المسرح الليبي .. مسرح النضال والمتعة الفكرية والبصرية
بقلم / المهدي أبو قرين
في عيد المسرح يحق لنا أن نحتفل ونزهو بما أنجزه الفكر الليبي من أعمال فنية كبيرة في مجال المسرح من أجل الوطن والمواطنين فلقد مثل المسرح في ليبيا دوره الحقيقي المنوط به بكل جدارة وتقدير كأستاذ ومعلم للشعوب وإن بدأ المسرح في ليبيا متأخراً نسبياً عن لبنان وسوريا ومصر إلا أنه ظهر في ليبيا عملاقاً في جميع مشاربه بالحرية والنضال من أجل الانعتاق من العبودية أياً كان نوعها منادياً بالحرية والمبادئ الإنسانية والتشبث بالأخلاق الفاضلة والقيم النبيلة الشريفة ومحاربة الظلم والضلالة والفساد أينما كان شهدت على ذلك المراحل التي مر بها المسرح منذ نشأته عام ١٩٠٨ م وحتى الأن فلقد بدأ المسرح الليبي بمسرحية (شهيد الحرية) عام ١٩٠٨ م التي ألفها وأخرجها للمسرح بعناصر وطنية المرحوم محمد قدري المحامي وهي بداية واثقة ومبشرة ببزوغ فجر ومولد جديد في البلاد اسمه (فن المسرح) فكشف عن وجهه المشرق الوضاء ومن حيث النص فإن (شهيد الحرية) اسم له معناه ودلالاته في نفوس الليبيين فالحرية لديهم أغلى من كل غال وأثمن من كل ثمين لأنهم جربوا الظلم والقهر والاستبعاد من حكم الأتراك لهم.
وبعد الأتراك جاء الطليان مدججين بالسلاح وطوقوا البلاد من حدودها الشمالية على طول الساحل الليبي ودكت بوارجه مدن الساحل كان ذلك عام ١٩١١ م ومات من مات وبقيت الذكريات حيث احتلت إيطاليا كل من طبرق شرقاً إلى أبي كماش غرباً وانتقلت المقاومة الشعبية إلى الدواخل أما الذين بقوا في المدن الساحلية فقد كان لهم طريق آخر في المقاومة وذلك بالكلمة الطيبة وتحريض الأهالي على عدم التعامل مع المستعمر ومد يد العون للمجاهدين الأبطال فكان الشعر بنوعيه والمسرح هما الأداة من خلالهما كان التعليم وكان توعية الناس بدورهم في هذه الفترة العصيبة.
ظهرت أول مسرحية في عهد الاستعمار الإيطالي عام ١٩٢٦ م في مدينتي طبرق وبنغازي ففي طبرق كانت مسرحية (خليفة الصياد) التي ألفها وأخرجها المرحوم محمد عبدالهادي أما في مدينة بنغازي فكانت فرقة (الشاطئ) التي أسسها المرحوم رجب البكوش وقدمت مسرحية (رعاة الغنم) .
كان الإقبال على المسرح كبيراً فنشطت حركة التأليف والإخراج وبالمقابل العروض المسرحية إلا أن المستعمر الإيطالي كان لهذه الحركة الجديدة في البلاد بالمرصاد فكان يؤول كل كلمة تلقى على خشبة المسرح ويصدح الجمهور بالتهليل والتكبير لها فيقوم بقفل المسرح ومقر الفرقة وحبس أفرادها وفي عام ١٩٣١ م رجع الفنان المرحوم محمد عبدالهادي إلى مسقط رأسه درنة وأسس فرقة مسرحية فيها قدمت من تأليفه وإخراجه مسرحية (خليفة الصياد) ومسرحية (هارون الرشيد).
كانت الفرقتان (هواة التمثيل) و(الشاطئ) تلاحقهما السلطة الإيطالية في كل عرض ولذلك كانتا بين ظهور واختفاء حتى عام ١٩٣٦ م حيث عزم محمد عبدالهادي على القيام برحلة فنية إلى مدن الساحل الغربي فوصل بفرقته مدينة طرابلس وقدم فيها عروضاً مسرحية نالت رضا الجميع مما دفع بالشباب في مدينة طرابلس بالاحتذاء حذو فرقة هواة التمثيل فكونوا فرقة اسموها فرقة (خريجي مكتب الفنون والصنائع) وكان من أبرز عناصرها الدكتور مصطفى العجيلي ومحمد حمدي وأسندت رئاسة الفرقة للشاعر أحمد قنابة وقدمت الفرقة عدة عروض مسرحية منها مسرحية (عبدالرحمن الناصر).
ابتدع الفنانون المسرحيون فكرة للهروب من مصادرة العمل قبل عرضه وهي أن تسمى المسرحية باسم اجتماعي أو عاطفي ومثال ذلك مسرحية (عبدالرحمن الناصر) التي قدمت تحت عنوان (غرام الملوك) كغطاء يحميها من مصادرة النص من قبل السلطات الإيطالية ذلك لأن النصوص التي كانت تقدم وقتها هي نصوص قومية ووطنية حتى وإن كانت على صورة اجتماعية وكان الجمهور واعياً ومدركاً لهذا النهج فكان النظارة أثناء العرض لا يستعمون إلى الحوار وحسب بل كانوا يتابعون حركة الممثل فالكلمة والحوار مكملان للقصد الذي يضعه الكاتب أو المخرج ولما لم يستطع المستمعر السيطرة على الفرق الوطنية حاول مكراً وخداعاً أن ينشئ فرقاً مسرحية تابعة للسلطة لتنشر مفاهيمه أو على الأقل تبعد الجماهير عن المفاهيم الوطنية والقومية فكون فرقة (المكابي) بطرابلس بعناصر يهودية وفي بنغازي فرقة (الغال) وفي الوقت الذي فشلت فيه فرقة (المكابي) حيث قدمت مسرحية واحدة نجحت فرقة (الغال) في خداع من انشؤوها حيث كان المشرف على هذه الفرقة هو الفنان إبراهيم سالم بن عامر الذي كان يستقطب بعض الشعراء لإلقاء بعض الأشعار الوطنية تلهب الحماس في نهاية العرض.
توقفت الحركة المسرحية في جميع ربوع ليبيا إبان الحرب العالمية الثانية ولم يظهر أي نشاط مسرحي حتى ١٩٤٣ م حيث بدأ هواة التمثيل يتنادون لتكوين الفرق المسرحية فأعاد الفنان محمد عبدالهادي نشاطه وكذلك الفنان رجب البكوش وآخرون أما فرقة (الفنون والصنائع) فبعضهم انضم إلى نادي العمال والبعض الآخر كون فرقاً أخر.
لقد شهدت فترة الأربعينيات حركة مسرحية نشطة من الفرق المحلية ومن الفرق الزائرة فقد زارت طرابلس فرقة (هواة التمثيل) وعرضت مسرحياتها بطرابلس والزاوية وأشادت بعض الصحف بما قدمت الفرقة من أعمال وخاصة المؤلف والمخرج الفنان محمد عبدالهادي.
وفي العقدين الخامس والسادس من القرن العشرين أقول بأن هذه الفترة هي المؤسس الحقيقي للحركة المسرحية في ليبيا لأنها صقلت بالمكابدة والإصرار على العمل رغم أنف السلطة الحاكمة التي كانت تنكل بالفرق المسرحية التي تشتم في أعمالها رائحة التحريض على الثورة أو حتى الإشارة إلى سوء الإدارة أو الأداء الوظيفي للدولة ورؤساء المصالح أو حتى للإشارة إلى سوء إحدى الدول الاستعمارية والأمثلة على ذلك كثيرة لا يتسع المجال لذكرها.
كان المسرح في هذين العقدين وطنياً وقومياً ألهبت مشاعره حرب فلسطين والاعتداء الثلاثي على مصر وحرب الجزائر وسير الحكم في ركاب الاستعمار هذه الأحداث مع أحداث المجتمع الليبي الذي كان يرزح تحت خط الفقر بينما نشأت طبقة ثرية مرفهة وضعف التعليم وكثر الفساد من رشوة ومحسوبية وخمور ومجون كل ذلك أعطى العاملين في المسرح من كاتب ومخرج وممثل أن يبدع ويتألق فلاقى المسرح التشجيع الشعبي وامتلأت المسارح ليالي العروض بالمشاهدين لينهلوا من فيض الإبداع ما يدفعهم للتطلع إلى يوم ينعمون فيه بالحرية يوم تنهار فيه الطبقية والبرجوازية والسلطة الحاكمة فكان المسرح في عقدي الخمسينيات والستينيات هو الأستاذ والمعد والموحد لقوى الشعب بل هو الرابطة الوحيدة التي جمعت الشعب الليبي على كلمة واحدة هي الحرية والمساواة فكان الشعب في الموعد حين انبلج فجر الفاتح من سبتمبر حيث خرج عن بكرة أبيه يؤيد ويناصر الثورة والثوار لم يتوقف المسرحيون عند هذا بل خرجوا يباركون الثورة ليس بالهتاف فقط بل بالعمل الجاد حيث عرضت الفرق المسرحية مسرحيات بالمناسبة تتفق وعظمة الحدث وجلال الموقف فاستقبلها الشعب بالتهليل والتكبير.
وبدأت الثورة مسيرتها وأنشأت دائرة خاصة بالمسرح تكاثفت جهودها مع جهود المسرحيين فاستجلبت هذه الدائرة خبراء متخصصين في المسرح وكونت منهم فريق عمل لمتابعة الحركة المسرحية في جميع أنحاء ليبيا لغرض الرفع من مستوى الأداء بأسس علمية ثم كان للمهرجان المسرحي الوطني الأول في شهر الفاتح (سبتمبر) عام ١٩٧١ م وكان حافلاً بكل الإبداعات من جميع أنحاء ليبيا وقد كان مهرجان المسرح الأول دافعاً قوياً لبذل الجهود والاجتهاد فتألق كتاب ومخرجون وممثلون وفنانو مناظر وملابس وتنكر وعندما جاء موعد المهرجان الثاني للمسرح جاء ومعه التألق والإبداع البشري برسوخ قدم المسرح في هذا البلد المعطاء فأرسي المسرح الليبي في العقد السابع من القرن الماضي دعائمه الحقيقية حيث ملك جميع العاملين به أدواته وأنشأت الهيئة العامة للمسرح في منتصف السبعينيات تقريباً إنجازاً عظيماً لصالح المسرح وإن شابت بعض الإجراءات الشوائب.
بعد حل الهيئة العامة للمسرح وضم المسرح إلى الإدارة العامة للثقافة خفت جذوة المسرح إلا قليلاً وتأخر عقد المهرجان المسرحي الوطني فالمهرجان العاشر كان في عام ٢٠٠٧ م في مدينة بنغازي ورغم وجود بعض العروض المتميزة في هذه الدورة (العاشرة) إلا أن بعض الفرق كانت في حاجة إلى دعم أدبي وفني ومادي أيضاً.
المسرح الليبي في مئة عام ......
" كانت النوادي الأدبية والرياضية والفرق المسرحية التابعة لها والصحافة أيضاً هي المنابر التي ساهمت في توعية الجماهير "
بقلم / المهدي ابوقرين
باستيلاء الإنجليز على السلطة في ليبيا في أربعينيات القرن الماضي كثرت في البلاد مجالس اللهو العامة والخاصة التي تقدم فيها الخمور المستوردة والمصنعة محلياً من العنب ومن أشجار النخيل المسمى " باللاقبي " حيث يقطع رأس النخلة بتجريدها من جل جريدها ويحفر في قمة رأس النخلة حوض .. تخرج عصارة حلوة المذاق في الحوض تتجمع هذه العصارة وتجمع في عبار وهو وعاء يشبه القلة في الشكل .. إلا أنه أكبر منها بأربعة وخمسة أمثالها ، يعلق العبار من الصباح حتى المساء فإذا شرب في نفس الليلة أو في الصباح الباكر كان حلوا وطيب النكهة والمذاق، أما إذا شرب ظهراً أو ما بعده كان حامضاً وصار مسكراً ، إذ أن هذا السائل سريع التخمر بالحرارة .. وقد تخصص اليهود والمالطيون في بيع هذا النوع من الخمور ويتهافت عليه كثير من الشباب وذوو الدخل المحدود لرخص ثمنه مقارنة بالخمور الأخرى ولذلك كان المالطيون واليهود يغشونه بالماء والخمائر ، والذين يتعاطون مثل هذه المسكرات بعد الكأس الثانية والثالثة لايفرقون بين السليم منه من المغشوش .
كان المستعمر القديم منه والحديث يشجع على فتح الخمارات فانتشرت في جميع أركان البلاد . حتى التجمعات السكنية الصغيرة النائية أقيمت فيها الخمارات كما أنشأ المستعمرون نوادي ليلية لتعاطي القمار والفسق والفجور وشجعوا على إنشائّا فبادرت بعض النفوس الضعيفة من الليبيين على إدارتها وامتلاكها ، وبالمقابل ضيق المستعمر على الشباب الليبي العفيف الشريف الحر باستفزازهم وتلفيق التهمة لهم ليصدوهم عما هم سائرون عليه من نصح وإرشاد في النوادي الأدبية الفنية التي كونوها في البلاد .
كانت النوادي الأدبية والرياضية والفرق المسرحية التابعة لها والصحافة أيضاً هي المنابر التي يتحرك الشعب من خلالها لتوعية الجماهير وصد المظاهر الشريرة التي بثها المستعمر وأعوانه في البلاد . فقدمت هذه النوادي العديد من اللقاءات الأدبية والفنية للرفع من معنويات الجماهير ولتهديهم سواء السبيل وكان نادي الاتحاد واحداً من هذه التجمعات الشبابية التي قدمت القضية الوطنية والقومية .
فها هي فرقة نادي الاتحاد المسرحية تقدم من تأليف الأستاذ الشيخ محمود عمر المسلاتي مسرحية ( مضار القمار ) وكانت من إخراج عمر الباروني وهي مسرحية اجتماعية أخلاقية تظهر مساوئ القمار ومضاره على الفرد والأسرة والمجتمع .. فالقمار سلوك محرم شرعاً لأنه يهدف إلى تدمير اقتصاد الأسرة والمجتمع ويغلب طبقة على أخرى وبالقمار تحدث الفتن وتحاك الدسائس والمكائد ، وتدمر الأنفس ، وبالتالي تقضي على مقومات المجتمع دينياً واجتماعياً واقتصادياً . ولما كانت ( مضار القمار ) كذلك فقد برهن نادي الاتحاد وفرقته عملاً لا قولاً على حدها في مضمار الرفع من معنويات الشعب وشد أزره في المحن والشدائد .. فقد خصص دخل المسرحية لصالح منكوبي وادي المجينين . كما فعل نادي العمال وفرقته المسرحية . كان عرض مسرحية (مضار القمار) بتاريخ 6- 2 - 1945 .
وكما أعلم ويعلم الجميع أن شباب النوادي والفرق المسرحية ليس لها دخل غير دخل الشباك وهو غير كاف لاستمرار العمل الفني . فالعاملون في النوادي والمجال الفني بالذات يقومون بأعمال غير ما يقدمونه للجماهير ولذلك نجد الأعمال الفنية خاصة لاتقدم بانتظام وعلى فترات متباعدة . فبعد أكثر من سنة قدمت فرقة نادي الاتحاد للمسرح في 28 . 6 . 1946 مسرحيتها ( خليفة الصياد وهارون الرشيد ) والجدير ذكره أن هذا العنوان قد قدم تحته الفنان محمد عبدالهادي أيضاً مسرحية نالت شهرة واسعة من شرق ليبيا وحتى غربها وهي مسرحية اجتماعية أخلاقية فكاهية . ولم يذكر أحد عن هوية مسرحية نادي الاتحاد التي جاءت متأخرة عن مسرحية محمد عبدالهادي .
وقد نقد الأستاذ الهادي عرفة مسرحية نادي الاتحاد ( خليفة الصياد وهارون الرشيد ) على صفحات جريدة طرابلس الغرب وشكر نادي الاتحاد وفرقته المسرحية على الجهود المبذولة في هذا المجال مشجعاً إياهم على تناول مثل هذه الموضوعات .
كما أثنى الناقد على الجمهور المشجع للمسرح .. هذا التشجيع من النقاد والجمهود أوقد شعلة الحماس في نفوس أعضاء الفرقة فتقدمت بخطوات ثابتة إلى الأمام باختيارها نصوصاً من المسرح العالمي .
المسرح الليبي في مائة عام ..
" بشير عريبي ونادي العمال "
بقلم/ المهدي أبو قرين ..
أثناء تحضير نادي العمال مسرحية (غرام وانتقام )عام 1944م للعرض من قراءة للنص واختيار الممثلين تم تجهيز الملابس والمناظر والمهمات الأخرى تقابل الفنان الأستاذ بشير عريبي مع شاب وسيم تعلو وجهه حمرة الخجل كلما أراد التحدث يقول الأستاذ بشير عريبي في مذكراته عن (الفن والمسرح في ليبيا ص166( .
"أخذ الشاب يحدثني ورأسه مطرق إلى الأرض قال: أنا من مواليد مصراته عمري 20 سنة، كنت أدرس بالقاهرة، وعندما كنت عائداً عن طريق البر إلى مصراته ألقى البوليس الحربي البريطاني القبض عليّ في بنغازي بتهمة التجسس لصالح الجيش الألماني وجيئ بي إلى طرابلس، وأدخلت سجن باب بن غشير، بعد تحقيقات دامت مدة طويلة أفرج عني. ليس لي أهل بطرابلس ولا أعرف أحداً، ولقد علمت بأن أغلب نزلاء فندق الحصائري من تجار مصراته وهم يخزنون في حجراته الحصران، فجئت لهذا الفندق لعلي أجد من بين التجار من أعرفه فيقرضني بعض النقود لأسافر إلى مصراته.. وسكت.
يصف الأستاذ بشير عريبي حال صاحبه المصراتي بأن مظهره الخارجي يرثى له مما دفعه إلى أن يعطيه معطفه ليستر به ملابسه الممزقة ثم أخذه إلى النادي ليستريح ولم يصرح الأستاذ عريبي في مذكراته باسم صاحبه هذا؟!
ويردف بشير عريبي: في النادي تعرف المصراتي على.. حسن (حسن يوسف) وحمدي (محمد حمدي) والدكتور (د. مصطفى العجيلي) وقنابة (الشاعر أحمد قنابة) وبقية أعضاء النادي... وطلب (بشير عريبي) من الأصدقاء مساعدته.. فانهالت عليه التبرعات وأصبح من يومها يتردد على النادي وأصبح صديقاً لهم وكسب بلباقته ثقة الجميع واتضح أنه يحسن الغناء وخاصة الجديد منه، وقد كلف المصراتي بأن يقوم بدور القائد في تمثيلية (غرام وانتقام ) ..
وهكذا دخل المصراتي المسرح من أوسع أبوابه"
يقصد الأستاذ المرحوم بشير عريبي بأن بعض الممثلين يتدرجون في مجال التمثيل المسرحي بخطوات وئيدة أدوار صامتة ثم أدوار ثانوية ثم أدوار دون البطولة ثم بعدها أدوار البطولة في المسرحية ولكن المصراتي تخطى هذه الأدوار وقفز إلى أن يكون البطل بامتياز في أول عمل مسرحي يشارك فيه.
لم تكن أعمال فرقة نادي العمال وهي سهرات فيها المسرح والغناء والأناشيد.. لم تكن حكراً على جمهورها الذي ألفها وألفته داخل مقر النادي ولا حتى على جمهورها من أهل الوطن فقد تعدته إلى أبعد من ذلك فها هي تقدم فنها الرفيع إلى قوة الدفاع السودانية التي استقدمت من السودان من قبل الإنجليز إلى مدينة طرابلس.
فبمناسبة عيد الفطر المبارك خصصت فرقة نادي العمال إحدى حفلاتها بالمناسبة للبعثة السودانية فقدمت الفرقة مسرحية (ناكر الجميل) وهي مسرحية اجتماعية أخلاقية ومسرحية فكاهية بعنوان (الدكتور) على مسرح المعرض.
عندما كانت فرقة تمثيل نادي العمال تعمل تحت اسم فرقة مكتب الفنون والصنائع قدمت عرضاً فنياً (مسرح وموسيقى وطرب) لنزلاء مستشفى طرابلس المركزي.
كان ضمن حضور هذا العرض شاب يعمل في صيدلية المستشفى اسمه مصطفى الأمير.
اشترك مصطفى الأمير في فرقة نادي العمال والتي كانت في الأصل (فرقة مكتب الفنون) وكان العمل الجديد لفرقة نادي العمال مسرحية (العودة إلى المدرسة) وهي من تأليف وإخراج الدكتور مصطفى العجيلي وهي مسرحية أدبية تربوية تدعو الناشئة إلى الدرس والتحصيل لأن العلم يحيي كل شعب ميت.
فأضافت فرقة النادي بعملها الجديد هذا رصيداً إلى رصيدها المسرحي وفناناً إلى الفنانين السابقين هذا الفنان هو مصطفى محمد الأمير.
جاء في كتاب الأستاذ بشير عريبي (الفن والمسرح في ليبيا) ص173
اشترك في هذه التمثيلية يعني (مسرحية العودة إلى المدرسة) إلى جانب الممثلين القدامى ممثل جديد يهوى التمثيل من كل قلبه عشق التمثيل منذ أن رأى فرقة مدرسة الفنون تقدم المسرحيات الترفيهية على مرضى مستشفى طرابلس المركزي أيام كان يعمل بصيدلية المستشفى اسمه مصطفى محمد الأمير.
شاب عصامي شق طريقه فيما بعد بجهوده وأسهم في تأسيس الفرقة القومية، بعد مسرحية (العودة إلى المدرسة) قدمت فرقة نادي العمال مسرحية اجتماعية أخلاقية من ثلاثة فصول هي مسرحية (خيانة الأصحاب) تأليف الفنان حسن يوسف وإخراج الدكتور مصطفى العجيلي.
لم ينس أعضاء فرقة نادي العمال كيف نشأوا ثم كيف صاروا ولا من أين أتوا فهم تلاميذ مكتب الفنون والصنائع الإسلامية.. لذلك قرروا أن يقدموا لأطفال هذا المكتب حفلاً شيقاً، فاستقبلوهم بمسرح النادي وعرضوا لهم مسرحية (خيانة الأصحاب) ولما كان جمهور هذا العرض من الأطفال فقد غيّر الفنان محمد حمدي في أدائه للدور الذي يقوم به بحيث يتلاءم ورؤيتهم وفهمهم. فاستعاض عن الجمل الطويلة بالحركة والإشارة فضحك الأطفال واستطاع الفنان محمد حمدي بأسلوبه أن يوصل مفهوم المسرحية لأطفال صغار .