Saad Alkassem
التشكيلي السابع
سعد القاسم
11 تموز 2022
للمرة السابعة منذ تأسيسها عام 2012 تُمنح جائزة الدولة التقديرية لفنان تشكيلي. فبعد أن نالها في السنوات الماضية: ناظم الجعفري والياس زيات وليلى نصير وإحسان عنتابي وأسماء فيومي ونشأت الزعبي، مُنحت جائزة هذا العام للفنان محمد غنوم الذي يمثل – بدوره - حالة خاصة في المشهد التشكيلي السوري، رغم أن تجربته تنتمي إلى موجة ضمت عدة أسماء هامة، أدرجت تحت عنوان (الحروفية)، وقدمت نفسها على أنها شكل من أشكال التجديد في المفهوم التشكيلي العربي.
ولد محمد غنوم في دمشق عام 1949 وشغل منذ عام 1983 مركز موجه أول للتربية الفنية في وزارة التربية التي أوفدته إلى العاصمة الأوزبكية (طشقند) لينال منها عام 1992 شهادة دكتوراه فلسفة في علوم الفن، بعد مناقشة رسالته في جمالية وأساليب الخط العربي، والتي كتبها بخط يده. إلى جانب مشاركاته الواسعة في المعارض الفنية الرسمية والخاصة، فإن محمد غنوم هو صاحب أكبر عدد من المعارض الخارجية لفنان سوري مقيم في سورية، وهو إلى ذلك صاحب حضور بالغ الحيوية في الحياة التشكيلية السورية من خلال حضوره الشخصي الدائم في معظم أنشطتها، ودوره الهام في هيئاتها، ومساهمته في مجال التعليم الفني. وقبل هذا وبعده، تجربته المميزة التي تشكل جزءاً أساسياً وأصيلاً من المشهد التشكيلي السوري.
يذكر غنوم أنه حين نقل الحروف العربية التي كتبت أمامه أول مرة في المدرسة الابتدائية، زينها بألوانٍ مفرحةٍ، ولم يميزها عن رسومه الطفولية بما فيها من زهور وأشجار وفراشات وبيوت وعصافير. لقيت موهبته تشجيع عائلته وأساتذته في المدرسة، وحقق أول نجاح له بنيل جائزة من مسابقة لرسوم الأطفال في إيطاليا. إلا أن مرحلة التأسيس الأهم كانت مع التحاقه بدار المعلمين (تخرج منها عام 1969) حيث بدأ التدرب على قواعد وأوزان الحروف العربية، والدخول في عالم الألوان الزيتية والمائية دارساً ومكتشفاً بعض أسرارها، وترافق ذلك مع انتسابه لمركزي الفنون التشكيلية والتطبيقية. حيث تدرب على تصوير مشاهد الطبيعة الصامتة، وعلى النحت وتقنيات الحفر والطباعة. وتوج كل هذا بانتسابه إلى كلية الفنون الجميلة بدمشق، وفيها تجاوز سنوات الدراسة بتفوق مستمر، ورافق مناهجها بمتابعةٍ حثيثة لقواعد وأوزان الخط العربي بأنواعه المختلفة، وأساتذته، والأهم بينهم الخطاط المعلم محمود الهواري تلميذ خطاط بلاد الشام الأول محمد بدوي الديراني الذي أدخله في عالم خط التعليق (الفارسي). كذلك نجاة العلبي الذي دربه في مركز الفنون التطبيقية بدمشق، وقد عاد إليه غنوم فيما بعد مدرساً للخط العربي لسنوات عديدة. إضافة إلى شيخ الخطاطين حلمي حباب الذي دربه في دار المعلمين على خط الرقعة، والتقاه ثانية مدرساً للخط العربي في كلية الفنون الجميلة عندما كان غنوم طالباً فيها يسعى للتعرف على تجارب خطية متنوعة، دخلت في بعض مشاريعه الدراسية فلفتت اهتمام أساتذة الكلية، وفي مقدمتهم الفنان المعلم محمود حماد الذي يصفه غنوم بأستاذ الجيل.
في ربيع عام 1979، وبعد ثلاث سنوات من تخرجه، أقام معرضه الأول الذي حقق اهتماماً استثنائياً في التفاعل مع تجارب الفنانين الشباب، عبرت عنه الكتابات الكثيرة التي تناولت التجربة القادمة، مقدرةً حيناً، ومشككة في أهميتها (وحتى رافضة اعتبارها ضمن عالم التشكيل) حيناً آخر. وقد حفزته الآراء، المشجعة والمحبطة معاً، على متابعة تجربته، فكان أن أقام منذ ذلك المعرض وحتى الأن أكثر من سبعين معرضاً فردياً في: دمشق، بيروت، القاهرة، عمان، الدوحة، روما، باريس، لندن، برلين، مدريد، وارسو، صوفيا، موسكو، طشقند، سمرقند، بخارى، كراكوف، هايدلبرج، مانهايم، بون، استنابول... وغيرها. مع مئات المشاركات في المعارض الجماعية ومعارض المجموعات، والبيناليات والمهرجانات، والمسابقات المحلية ولجان التحكيم.
صاغ غنوم لوحاته من معظم أنواع وأشكال الخط العربي المبنية على قواعد وأوزان بدأ هندستها ابن مقلة في العصر العباسي، وجعلها محمد بدوي الديراني تحمل عبق ياسمين الشام. وبينهما تجارب لعباقرة في عالم الإبداع على امتداد الأرض العربية وجوارها (ياقوت المستعصمي، ابن البواب..). منتصراً طوال الوقت لفكرة أن هذه القواعد والأوزان تحتاج إلى رعاية وحماية وإجلال وتقدير، لا إلى التحطيم والاجتزاء اللذين يراهما إساءة لتراثنا البصري. لكن ذلك لم يكن يعني بالنسبة له أن تلك الأشكال غير قابلة للتطوير والتغيير. وألا نسير قدماً باحثين عما هو جديد ومبتكر، ولكن ذلك يجب أن يكون مبرراً، ويحمل ما هو أجمل، لا أن يكون التغيير والتبديل هدفاً بحد ذاته.
دخلت الأحبار بمختلف أنواعها عالم محمد غنوم، إضافة للألوان الزيتية والخشبية والشمعية والمائية والغواش، وكل ما تصل إليه اليد من ألوان وتقنيات. وأخيراً استقر عند ألوان الأكريليك، فهي الأكثر طاعة في ملء المساحات الصغيرة والكبيرة على حد سواء، وهي السريعة الجفاف فتأتي الطبقات المتتالية وصولاً إلى المطلوب. وغدت الفرشاة طيعة في رسم الحروف والكلمات والمساحات، ووقفت القصبة (قلم الخط العربي) منتظرة دورها أحياناً في إنجاز بعض اللوحات. انتشر اللون الأزرق على معظم اللوحات، بدرجات متنوعة، فهو المرجح للتعبير عن السمو والرقي والنبل، وهو يتناسب مع عناوين لوحاته (الله، الوطن، الحب، شام، دمشق، آيات، أشعار)، أما اللون الذهبي فقد أعطاه مساحة شاسعة في عالم الأبعاد، وأدخل نوراً آخر إلى عوالم أعماله.
تمتلك لوحات محمد غنوم خصوصية تجعل المشاهد قادراً على تمييزها بين نظيراتها بسهولة وسرعة. وهي إلى ذلك تنسجم مع مزاج فئات واسعة تحتفظ بصور عنها، على جدران بيوتهم وأماكن عملهم.
https://thawra.sy/?author=95
البورتريه بريشة الفنان محمد مازن القوتلي
*************************************
حسام حمدان، Assaad Abboud