Mohammed Dunia
مقالات مترجمة
مجرة الدرب اللبنية
أسرار وصور رائعة
ما تزال مجرتنا، الدرب اللبنية، درب النجوم الرائع في سماء الليل، تحتفظ بالكثير من أسرارها. والمادة والطاقة المظلمتان، والثقب الأسود فائق الكتلة وغيرها الكثير، موضوعاتٌ جذابة تتيح فهماً أفضل لهذا الشريط الحافل بالنجوم. وكان الفيلسوف اليوناني " ديمقريطس "، من القرن الخامس قبل الميلاد، يعتقد أن الدرب اللبنية تتشكل من أجرام صغيرة جداً ومتجمعة بشكل وثيق حتى أنها تبدو لنا وكأنها ليست سوى جرم واحد. وكان يجب انتظار " غاليليو " ونظارته الفلكية كي تتأكد هذه الفكرة الجريئة. إلا أننا لم نكسب تصوراً صحيحاً عن المجرة إلا في ثلاثينيات القرن الماضي، حين تبين أن الدرب اللبنية ليست إلا مجرة بين مجرات وأن الشمس أبعد من أن تكون في مركزها... . ومؤخراً، نشرت مدونة الصور Capture The Atlas لائحة تضم أفضل صور مجرة " الدرب اللبنية " في سجلها لعام 2021 تحت عنوان Milky Way Photographer of The Year في مشاهد من ليالي السماء الأخاذة المرصعة بالنجوم. ويُنشر هذا السجل مرة كل عام في نهايات أيار مايو وبدايات حزيران يونيو، الفترة الأنسب لمعاينة السماء ليلاً في نصفي الكرة الأرضية جنوباً وشمالاً. وقد التقطت هذه الصور من كل أنحاء الكوكب، من نيوزيلندة إلى الولايات المتحدة ومن إسبانيا إلى إيران. وقد شارك في هذه المسابقة 25 مصوراً من 14 بلداً.
حول المجرة
الدرب اللبنية أو درب التبانة، مجرتنا، التي نرى قسماً منها في سماء الليل، حلزونية الشكل، في قلبها ثقب أسود فائق الكتلة، هذه الكتلة التي تتناسب طرداً مع كتلة حوصلة المجرة، أي مع قسمها المركزي. وكثيراً ما تتلاقى المجرات، وقد تتفاعل عبر ظاهرة ما يسمى " قوى المد والجزر " وربما تصل إلى مرحلة الاندماج بعضها في البعض الآخر عبر ظاهرة الاحتكاك الديناميكي الذي يدفعها إلى التقارب لولبياً باتجاه المركز المشترك.
تشكل مجموعتنا الشمسية جزءاً نموذجياً تماماً من مجرة حلزونية، ومثلها كثير في الكون القابل للرصد. وبما أننا موجودون في داخلها، فإنه لا يمكننا للأسف أن نراها بشكلها الإجمالي الشامل الواضح، ولكن تتوجب إعادة بناء بنيتها الممكنة انطلاقاً من عدد كبير من عمليات الرصد، خصوصاً ما يتعلق بسرعة المادة الدائرة حول المركز. ويساعد رصد المجرات الخارجية العلماء كثيراً في فهم مجرتنا، إذ يغدو بإمكانهم حينها المقارنة بين الدرب اللبنية والمجرة " مسييه 83 " ( M83 ) مثلاً.
تتألف المجرات المثيلة لمجرتنا من منظومات عدة ذات هندسة، وحركية، وعمر، وأجسام نجمية مختلفة يمكن أن تتيح العودة إلى زمن تشكلها. ولطالما تساءل علماء الفلك كيف تعمل المجرات الحلزونية كي تبقي على أذرعها مفتوحة. إلا أن هذا النمط من المجرات كثير جداً: اثنتان من كل ثلاث، والأخرى إما إهليلجية أو بيضاوية الشكل أو قزمة غير منتظمة.
المجرات الحلزونية مسطحة عبر قرص رقيق يدور حول محوره المركزي. والمشكلة أنها لا تدور مثل قرص صلب: يدور المركز أسرع من الأطراف. وتستغرق المادة 20 مليون سنة للقيام بدورة على مسافة 3000 سنة ضوئية من المركز، الذي يتفرع منه الحلزون، بينما يلزم مليار سنة لاكتمال دورة عند الأطراف القصوى، على بعد 150000 سنة ضوئية. وخلال دورة عند الطرف، تكون نجوم المركز قد أنجزت 50 دورة.
نجوم مجرتنا
توجد مليارات النجوم في " الدرب اللبنية ". لكن كم بالضبط؟ يمكن للمرء أن يحصي بضعة آلاف منها في ليلة صافية، لا يعتريها أي تلوث ضوئي. لكن ذلك لا يمثل سوى حفنة على مستوى المجرة كلها البالغ قطرها 100000 سنة ضوئية. في الواقع، الغالبية العظمى من نجومها ضعيفة وصغيرة وبعيدة أكثر مما ينبغي كما أنها محجوبة بسحب غبارية سميكة.
إحصاء النجوم بشكل فردي هو تحد يستحيل مواجهته. وليس أمام علماء الفلك لهذا الغرض سوى تقدير مجاميعها بالاستناد إلى كتلة هذه البنى العملاقة، غير أن ذلك لا يحل المشكلة كلها لأن المجرة لا تتألف من نجوم فقط. ينبغي أولاً تفادي المادة المظلمة العادية المتناثرة في كل مكان من المجرة - التي تحوي سحباً غبارية مظلمة، وثقباً أسود، ونجوماً قزمة بنية والكثير من الأجسام السماوية المحيطة بالنجوم من كواكب وكويكبات ومذنبات... – وأيضاً المادة المظلمة ذات الطبيعة غير المعروفة حتى الآن. وعندئذ يمكن الحصول على قيمة قدرها 100 مليار كتلة شمسية بالحد الأدنى و400 مليار بالحد الأقصى بالنسبة لمجرتنا الدرب اللبنية. وبالطبع، ليست النجوم كلها مماثلة لشمسنا التي هي بالمناسبة نجم قزم أصفر متوسط الحجم. وعلى غرار غابة كبيرة، هنالك تنوع في الأنواع، أجسام من كل حجم وعمر...النجوم الأصغر، كالقزمة البنية والأخرى القزمة الحمراء.. هي الأغزر، أما الأضخم، الأكبر كتلة والأشد حرارة، فهي أقل عدداً بكثير.
وكان القمر الصناعي " غايا " قد وضع خريطة لأكثر من مليار نجم في مجرتنا، أظهرت أننا محاطون بنحو 600000 نجم. ويبدو نجمنا الشمس فيها مثل نقطة صغيرة في وسط ملايين أخرى في ذراع " أوريون "، على مسافة 26000 سنة ضوئية تقريباً من مركز المجرة.
ترجمة محمد الدنيا
عن موقع FUTURA SCIENCES الفرنسي 28 5 2021
4 12 2020
تعليق