رؤية ودراسة نقدية لمجموعة شعرية (( على ضفاف الروح )) للشاعر محمد سعيد العتيق
الناقد محمد رستم
************************************************** *****
رحلة على أشرعة الخيال تجوب ….ضفاف الروح …ديوان الشاعر محمد سعيد العتيق
على ضفاف الروح عنوان الديوان ..هو المفتاح للقصائد والحبل السري بل المركز الذي منه تنطلق واليه تؤوب كل الدروب الواسعة لتشي بأن الطبيعة إنما هي روحه وحروفه الشذاالذي منها يضوع على جسد الأرض وفي ثنايا الكون راحت حروفه الخضر تنقل خطواتها تقيم طقوس الحياة تتلو صلاة العشق للجمال تستنبت المحبة من شريان الطبيعة ..
هو شاعر رومانسي بكليّته من رأسه حتى القدم .ومن أعمق تنهدة حتى آخر النفس ..لذا فقد امتزجت مشاعره وأحاسيسه ووجدانه بالطبيعة ومنها يستعير أدواته ..لوحاته يرسمها بأشجار الحور والسرو .والمداد نجيعه المتماهي مع سلسبيل بردى ….وضجة الموج المخضب بالدماء …..
وموسيقاه اوركسترا البلابل والعنادل والكناري والحمام المتراقص في سماء الشام ….ذكرى واسراب الطيور .. والحمام هديله ..فوق الشآم يحلق ..هل تذكرين عنادلا …والشاهدان بلابل ….
وألوانه أزاهير الرياض التي تتماوج بدءا ًبالياسمين رمز النقاء والطهر مرورا بكل ألوان الطيف …فأضحت الأبجدية لديه نورا ً والقافية وروداً والروي نهراً سلسبيلاً فتلونت قصائده بسندس الأرض واصطبغت بطيف قوس قزح .فتهاطلت القطرات من ثغر الندى مع تهامس الياسمين وعيونها أبداًنحو الضوء ..حروفه حقول بنفسج وفراشات ربيع تحوّم في سلاسة القصائد ورشاقة الخطو ..ومن ثنايا بوحه يضوع عطر يثمل الروح ..العطر ضوع من الأزهار منتشر ……
ويشرئب الزنبق ليوسع لنفسه موطئ قدم …وعلى مغانيها يضوع الزنبق.
وعندما تتقاطر الهموم وتثقل على شاعرنا يلقي بها في أحضان الطبيعة بل يخلًقها لتواسيه ..ويغدو الليل مرفأ لأسراره وهمومه في سكونه وظلمته يودع همومه وغربته وحبه الضائع …..الليل يرخي رحمة .. الليل يرمقني ويرهقني…………………………….
وتلتمع المحاور الدلالية للنصوص الشعرية من خلال عدد من الحقول الدلالية المسخرة في القصائد من مثل حقل الرومانسية ..حقل الوطن وفاجعته .. حقل العشق وعذاباته …. وقد تضافرت هذه الحقول الدلالية لتبرز البؤرة الدلالية المؤسسة على العشق والحزن لفقد الحبيب ونأيه .. والتماهي مع الطبيعة …,والأسى لمصاب الوطن والغربة والضياع والمعاناة ..
ولما كانت العملية الإبداعية تموضعا للذات ..والأسلوب الشعري فيها هو الأنا الفردي ..من هنا يرى الشاعر أن الطبيعة هي السعادة المطلقة ونموذج للعالم الروحاني المثالي البعيد عن الشر والزيف ….بطلاوة للثلج تبيض الحياة بسمتها ..غسلت غبار الأرض من سوءاتها ..والثلج يخفي عورة الإسفلت في طياتها ….
وللثلج هذا الوافد النقي حكاية دافئة .إنه ابن الياسمين هو طهر الطبيعة الناصع …الثلج ابن الياسمين ……..ولعل التماهي مع الطبيعة واستعارتها لتكون موضع الحواس هو الطاغي …وكنت النصف من روحي وفلًا…يلون روحنا صوت الكناري
عشق شاعرنا الطبيعة فامتلأت روحه بها ..هي عودة الصلصال الى تخومه فعيونه لا ترى إلا من خلال مرصدها ومفرداتها ..وإذا ارتعش قلبه حبا ًللشام كان ذلك من خلال جواز سفرها ….وعابقة كشريان بصدري ..كما النهر الذي يجري بوجدي …..وتمطر شامنا قمرا ً وعطرا.
ويورق عزها شمساً وزهرا …..
والطبيعة هي بوصلته للمسير في بيداء الحياة بل هي اوكسجين حياته كما أنها غرفة الإنعاش للذي في برزخ بين الحياة والموت …. يأتي على فصل الخريف شتاؤنا ……في لحظة كالرجوم الى الغيوم … والفجر مات مع الصباح على الندى ….
لقد استحال الشاعر قمريا ً تسجيعه يشجي الأفئدة في طبيعة هي المدار الذي لا طاقة له على الانفلات منه ..فحتى عندما يناجي الخالق يتعلق بأستار الطبيعة ..هي كعبته الشعرية …أراني كل فجر كالغيوم……سحاباًفي الفضاء مع النجوم …..
إنها الأم التي تعشّق خيالها مع كينونته ..في غفوته وحلمه وتأمله
وغفوت يحملني السحاب …ورمشها يغفو على رمشي
كما تتعانق الغيمات ..مابين النجوم ..تتغامز الهمسات ما بين الشفاه …
أي تماه مع الطبيعة هذا .هو التوحد كما في الحالة الصوفية …والغيث يهطل في مآقي البدر فوق شفاهنا …كسنابل القمح الجدائل
هو متيم بها يشعر من خلالها .يتغزل من رحابتها إنها الأم الحاضرة بحنوها ماثلة بدفئها …لما بدت تيها غدا سرب القطا …نهرا ًيميل لها فضج المسرح …هو قصة المطر المعطر شوقها ….وأنا التراب وفي هضابي تجمح …….
والغوص في الرومانسية يقود حتماً الى العمق الفلسفي والتساؤل حول الخير والشر والإنسان والخلق والموت والكون وفي قصيدته ..أنا النطفة …ينداح الشاعر في مجاهل العمق الفلسفي ..أناشيء ..أنا لا شيء
ويرى أنه جرم في هذا الكون بل جزء من الأشياء …أنا جزء من الأشياء …أنا ذات بلا أسماء….ويبلغ قمة الغوص الفلسفي فيقول ..أنا ظلّ وظل الفيء
أي مسرب سحيق للفلسفة في رؤاه ..وفي تناص مع الموروث الديني كما ورد في النص القرآني المقدس ننشئ الحي من الميت …يقول من الأموات منشانا ……. من الذرات والأصوات …نهر ماله ضفة كم هو رائع وصف الخلق والحياة ومن ذات الخلفية الإيمانية يبين ان الخلق يتم بأمر الخالق …بأمر من بديع الكون ….وتسليم من الحرس
والعجب العجاب أن الإنسان يحمل في داخله الضدين الخير والشر الإيمان والكفر .إنها الثنائية الضديًة التي تشكل وحدة المظهر …عجيب انك النمرودة والشيطان ..والكفران والإيمان
ومن قلب طافح بالإنسانية ومن عمق روحه الرومانسية يطلق دعوة الى المحبة والتسامح
ليت الحياة محبة وتسامح ……تشدو القلوب تودداً وتراحما
وهويحلق على أجنحة المحبة في فضاء العالم الرحب والباب الأعلى وجهته
أحلق في فناء الكون نسراً……جناحاه المحبة والضمير
دنوت من العلى طهراً كأني ….رحيق الشام أو بردى أزور
وعندما يتناول قضايا فكرية يعجنها بطين الطبيعة إذ يرى التجديد في الحياة يقيها من الأسن
الفكر يفعل مثل الماء سلسله ….إن تسكن الماء في الأحواض لم يطب
والشعر في رأيه شذا الروح يألم لمصاب الإنسان ولا مساحة لحرف لا يعانق هموم البشر ..ما قيمة الشعر المنمق والصور …إن فاته هم البشر
إنه ينطلق من الذات ليعبر عن المعاناة الإنسانية في بعدها الكوني وبالتأكيد الأقربون أولى باللمعروف لذا كان هم القضية الفلسطينية يطغى على وجدانه ويرعف قلبه نجيعا تألماً
ستون عاماً لم تحل المسألة ……والقدس تحت المقصلة
وقصائد الشعر المكس ……..لا تساوي سنبلة
وهذه النغمة الغاضبة الثائرة الحزينة تذكرنا بالشاعر نزار قباني
ولعمق رؤيته وحدة بصره يرى الأمراض تنهش جسد الأمة التي آلت الى يباب
وأرى الردى ..عورات أمتنا ..وأولها النفاق ..غدر وآخرها الشقاق ..ذل وأحقاد وبدعة جاهل ..والدمع يجري في المآق ..ذقنا المرارة والعذاب …وبلادنا صارت يباب
بهذه الكلمات القليلة أوجز شاعرنا الوضع العربي المريض
إن الأمة في حالة سريرية وتستل السيوف لتنال من بضعات الأمة فيتفرق شملها …قتل ويبعدنا الفراق
بينما يعمل المستعمر قتلاً في غزة ويعجز رجال الأمة الذين يتنافخون بطولة بسيوفهم الخشبية عن حماية أطفال غزة وكيف لهم ذلك وأعمدة البطولة تئن في الشام والعراق
أطفال غزة عارنا …..والشام جرح يا عراق
إن الشاعر يرتفع من المستوى الإفهامي الى المستوى التأثيري وقد أبدع في تحويل اللفظة إلى أداة ملونة بالمشاعر المؤثرة في اللغة الشعرية وتكون أكثر مأساوية عندما تتناول الطفولة إذ تترك ندوباً عميقة في النفس
إن اغتيال الطفولة هو إلغاء للمستقبل وتدمير للكينونة
وعلى رصيف الموت .. تغتال الطفولة.. والبراءة .. والعفاف
وبعين بصيرة يرى أن الخائنين والفاسدين والتجار يتلاعبون بمصير الوطن وهم أساس البلاء …يسطو علينا الجوع مما بين آفتنا ..وسراق
بحارتنا …وبين خيانة لم يبق سوء …آه من التجار آه ..آه من الغدار آه
ولا سبيل إلى الشفاء مما في الواقع العربي من أوبئة إلا بالوحدة العربية
المجد مرتهن بالصف نجمعه ….كم في التشرذم من بلوى ومن عطب
وبألم يتحدث عن الإرهاب وما جره من وويلات على أمتنا بلاء
ومدججين من الذئاب بغدرهم ….من مقبل والبعض في إدبار
خربوا البلاد بجهلهم وبحقدهم …صم بلا عقل ولا مقدار وكانت بلادنا ترفل بالنعيم الى أن جاء مشايخ الإرهاب بفتاويهم الكاذبة فمزقوا شمل الأمة
وتمزق الشمل العزيز بفرية ….خرقاء من غرباء دون مسار
وبالرغم من ألم الواقع واصطخاب المآسي في وطنه ظل يرى خيوط الشمس ..ومراكبي بين الغريق … وضجة الموج ..المخضب بالدماء
وأحرفي.. نسجت خيوط الشمس.. كي تلد الغدا
إن الصفع اليومي بأحداث الإرهاب المؤلمة ينعكس في حروفه رفضاً وإدانة ونراه يوقظ الأمل في النفوس ويشعل شمعة الحياة ..إنه برغم الصورة السوداوية المظهرة للواقع بقيت حروفه وفية لاحتضان بذور الأمل وتوليد براعم جديدة لحياة أفضل .. وهذه الآلام وهذه الآلام إنما هي سحابة صيف …هي غيمة في الصيف تعبر ساعة ..لابد يهطل عطرها
هي دورة التاريخ تقسو تارة ..يأتي زمان المجد في جنباتها
ولعل تفسخ الواقع العربي قد قرح روحه فيصرخ بصوت نزاري ………
هل يا عرب تتوقفون عن الصخب …عرب عرب الكل يشتم بعضه
والسيف في أغمادنا ..خشب خشب
وعند الحديث عن الشآم تقف الحروف عاجزة ..فعشقه لها يقترب من العشق الصوفي ..أية غيمة عطر هذه التي تهطل شلالات سحر لتوطد عشق الروح للشام .فالطبيعة لديه ليست لوحة في الخيال إنها الجنة التي بها يهيم ..هي حبيبته الشام ترسمها ريشته عشقا بكل ألوان الجمال والوله
والنهر يجري والحصى ..متراقص ويغازل
تلك الشآم حبيبتي …….فيها الرجال بواسل
وهو مولًه بها لأنها أرض البطولات ..هذي دمشق العشق تطرب هاجسي …أم النساء الماجدات الفاتنات هنا إذاً
هو متعب بحب عروبته ووطنه …أنا متعب بمحبتي وهويتي
فيخبرنا بأن الياسمين الدمشقي وثق الحقائق ودونها على رخام الدهر وها هو يقولب التاريخ على عطر حروفه ……………………………………
وإذا ما دلفنا الى محور العشق والغزل تطالعنا صورة الشاعر المعنًى الذي هجره الحبيب ومن طينة الرومانسية يمزج عشقه بالطبيعة
روحي وروحك نجمة …قيس وليلى في السماء
ولا قدرة له على الخروج من لبوسه الرومانسي
يا غيث أمطرني هوى …روحي وروحك غيمة ..قلبي وقلبك نسمة
ولعل الغزل عند شاعرنا هو لأداء الغرض والتلوين الشعري ليس إلا
وليس تعبيرا عن عشق حقيقي وهو قليلاًما يصف الحبيب دون المرور بالطبيعة ..وإن هويتها ..شهد مصفى ..أيرحمني الفراق وهل أطيق
ومن روحه الرومانسية تنداح قصائد الغزل وتتطاير حروف العشق لتتلاحم مع الطبيعة
أي عشق هذا الذي يحلق مع عصافير الرجاء ويتفتح مع أكمام الزهر
كنًا كعصفورين في عش الهوى ……..بين النجوم ..طارت عصافير الرجاء …………..ولعل ما يشي بأن غزله إنما هو متخيل كثرة شكواه من نأي الحبيب …قد ضاع مني زورقي ..والبحر يقذفني مع الأموات ..في قلب المدى يا حسرتي لذا نجده حزيناًيرتجي طيفها .,.حزين أرتجي طيفاً ببالي…… فيغرقني التذكر يا صديق
وحتى عندما يلتقي الحبيب فيكون في عالم الخيال
كنّا كعصفورين في عش الهوى بين النجوم
وصحوت من حلمي على صوت الوجوم
ومما يؤكد بعده عنها أنه صدى
أنا صدى صوت الهوى ..وأنا الشذا وأنا الوفاء
لذا تجده كثير التبرم من بعدها
وكنت الياسمينة عطر روحي ….يؤرقني جواك وفرط بعدي
ولا نجد في غزله ما يوحي بمغامرات أو ذكر لمفردات من مطبخ العشق
والتي قد تجافي أحيانا الذوق أو تخدش الحياء أو ذكر لمفاتن الحبيبة والتمتع بخلوة بها ..ولعل رهافة حسه وعالمه الشعري النبيل يحول دون الخوض في مثل هذه البحور …فبدا وكأن قلبه لا يتسع إلا لعشق واحد احتلت الشام مساحته الكاملة لذا فهو يحلق مع عشيق من وهم يتخيله بل لعله عنى بالحبيب الشام على الدوام
كنا نطير بهمسة ..بين النجوم رواحل …قد كان قلبك عازفاً…لحن الوفاء يهادل …ومما يؤكد وهمية العشق أنه ة\دائم الشكوى من هجرانه بل وغدره …لكن وعدك خائن …… والغدر سم قاتل
………………………………………………………………………………..
أي قمري هذا الذي يشدو بأعذب الألحان وأية موسيقا متراقصة تتقافز بين الحروف وتنساب مع حرف اللام المذيل بالضمة
عطر الندى يتمايل ……وحدائق وخمائل
والنهر يجري والحصى …. متراقص ويغازل
وتتحول الألحان الى إيقاعية صاخبة فيها نغمة القطع والوقف مع التنوين عندما يكون المعنى وطنياً حماسياً عرب عرب .. خشب خشب
أي توزيع وتري وصدمات إيقاعية في هذا المناخ الموسيقي للقصيدة والذي يزيد من قدرة اللغة على تحريك الخيال … وبالمجمل تنساب من النصوص غنائية واضحة تتساوق مع البعد الرومانسي فتبدو الموسيقا عزفا على قيثارة الروح..هي سلم عروج الى سدة الإنطلاق ..وبذا يبدو البوح كالطرب الأصيل يتغلغل في الأعماق فيسجد له القلب إنها مزيج من سيمفونيات الطبيعة المؤنسنة
إن امتلاك الشاعر لأدواته الفنية أفسح المجال لريشته كي تبدع أروع الصور التي تقوم على التشبيه والاستعارة والكناية من رحم ذاك العشق ..صورة رائعة تذكرنا بصور المبدع جبران إذ للعشق رحم .. وكأن قلبك يا حبيب أحاطني بأصابع متراجفة للقلب أصابع متراجفة
عطر الندى يتمايل استعارة مكنية كواعب زغب القطا تشبيه بليغ
صوره الساحرة لا غموض فيها ولا انزياحات محيرة إذ تقوم على أركان الصورة الكلاسيكية وأحيانا على الكناية السيف في أغمادنا خشب كناية عن الضعف والبطولة الكاذبة وقد أجاد الشاعر بتضمين……يا ثلج قد هيجت أشجاني ….. كدليل على ولع الشاعر بالمدرسة الرومانسية والنصوص تعج بالصور الساحرة كل ذلك يأتي في سياق لغة جذلة فخمة الإيقاع رقيقة الإيحاء فيها الحروف الرومانسية المضرجة بالفتنة ترسم لحظات جمالية مترعة بنشيد الروح
إنها تتلألأ كالنجوم ..أغرت القمر ليفرش ضوءه على مساحة الوطن ولتنشر الشمس جدائل نورها فتتلون مساكب الوطن بالحياة …ولأنه طبيب فقد وردت بعض المفردات من قاموس المهنة …داء شريان دم قلب جينات وترددت كلمة شريان أكثر من مرة
وتبرز مشاعره الصادقة التي تقارع صقيع الأيام وصحراء التفسخ العربي
تنثال من أكمام الياسمين الدمشقي وتتعالى مع هديل حمامها وصهيل برداها ..إنه يفتح حواسنا من جديد على روعة الحياة
لقد تمكن الشاعرمن تشذيب صوته من بين الأصوات الشائعة في العالم الشعري فغدا لحنه ملائكيا ًيشبه تراتيل السماء وقد جاءت التورية محببة في آخر البيت ...........و في تماه بين ذاته والهوى ..وتعتيق خمره في دنان العشق
يعتق في دنان العشق خمري ..........فيشدوني الهوى وأنا العتيق
أخيرا لا بد من التنويه إلى أن الديوان يختزل رؤى الشاعر في تماهيه مع الوطن ممثلا بالشام وأن قصائده بكل ما فيها من تنوع تأتي معادلا موضوعياً للواقع بكل أبعاده وأن مسحة الرومانسية التي صبغت حروفه وتعالت مع وجيب قلبه لم تجعل رؤيته ضبابية أو غائمة فقد ظل الوعي حارساً لتجربته الشعرية موجهاً لها
وهذه دراسة انطباعية تقوم على تذوق الحروف وتنأى عن جدولة النقد ومذهبة الكلام شاعرنا الرائع لروحك المتألقة ألف غيمة عطر ………………………
محمد رستم
الناقد محمد رستم
************************************************** *****
رحلة على أشرعة الخيال تجوب ….ضفاف الروح …ديوان الشاعر محمد سعيد العتيق
على ضفاف الروح عنوان الديوان ..هو المفتاح للقصائد والحبل السري بل المركز الذي منه تنطلق واليه تؤوب كل الدروب الواسعة لتشي بأن الطبيعة إنما هي روحه وحروفه الشذاالذي منها يضوع على جسد الأرض وفي ثنايا الكون راحت حروفه الخضر تنقل خطواتها تقيم طقوس الحياة تتلو صلاة العشق للجمال تستنبت المحبة من شريان الطبيعة ..
هو شاعر رومانسي بكليّته من رأسه حتى القدم .ومن أعمق تنهدة حتى آخر النفس ..لذا فقد امتزجت مشاعره وأحاسيسه ووجدانه بالطبيعة ومنها يستعير أدواته ..لوحاته يرسمها بأشجار الحور والسرو .والمداد نجيعه المتماهي مع سلسبيل بردى ….وضجة الموج المخضب بالدماء …..
وموسيقاه اوركسترا البلابل والعنادل والكناري والحمام المتراقص في سماء الشام ….ذكرى واسراب الطيور .. والحمام هديله ..فوق الشآم يحلق ..هل تذكرين عنادلا …والشاهدان بلابل ….
وألوانه أزاهير الرياض التي تتماوج بدءا ًبالياسمين رمز النقاء والطهر مرورا بكل ألوان الطيف …فأضحت الأبجدية لديه نورا ً والقافية وروداً والروي نهراً سلسبيلاً فتلونت قصائده بسندس الأرض واصطبغت بطيف قوس قزح .فتهاطلت القطرات من ثغر الندى مع تهامس الياسمين وعيونها أبداًنحو الضوء ..حروفه حقول بنفسج وفراشات ربيع تحوّم في سلاسة القصائد ورشاقة الخطو ..ومن ثنايا بوحه يضوع عطر يثمل الروح ..العطر ضوع من الأزهار منتشر ……
ويشرئب الزنبق ليوسع لنفسه موطئ قدم …وعلى مغانيها يضوع الزنبق.
وعندما تتقاطر الهموم وتثقل على شاعرنا يلقي بها في أحضان الطبيعة بل يخلًقها لتواسيه ..ويغدو الليل مرفأ لأسراره وهمومه في سكونه وظلمته يودع همومه وغربته وحبه الضائع …..الليل يرخي رحمة .. الليل يرمقني ويرهقني…………………………….
وتلتمع المحاور الدلالية للنصوص الشعرية من خلال عدد من الحقول الدلالية المسخرة في القصائد من مثل حقل الرومانسية ..حقل الوطن وفاجعته .. حقل العشق وعذاباته …. وقد تضافرت هذه الحقول الدلالية لتبرز البؤرة الدلالية المؤسسة على العشق والحزن لفقد الحبيب ونأيه .. والتماهي مع الطبيعة …,والأسى لمصاب الوطن والغربة والضياع والمعاناة ..
ولما كانت العملية الإبداعية تموضعا للذات ..والأسلوب الشعري فيها هو الأنا الفردي ..من هنا يرى الشاعر أن الطبيعة هي السعادة المطلقة ونموذج للعالم الروحاني المثالي البعيد عن الشر والزيف ….بطلاوة للثلج تبيض الحياة بسمتها ..غسلت غبار الأرض من سوءاتها ..والثلج يخفي عورة الإسفلت في طياتها ….
وللثلج هذا الوافد النقي حكاية دافئة .إنه ابن الياسمين هو طهر الطبيعة الناصع …الثلج ابن الياسمين ……..ولعل التماهي مع الطبيعة واستعارتها لتكون موضع الحواس هو الطاغي …وكنت النصف من روحي وفلًا…يلون روحنا صوت الكناري
عشق شاعرنا الطبيعة فامتلأت روحه بها ..هي عودة الصلصال الى تخومه فعيونه لا ترى إلا من خلال مرصدها ومفرداتها ..وإذا ارتعش قلبه حبا ًللشام كان ذلك من خلال جواز سفرها ….وعابقة كشريان بصدري ..كما النهر الذي يجري بوجدي …..وتمطر شامنا قمرا ً وعطرا.
ويورق عزها شمساً وزهرا …..
والطبيعة هي بوصلته للمسير في بيداء الحياة بل هي اوكسجين حياته كما أنها غرفة الإنعاش للذي في برزخ بين الحياة والموت …. يأتي على فصل الخريف شتاؤنا ……في لحظة كالرجوم الى الغيوم … والفجر مات مع الصباح على الندى ….
لقد استحال الشاعر قمريا ً تسجيعه يشجي الأفئدة في طبيعة هي المدار الذي لا طاقة له على الانفلات منه ..فحتى عندما يناجي الخالق يتعلق بأستار الطبيعة ..هي كعبته الشعرية …أراني كل فجر كالغيوم……سحاباًفي الفضاء مع النجوم …..
إنها الأم التي تعشّق خيالها مع كينونته ..في غفوته وحلمه وتأمله
وغفوت يحملني السحاب …ورمشها يغفو على رمشي
كما تتعانق الغيمات ..مابين النجوم ..تتغامز الهمسات ما بين الشفاه …
أي تماه مع الطبيعة هذا .هو التوحد كما في الحالة الصوفية …والغيث يهطل في مآقي البدر فوق شفاهنا …كسنابل القمح الجدائل
هو متيم بها يشعر من خلالها .يتغزل من رحابتها إنها الأم الحاضرة بحنوها ماثلة بدفئها …لما بدت تيها غدا سرب القطا …نهرا ًيميل لها فضج المسرح …هو قصة المطر المعطر شوقها ….وأنا التراب وفي هضابي تجمح …….
والغوص في الرومانسية يقود حتماً الى العمق الفلسفي والتساؤل حول الخير والشر والإنسان والخلق والموت والكون وفي قصيدته ..أنا النطفة …ينداح الشاعر في مجاهل العمق الفلسفي ..أناشيء ..أنا لا شيء
ويرى أنه جرم في هذا الكون بل جزء من الأشياء …أنا جزء من الأشياء …أنا ذات بلا أسماء….ويبلغ قمة الغوص الفلسفي فيقول ..أنا ظلّ وظل الفيء
أي مسرب سحيق للفلسفة في رؤاه ..وفي تناص مع الموروث الديني كما ورد في النص القرآني المقدس ننشئ الحي من الميت …يقول من الأموات منشانا ……. من الذرات والأصوات …نهر ماله ضفة كم هو رائع وصف الخلق والحياة ومن ذات الخلفية الإيمانية يبين ان الخلق يتم بأمر الخالق …بأمر من بديع الكون ….وتسليم من الحرس
والعجب العجاب أن الإنسان يحمل في داخله الضدين الخير والشر الإيمان والكفر .إنها الثنائية الضديًة التي تشكل وحدة المظهر …عجيب انك النمرودة والشيطان ..والكفران والإيمان
ومن قلب طافح بالإنسانية ومن عمق روحه الرومانسية يطلق دعوة الى المحبة والتسامح
ليت الحياة محبة وتسامح ……تشدو القلوب تودداً وتراحما
وهويحلق على أجنحة المحبة في فضاء العالم الرحب والباب الأعلى وجهته
أحلق في فناء الكون نسراً……جناحاه المحبة والضمير
دنوت من العلى طهراً كأني ….رحيق الشام أو بردى أزور
وعندما يتناول قضايا فكرية يعجنها بطين الطبيعة إذ يرى التجديد في الحياة يقيها من الأسن
الفكر يفعل مثل الماء سلسله ….إن تسكن الماء في الأحواض لم يطب
والشعر في رأيه شذا الروح يألم لمصاب الإنسان ولا مساحة لحرف لا يعانق هموم البشر ..ما قيمة الشعر المنمق والصور …إن فاته هم البشر
إنه ينطلق من الذات ليعبر عن المعاناة الإنسانية في بعدها الكوني وبالتأكيد الأقربون أولى باللمعروف لذا كان هم القضية الفلسطينية يطغى على وجدانه ويرعف قلبه نجيعا تألماً
ستون عاماً لم تحل المسألة ……والقدس تحت المقصلة
وقصائد الشعر المكس ……..لا تساوي سنبلة
وهذه النغمة الغاضبة الثائرة الحزينة تذكرنا بالشاعر نزار قباني
ولعمق رؤيته وحدة بصره يرى الأمراض تنهش جسد الأمة التي آلت الى يباب
وأرى الردى ..عورات أمتنا ..وأولها النفاق ..غدر وآخرها الشقاق ..ذل وأحقاد وبدعة جاهل ..والدمع يجري في المآق ..ذقنا المرارة والعذاب …وبلادنا صارت يباب
بهذه الكلمات القليلة أوجز شاعرنا الوضع العربي المريض
إن الأمة في حالة سريرية وتستل السيوف لتنال من بضعات الأمة فيتفرق شملها …قتل ويبعدنا الفراق
بينما يعمل المستعمر قتلاً في غزة ويعجز رجال الأمة الذين يتنافخون بطولة بسيوفهم الخشبية عن حماية أطفال غزة وكيف لهم ذلك وأعمدة البطولة تئن في الشام والعراق
أطفال غزة عارنا …..والشام جرح يا عراق
إن الشاعر يرتفع من المستوى الإفهامي الى المستوى التأثيري وقد أبدع في تحويل اللفظة إلى أداة ملونة بالمشاعر المؤثرة في اللغة الشعرية وتكون أكثر مأساوية عندما تتناول الطفولة إذ تترك ندوباً عميقة في النفس
إن اغتيال الطفولة هو إلغاء للمستقبل وتدمير للكينونة
وعلى رصيف الموت .. تغتال الطفولة.. والبراءة .. والعفاف
وبعين بصيرة يرى أن الخائنين والفاسدين والتجار يتلاعبون بمصير الوطن وهم أساس البلاء …يسطو علينا الجوع مما بين آفتنا ..وسراق
بحارتنا …وبين خيانة لم يبق سوء …آه من التجار آه ..آه من الغدار آه
ولا سبيل إلى الشفاء مما في الواقع العربي من أوبئة إلا بالوحدة العربية
المجد مرتهن بالصف نجمعه ….كم في التشرذم من بلوى ومن عطب
وبألم يتحدث عن الإرهاب وما جره من وويلات على أمتنا بلاء
ومدججين من الذئاب بغدرهم ….من مقبل والبعض في إدبار
خربوا البلاد بجهلهم وبحقدهم …صم بلا عقل ولا مقدار وكانت بلادنا ترفل بالنعيم الى أن جاء مشايخ الإرهاب بفتاويهم الكاذبة فمزقوا شمل الأمة
وتمزق الشمل العزيز بفرية ….خرقاء من غرباء دون مسار
وبالرغم من ألم الواقع واصطخاب المآسي في وطنه ظل يرى خيوط الشمس ..ومراكبي بين الغريق … وضجة الموج ..المخضب بالدماء
وأحرفي.. نسجت خيوط الشمس.. كي تلد الغدا
إن الصفع اليومي بأحداث الإرهاب المؤلمة ينعكس في حروفه رفضاً وإدانة ونراه يوقظ الأمل في النفوس ويشعل شمعة الحياة ..إنه برغم الصورة السوداوية المظهرة للواقع بقيت حروفه وفية لاحتضان بذور الأمل وتوليد براعم جديدة لحياة أفضل .. وهذه الآلام وهذه الآلام إنما هي سحابة صيف …هي غيمة في الصيف تعبر ساعة ..لابد يهطل عطرها
هي دورة التاريخ تقسو تارة ..يأتي زمان المجد في جنباتها
ولعل تفسخ الواقع العربي قد قرح روحه فيصرخ بصوت نزاري ………
هل يا عرب تتوقفون عن الصخب …عرب عرب الكل يشتم بعضه
والسيف في أغمادنا ..خشب خشب
وعند الحديث عن الشآم تقف الحروف عاجزة ..فعشقه لها يقترب من العشق الصوفي ..أية غيمة عطر هذه التي تهطل شلالات سحر لتوطد عشق الروح للشام .فالطبيعة لديه ليست لوحة في الخيال إنها الجنة التي بها يهيم ..هي حبيبته الشام ترسمها ريشته عشقا بكل ألوان الجمال والوله
والنهر يجري والحصى ..متراقص ويغازل
تلك الشآم حبيبتي …….فيها الرجال بواسل
وهو مولًه بها لأنها أرض البطولات ..هذي دمشق العشق تطرب هاجسي …أم النساء الماجدات الفاتنات هنا إذاً
هو متعب بحب عروبته ووطنه …أنا متعب بمحبتي وهويتي
فيخبرنا بأن الياسمين الدمشقي وثق الحقائق ودونها على رخام الدهر وها هو يقولب التاريخ على عطر حروفه ……………………………………
وإذا ما دلفنا الى محور العشق والغزل تطالعنا صورة الشاعر المعنًى الذي هجره الحبيب ومن طينة الرومانسية يمزج عشقه بالطبيعة
روحي وروحك نجمة …قيس وليلى في السماء
ولا قدرة له على الخروج من لبوسه الرومانسي
يا غيث أمطرني هوى …روحي وروحك غيمة ..قلبي وقلبك نسمة
ولعل الغزل عند شاعرنا هو لأداء الغرض والتلوين الشعري ليس إلا
وليس تعبيرا عن عشق حقيقي وهو قليلاًما يصف الحبيب دون المرور بالطبيعة ..وإن هويتها ..شهد مصفى ..أيرحمني الفراق وهل أطيق
ومن روحه الرومانسية تنداح قصائد الغزل وتتطاير حروف العشق لتتلاحم مع الطبيعة
أي عشق هذا الذي يحلق مع عصافير الرجاء ويتفتح مع أكمام الزهر
كنًا كعصفورين في عش الهوى ……..بين النجوم ..طارت عصافير الرجاء …………..ولعل ما يشي بأن غزله إنما هو متخيل كثرة شكواه من نأي الحبيب …قد ضاع مني زورقي ..والبحر يقذفني مع الأموات ..في قلب المدى يا حسرتي لذا نجده حزيناًيرتجي طيفها .,.حزين أرتجي طيفاً ببالي…… فيغرقني التذكر يا صديق
وحتى عندما يلتقي الحبيب فيكون في عالم الخيال
كنّا كعصفورين في عش الهوى بين النجوم
وصحوت من حلمي على صوت الوجوم
ومما يؤكد بعده عنها أنه صدى
أنا صدى صوت الهوى ..وأنا الشذا وأنا الوفاء
لذا تجده كثير التبرم من بعدها
وكنت الياسمينة عطر روحي ….يؤرقني جواك وفرط بعدي
ولا نجد في غزله ما يوحي بمغامرات أو ذكر لمفردات من مطبخ العشق
والتي قد تجافي أحيانا الذوق أو تخدش الحياء أو ذكر لمفاتن الحبيبة والتمتع بخلوة بها ..ولعل رهافة حسه وعالمه الشعري النبيل يحول دون الخوض في مثل هذه البحور …فبدا وكأن قلبه لا يتسع إلا لعشق واحد احتلت الشام مساحته الكاملة لذا فهو يحلق مع عشيق من وهم يتخيله بل لعله عنى بالحبيب الشام على الدوام
كنا نطير بهمسة ..بين النجوم رواحل …قد كان قلبك عازفاً…لحن الوفاء يهادل …ومما يؤكد وهمية العشق أنه ة\دائم الشكوى من هجرانه بل وغدره …لكن وعدك خائن …… والغدر سم قاتل
………………………………………………………………………………..
أي قمري هذا الذي يشدو بأعذب الألحان وأية موسيقا متراقصة تتقافز بين الحروف وتنساب مع حرف اللام المذيل بالضمة
عطر الندى يتمايل ……وحدائق وخمائل
والنهر يجري والحصى …. متراقص ويغازل
وتتحول الألحان الى إيقاعية صاخبة فيها نغمة القطع والوقف مع التنوين عندما يكون المعنى وطنياً حماسياً عرب عرب .. خشب خشب
أي توزيع وتري وصدمات إيقاعية في هذا المناخ الموسيقي للقصيدة والذي يزيد من قدرة اللغة على تحريك الخيال … وبالمجمل تنساب من النصوص غنائية واضحة تتساوق مع البعد الرومانسي فتبدو الموسيقا عزفا على قيثارة الروح..هي سلم عروج الى سدة الإنطلاق ..وبذا يبدو البوح كالطرب الأصيل يتغلغل في الأعماق فيسجد له القلب إنها مزيج من سيمفونيات الطبيعة المؤنسنة
إن امتلاك الشاعر لأدواته الفنية أفسح المجال لريشته كي تبدع أروع الصور التي تقوم على التشبيه والاستعارة والكناية من رحم ذاك العشق ..صورة رائعة تذكرنا بصور المبدع جبران إذ للعشق رحم .. وكأن قلبك يا حبيب أحاطني بأصابع متراجفة للقلب أصابع متراجفة
عطر الندى يتمايل استعارة مكنية كواعب زغب القطا تشبيه بليغ
صوره الساحرة لا غموض فيها ولا انزياحات محيرة إذ تقوم على أركان الصورة الكلاسيكية وأحيانا على الكناية السيف في أغمادنا خشب كناية عن الضعف والبطولة الكاذبة وقد أجاد الشاعر بتضمين……يا ثلج قد هيجت أشجاني ….. كدليل على ولع الشاعر بالمدرسة الرومانسية والنصوص تعج بالصور الساحرة كل ذلك يأتي في سياق لغة جذلة فخمة الإيقاع رقيقة الإيحاء فيها الحروف الرومانسية المضرجة بالفتنة ترسم لحظات جمالية مترعة بنشيد الروح
إنها تتلألأ كالنجوم ..أغرت القمر ليفرش ضوءه على مساحة الوطن ولتنشر الشمس جدائل نورها فتتلون مساكب الوطن بالحياة …ولأنه طبيب فقد وردت بعض المفردات من قاموس المهنة …داء شريان دم قلب جينات وترددت كلمة شريان أكثر من مرة
وتبرز مشاعره الصادقة التي تقارع صقيع الأيام وصحراء التفسخ العربي
تنثال من أكمام الياسمين الدمشقي وتتعالى مع هديل حمامها وصهيل برداها ..إنه يفتح حواسنا من جديد على روعة الحياة
لقد تمكن الشاعرمن تشذيب صوته من بين الأصوات الشائعة في العالم الشعري فغدا لحنه ملائكيا ًيشبه تراتيل السماء وقد جاءت التورية محببة في آخر البيت ...........و في تماه بين ذاته والهوى ..وتعتيق خمره في دنان العشق
يعتق في دنان العشق خمري ..........فيشدوني الهوى وأنا العتيق
أخيرا لا بد من التنويه إلى أن الديوان يختزل رؤى الشاعر في تماهيه مع الوطن ممثلا بالشام وأن قصائده بكل ما فيها من تنوع تأتي معادلا موضوعياً للواقع بكل أبعاده وأن مسحة الرومانسية التي صبغت حروفه وتعالت مع وجيب قلبه لم تجعل رؤيته ضبابية أو غائمة فقد ظل الوعي حارساً لتجربته الشعرية موجهاً لها
وهذه دراسة انطباعية تقوم على تذوق الحروف وتنأى عن جدولة النقد ومذهبة الكلام شاعرنا الرائع لروحك المتألقة ألف غيمة عطر ………………………
محمد رستم