وعياً بضرورة وأهمية المسرح والفن ولا أعلم سبب ذلك فهل هو نفاق داخلي أم هناك خللاً أم يوجد دعم ولكن لم يصل ؟!!
أويا / بما تفسر غياب الحركة المسرحية في ليبيا ؟
إن غياب المسرح خاصة في مدينة طرابلس عاصمة ليبيا وعاصمة الثقافة الإسلامية سابقاً يعني أن الحياة الثقافية فيها ميتة خاصة وأن المسرح سيدالفن بكل معاييره لذا أقول أن هناك هوة بين الإعلام كخطاب والإعلام كثقافة .
أويا / هل يمكن أن يكون المسرح التجاري بديلاً ؟
لا، لأن المسرح التجاري هو أيضاً بحاجة لرأسمال ليكون محركاً ، ورأس المال لن يُجازف لعدم توفر مسارح وفنانين وكتاب ولكن بشكل عام لايمكن الحكم على فكرة المسرح التجاري إلا إذا تم خوضها.
وعندما نزلنا من على خشبة المسرح وجدنا مصطفى المصراتي الذي يمتد عمره المسرحي لأكثر من 40 سنة فسألناه عن رأيه في هوية المسرح الليبي بل إن كان للمسرح الليبي هوية فأجابنا في ضيق إننا لا نملك هوية ثابتة لمسرحنا في إطار التخبط بين المدارس المختلفة وساعد على ذلك عدم عرض مسرحيات إلا في المناسبات الوطنية أو الدينية ولا تتوج بالاستمرارية لذا لانجد عائلات تدفع ثمن تذاكر لتدخل للمسرح كما في دول شقيقة.
أويا / ما تقييمك لهذا الاحتفال الذي يقام بمناسبة مئوية المسرح الليبي ؟
المئوية تستحق الكثير من الاهتمام والدعم وكان يفترض بالجهات المسؤولة أن تتبنى هذه الاحتفالية على اعتبار أن أمانة الثقافة والإعلام هي الباب الواسع لاحتضان المسرح والمسرحيين والفرق المسرحية ، وأعتقد أن عدم الاهتمام بالمسرح يعود لتعدد اهتمامنا نحن المسرحيين خاصة وأن ظروف الفنان لها دور كبير في هذا، ففي السابق كنا نعيب على أساتذتنا في شكواهم من قلة الدعم وها نحن نشكو من ذات الموضوع لذا لا يمكن أن نعفي الدولة من التقصير ، فمثلاً تقام خلال الفترة القادمة الدورة الحادية عشرة للفنون المسرحية في مدينة درنة تقريباً ولم يصُرف لنا حتى الآن أي مبالغ مالية لذا أقول لامسرح بدون دعم.
وبعد برهة صمت قال صحيح أن المسرح أستاذ الشعوب ولكن يجب أن يتم تشجيعه مادياً ومعنوياً .
أويا / بحكم خبرتكم الطويلة في مجال المسرح هل لديكم تصور لتطوير الحركة المسرحية وتشجيعها ؟
أولاً يجب الاستفادة من التجارب السابقة فمثلاً قمنا في الماضي بعمل مسرحيات مقتبسة من المناهج المدرسية واستفاد الجميع منها حيث ظهرت المواهب واستفاد الطلاب ، كما يجب أن يكون المسرح هو المسرح الواقعي الذي ينقل الحياة الاجتماعية، أما مسرحيات شكسبير فهي تخص طبقة معينة فقط .
أويا / وماذا عن دعم القطاع الخاص للمسرح ؟
هذا الدعم موجود ولكن في المناسبات الوطنية في حين إنه في مصر أصبح تجارة إلا أن هناك وعياً بقيمة الفن المسرحي رغم أن أغلب العارضين كانوا طلاباً في أخر عمل شاهدته بالإسكندرية ومع ذلك كانت الصالة ممتلئة بالجمهور المتلهف لمشاهدة العرض .
وفور انتهاء العرض المسرحي ووسط الزحام والضجيج اغتنمنا فرصة اختطاف لقاء سريع مع - علي الخمسي - الذي سألناه إن كان هذا الاحتفال يليق بمئوية المسرح الليبي الحديث فقال في تعجب أين هو الاحتفال !!؟ ثم تدارك الحديث قائلاً هذه الاحتفالية متواضعة جداً ولم تتبناها أمانة الثقافة والأعلام أو الفرق المحلية أو المسرح الوطني لذا لا أستطيع أن أسمى هذا العمل احتفالاً والسبب في ذلك هو غياب التخطيط أو غياب الاهتمام ، فلا يمكن أن يُطلق على فرقة صغيرة أهلية بسيطة عمرها قصير أنها وقعت بأسمها احتفالية بمئوية المسرح الليبي الحديث وأنا في هذا لا أشك في تاريخ المسرح الليبي وإمكانياته وقدرات ممثلينا ومخرجينا ومؤلفينا ولكن هذا الاحتفال غير رسمي فهناك مكتب متخصص في أمانة الإعلام كان يجب أن يشرف أو ينظم الاحتفالية ، ثم رفع صوته قائلاً بحماس أنا أدعو إلى إحياء مئوية المسرح الليبي خلال هذا العام وأخيراً أؤكد على أن الإمكانيات البشرية والمادية موجودة وكذلك مقومات العمل المسرحي فقط ينقصنا التخطيط .
وبعد لحظات وقع بصرنا على الهادي البكوش وبشير مبروك الذي كان يعبر عن استيائه من غياب المسرحيين عن هذا العمل وأرجع ذلك لعدم وجود إدارة وغياب التنسيق وضعف الإنتاج لذلك أرى أن الحركة المسرحية الآن في غيبوبة فهناك مسرح ولكنه غائب والمسرحيون متوفرون ولكن لا أحد يتبناهم فهناك مجموعة كبيرة من الخريجين وذوي المواهب ولكن أين هم في الفرق المسرحية ، وتدخل بشير المبروك قائلاً: إن مسرحنا بحاجة لتوجيه فالمسرح مدرسة ونحن لانستطيع أن نرفض نوعاً معيناً من المسرح ولكن المشكلة في بداية هيكلة الفرق من جديد خاصة وأن الفرق تحتاج لدعم مادي كبير ، وأكمل يشير المبروك أن عمل ممثلي المسرح في المرئية أثر بشكل كبير على العمل المسرحي وبالتالي يصبح وقته منشغلاً بتدريبات المرئية خاصة وأنه سيحصل على مقابل مادي أما هنا فقد لايحصل على شيء كما هو الحال معنا في بعض الأحيان .
وأضاف في اندفاع إنني لاأؤيد دخول القطاع الخاص للمسرح فهذا غير صحيح لأنه فشل في مصر وأصبح لايقدم مضموناً إلا إذا كان هناك تفاعل ، فاعترضه مخالفاً للرأي الهادي البكوش إن العمل سيباع ولكننا لانملك أرضية ليبنى عليها القطاع الخاص لأنه يسعى للربح أولاً ولكن الاستمرارية ترتقي بالعمل.
وكان ختام لقاءاتنا مع أحمد القطعاني منتج هذا العمل الذي مثل الاحتفال بمئوية المسرح الليبي والذي لم تتذكره جميع هيئات الدولة وقال في حديثه القصير إلينا : إن هذه الاحتفالية يقصد بها توجيه رسالتين الأولى تنبيه الجهات المسؤولة علّها تفيق وتعتني قليلا بهذا الابن العليل وهو المسرح ، والرسالة الثانية هي إجابة على بعض التساؤلات التي قد تثار لدى الناس ومن خلال المسرح يجاب عنها وفي هذا رفع لقدر المسرح وتشجيع له ، كما أن هذا الاحتفال جماهيري أقيم بمناسبة مرور مئة عام على المسرح الليبي الحديث وهو ليس احتفال الدولة لأنها غائبة عن هذا الأمر ، وهذا العرض من تمويل فرد وبعيد كل البعد عن الدولة .
هذا ليس إلا غيضاً من فيض وقطرة من كأس ما جعلنا حريصين على رصد آراء عدد كبير من المختصين والمتضررين كي لايمر هذا التجاهل لمئوية المسرح الليبي الحديث مرور الكرام ، ونؤكد لقرائنا أن هذا التحقيق ليس إلا جزءاً من سلسلة تحقيقات ستتواصل حتى بداية العام الجديد .