شخصيات مؤثرة
سبيل مصطفى باشا الخازندار العباسية عام 1911م القاهرة
حى العباسية
حي العباسية، من الأحياء الشهيرة في القاهرة، حيثُ توجد به أشهر الجامعات المصريّة، جامعة عين شمس، كمّا أنهُ يصِل بين غرب القاهرة وشرقها، ولكن هل تخيلتُ يومًا أنّ حي العباسية كانَ صحراء جرداء ثُم تحَول إلى حي الأثرياء ومهدًا للمنشأت العسكرية مع مرور الزمن.
كمّا شهدَ الحي قديمًا موقعة «الريدانية»، والتى وقعت أحداثها عام 1517 بين جيش المماليك الذين كانوا يحكمون مصر والسلطان العُثمانيّ، سليم الأول، والتي انتهَت بإنتصار العُثمانين وهزيمة المماليك بقيادة السلطان طومان باى. فيعرف الكثيرون اسم الموقعة دونَ معرفة أنّ «الريدانية» هى نفسها منطقة العباسية، فسُميت المنطقة التى كانت مُجرّد صحراء جرداء باسم «الريدانية» نسبةً إلى «ريدان الصقلي»، أحد أفراد حاشية الخليفة الفاطمي، العزيز بالله، وبعد هزيمة المماليك فيها ودخول العثمانيين منها للقاهرة، أًهملت هذه المنطقة، ثُم تغير اسمها إلى «الحصوة»، حتى أعاد اكتشافها «عباس الأول» ثالث حكام الأسرة العلوية.
وضعَ أساس الحي، عباس حلمي الأول باشا، والي مصر الذي تولى الحكم بعد وفاة الوالي الثاني ابراهيم باشا في عام 1848، واستمرَ واليًا على مصر حتى عام 1854. فقد قررَ عباس الأول تشييد ثكنات عسكريّة للجيش المصري على حافة الصحراء، ووضعَ أسُس حي العباسية وشجع الناس على تعمير هذه المنطقة عن طريق منح الأراضي وتشييد مستشفى ومدرسة وقصر، وسارَ على منواله الوالي الرابع، سعيد باشا. كانَ عباس يميل للعزلة و اختار أن يبني قصوره في المناطق الهادئة، فقام ببناء قصرًا ضخمًا في العباسية و لذلك سمي حي العباسية بهذا الاسم. وحكى المهندس «فرديناند ديليسبس» عن هذا القصر، قائلاً: «إنّ نوافذه بلغت 2000 نافذة، فهو مدينة كاملة فى الصحراء إلا أنّ الطفرة الأساسية كانت في عهد إسماعيل باشا، والذي أنشأ عدة مدارس عسكريّة فيها ونقلَ إليها مدرسة الضباط «المدرسة الحربية»، لكّي يُسهلّ على التلاميذ القيام بالتمرينات الحربية وضرب النار في الخلاء.
ففي عام 1863 أنشأ إسماعيل المدرسة التجهيزية بالعباسية، والتي نُقلَت بعد فترة إلى درب الجماميز عام 1868، وعُرفت بإسم «المدرسة الخديوية»، وفي نفس العام أنشأ مدرسة «المُبتديان» الإبتدائية التي نُقلَت بعدها إلى الناصرية ثُم إلى حي المنيرة، كمّا أنشأ مدرسة البيادة «المُشاة» عام 1864، وكان عدد تلاميذها عند الإنشاء 490 تلميذًا. ثُم مدرسة السواري «الفرسان» عام 1865، ومعها في نفس العام أنشأ إسماعيل باشا مدرسة الطوبجية «المدفعية»، ومدرسة أركان حرب.كمّا أنشأ مدرسة الري والعمارة وسُميَت «المهندسخانة» 1866، بسراي الزعفران التي أنشأها إسماعيل باشا، وسمّاها «زعفران» نسبةً إلى نبات وزهرة الزعفران التي كانت تنمو كثيرًا في المنطقة
وفى عام 1865، مدّ الخديوي إسماعيل السكك الحديدية من القاهرة إلى العباسية، ثُم من العباسية إلى منطقة القبة «خط المرج فيما بعد»، وأنشأ ميدانًا لمسابقات الخيول بالعباسية، وكانت السباقات تجرى فيه وسط حشد كبير، وتنشر الوقائع أخبارها، وتحولت العباسية إلى ميدان للرماية والاحتفالات الشعبية.
كمّا يزخر حي العباسية بتاريخ حافل في سجل العسكريّة المصرية، وتحديدًا قبل الثورة العرابية، ففي يوم 18 فبراير 1879، عقدَ 600 ضابط مصري اجتماعًا في ثكنات الجيش بالعباسية، ثُم خرجوا على إثره في مظاهرة عسكرية اشتركَ فيها طلاب المدارس العسكرية المجاروة، وبعض الجنود وثلاثة من أعضاء مجلس شورى النواب، ثُم توجهوا إلى مقر وزارة المالية في لاظوغلي، بقيادة البكباشي، لطيف سليم، وتربصوا برئيس النظار نوبار باشا والمفتش الأجنبي ويلسون، عند خروجهما من النظارة «الوزارة»، التي كانت قصرًا لإسماعيل باشا المُفتش، وضربوهما ضربًا مبرحًا وسجنوهما في داخل الوزارة ولم ينقذهما إلا الخديوي إسماعيل.
وفي اليوم التالي سقطَت وزارة نوبار، ولكن بعد أنّ اثبتت مظاهرة الضباط قدرة الجبهة الوطنية المصرية الرافضة للتغلغل الأجنبي.