حلب الثقافة والمعرفة
٢٧ يوليو، الساعة ٨:٤٠ م ·
نظرة الى طريق الحرير
اعرج حلب وصل الى الصين،هذه المقولة تدل على حب المغامرة المتأصل في تجار حلب .
روح المغامرة وقطع المسافات ،والتي فقدناها حتى كدنا نفقد معها .
والصورة ملتقطة قرب جبل عارودة الواقع في ريف منبج قرب تلحودان .
وتلك المنطقة كانت نقطة عبور غير رسمية تمر منها القوافل لكي تتفادى ميناء مسكنة ودفع الضرائب ،ويظهر جبل عارودة ذو الاهمية التاريخية ،حيث تعود اثار معبده الى الالف التاسع قبل الميلاد في زمن الاورك ،حيث كانت تعبد الآلهة عشتار وافروديت وأثينا وحدد في عصور متتالية .
وسمي جبل عارودة على اسم احد الدراويش الذين عاشوا في العهد الايوبي ،ويدعى الشيخ عارودة ،يزوره الناس متبركين .
واما ميناء مسكنة فقد غمرته مياه البحيرة مع آثارها .
الفرات نهر صالح للملاحة اغلب ايام السنة،لكنه في الربيع يفيض ويصبح خطرا لمدة شهرين ،وقد استخدمته الشعوب المتعاقبة منذ مملكة ماري وكانوا يقطعونه بالمجدايف والاشرعة من الفلوجة حتى بالس ( مسكنة ) .وفي الفصول المناسبة كانوا يصلون الى مدينة بيره جيك قرب عينتاب وهي اقصى حد صالح للملاحة .
وفي القرن التاسع عشر كانت تعبره ثلاث سفن بخارية نهرية ضخمة ،وهي السفينة الشهباء التي صنعت في النمسا ،والسفينة البصرة والسفينة الفرات ،ولم يكن هناك جسور او سدود لذلك كانت الملاحة في الفرات ممكنة ،واما في العراق فقد كان هناك جسور عائمة على الفرات في الفلوجة ،وتتميز هذه الجسور العائمة بأنها متحركة كالسفينة مما يتيح للسفن المرور والملاحة عبر الفرات .
وجبل عارودة هو احد التلال الكثيرة التي شكلها نهر الفرات خلال تاريخه الجيولوجي الذي يعود الى ستين مليون عام ،ومجموعة هذه التلال تسمى( الزور ) وتعني السور ،ومنه اشتق اسم سوريا ،وليس كما يعتقد الكثيرون ان اسم سوريا مشتق من كلمة sir اللاتينية ،لأن هذا الاعتقاد على الرغم من روعته ليس صحيحا ،لان سوريا اقدم بكثير من اللغة اللاتينية التي تعتبر حديثة بين اللغات .
وراح البعض يلوي عنقها ويجعلها بالتاء المربوطة ( سورية )،علما ان سوريا لم تعرف التاء المربوطة إلا بعد نزول القرآن الكريم ،وهي اقدم من ذلك .
وهذا السور ( الزور ) يفصل بين منطقتين تاريخيتين هما سوريا وآسوريا ،والتي تحولت الى آشوريا ،ويقصد بكلمة آشوريا تلك الشعوب القديمة التي تعيش بين النهرين( شرق الفرات وغرب دجلة ) ،وحرف الالف هو للنفي في اللغات القديمة ،وآشوري تعني من يعيش في منطقة الجزيرة ،وسوري تعني من يعيش في طرف البادية الشامية .
حرف الشين والسين هما حرف واحد في اللغات السامية ،فنجد كلمة شام هي نفسها سام ،وتشير الى سام بن نوح .
وكان المسافرون في الزمن الغابر يتعبدون في جبل عارودة قبل عبورهم النهر ،ثم يتابعون الى العراق ثم فارس ثم صحراء تاكلامكان في الصين ،فيبيعون ويشترون ثم يعودون باتجاه حلب ،وهي اهم محطات طريق الحرير .
وتعبر على الطوافة الحيوانات على حدى مع ملاح متمرس ، بينما تعبر البشر والبضائع في رحلة منفصلة ،وذلك لكيلا يسقط احدالمسافرين في النهر اذا هاجت الحيوانات خلال قطع النهر .
في الصورة نلاحظ طرفا واحدا من نهر الفرات وهو الطرف الشرقي ،واما الطرف الآخر جهة الرقة فإنه غير ظاهر .
وتستغرق الرحلة من حلب الى الفرات يومين بسرعة الجمل ،ويبيت الناس ليلتهم في الباب ،حيث يتعمد تجار الباب اكرام المسافرين وعقد الصفقات معهم ،وهذه صفات يبرعون فيها حتى يومنا هذا ،فالبابي رجل ديبلوماسي حاذق وتاجر صادق يعشق البزنس ، ويمكنه ان يميز الخبيث من الطيب بسهولة ،لأنه يعرف من اين تؤكل الكتف .
وكثيرا مايشتري تجار الباب البضائع من تجار طريق الحرير فيصيبون منها ربحا يساوي ربح من قطع الطريق الى الصين .
اهم البضائع التي تصل حلب هي السجاد العجمي والحرير الهندي وزبر الحديد والتبر المنغولي والتوابل والافيون الافغاني لأغراض طبية .
واما اهم صادراتها فهي الاقمشة ماعدا الحرير ،والسيوف والمقصات وادوات الفلاحة المعدنية والنحاسيات والحلي الذهبي والفضي،وكذلك دواليب العربات الخشبية المقواة بإطار من الحديد وفي مركزها حلقة وفلنجة أضافتها حلب الى الدولاب السومري فصار اطول عمرا .
في زمن ضاقت الحال بالناس ،ولم يعد احد يفكر الا بقوت عياله ،فهل ستعود روح المغامرة الى حلب يوما ما؟ ،هذا السؤال يبقى في عهدة التاريخ ،ربما وجدنا له جوابا يوما ما .
منقول
عدنان جمعة الاحمد
*****************************
يوسف يحيى الحسين