مسرح الفن الرقمي: مغامرة لاستكشاف الواقع المعزز والافتراضي
حنان مبروك
الاثنين 2022/08/15
عروض مبهرة
لم تعد الفنون التقليدية هي عنصر الجذب الوحيد للأفراد ولا العنصر الوحيد الذي يقدم لهم مادة ترفيهية وتثقيفية، وإنما صار لحضور الواقع المعزز والافتراضي والتطورات التقنية دور كبير في تقديم منجز ثقافي يواكب تطورات العصر ويجذب انتباه شريحة واسعة من الجمهور لمواكبة أعمال فنية رقمية.
ولئن كانت بعض المسارح في الدول العربية لا تزال تقليدية جدا ولم تزرها التكنولوجيا سوى كمؤثرات بصرية وسمعية بسيطة ضمن أعمال مسرحية وتشكيلية وموسيقية، فإن بعض المسارح في الدول المتقدمة صارت مخصصة بالكامل لعروض فنية رقمية، ولا تكتفي بمجرد العرض وإنما تجعل المتفرّج مشاركا فاعلا ضمن سيرورة العمل الفني سواء كان موسيقيا أو تشكيليا أو مسرحيا.
ويأتي مسرح الفن الرقمي في دبي بصفته النموذج العربي الوحيد للمسارح “الديجيتالية” حيث يقدم لزواره بعدا جديدا للثقافة يبدو الأقرب إلى شكل المدينة المستقبلية التي تغزو فيها التقنية كافة مجالات الفن ويرى البعض أنها تهدد عرش المبدعين والإبداع التقليدي؛ فهي مبهرة إلى الحد الذي قد يسيطر على إعجاب “جيل زد” الذي تربى وكبر على علاقة وثيقة مع التكنولوجيا الحديثة، وتختلف نظرته إلى الفن عن نظرة الأجيال السابقة.
ومؤخرا صارت الإمارات واحدة من أكثر الدول توجها نحو المستقبل، وهي لا تتغافل عن الاهتمام بالجانب الثقافي، وأغلب منشآتها الحديثة في هذا القطاع تراهن على تقديم فنون مبتكرة بطرق رقمية تثري تجارب المتلقي لاستكشاف المستقبل عبر عالم الوسائط
الجديدة والتقنيات الذكية مع تقديم تجارب ترفيه تغمر حواسه بالمتعة والتسلية.
مسرح الفن الرقمي النموذج العربي الذي يقدم لزواره بعدا للثقافة يبدو الأقرب إلى شكل المدينة المستقبلية
ويمزج مسرح الفن الرقمي بين ثلاثة من أنماط الفنون الرقمية، بما يشمل معارض الوسائط المتعددة والمعارض التفاعلية العصرية وتجارب الواقع الافتراضي.
ويشغل المسرح مساحة ألف وثماني مئة متر مربع ويقدّم عروضا رقمية تسلّط الضوء على أعمال فنية كلاسيكية ترافقها الموسيقى والمؤثرات البصرية ومكبرات الصوت.
وتتوفّر في المعرض عدّة أقسام، منها معارض فنية تقليدية وكلاسيكية، ومساحة عصرية للفن الرقمي إلى جانب معارض تفاعلية مُخصصة للأطفال وتجارب الواقع الافتراضي.
ويقدم المسرح حفلات موسيقية ومسرحية يحييها فنانون رقميون وتروي قصصاً فانتازية بمؤثرات بصرية تعتمد على ثنائية الضوء والإيقاع، ويحتضنها فضاء المسرح الواقع في مدينة جميرا، والذي يوصف بأنه وجهة فنية تجذب العائلات على اختلاف ثقافاتها وجذورها، وتحملها في رحلة ثقافية إلى المستقبل، وسط أجواء محفوفة بالغرابة وعناصر الدهشة والاستكشاف.
وبينما تعرض الشاشات العملاقة مقاطع من العمل الفني وصورا ورقصات النجوم، يجلس المتفرج وسط صالة العرض، فيبدو في منتصفها فاعلا وعنصرا مهما في العرض الموسيقي، شأنه شأن الفنان والموسيقيين.
وفي حال كان العرض مسرحيا يتحول المشاهد إلى ممثل صامت، يجلس ضمن “ديكور” العمل ليتابع تفاصيله، ويصبح المشاهدون على تنوع أشكالهم وهيئاتهم مثل “إكسسوارات” لوجوه وشخوص متغيرة من عرض إلى آخر.
أما في العروض التشكيلية فيتجول الزائر داخل المساحة الافتراضية، وكأنه يغوص في أعماق اللوحة أو المنحوتة، وليس فقط يشاهدها على محمل تقليدي محدد المساحة.
وسبق أن عرض المسرح أعمال تسعة فنانين مشهورين بمن فيهم كلود مونيه وفنسنت فان غوخ وبول سيزان وفاسيلي كاندينسكي، وغيرهم.
وينظم المسرح حاليا معرض “ديجيتال إكسترافاغنزا” الذي يقدم 250 عملا فنيا رقميا بالرموز غير القابلة للاستبدال من أكثر من 50 دولة، مقتبسة من أفلام سينمائية وتعبُر الحقائق والأبعاد البديلة، وتستفز المشاهد للتفكير في الاحتمالات اللامتناهية للزمان والمكان.
وفي هذا المعرض الرقمي الذي يستمر إلى غاية الحادي والعشرين من أغسطس الجاري، يعد كل زائر للمعرض بمثابة بطل يعيش فصول قصته، فعلى سبيل المثال يمكّن فيلم “خارج الهاوية” للفنان جوناثان موناغان الزائر من امتطاء حصان نهاية العالم، والتعرف إلى أسرار حركة “سولاربنك” من الفنان سينتيكيت، أو أن يصبح مهندساً وراثياً في عمل الفنانة لونا إيكوتا الذي يحمل عنوان “ما بعد الحياة”، أو يمكّنه من التفكير أيضا في المؤامرات ضمن عالم مستقبلي في العمل الذي يحمل عنوان “لجوء/رفض” من إبداع الفنان أرنو لافوند.
وبالنظر إلى مثل هذه النماذج المتسارعة من التطور التقني في عالم الفنون، ينبه أغلب النقاد الفنيين إلى أن المبدعين صاروا اليوم مجبرين على الوقوف أمام مفترق طرق، فإما أن يستخدموا التكنولوجيا ونماذج الأعمال الجديدة لتطوير مواهبهم وعدم الاكتفاء بممارسة عملية الإبداع القديمة، أو التغافل عن هذا التطور، وبهذا الشكل لن يستطيعوا مواكبة التطور وتقديم منتج فني قادر على المنافسة ولفْت انتباه المتلقي.
ومنجزات الفنون الرقمية أصبحت تباع بمئات الملايين من الدولارات وصارت تباع أيضا في صالات المزاد العلني، مما يجعلنا أمام صناعة جديدة يعاد تشكيلها، لكن تثير مخاوف أهل الاختصاص؛ حيث يحذر البعض من أن التكنولوجيا ستفقد الفن روحه، إذا لم يحسن الفنان استخدامها وترك التحكم فيها بيد غير المختصين الذين لا تربطهم بالإبداع التقني سوى شهاداتهم الأكاديمية التي مكنتهم من التخصص في المهن التكنولوجية.
كما يحذر من أن الفن الرقمي مهما ادعى تقديمه لأعمال فنية تواكب الثورة التقنية تظل التكنولوجيا هي الهدف الذي يسعى له الفنان وليس فقط الوسيلة، حيث يريد الفنان من عرض أعمال فنية رقمية اكتشاف ما يمكن للتكنولوجيا أن تحققه من وراء الإنتاجات الفنية، وعادة ما يكون ذلك على حساب العمل الفني في حد ذاته. كما أن التكنولوجيا تفقد الفن أهميته وندرته و”طبيعته” وتجعله مادة رقمية يمكن تداولها في رسائل على مواقع التواصل الاجتماعي وفيديوهات متاحة بكبسة زر، وستفقد بذلك دور العرض وجودها بعد أن كانت المكان الوحيد الرسمي لعرض الأعمال الفنية.
حنان مبروك
الاثنين 2022/08/15
عروض مبهرة
لم تعد الفنون التقليدية هي عنصر الجذب الوحيد للأفراد ولا العنصر الوحيد الذي يقدم لهم مادة ترفيهية وتثقيفية، وإنما صار لحضور الواقع المعزز والافتراضي والتطورات التقنية دور كبير في تقديم منجز ثقافي يواكب تطورات العصر ويجذب انتباه شريحة واسعة من الجمهور لمواكبة أعمال فنية رقمية.
ولئن كانت بعض المسارح في الدول العربية لا تزال تقليدية جدا ولم تزرها التكنولوجيا سوى كمؤثرات بصرية وسمعية بسيطة ضمن أعمال مسرحية وتشكيلية وموسيقية، فإن بعض المسارح في الدول المتقدمة صارت مخصصة بالكامل لعروض فنية رقمية، ولا تكتفي بمجرد العرض وإنما تجعل المتفرّج مشاركا فاعلا ضمن سيرورة العمل الفني سواء كان موسيقيا أو تشكيليا أو مسرحيا.
ويأتي مسرح الفن الرقمي في دبي بصفته النموذج العربي الوحيد للمسارح “الديجيتالية” حيث يقدم لزواره بعدا جديدا للثقافة يبدو الأقرب إلى شكل المدينة المستقبلية التي تغزو فيها التقنية كافة مجالات الفن ويرى البعض أنها تهدد عرش المبدعين والإبداع التقليدي؛ فهي مبهرة إلى الحد الذي قد يسيطر على إعجاب “جيل زد” الذي تربى وكبر على علاقة وثيقة مع التكنولوجيا الحديثة، وتختلف نظرته إلى الفن عن نظرة الأجيال السابقة.
ومؤخرا صارت الإمارات واحدة من أكثر الدول توجها نحو المستقبل، وهي لا تتغافل عن الاهتمام بالجانب الثقافي، وأغلب منشآتها الحديثة في هذا القطاع تراهن على تقديم فنون مبتكرة بطرق رقمية تثري تجارب المتلقي لاستكشاف المستقبل عبر عالم الوسائط
الجديدة والتقنيات الذكية مع تقديم تجارب ترفيه تغمر حواسه بالمتعة والتسلية.
مسرح الفن الرقمي النموذج العربي الذي يقدم لزواره بعدا للثقافة يبدو الأقرب إلى شكل المدينة المستقبلية
ويمزج مسرح الفن الرقمي بين ثلاثة من أنماط الفنون الرقمية، بما يشمل معارض الوسائط المتعددة والمعارض التفاعلية العصرية وتجارب الواقع الافتراضي.
ويشغل المسرح مساحة ألف وثماني مئة متر مربع ويقدّم عروضا رقمية تسلّط الضوء على أعمال فنية كلاسيكية ترافقها الموسيقى والمؤثرات البصرية ومكبرات الصوت.
وتتوفّر في المعرض عدّة أقسام، منها معارض فنية تقليدية وكلاسيكية، ومساحة عصرية للفن الرقمي إلى جانب معارض تفاعلية مُخصصة للأطفال وتجارب الواقع الافتراضي.
ويقدم المسرح حفلات موسيقية ومسرحية يحييها فنانون رقميون وتروي قصصاً فانتازية بمؤثرات بصرية تعتمد على ثنائية الضوء والإيقاع، ويحتضنها فضاء المسرح الواقع في مدينة جميرا، والذي يوصف بأنه وجهة فنية تجذب العائلات على اختلاف ثقافاتها وجذورها، وتحملها في رحلة ثقافية إلى المستقبل، وسط أجواء محفوفة بالغرابة وعناصر الدهشة والاستكشاف.
وبينما تعرض الشاشات العملاقة مقاطع من العمل الفني وصورا ورقصات النجوم، يجلس المتفرج وسط صالة العرض، فيبدو في منتصفها فاعلا وعنصرا مهما في العرض الموسيقي، شأنه شأن الفنان والموسيقيين.
وفي حال كان العرض مسرحيا يتحول المشاهد إلى ممثل صامت، يجلس ضمن “ديكور” العمل ليتابع تفاصيله، ويصبح المشاهدون على تنوع أشكالهم وهيئاتهم مثل “إكسسوارات” لوجوه وشخوص متغيرة من عرض إلى آخر.
أما في العروض التشكيلية فيتجول الزائر داخل المساحة الافتراضية، وكأنه يغوص في أعماق اللوحة أو المنحوتة، وليس فقط يشاهدها على محمل تقليدي محدد المساحة.
وسبق أن عرض المسرح أعمال تسعة فنانين مشهورين بمن فيهم كلود مونيه وفنسنت فان غوخ وبول سيزان وفاسيلي كاندينسكي، وغيرهم.
وينظم المسرح حاليا معرض “ديجيتال إكسترافاغنزا” الذي يقدم 250 عملا فنيا رقميا بالرموز غير القابلة للاستبدال من أكثر من 50 دولة، مقتبسة من أفلام سينمائية وتعبُر الحقائق والأبعاد البديلة، وتستفز المشاهد للتفكير في الاحتمالات اللامتناهية للزمان والمكان.
وفي هذا المعرض الرقمي الذي يستمر إلى غاية الحادي والعشرين من أغسطس الجاري، يعد كل زائر للمعرض بمثابة بطل يعيش فصول قصته، فعلى سبيل المثال يمكّن فيلم “خارج الهاوية” للفنان جوناثان موناغان الزائر من امتطاء حصان نهاية العالم، والتعرف إلى أسرار حركة “سولاربنك” من الفنان سينتيكيت، أو أن يصبح مهندساً وراثياً في عمل الفنانة لونا إيكوتا الذي يحمل عنوان “ما بعد الحياة”، أو يمكّنه من التفكير أيضا في المؤامرات ضمن عالم مستقبلي في العمل الذي يحمل عنوان “لجوء/رفض” من إبداع الفنان أرنو لافوند.
وبالنظر إلى مثل هذه النماذج المتسارعة من التطور التقني في عالم الفنون، ينبه أغلب النقاد الفنيين إلى أن المبدعين صاروا اليوم مجبرين على الوقوف أمام مفترق طرق، فإما أن يستخدموا التكنولوجيا ونماذج الأعمال الجديدة لتطوير مواهبهم وعدم الاكتفاء بممارسة عملية الإبداع القديمة، أو التغافل عن هذا التطور، وبهذا الشكل لن يستطيعوا مواكبة التطور وتقديم منتج فني قادر على المنافسة ولفْت انتباه المتلقي.
ومنجزات الفنون الرقمية أصبحت تباع بمئات الملايين من الدولارات وصارت تباع أيضا في صالات المزاد العلني، مما يجعلنا أمام صناعة جديدة يعاد تشكيلها، لكن تثير مخاوف أهل الاختصاص؛ حيث يحذر البعض من أن التكنولوجيا ستفقد الفن روحه، إذا لم يحسن الفنان استخدامها وترك التحكم فيها بيد غير المختصين الذين لا تربطهم بالإبداع التقني سوى شهاداتهم الأكاديمية التي مكنتهم من التخصص في المهن التكنولوجية.
كما يحذر من أن الفن الرقمي مهما ادعى تقديمه لأعمال فنية تواكب الثورة التقنية تظل التكنولوجيا هي الهدف الذي يسعى له الفنان وليس فقط الوسيلة، حيث يريد الفنان من عرض أعمال فنية رقمية اكتشاف ما يمكن للتكنولوجيا أن تحققه من وراء الإنتاجات الفنية، وعادة ما يكون ذلك على حساب العمل الفني في حد ذاته. كما أن التكنولوجيا تفقد الفن أهميته وندرته و”طبيعته” وتجعله مادة رقمية يمكن تداولها في رسائل على مواقع التواصل الاجتماعي وفيديوهات متاحة بكبسة زر، وستفقد بذلك دور العرض وجودها بعد أن كانت المكان الوحيد الرسمي لعرض الأعمال الفنية.