خطر زوائل الرافدين موثق دوليا منذ 2009
علاء اللامي
الجمعة 8 تموز 2022طباعة التقريرzoom inzoom out
تعقيبا على تصريح مستشار وزيرالموارد المائية: خطر زوال الرافدين حقيقي وموثق دوليا منذ سنة 2009، وبلاسخارت أعلنت قبل أشهر أن العراق فقد 73 بالمائة من مياه دجلة والفرات!
لجنة نيابية تطالب بتدويل كارثة تصحير العراق وقطع مياه الرافدين من قبل تركيا وإيران ووزارة المياه تنتقد التصعيد وتدعو إلى الانتظار! بدأت لجنة المياه النيابية تحركا خجولا ومتأخرا لإنقاذ العراق من التصحر بسبب قطع تركيا وإيران لمياه الرافدين ولكن وزارة الموارد المائية انتقدت التصعيد ودعت إلى انتظار أن تنتهي دول الجوار من مشاريعها!
تصحرت محافظة البرتقال "ديالى" وتحولت بساتينها إلى هشيم بسبب جفاف أنهارها وحتى آبارها، وألغت وزارة الزراعة نصف الأراضي المقررة زراعتها لهذا الموسم، ولفظت أنهار ورواضع وروافد وبحيرات وخزانات سدود كثيرة أنفاسها وصارت قاعا صفصفا، وانخفض الوارد المائي من تركيا إلى أقل من النصف ومن إيران إلى ما يقرب من الصفر، وأصبحت العواصف الترابية ظاهرة متكررة وأسبوعية، وقالت منظمات دولية إن العراق هو خامس دولة في العالم تعاني من الجفاف ونقص المياه وإن نهر الفرات قد يزول من الوجود في غضون عشرين عاما. وأخيرا تحركت لجنة الزراعة والمياه والأهوار النيابية وقالت إنها "ستسعى إلى توجيه وزارة الخارجية بضرورة مخاطبة دولتي إيـران وتركيا من أجل زيادة حصة العراق المائية منهما"،
وانتقدت اللجنة النيابية قيام تركيا ببناء سد جديد هو سد (جزرة) الإروائــــي الــذي يبعد 35 كـم عـن الأراضي العراقية"، وقالت إنه "سد خطير ومرعب ومخالف لكل الأعراف القانونية بين الدول المتشاطئة بالنسبة للعراق وسيلقي بظلاله على الأجيال القادمة وإن تركيا ضربت كـل القيم والمعايير والقوانين والدساتير المكتوبة بينها وبين العراق عرض الحائط، خاصة عندما قطعت المياه"،
وأكـد رئيس اللجنة النيابية ثائر مخيف آل كتاب "كتابة مذكرات احتجاج إلى السفارة التركية في العراق ومن ثم إلى الأمم المتحدة وتدويل قضية قطع المياه عن العراق، وإقامة مؤتمرات رسمية وشعبية بهذا الخصوص"،
ولكن اللجنة لم تدعُ إلى تفعيل سلاح المقاطعة التجارية من تركيا وإيران ووقف التعامل التجاري معهما والبدء بوضع خطة إنقاذ عراقية شاملة تقوم على عدة أساليب منها:
*تغيير طرق السقي والإرواء إلى التقطير والتنقيط والرذاذ، واعتماد طريقة الجداول والقنوات المغلقة لتقليل نسب التبخر.
*كري وتبطين الأنهار ومنع تلويثها بالمياه الثقيلة.
*الاستعانة بالأمم المتحدة لوضع نظام مراقبة للمياه الداخلة الى العراق عند الحدود.
الغريب أن الرد والاستنكار لم يأتِ من الجانب التركي أو الإيراني، بل من جانب وزارة الموارد المائية العراقية حيث قال مستشار وزير الموارد المائية، عون ذياب، في تصريح للوكالة الرسمية في (23 حزيران 2022)، أن "هناك جهات عدة تحاول تصعيد موضوع المياه في العراق بهدف إرباك المواطنين"، مبيناً أن "الحديث بشأن فقدان العراق لأنهاره بعد عدة سنوات هو كلام غير واقعي"./ تقرير إخباري/ صفحة ناس.
في اليوم نفسه، الذي أعلنت فيه لجنة الزراعة والمياه والأهوار في مجلس النواب العراقي عن بدء تحركها لتدويل كارثة تصحير العراق وقطع مياه النهرين من قبل تركيا وإيران ورد في التقرير الإخباري ذاته تصريح للسيد عون ذياب مستشار وزير الموارد المائية والكادر المتخصص منذ سنوات عديدة بالشأن المائي قال فيه: "هناك جهات عدة تحاول تصعيد موضوع المياه في العراق بهدف إرباك المواطنين"، مبيناً أن "الحديث بشأن فقدان العراق لأنهاره بعد عدة سنوات هو كلام غير واقعي".
إن كلام المستشار عون ذياب حتى إذا كان يعود إلى تاريخ سابق، غريبٌ جدا، فالحديث عن احتمال فقدان العراق لمياه أنهاره وزوال واندثار الأنهار نفسها ليس جديدا وهو موثق وصادر عن مؤسسات دولية معروفة منها "يونيسيف" ونشرت أخباره في الصحافة العراقية ومنها صحيفة "الصباح" العراقية شبه الرسمية عدد 11/6/2009.
والجديد والخطير في هذا الملف، هو الرقم الصادم الذي أعلنته مندوبة الأمين العام للأمم المتحدة السيدة بلاسخارت حين قالت إن العراق فقد ما نسبته 73 بالمائة من مياه دجلة والفرات، وحين سُئل السيد عون ذياب عن هذا الرقم في مقابلة له مع قناة العراقية يوم 22 من شهر آذار من العام الجاري، قال إنه لا يملك أرقاما دقيقة كهذه، ولكن العراق فقد فعلا كمية كبيرة من مياه النهرين وقد شاهدت المقابلة بنفسي وأظنها منشورة بالفيديو على الانترنيت.
أما قبل عشر سنوات فقد ناقشت في الفصل الأول من كتابي " القيامة العراقية الآن – كي لا تكون بلاد الرافدين بلا رافدين" الصادر سنة 2012 عن دار الغد، ناقشت تصريحات وبيانات صدرت عن منظمة الأمم المتحدة ومنظمات دولية تابعة لها وغير تابعة. أدرج أدناه فقرات مما كتبت في ذلك الكتاب المنشور والذي أرسل صديقي ناشر الكتاب وصاحب دار الغد البغدادية المرحوم قحطان الملاك عدة نسخ منه لوزارة الموارد المائية في حينه كما أخبرني. أدرج أدناه فقرات مما كتبته في هذا الكتاب قبل عشر سنوات تقريبا:
اليونيسيف تدق جرس الإنذار:
"بعد يوم واحد على بدء احتفالات المنظمات الدولية التابعة للأمم المتحدة وأخرى غير تابعة لها بمناسبة اليوم العالمي للمياه، والذي صادف 22 آذار - مارس2011، نشرت عدة وسائل إعلامية عراقية وعالمية من إذاعات وصحف ومواقع تواصل اجتماعي الخبر الآتي، وسنورده بصيغته الأكثر انتشاراً مع أنه ورد بصيغ أخرى لا تختلف كثيراً من حيث الجوهر عن هذه (كشف تقرير لإحدى وكالات الأمم المتحدة عشية اليوم العالي للمياه أنّ نصف كميات الماء في العراق تضيع هدراً، في حين لا يتمكن ستة ملايين نسمة من الحصول على مياه الشفة "الشُرْب". وأشار صندوق الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسيف" إلى تقرير دولي يثير احتمال جفاف نهري دجلة والفرات العام 2040 نظراً للتغييرات المناخية وانخفاض كميات المياه والاستخدام المكثف لأغراض الصناعة والاستهلاك المنزلي. وأضاف أنَّ العراق يواجه صعوبات في تحقيق هدفه للتوصل إلى تزويد 91% من المنازل بمياه الشرب بحلول العام 2015). نلاحظ هنا، أنّ تقرير اليونيسيف لا يخلو من الغمز الذي يمكن اعتباره محاولة مغرضة وتضليلية لتحميل المسؤولية الكاملة، وإنْ بشكل غير مباشر، للعراق حين يقول بأنَّ (نصف كميات المياه في العراق تضيع هدرا). إنَّ هذا الزعم، ربما كان يصح حين كانت المياه تصل إلى العراق بكميات طبيعية وفيرة قبل أن تبني تركيا سدودها، فتتجه كميات كبيرة منها نحو الخليج، ولكنَّ مياه النهرين الآن لا يكاد يصل منها إلى ملتقاهما في "القرنة" إلا النزر اليسير بدليل أنّ مياه الخليج المالحة التي بات يطلق عليها المتخصصون "اللسان الملحي" هي التي أخذت بالصعود نحو الشمال في شط العرب فأهلكت المزارع وغابات النخيل على شبكة القنوات المتفرعة منه. أما مياه الشرب في البصرة فأصبح تأمينها صعبا ولجأت السلطات إلى مدِّ أنبوب مياه لها من قرية البدعة على نهر الغراف في محافظة ذي قار شمالا. ثانياً، إنّ أنهار العراق ليست استثناء عن سائر أنهار الكرة الأرضية، لأنها نادرة أو معدومة تلك الأنهار التي لا تصب في بحار أو محيطات، ولنا في النيل الذي يصب فرعاه، دمياط والرشيد، في البحر الأبيض المتوسط على مدار السنة مثال قريب، فلماذا يعتبر وصول مياه دجلة والفرات بعد تكوينهما لشط العرب في الخليج استثناء وجريمة، ويتم السكوت على الحالات الأخرى التي تشكل القاعدة لا الاستثناء؟
ثم أنَّ تخلف البنية التحتية الخاصة بموضوع المياه في العراق حقيقةٌ لا يمكن إنكارها، كما أنَّ إهمال الحكومات العراقية المتعاقبة لهذا الشأن، وعدم قيامها ببناء سدود ومشاريع مائية تناسب وضع العراق حقيقةٌ أخرى مؤكدة، ولكنَّ هذا الأمر يتعلق بالسيادة الوطنية، ويمكن، بل ينبغي للشعب العراقي وحده محاسبة حكوماته على هذا الإهمال والتخلف وحثها على الوصول إلى حلول جذرية لهذا الوضع السيئ دون أنْ يعني ذلك منح أي مسوغ قانوني لأية دولة للقيام بقطع النهرين بالسدود والبحيرات الاصطناعية عن البلد المصب أي العراق.
لماذا غُيِّب السبب التركي؟
حين يعدد تقرير اليونسيف أسباب احتمال جفاف النهرين سنة 2040، فهو يذكر التغييرات المناخية، والاستخدام المكثف لأغراض الصناعة والاستهلاك المنزلي، ولكنه لا يذكر العامل الأخطر والأكثر فعالية في ذلك ألا وهو بناء تركيا لشبكة ضخمة من عشرات السدود والبحيرات الاصطناعية، وقطع إيران لعدد كبير من روافد دجلة وشط العرب إلا تلميحا. فقد لمَّح التقرير إلى ذلك السبب تلميحا غير مباشر بعبارة "انخفاض كميات المياه" دون أنْ يجرؤ حتى على إضافة عبارة من قبيل "القادمة من دولتي المنابع تركيا وإيران "!
ورغم هذه الهنات والمساوئ، التي يمكن توقعها في تقارير المنظمات الدولية الغربية، الوالغة في عدم الانصاف والكيل بمكيالين والتحيز لطرف ضد آخر، يبقى هذا التقرير وثيقة مهمة وخطيرة وصادمة تعلن رسميا عن بدء حلول الكارثة المحيقة بالكيان العراقي والشعب الذي يحيا فيه.
لقد جرى الخلط مرة، والفصل في أخرى، بين هذه الوثيقة وبين وثيقة أخرى انتهت إلى احتمال زوال النهرين إذْ يوجد تقرير آخر تحدثت عنه وزارة الموارد المائية العراقية ونسبته إلى "المنظمة الدولية للبحوث" فيما نسبته مصادر إعلامية إلى "المنظمة الأوروبية للمياه". وفي التفاصيل نعلم، أنّ مصدراً مسؤولاً في وزارة الموارد المائية أدلى بتصريح صحفي جاء فيه ( أنَّ التقرير المعد من قبل "المنظمة الدولية للبحوث" تحدث عن "تناقص حاد" بالحصص المائية الواصلة ضمن حوض نهر الفرات التي ستصل إلى 32 ملياراً و 140 مليون متر مكعب في الثانية بحلول عام 2040 مقابل احتياجات العراق التي ستبلغ حينها 23 مليار متر مكعب، أما حاجة كل من سوريا وتركيا فستصل إلى 30 مليار متر مكعب، منوهاً بأنَّ الواردات النهائية للنهر لن تكفي لتغطية الاحتياجات الكلية لها، الامر الذي يؤدي إلى خسارة العراق موارد النهر بالكامل/ صحيفة "الصباح" العراقية شبه الرسمية عدد 11/6/2009). وليس لعبارة " خسارة العراق لموارد النهر بالكامل معنى آخر غير "زوال النهر بالكامل"!
منظمة المياه الأوروبية تتوقع:
في موضع آخر، ينوه المصدر بأنَّ منظمة أخرى تدعى "منظمة المياه الاوروبية" توقعت جفاف نهر دجلة بالكامل في ذات التاريخ، حيث يفقد النهر سنوياً ما يعادل 33 مليار متر مكعب من مياهه، بسبب "السياسة المائية الحالية التي تتبعها تركيا"، بالتالي فأنَّ العراق، وفي حال عدم تمكنه من إتمام اتفاقات دولية تضمن حصصه المائية بشكل كامل، مقبل على ما أسماه بـ "كارثة حقيقية" ستلحق بملايين الدونمات الزراعية في البلاد، وهو ما يعني تحول العراق لجزء من صحراء البادية الغربية خلال مدة لن تتجاوز الخمسة وثلاثين عاما المقبلة. ص 31 وما بعدها / القيامة العراقية الآن".
علاء اللامي
الجمعة 8 تموز 2022طباعة التقريرzoom inzoom out
تعقيبا على تصريح مستشار وزيرالموارد المائية: خطر زوال الرافدين حقيقي وموثق دوليا منذ سنة 2009، وبلاسخارت أعلنت قبل أشهر أن العراق فقد 73 بالمائة من مياه دجلة والفرات!
لجنة نيابية تطالب بتدويل كارثة تصحير العراق وقطع مياه الرافدين من قبل تركيا وإيران ووزارة المياه تنتقد التصعيد وتدعو إلى الانتظار! بدأت لجنة المياه النيابية تحركا خجولا ومتأخرا لإنقاذ العراق من التصحر بسبب قطع تركيا وإيران لمياه الرافدين ولكن وزارة الموارد المائية انتقدت التصعيد ودعت إلى انتظار أن تنتهي دول الجوار من مشاريعها!
تصحرت محافظة البرتقال "ديالى" وتحولت بساتينها إلى هشيم بسبب جفاف أنهارها وحتى آبارها، وألغت وزارة الزراعة نصف الأراضي المقررة زراعتها لهذا الموسم، ولفظت أنهار ورواضع وروافد وبحيرات وخزانات سدود كثيرة أنفاسها وصارت قاعا صفصفا، وانخفض الوارد المائي من تركيا إلى أقل من النصف ومن إيران إلى ما يقرب من الصفر، وأصبحت العواصف الترابية ظاهرة متكررة وأسبوعية، وقالت منظمات دولية إن العراق هو خامس دولة في العالم تعاني من الجفاف ونقص المياه وإن نهر الفرات قد يزول من الوجود في غضون عشرين عاما. وأخيرا تحركت لجنة الزراعة والمياه والأهوار النيابية وقالت إنها "ستسعى إلى توجيه وزارة الخارجية بضرورة مخاطبة دولتي إيـران وتركيا من أجل زيادة حصة العراق المائية منهما"،
وانتقدت اللجنة النيابية قيام تركيا ببناء سد جديد هو سد (جزرة) الإروائــــي الــذي يبعد 35 كـم عـن الأراضي العراقية"، وقالت إنه "سد خطير ومرعب ومخالف لكل الأعراف القانونية بين الدول المتشاطئة بالنسبة للعراق وسيلقي بظلاله على الأجيال القادمة وإن تركيا ضربت كـل القيم والمعايير والقوانين والدساتير المكتوبة بينها وبين العراق عرض الحائط، خاصة عندما قطعت المياه"،
وأكـد رئيس اللجنة النيابية ثائر مخيف آل كتاب "كتابة مذكرات احتجاج إلى السفارة التركية في العراق ومن ثم إلى الأمم المتحدة وتدويل قضية قطع المياه عن العراق، وإقامة مؤتمرات رسمية وشعبية بهذا الخصوص"،
ولكن اللجنة لم تدعُ إلى تفعيل سلاح المقاطعة التجارية من تركيا وإيران ووقف التعامل التجاري معهما والبدء بوضع خطة إنقاذ عراقية شاملة تقوم على عدة أساليب منها:
*تغيير طرق السقي والإرواء إلى التقطير والتنقيط والرذاذ، واعتماد طريقة الجداول والقنوات المغلقة لتقليل نسب التبخر.
*كري وتبطين الأنهار ومنع تلويثها بالمياه الثقيلة.
*الاستعانة بالأمم المتحدة لوضع نظام مراقبة للمياه الداخلة الى العراق عند الحدود.
الغريب أن الرد والاستنكار لم يأتِ من الجانب التركي أو الإيراني، بل من جانب وزارة الموارد المائية العراقية حيث قال مستشار وزير الموارد المائية، عون ذياب، في تصريح للوكالة الرسمية في (23 حزيران 2022)، أن "هناك جهات عدة تحاول تصعيد موضوع المياه في العراق بهدف إرباك المواطنين"، مبيناً أن "الحديث بشأن فقدان العراق لأنهاره بعد عدة سنوات هو كلام غير واقعي"./ تقرير إخباري/ صفحة ناس.
في اليوم نفسه، الذي أعلنت فيه لجنة الزراعة والمياه والأهوار في مجلس النواب العراقي عن بدء تحركها لتدويل كارثة تصحير العراق وقطع مياه النهرين من قبل تركيا وإيران ورد في التقرير الإخباري ذاته تصريح للسيد عون ذياب مستشار وزير الموارد المائية والكادر المتخصص منذ سنوات عديدة بالشأن المائي قال فيه: "هناك جهات عدة تحاول تصعيد موضوع المياه في العراق بهدف إرباك المواطنين"، مبيناً أن "الحديث بشأن فقدان العراق لأنهاره بعد عدة سنوات هو كلام غير واقعي".
إن كلام المستشار عون ذياب حتى إذا كان يعود إلى تاريخ سابق، غريبٌ جدا، فالحديث عن احتمال فقدان العراق لمياه أنهاره وزوال واندثار الأنهار نفسها ليس جديدا وهو موثق وصادر عن مؤسسات دولية معروفة منها "يونيسيف" ونشرت أخباره في الصحافة العراقية ومنها صحيفة "الصباح" العراقية شبه الرسمية عدد 11/6/2009.
والجديد والخطير في هذا الملف، هو الرقم الصادم الذي أعلنته مندوبة الأمين العام للأمم المتحدة السيدة بلاسخارت حين قالت إن العراق فقد ما نسبته 73 بالمائة من مياه دجلة والفرات، وحين سُئل السيد عون ذياب عن هذا الرقم في مقابلة له مع قناة العراقية يوم 22 من شهر آذار من العام الجاري، قال إنه لا يملك أرقاما دقيقة كهذه، ولكن العراق فقد فعلا كمية كبيرة من مياه النهرين وقد شاهدت المقابلة بنفسي وأظنها منشورة بالفيديو على الانترنيت.
أما قبل عشر سنوات فقد ناقشت في الفصل الأول من كتابي " القيامة العراقية الآن – كي لا تكون بلاد الرافدين بلا رافدين" الصادر سنة 2012 عن دار الغد، ناقشت تصريحات وبيانات صدرت عن منظمة الأمم المتحدة ومنظمات دولية تابعة لها وغير تابعة. أدرج أدناه فقرات مما كتبت في ذلك الكتاب المنشور والذي أرسل صديقي ناشر الكتاب وصاحب دار الغد البغدادية المرحوم قحطان الملاك عدة نسخ منه لوزارة الموارد المائية في حينه كما أخبرني. أدرج أدناه فقرات مما كتبته في هذا الكتاب قبل عشر سنوات تقريبا:
اليونيسيف تدق جرس الإنذار:
"بعد يوم واحد على بدء احتفالات المنظمات الدولية التابعة للأمم المتحدة وأخرى غير تابعة لها بمناسبة اليوم العالمي للمياه، والذي صادف 22 آذار - مارس2011، نشرت عدة وسائل إعلامية عراقية وعالمية من إذاعات وصحف ومواقع تواصل اجتماعي الخبر الآتي، وسنورده بصيغته الأكثر انتشاراً مع أنه ورد بصيغ أخرى لا تختلف كثيراً من حيث الجوهر عن هذه (كشف تقرير لإحدى وكالات الأمم المتحدة عشية اليوم العالي للمياه أنّ نصف كميات الماء في العراق تضيع هدراً، في حين لا يتمكن ستة ملايين نسمة من الحصول على مياه الشفة "الشُرْب". وأشار صندوق الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسيف" إلى تقرير دولي يثير احتمال جفاف نهري دجلة والفرات العام 2040 نظراً للتغييرات المناخية وانخفاض كميات المياه والاستخدام المكثف لأغراض الصناعة والاستهلاك المنزلي. وأضاف أنَّ العراق يواجه صعوبات في تحقيق هدفه للتوصل إلى تزويد 91% من المنازل بمياه الشرب بحلول العام 2015). نلاحظ هنا، أنّ تقرير اليونيسيف لا يخلو من الغمز الذي يمكن اعتباره محاولة مغرضة وتضليلية لتحميل المسؤولية الكاملة، وإنْ بشكل غير مباشر، للعراق حين يقول بأنَّ (نصف كميات المياه في العراق تضيع هدرا). إنَّ هذا الزعم، ربما كان يصح حين كانت المياه تصل إلى العراق بكميات طبيعية وفيرة قبل أن تبني تركيا سدودها، فتتجه كميات كبيرة منها نحو الخليج، ولكنَّ مياه النهرين الآن لا يكاد يصل منها إلى ملتقاهما في "القرنة" إلا النزر اليسير بدليل أنّ مياه الخليج المالحة التي بات يطلق عليها المتخصصون "اللسان الملحي" هي التي أخذت بالصعود نحو الشمال في شط العرب فأهلكت المزارع وغابات النخيل على شبكة القنوات المتفرعة منه. أما مياه الشرب في البصرة فأصبح تأمينها صعبا ولجأت السلطات إلى مدِّ أنبوب مياه لها من قرية البدعة على نهر الغراف في محافظة ذي قار شمالا. ثانياً، إنّ أنهار العراق ليست استثناء عن سائر أنهار الكرة الأرضية، لأنها نادرة أو معدومة تلك الأنهار التي لا تصب في بحار أو محيطات، ولنا في النيل الذي يصب فرعاه، دمياط والرشيد، في البحر الأبيض المتوسط على مدار السنة مثال قريب، فلماذا يعتبر وصول مياه دجلة والفرات بعد تكوينهما لشط العرب في الخليج استثناء وجريمة، ويتم السكوت على الحالات الأخرى التي تشكل القاعدة لا الاستثناء؟
ثم أنَّ تخلف البنية التحتية الخاصة بموضوع المياه في العراق حقيقةٌ لا يمكن إنكارها، كما أنَّ إهمال الحكومات العراقية المتعاقبة لهذا الشأن، وعدم قيامها ببناء سدود ومشاريع مائية تناسب وضع العراق حقيقةٌ أخرى مؤكدة، ولكنَّ هذا الأمر يتعلق بالسيادة الوطنية، ويمكن، بل ينبغي للشعب العراقي وحده محاسبة حكوماته على هذا الإهمال والتخلف وحثها على الوصول إلى حلول جذرية لهذا الوضع السيئ دون أنْ يعني ذلك منح أي مسوغ قانوني لأية دولة للقيام بقطع النهرين بالسدود والبحيرات الاصطناعية عن البلد المصب أي العراق.
لماذا غُيِّب السبب التركي؟
حين يعدد تقرير اليونسيف أسباب احتمال جفاف النهرين سنة 2040، فهو يذكر التغييرات المناخية، والاستخدام المكثف لأغراض الصناعة والاستهلاك المنزلي، ولكنه لا يذكر العامل الأخطر والأكثر فعالية في ذلك ألا وهو بناء تركيا لشبكة ضخمة من عشرات السدود والبحيرات الاصطناعية، وقطع إيران لعدد كبير من روافد دجلة وشط العرب إلا تلميحا. فقد لمَّح التقرير إلى ذلك السبب تلميحا غير مباشر بعبارة "انخفاض كميات المياه" دون أنْ يجرؤ حتى على إضافة عبارة من قبيل "القادمة من دولتي المنابع تركيا وإيران "!
ورغم هذه الهنات والمساوئ، التي يمكن توقعها في تقارير المنظمات الدولية الغربية، الوالغة في عدم الانصاف والكيل بمكيالين والتحيز لطرف ضد آخر، يبقى هذا التقرير وثيقة مهمة وخطيرة وصادمة تعلن رسميا عن بدء حلول الكارثة المحيقة بالكيان العراقي والشعب الذي يحيا فيه.
لقد جرى الخلط مرة، والفصل في أخرى، بين هذه الوثيقة وبين وثيقة أخرى انتهت إلى احتمال زوال النهرين إذْ يوجد تقرير آخر تحدثت عنه وزارة الموارد المائية العراقية ونسبته إلى "المنظمة الدولية للبحوث" فيما نسبته مصادر إعلامية إلى "المنظمة الأوروبية للمياه". وفي التفاصيل نعلم، أنّ مصدراً مسؤولاً في وزارة الموارد المائية أدلى بتصريح صحفي جاء فيه ( أنَّ التقرير المعد من قبل "المنظمة الدولية للبحوث" تحدث عن "تناقص حاد" بالحصص المائية الواصلة ضمن حوض نهر الفرات التي ستصل إلى 32 ملياراً و 140 مليون متر مكعب في الثانية بحلول عام 2040 مقابل احتياجات العراق التي ستبلغ حينها 23 مليار متر مكعب، أما حاجة كل من سوريا وتركيا فستصل إلى 30 مليار متر مكعب، منوهاً بأنَّ الواردات النهائية للنهر لن تكفي لتغطية الاحتياجات الكلية لها، الامر الذي يؤدي إلى خسارة العراق موارد النهر بالكامل/ صحيفة "الصباح" العراقية شبه الرسمية عدد 11/6/2009). وليس لعبارة " خسارة العراق لموارد النهر بالكامل معنى آخر غير "زوال النهر بالكامل"!
منظمة المياه الأوروبية تتوقع:
في موضع آخر، ينوه المصدر بأنَّ منظمة أخرى تدعى "منظمة المياه الاوروبية" توقعت جفاف نهر دجلة بالكامل في ذات التاريخ، حيث يفقد النهر سنوياً ما يعادل 33 مليار متر مكعب من مياهه، بسبب "السياسة المائية الحالية التي تتبعها تركيا"، بالتالي فأنَّ العراق، وفي حال عدم تمكنه من إتمام اتفاقات دولية تضمن حصصه المائية بشكل كامل، مقبل على ما أسماه بـ "كارثة حقيقية" ستلحق بملايين الدونمات الزراعية في البلاد، وهو ما يعني تحول العراق لجزء من صحراء البادية الغربية خلال مدة لن تتجاوز الخمسة وثلاثين عاما المقبلة. ص 31 وما بعدها / القيامة العراقية الآن".