حمود شنتوت يستحضر لحظات خالدة من الجمال السوري
فاروق يوسف
هناك مَن يرسم مدفوعا بقوة الحنين. نوع من الرسامين يرسم من أجل أن يتذكر. علاقة ملتبسة لا يمكن تفكيكها إلا من خلال العودة إلى الصنيع الفني الذي غالبا ما يكون غاصا بالعاطفة التي تتجاوز النظر المباشر.
ما يُرسم ليس ما رأيناه بل ما عشناه. سيكون ذلك العيش مزيجا من الواقع والخيال. تتدخل العاطفة ليكون الصنيع الفني شبيها بها. خفيفا مثلها وعاصفا كما لو أن المشهد المرسوم يتشكل أثناء عملية الرسم. السوري حمود شنتوت هو من ذلك النوع من الرسامين.
لم يرسم الحرب لأنه يعتقد أن الرسم لا يصلح للقيام بذلك أو لأن الحرب صارت موضوعا مستهلكا بالنسبة إلى الفن، تكمن موهبته في اقتناص لحظة جمال نادرة، يمكن أن تنزلق بسرعة إذا لم يكن الرسام صيادا ماهرا. "شاعر تشكيلي" ذلك هو اللقب الذي أطلقه عليه الرسام الرائد فاتح المدرس.
في وقت مبكر من حياته كان شنتوت يرسم أشخاصا وحيدين يقيمون في عالم يضيق بهم ولا يتناسب مع مساحة الفراغ الذي يحيط بهم. تلك فكرة وجودية عن الإنسان الذي يواجه الألم وحيدا.
صياد لحظات الجمال
شنتوت اتجه إلى رسم ما يشبه الأيقونات المعاصرة التي تحذف الجانب الديني لتستجيب لفوضى الخيال
في مرحلة أخرى اتجه شنتوت إلى رسم ما يشبه الأيقونات المعاصرة التي تحذف الجانب الديني لتستجيب لفوضى الخيال مستلهما في ذلك حكايات الليالي العربية، مازجا بين القداسة والشقاء اليومي.
جرب أن يضفي على العادات اليومية هالة من الفخامة التي ينطوي عليها الرسم الكلاسيكي وهو في ذلك إنما يُخرج الرسم من عصره ليكون صنيعا خالدا.
ذلك الشاعر التشكيلي يحتفي بخفة الأشياء حين يخترق بريشته ذاكرة بصرية هي عبارة عن طبقات تمتزج فيها المدن والناس والأنهار والشموس والحقول والجُمل والطقوس والبيوت والوجوه.
◙ شنتوت لم يرسم الحرب، لأنه يعتقد أن الرسم لا يصلح للقيام بذلك، أو لأن الحرب صارت موضوعا مستهلكا بالنسبة إلى الفن
هرب من الحرب عام 2012 ليعيش في بيروت وبعد أربع سنوات انتقل إلى باريس التي سبق له أن عرف أزقتها وأسواقها وحاناتها ومراسمها. لم تفارقه دمشق، بل جاء من أجلها. ابتعد عنها ليرسمها مثلما كان يرسم باريس وهو بعيد عنها.
لشنتوت موقفه المناهض للحرب. لا أعني هنا الموقف السياسي بل الموقف الفني. كان رحيله فرصة لكي تبقى سوريا مثلما أحبها، كما هي قبل أن تدمّر الحرب مدنها. وكانت تلك مادته في الرسم وهي منجم عاطفته.
"أنوار الجدران" كان عنوانا لأحد معارضه يوم كان الجدار هو مادته البصرية وفكرته الروحية. ذلك الشيء الذي هو صمت وضجيج، فكرة وحدث، نهاية وبداية في الوقت نفسه. لم يكن تأمل الجدار قائما على سؤال من نوع "هل نبني الجدار أم نهدمه؟"، بالنسبة إلى رجل خارج من الحرب يُعتبر ذلك السؤال متأخرا.
كان اختراق الجدار يتم من خلال التعامل معه باعتباره مادة حية. لقد رسم يومها "معلولا" إحدى المدن السورية التي دخلت في سجلات الحرب بطريقة مأساوية، اشتبك من خلالها الديني بالوطني حين تعرضا للعنف الذي هزم يومها القيم الإنسانية.
يوميات تتشبه بالحكايات
يلخص الرسام السوري عالمه الفني فيقول إنه يشتغل دائما على مفردات حياتي التي أحياها
ولد شنتوت في قرية السفيرة بحلب عام 1956. درس الرسم أولا في مركز الفنون الجميلة في حماه "سهيل الأحدب" عام 1975 ثم انتقل إلى كلية الفنون الجميلة بدمشق ليتخرج عام 1980 من قسم الرسم.
◙ "شاعر تشكيلي" كان في وقت مبكر من حياته رسم أشخاصا وحيدين يقيمون في عالم يضيق بهم
وفي عام 1984 أنهى دراسات إضافية في المدرسة الوطنية العليا للفنون بباريس. بعدها عمل مدرسا للفنون في مركز الفنون التشكيلية بدمشق، ثم تفرغ بشكل كلي للرسم، وأقام أول معرض شخصي له أواسط السبعينات في دمشق. بعده أقام أكثر من عشرين معرضا.
يلخص شنتوت عالمه الفني فيقول "أشتغل دائما على مفردات حياتي التي أحياها. لوحاتي يومياتي وهي مذكرات أعيشها. آخذ موضوعاتي من البيئة أو من دفاتر الشعر أو من حكايات ألف ليلة وليلة حسب الحالة النفسية في الوقت الذي أرسم فيه. نحن في هذا الوقت في حاجة إلى الكثير من الحلم وعوالم افتراضية للعيش فيها بعيدا عن العالم الأليم الذي نعيش فيه".
يقول "في هذا الوقت" وهو يقصد الحرب ولكنه منذ البدء كان يسعى لخلق عوالم تقع بين واقعين. واقع جاهز للعيش وآخر افتراضي. وما يومياته إلا نوع من العيش بين العالمين، هناك حيث يجد الخيال طريقه سالكة في اتجاه الواقع كما يُرسم.
تجاوز الواقع بأدواته
شنتوت حرص منذ البدء على ألا ينزلق إلى التجريد كما فعل العديدون من أبناء جيله
هل كان فنانا واقعيا؟ كان المدرّس قد أجاب على ذلك السؤال عام 1985 بقوله "إن الواقعية قد تجاوزت ذاتها في أعمال حمود شنتوت. إنه في أعماله يتهم قوى الشر بصمت وأينما وجد. إنه يرسم اليوم لون الدم المحترق. ففي زوايا غرفته بباريس كما في دمشق، في لوحته المغسلة مثلا نرى كيف أن الواقعية تجاوزت ذاتها وأصبحت فنا صافيا وشاهدا على تحولات القيم الجمالية في عصرنا". ولكن لمَ تقترن الواقعية بأعمال شنتوت؟
◙ الدرس الأكاديمي كان حاضرا في كل أعمال شنتوت، وكانت المهارة ضرورية بالنسبة إليه لإنشاء عالم مواز للواقع
منذ البدء حرص شنتوت على ألا ينزلق إلى التجريد كما فعل العديدون من أبناء جيله. كان الدرس الأكاديمي حاضرا في كل ما يفعل، وكانت المهارة ضرورية بالنسبة إليه لإنشاء عالم مواز للواقع. ذلك عالم يبدو لأول وهلة كما لو أنه مستعار من تجربة بصرية محايدة ولكن التجربة البصرية نفسها تستند على الكثير من إفرازات الذاكرة التي لا يمكن للمرء أن يميز فيها بين ما هو وهمي وما هو واقعي.
لذلك فإنه في معرضه "من باريس إلى دمشق" لم يجد صعوبة في أن يرسم المشاهد الدمشقية في غيابها. كان حضورها أقوى من أن يهز الغياب يقينه. لا يشك الرسام لحظة واحدة في أن كل ذلك الغموض الذي يحيط بالأمكنة إنما هو جزء من الفضاء العاطفي الذي لا يزال يأسره. سبقته تمارينه إلى الجوهر فلم يعد يشقى أكثر وهو يقترب أو يبتعد مما رآه. إنه يحمل في ذاكرته كنزا من المرئيات التي لا تزال تمثل له مادة للعيش.
كما لو أن الحكايات لم تحدث
الجدار كان بالنسبة إلى شنتوت عائلته وعصره وطفولته وفضاء مدينته وطقوس العيش اليومي
عام 2020 أقام شنتوت معرضا في سويسرا بعنوان "أنوار الجدار" هو حصيلة سنوات إقامته في باريس منذ عام 2016. ولكن ما سر الجدار لكي يكون حاضرا في الغربة؟ يقول شنتوت "لأنني عشت في بيت عربي قديم وبقيت سنوات أتأمل الجدران وطبقات الكلس والطين والتبن وكنت أرى فيها أشكالا مختلفة شكلت بداية أحلامي وكنت أتساءل متى سأتمكن من رسم ما كنت أراه على الجدار". فكرة تذكرنا بدافنشي وحكايته عن الجدار وهي فكرة تتكرر. وهي في كل مرة تأخذ منحى مختلفا.
بالنسبة إلى شنتوت كان الجدار عائلته وعصره وطفولته وفضاء مدينته وطقوس العيش اليومي والعشاء الذي لا يزال طعمه في الفم وحلم الطفل في أن يكون في مكان آخر. لقد رأى الفنان بلادا تختفي على ذلك الجدار وحاول أن ينجو بها. رأى السماء التي كان على يقين من أنها كانت موجودة لأنها كانت تهبه فكرة عن الحرية التي يعيشها يوما ما وهو يحن إلى ذلك الجدار.
الفكرة العميقة التي ينبعث منها فن حمود شنتوت تقيم في لحظة التلفت ما بين الذات الأسيرة بعاطفتها وبين الحرية التي لا تزال فضاء تجريبيا. فن يقع في فضاء الحرية ويستعيد ماضيه ليضمه إلى يومه السعيد.
فاروق يوسف
هناك مَن يرسم مدفوعا بقوة الحنين. نوع من الرسامين يرسم من أجل أن يتذكر. علاقة ملتبسة لا يمكن تفكيكها إلا من خلال العودة إلى الصنيع الفني الذي غالبا ما يكون غاصا بالعاطفة التي تتجاوز النظر المباشر.
ما يُرسم ليس ما رأيناه بل ما عشناه. سيكون ذلك العيش مزيجا من الواقع والخيال. تتدخل العاطفة ليكون الصنيع الفني شبيها بها. خفيفا مثلها وعاصفا كما لو أن المشهد المرسوم يتشكل أثناء عملية الرسم. السوري حمود شنتوت هو من ذلك النوع من الرسامين.
لم يرسم الحرب لأنه يعتقد أن الرسم لا يصلح للقيام بذلك أو لأن الحرب صارت موضوعا مستهلكا بالنسبة إلى الفن، تكمن موهبته في اقتناص لحظة جمال نادرة، يمكن أن تنزلق بسرعة إذا لم يكن الرسام صيادا ماهرا. "شاعر تشكيلي" ذلك هو اللقب الذي أطلقه عليه الرسام الرائد فاتح المدرس.
في وقت مبكر من حياته كان شنتوت يرسم أشخاصا وحيدين يقيمون في عالم يضيق بهم ولا يتناسب مع مساحة الفراغ الذي يحيط بهم. تلك فكرة وجودية عن الإنسان الذي يواجه الألم وحيدا.
صياد لحظات الجمال
شنتوت اتجه إلى رسم ما يشبه الأيقونات المعاصرة التي تحذف الجانب الديني لتستجيب لفوضى الخيال
في مرحلة أخرى اتجه شنتوت إلى رسم ما يشبه الأيقونات المعاصرة التي تحذف الجانب الديني لتستجيب لفوضى الخيال مستلهما في ذلك حكايات الليالي العربية، مازجا بين القداسة والشقاء اليومي.
جرب أن يضفي على العادات اليومية هالة من الفخامة التي ينطوي عليها الرسم الكلاسيكي وهو في ذلك إنما يُخرج الرسم من عصره ليكون صنيعا خالدا.
ذلك الشاعر التشكيلي يحتفي بخفة الأشياء حين يخترق بريشته ذاكرة بصرية هي عبارة عن طبقات تمتزج فيها المدن والناس والأنهار والشموس والحقول والجُمل والطقوس والبيوت والوجوه.
◙ شنتوت لم يرسم الحرب، لأنه يعتقد أن الرسم لا يصلح للقيام بذلك، أو لأن الحرب صارت موضوعا مستهلكا بالنسبة إلى الفن
هرب من الحرب عام 2012 ليعيش في بيروت وبعد أربع سنوات انتقل إلى باريس التي سبق له أن عرف أزقتها وأسواقها وحاناتها ومراسمها. لم تفارقه دمشق، بل جاء من أجلها. ابتعد عنها ليرسمها مثلما كان يرسم باريس وهو بعيد عنها.
لشنتوت موقفه المناهض للحرب. لا أعني هنا الموقف السياسي بل الموقف الفني. كان رحيله فرصة لكي تبقى سوريا مثلما أحبها، كما هي قبل أن تدمّر الحرب مدنها. وكانت تلك مادته في الرسم وهي منجم عاطفته.
"أنوار الجدران" كان عنوانا لأحد معارضه يوم كان الجدار هو مادته البصرية وفكرته الروحية. ذلك الشيء الذي هو صمت وضجيج، فكرة وحدث، نهاية وبداية في الوقت نفسه. لم يكن تأمل الجدار قائما على سؤال من نوع "هل نبني الجدار أم نهدمه؟"، بالنسبة إلى رجل خارج من الحرب يُعتبر ذلك السؤال متأخرا.
كان اختراق الجدار يتم من خلال التعامل معه باعتباره مادة حية. لقد رسم يومها "معلولا" إحدى المدن السورية التي دخلت في سجلات الحرب بطريقة مأساوية، اشتبك من خلالها الديني بالوطني حين تعرضا للعنف الذي هزم يومها القيم الإنسانية.
يوميات تتشبه بالحكايات
يلخص الرسام السوري عالمه الفني فيقول إنه يشتغل دائما على مفردات حياتي التي أحياها
ولد شنتوت في قرية السفيرة بحلب عام 1956. درس الرسم أولا في مركز الفنون الجميلة في حماه "سهيل الأحدب" عام 1975 ثم انتقل إلى كلية الفنون الجميلة بدمشق ليتخرج عام 1980 من قسم الرسم.
◙ "شاعر تشكيلي" كان في وقت مبكر من حياته رسم أشخاصا وحيدين يقيمون في عالم يضيق بهم
وفي عام 1984 أنهى دراسات إضافية في المدرسة الوطنية العليا للفنون بباريس. بعدها عمل مدرسا للفنون في مركز الفنون التشكيلية بدمشق، ثم تفرغ بشكل كلي للرسم، وأقام أول معرض شخصي له أواسط السبعينات في دمشق. بعده أقام أكثر من عشرين معرضا.
يلخص شنتوت عالمه الفني فيقول "أشتغل دائما على مفردات حياتي التي أحياها. لوحاتي يومياتي وهي مذكرات أعيشها. آخذ موضوعاتي من البيئة أو من دفاتر الشعر أو من حكايات ألف ليلة وليلة حسب الحالة النفسية في الوقت الذي أرسم فيه. نحن في هذا الوقت في حاجة إلى الكثير من الحلم وعوالم افتراضية للعيش فيها بعيدا عن العالم الأليم الذي نعيش فيه".
يقول "في هذا الوقت" وهو يقصد الحرب ولكنه منذ البدء كان يسعى لخلق عوالم تقع بين واقعين. واقع جاهز للعيش وآخر افتراضي. وما يومياته إلا نوع من العيش بين العالمين، هناك حيث يجد الخيال طريقه سالكة في اتجاه الواقع كما يُرسم.
تجاوز الواقع بأدواته
شنتوت حرص منذ البدء على ألا ينزلق إلى التجريد كما فعل العديدون من أبناء جيله
هل كان فنانا واقعيا؟ كان المدرّس قد أجاب على ذلك السؤال عام 1985 بقوله "إن الواقعية قد تجاوزت ذاتها في أعمال حمود شنتوت. إنه في أعماله يتهم قوى الشر بصمت وأينما وجد. إنه يرسم اليوم لون الدم المحترق. ففي زوايا غرفته بباريس كما في دمشق، في لوحته المغسلة مثلا نرى كيف أن الواقعية تجاوزت ذاتها وأصبحت فنا صافيا وشاهدا على تحولات القيم الجمالية في عصرنا". ولكن لمَ تقترن الواقعية بأعمال شنتوت؟
◙ الدرس الأكاديمي كان حاضرا في كل أعمال شنتوت، وكانت المهارة ضرورية بالنسبة إليه لإنشاء عالم مواز للواقع
منذ البدء حرص شنتوت على ألا ينزلق إلى التجريد كما فعل العديدون من أبناء جيله. كان الدرس الأكاديمي حاضرا في كل ما يفعل، وكانت المهارة ضرورية بالنسبة إليه لإنشاء عالم مواز للواقع. ذلك عالم يبدو لأول وهلة كما لو أنه مستعار من تجربة بصرية محايدة ولكن التجربة البصرية نفسها تستند على الكثير من إفرازات الذاكرة التي لا يمكن للمرء أن يميز فيها بين ما هو وهمي وما هو واقعي.
لذلك فإنه في معرضه "من باريس إلى دمشق" لم يجد صعوبة في أن يرسم المشاهد الدمشقية في غيابها. كان حضورها أقوى من أن يهز الغياب يقينه. لا يشك الرسام لحظة واحدة في أن كل ذلك الغموض الذي يحيط بالأمكنة إنما هو جزء من الفضاء العاطفي الذي لا يزال يأسره. سبقته تمارينه إلى الجوهر فلم يعد يشقى أكثر وهو يقترب أو يبتعد مما رآه. إنه يحمل في ذاكرته كنزا من المرئيات التي لا تزال تمثل له مادة للعيش.
كما لو أن الحكايات لم تحدث
الجدار كان بالنسبة إلى شنتوت عائلته وعصره وطفولته وفضاء مدينته وطقوس العيش اليومي
عام 2020 أقام شنتوت معرضا في سويسرا بعنوان "أنوار الجدار" هو حصيلة سنوات إقامته في باريس منذ عام 2016. ولكن ما سر الجدار لكي يكون حاضرا في الغربة؟ يقول شنتوت "لأنني عشت في بيت عربي قديم وبقيت سنوات أتأمل الجدران وطبقات الكلس والطين والتبن وكنت أرى فيها أشكالا مختلفة شكلت بداية أحلامي وكنت أتساءل متى سأتمكن من رسم ما كنت أراه على الجدار". فكرة تذكرنا بدافنشي وحكايته عن الجدار وهي فكرة تتكرر. وهي في كل مرة تأخذ منحى مختلفا.
بالنسبة إلى شنتوت كان الجدار عائلته وعصره وطفولته وفضاء مدينته وطقوس العيش اليومي والعشاء الذي لا يزال طعمه في الفم وحلم الطفل في أن يكون في مكان آخر. لقد رأى الفنان بلادا تختفي على ذلك الجدار وحاول أن ينجو بها. رأى السماء التي كان على يقين من أنها كانت موجودة لأنها كانت تهبه فكرة عن الحرية التي يعيشها يوما ما وهو يحن إلى ذلك الجدار.
الفكرة العميقة التي ينبعث منها فن حمود شنتوت تقيم في لحظة التلفت ما بين الذات الأسيرة بعاطفتها وبين الحرية التي لا تزال فضاء تجريبيا. فن يقع في فضاء الحرية ويستعيد ماضيه ليضمه إلى يومه السعيد.