شعريّة العمارة وعمارة الشِّعر
"آرثور رامبو"
تعتبر ظاهرة انحلال قيمة الجديد إلى درجة القطيعة من أهم ظواهر ما بعد – الحداثة.
وأكثر ما تجلّت تلك الظاهرة في فئتين هما: العمارة والشعر.
بداية فن العمارة بوصفها الساحة التّي تلتقي فيها الفنون والتي لها السبق الدائم في تأسيس التحولات الجمالية تبعاً للعصر متواشجةً مع نفسها كفن ومع الشّعر كبناء يماثلها.. ولو راجعنا تحولات العمارة في أيّ عصر لوجدنا تَمَثُلّها شعرياً.
هذه العلاقة بين العمارة وبين بقية الفنون تحمل طابعاً إشكالياً فيما عدا علاقتها مع الشعر ففي تقاطعاتها كفنّ مع الفن الشّعري هناك عوامل متعارضة شأنها شأن علاقتها مع بقية الفنون التي تحدد هوية كل منها كفنّ له استقلاليته وهويته وقضاياه التي يتعامل معها.
لسنا هنا بصدد العوامل المختلفة بل المتقاطعة والمتماثلة.. وأحياناً الواحدة..
العمارة هي لحظة التقاء المادي بالروحي والشعر هو لحظة التقاء الروحي بالمادي.
هذا التعارض ينتج فيما ينتجه علاقات جديدة تكون هيَ هيَ في كلا الفنين أي كلاهما شيئ واحد.
ويتم التعامل مع الوحدات المكونة للعمارة، كما يتم التعامل مع الوحدات المكونة للغة مع العمارة بعيداً عن الوظيفية إلى جمالية نكون نحن جزءاً منها أي.. نقيم بها.. نسكنها نكون شاغلي فراغاتها.. ومع البناء الشعري تتكون جمالية شعرية تسكننا.. تقيم فينا فتكون جزءاً من مكوناتنا..
ولو عاملنا منظومة معمارية كنصّ يُقرأ عبر الموسيقا والبنية المكونة له لوجدنا أننا نمثل فيه السرّ واللاشعور والمسكوت عنه.. كذلك البناء الشعريّ لو عاملناه بالطريقة ذاتها لوجدناه يسكننا عبر منظوماتنا، ويكون في بنيته.. مسكوتاً عنه..
لشد ما تتشابك شعرية عصر ما بعمارته فتكون أحياناً، تمثيلياً ورمزياً، كياناً واحداً..
كما العلاقة بين:
بيت الشِّعر= بناء يعتمد تقسيمات = نسيج ـ عامود ـ أعاريض ـ أوتاد ـ أضراب ـ أسانيد. \\\مجلد\\2\\صورة \\1\\\
بيت الشَّعر= بناء جمالي داخلي يتماهى معه = نفس مكوناته..
وإذا اعتبرنا مع فوكو "أنَّ هناك هاجساً مركزياً يقود المعرفة والفنّ في كل فترة ويمارس أثره عليها كسلطة غير معلنة" وتابعنا ذلك في العمارة والشعر نلاحظ:
- تشابه فنون مرحلة الزراعة في القرن الرابع ق.م في المستوى المصري، الرافدي المتوسطي وتشابه العمارة والبناء الشعري في هذا القرن بالذات..
- ولادة الفكر الهندسي المعتمد على الفرجار والمسطرة.. آشور، مصر....... التناظر.. المثلثات.. العمارة اليونانية....\\\مجلد 2\\ صو ر \\2\3\4\\\5\\\
أثر ذلك في الشعر:
- التناظر في بنائية الحالة الشعرية – التشابه بين رمزية العمارة في البحث عن الخلود، وسر الكون، ومحاولة عقلنة الفوضى والالتصاق بالأرض مع محاولة أنسنة المتيا – طبيعة..
- المسافة بين المخيلة والواقع يمكن عبورها. ودائماً لصالح غنى المخيلة... زمن شعري طقوسي.. رمزي...
- سواء علينا إن قلبنا كتاب الموتى أم أسطورة جلجامش أم سفر التكوين البابلي سنجد الأهرامات والزقورات والمعابد وهي تحاول أن تتجه من الغمر والعماء والسديم باتجاه امتلاك المعنى الذي يفلت باستمرار ويمارس تحولاته..
- هذا الانتقال نفسه باتجاه العمارة اليونانية يقسمها فكرياً أو شعرياً إلى نوعين: "أبولون" الوضوح.. الفكر.. المنطق....
"ديونيريس" الروح.. الغريزة.. التمرد.. الانطلاق اللامحدود.. العاصفة
كما في "إلياذة هوميروس" في الآكروبول. مجمع الآلهة على قمة الأولمب والانقسام بين آبولون وديونيزيس كما بين اسبرطة وآثينا..
- في المرحلة الهيلينية وفي التقاء حضارة الشرق مع الغرب أنشئت عدة مدن جديدة أشهرها الاسكندرية التي بنيت لا كعادة بناء المدن لأسباب اقتصادية، طبيعية...
بل لأسباب ثقافية.. حضارية.. حيث أسهمت عوامل عدة في هوية عمارة هذه المدينة مصرية، يونانية، عربية، فارسية... عالميّة.. عمارةٌ تشبه قصائد كلماخوس و سيفروس وكفافيس وتشبه الذات المنفتحة على نفسها وعلى العالم...\\\مجلد\2\صورة 6\\\
العلاقة ذاتها بين العمارة والشعر في المرحلة الرومانية تتميز بالضخامة.. الواقعية.. الجمال كأنها تختصر سغر الطرواديون في الأوديسة في البحث عن وطن بديل عبر البحار في هجرة لا يتبقى منها غير ما هو صالحٌ للبقاء لا يقبل الاختزال،
المطرودون من الفردوس ترافقهم الآلهة والحكايات والمشاق ينتهوا إلى أن العالم بلد واحد لكن طروادة هي.. طروادة..\\\مجلد \2\صورة \7\\\
أما العمارة الإسلامية فهي من لحظة ولادتها بين عدة عوامل تتصارع، استعانت بالعمارة الفارسية والبيزنطية والرومانية لتتعرف على نفسها في لحظةٍ مؤسسة وشمولية وعالمية وتنتج نفسها أيضاً في لحظة تأسيس بين امبراطوريات أنهكها الصراع فسلمت مفاتيحها، وبين ولادة عصر جديد..
الحضارة الإسلامية طعمت نفسها بكل الحضارات فالجامع الأموي كان معبد جوبيتير.. وكان وكان ليصل إلى ما هو عليه.. استعار من بيزنطة الفسيفساء، من روما الأعمدة، من فارس الأقواس.. إنها عبقرية التحول في الزمان والمكان والجغرافيا لإنتاج حالة لا تشبه إلا نفسها وكلما حلّت في أرضٍ تمثلتها اليونان.. فارس.. الهند.. الحبشة.. تمثلتها وأعطتها صبغة مفتوحة لا هي بالشرقية ولا بالغربية
- قصر الحير الأموي –تاج محل- سمر قند- قاهرة المعز.. مئذنة سامراء......الصور \\\8 \9\10 \11\12\\\\
- ديوان العرب – شاهنامة العجم مولوية الترك.. جلال الدين الرومي..
المتنبي.. الفردوسي.. ابن عربي.. و..... أدونيس..
إنها الصبغة المفتوحة التي تسع الشعر والنثر، الملاحدة والمتصوفة، البداية والنهاية، الملل والنحل.. وكل شيء.. وكل شيء..
- القبض على حيّز معماري أو شعري يعني القبض على صانعه وشاغله.. الإنسان.
لماذا آرتوا رامبو؟
لأنه الرائي الذي ربط البداية بالنهاية.. الألفا بالأوميغا فكان ألفا وأوميغا معاً.. ربط القديم والمحمي والبالي بالراهن، أكثر المدنيات قدماً.. بأكثرها تمدناً وحداثة..
من هو آرثور رامبو..؟
ولد عام 1854 في شارلفيل في الآردين الفرنسية على حدود بلجيكا لأم محافظة وأب ضابط، أب غادر نهائياً ورامبو دون العاشرة..
حثه معلمه ايزامبار للاطلاع على الأدب والفكر المعاصر هوغو، دوبانفيل، سولي برودوم، وعلى قراءة كتّاب ومفكرين ومؤرخين مثل: برودون، سان سيمون، ماركس...
- نظم أولى قصائده في الخامسة عشرة "هدايا اليتامى في عيد الميلاد" وفي السادسة عشرة أرسل إلى زعيم البيرناسيين "تيودور دوبانفيل" قصائده "إحساس أوفيليا. شمس وجسد" لينشرها في مجلة "البرناس المعاصر"
هرب إلى باريس 1870 وعاد إلى شارلفيل بعد أن سجن هناك ثم قصد بروكسل ليتحقق ثانيةً ويعود إلى مدينته.. عاد ومعه قصيدتاه "في الحانة الخضراء، بوهيميتي"
في 1871 شهد قيام الكومونة.. وكان لسقوطها أثر كبير في نفسه..
وفي أيلول من العام نفسه كان لقاؤه المؤثر مع شاعر الرمزية "بول فيرلين" وتشردهما معاً بين باريس، لندن وبروكسيل وتعاطيهما لكل أنواع المخدرات، والمسكرات والارتكابات، والقصائد بوصفهما أبناء للشمس حتى 1873 وافتراقهما بشكل نهائي، وإصداره كتابه "فصل في الجحيم"
انصرف عن الشعر متجهاً إلى ألمانيا، سويسرا.. ثم مشياً على قدميه إلى إيطاليا ليقعده المرض فيعود إلى مارسيليا.
1876 ينخرط في الجيش الهولندي لمدة ستة سنوات.. يرسل إلى جاكارتا فيهرب عائداً إلى شارلفيل.. حالماً بهجرات جديدة..
1877 يطوف في أوربا. 1878 يصل قبرص ماراً بالاسكندرية. يصاب بالتيفوئيد ليعود إلى فرنسا.. من عام 1880 إلى 1891 كانت حياته هجرات وسفر متصل مصر، عدن، هرار في الحبشة.. ثم عدن. الصومال.. ثم تقطع ساقه نتيجة المعاناة
في 10/11/1891 يموت الرائي. المغامر رامبو عن سبعٍ وثلاثين عاماً ليدفن في شارلفيل..
مشروعه الشعري وعلاقته مع فن العمارة..
إن عمر مغامرة رامبو الشعرية زمنياً هي أربع سنوات بدأت من سن السادسة عشرة ليقدم للعالم خلالها أربعاً وأربعين قصيدةً، نصوص فصل في الجحيم.. ثم "الإشراقات"..
الشاعر الذي تفتح وعيه على سحق الكومونة، ودعوة بودلير للرحيل إلى المجهول جعل من حياته سفراً لا يرتوي وكأن انتقاله في الأمكنة انتقال في الأزمنة..
- يقسم المشروع الشعري الرامبوي إلى ثلاثة مراحل:
المرحلة الأولى: مرحلة حسية تغنى بها بالحب والقوة والجمال انطلاقاً من امتلاء حواسّه بها متأثراً بالرومانسيين "جورج صاند – فيكتور هوجو" كما في قصيدته "النائم في الوادي" وبالبيرناسييّن مثل "دوبونفيل" عناية بالشكل، غنى الفافية، تسطير الأبيات كما في قصيدته "رأس حيوان" ثم تخلى عن كل ذلك ليدخل..
المرحلة الثانية: توضح فيها أثر "بودلير" وصولاً إلى نفسه عبر تشويش حواس ودعوته لأن يمارس الشاعر دور سارق النار.
المرحلة الثالثة: هي مرحلة الرائي.. وقصيدته حروف اللين ثم الإشراقات، نهاية مشروعه الشعري.. وميله إلى هدم العالم القديم بكلمات جديدة وإعادة الإعمار بالكلمات ذاتها ينتهي إلى الصمت..
علاقة شعر رامبو بالعمارة
في بداية مشروعه الشعري مارس رامبو ثبات اللحظة الراهنة، واستعاد الطبيعة ليعود إلى البدايات لإعادة تكوين عالمه الجمالي ولغته.. وكلما مارس الارتداد كان يبدو أشد وضوحاً.
هذا الرجوع كان هدفه الذهاب للمستقبل كما السهم كلما ارتد إلى الوراء كلما كانت انطلاقته إلى الأمام أقوى وأكثر ديمومة. وما دام رامبو وصلنا بجنونه وهلوساته ومشروع الرائي يمكننا أن نفهم كم ارتد إلى البدايات.
اتسمت عودته الأولى بالوضوح على رأي "ميلان كونديرا" إننا ننظر إلى الماضي بوضوح.. إلى الحاضر بتمعّن وإلى المستقبل – عبر الضّباب، وكذلك تبدت في رسوم "هنري ميشو" الوحشية التي رسمت تحت تأثير العقاقير. إذ نلاحظ الشبه مع الرسوم البدائية التي تركها الإنسان على الكهوف /ارتداد للبدايات/
من قصائد المرحلة الأولى المتسمة بالعناية بالشكل والوضوح قصيدة "النائم في الوادي"
" يرقد جنديٌّ مفتوح الفم منكشف الرأس
تغطيه النباتات الغضّة
ممتداً على العشب تحت السّحب
باهت الوجه في سريره المحاط بالضوء
قدماه في سيف الغراب
وله ابتسامة طفل متعبة
أيتها الطبيعة.. امنحيه حرارتك.. لقد مسّه البرد
والعطور لم تحرك أنفه
هذا الراقد.. مغموراً بالشمس.. ويده على صدره
وفي جنبه الأيمن
ثقبان.. قانيان.."
في هذه المرحلة.. كانت بنائية القصيدة السائدة تتراوح بين رومانسية(فيكتور هوجو) وبرناسية (دوبانفيل) و(بودلير) المتململ.. كانت مرحلة تشبه عمارتها إذ يمكننا استعارة بنائية واجهة كنيسة (نوتردام) \\\مجلد\2\صورة\13\\\ واستعارة إحدى قاعات (فرساي) قاعة المرايا حيث للانعكاس الواقعي تمثّل غير واقعي.. بل.. ومميّز
.\\\مجلد\2\صورة\14\\\
هذا التململ كان يقود التراجع إلى منتهاه ويقود الشاعر نحو بنائية جديدة ينقلب فيها على الميزان اللغوي والمعماري.. ينقلب على الحواس والممكنات الواقعية منطلقاً من ماضيه إلى عصره.. إلينا.. إلى المستقبل عابراً كل أنواع اللغات والرؤى والأساليب وصولاً إلى مرحلة الرائي بعد تجارب حسيّة واجتماعية منجزاً
ميتا – لغة – ميتا – هندسة..
تكشف الشاعر في الأعماق قبل الوصول إلى هذه المرحلة قصيدته "المركب السكران"
حيث انحدار الشاعر إلى أعماقه دونما وصاية وانفصاله عن عالمه.. وكلما أوغل كلما تلمس المستقبل.
فهو هنا في عرق يمثل آخر نقطة يمكن أن يرتد إليها سهم لينطلق موحداً الأزمنة..
"...
انحدرت من عتي النهر
وبحارتي مسمرون على الأعمدة الملونة عراة
بعد أن اتخذهم الهنود الحمر دريئة
محملة بالقطن والحنطة
أخذتني الأنهار بعد هدوء الجلبة.. حيث أشاء
بين مدٍ وجزرٍ.. عاليين
أترنح.. أنا التي منذ شتاءٍ لي دماغ طفل أصم
كأنما أشباه جزرٍ تنفصل عن قاراتها..
هذا الارتعاش المظفّر الذي يسكنني
باركتُ العواصف..
طوبى ليقظة البحر
ها أنا أراقص الأمواج.. بخفّة فلّين.."
إنها تجربة رامبو في تركه الطرق المألوفة التي يتحكم بها الآخرون، متخلياً عن أيّ عمل ليتخلّص من المجتمع التّجاري.. فيرتد إلى البدء.. من البحارة المسمرين إلى ايقاع الهنود الذين أدوا مهمتهم إلى عناق البحر – الانتقال من النهر المحدد إلى البحر.. الرؤية الشاملة.. مراقصة العواصف دونما تجربة /حالة الطفل/..
ومعانقته الخطر والمجهول حتى الغرق.. الابتعاد عن الشواطىء الغوص في الأعماق لنقل التجربة وممارسة دور.. سارق النّار..
في هذه التجربة المنطلقة من هروبها إلى الأعماق لا تقيّدنا أية هندسة عدا عن عبقريةٍ تربط المعاصر بالأولي والبساطة بالمغامرة كهندسة "حسن فتحي" عبقري العمارة والطين.
في قريتيّ (القرنة) جنوب وادي النيل موجه الأقصر، وقرية (المشربية) عاد حسن فتحي إلى مادة الخليقة /الطين/ مصمماً القبة والقوس ومتوحداً مع رحيق الأرض.. طين.. غضار.. كلس دون أية إضافات مستعيضاً عن السقف بالتكور والتقوّس والقبة داعياً إلى التبدل مع الفصول في طلاء العمارة وفي إعادة زخارف الكلس والواجهة التي محتها
الأمطار في الصيف والتجدد في الربيع مع الطبيعة مستعيداً علاقة الإنسان مع البيئة.. وفي مشربياته التي يرى الإنسان من داخلها ولا يرى كعلاقة الإنسان مع الطبيعة في تكوراتها وتحولاتها مدشناً الحداثة المعاشة بدل الوهمية ومستعيداً قرية السماء والأمومة ومدارات الكون..
في المرحلة الثانية من مغامرة اكتشاف المجهول عند (رامبو) كانت الكروكي الأولي لتدشين مشروع الرائي عبر قصيدة "حروف اللين"\\\مجلد\2\صور\15\16\\\
a* سوداء، e بيضاء،i حمراء،u خضراء، o زرقاء:
يا حروف اللين – سأتحدث ذات يوم عن ولاداتك الخفيّة
a مشد وبر لذبابات سود ساطعة تهوّم فوق العفونة، خلجان معتمة
e بياض البخور والخيام.. رمح جليدي مغرور "ملوك صهب.. أزهار ترتعش
i ارجوان.. دمٌ مبصوق.. شفاه تضحك غاضبةً.. تراجع السّكر..
U حلقات.. ارتعاشات مقدسة للبحور الخضراء.. غيبوبة المراعي وحيواناتها
التجاعيد التي تخلفها الكيمياء على جباهٍ واسعة ونزقة.
O البوق الأخير المعبأ بالصرير الحاد والغرابة .. صمت تجتازه العوالم والملائكة..
O آخر الأبجدية .. وتألق عينيها البنفسجيتين...*
هذا النص المعبر عن اندغام الحواس وتضافرها في وحدةٍ محولةً الحروف إلى ألوان ودلالات أخرى في هندسةٍ وتراتبية شكلانية.. وسواء كانت هذه الدلالات ترمز للجسد الأنثوي أو إلى سواه من إشارات لا حصر لها فإنها مليئة بالعلاقات بين الحرف واللون تفيض بالحسّ وتتوزع إلى قسمين بصري وسمعي فيكون للكلمة أحياناً بريق اللون وصدى الصوت بوقتٍ واحدٍ كما في كلمة (ساطعة).. وقد يتحوّل الحرف إلى لون (o) زرقاء ثم إلى صوت البوق الأخير فإلى صمت ثم إلى حرف الأبجدية الأخير فشعاع عينيها البنفسجي..
يبدو وكأن هناك صراعاً بين الممكنات على الاصطفاف باتجاه امتلاك تعريف لتخلق معناها الخاص بها وتمتلك تسميةً في رحلتها من اللامعنى إلى السكون.. إلى الفن الذي يعطيها وجوداً يخصها يفلت باستمرار..
هنا.. أية عمارة متعارف عليها لا تفيدنا فنستعير واحدةً من ألعاب الهندسة هي (لعبة المشكال) التي تكفيها لمسة أو تحويل مجال البصر عنها لتغير أشكالها، اصطفافاتها وألوانها معاً...
تبدو هنا قصيدة حروف اللين لحظة انجاز فني غير مكتملة.. وعدم اكتمالها هو سر جاذبيتها وديمومتها..
من الشكل إلى اللا شكل عبر الأصوات والألوان في وثنية أقرب إلى اللعبة السحرية لغة اللغة – معنى المعنى – روح الروح . تلمس.. ترى.. تشم مستعيناً بالصمت والدوار ومستعيداً عبر كيمياء اللغة لعبة الخيميائيون القدامى في تحويل الأشياء إلى جواهر..
كان (رامبو) يحاول السطو على جسد اللغة وعندما أنهك قال: "إنّ شغّيلة آخرين سيبدؤون من حيث انتهى.. وكان إعلان خيبته .. بدايةً جديدة...
في علم الفونولوجيا ربط "جاكبسون" في عدة تجارب بين الصوتيات واللون وتطابقها بطريقة قياسية حسب بنية الّلغة .. فقوة الكون تتناسب عكساً مع ليونة الحرف والافتراض يقول:
إنّ الأسس الطبيعية للنظام الضوئي والكوني في بنية الدماغ الطبيعية تميل للنظام كما في إشارات المرور
أحمر – أخضر
النظام الحاليّ: أحمر = خطر .. عنف .. دم
أخضر = هدوء .. أمل .. نبات
ولو بدلنا المنظومة لكان:
أخضر = بارد وسامّ
أحمر = حرارة بشرية واتصال..
- عبر البناء الشعري الذي بدأه (رامبو) من لحظة الحسّ الممتلىء وصولاً إلى مرحلة الرائي حيث النفاذ إلى جوهر الأشياء نصل إلى خاتمة مشروعه الشعري "الإشراقات" التي هي محاولة لهدم العالم بالكلمات الجديدة وإعادة إنتاجه بنفس الكلمات..
من قبة ناقوسٍ إلى أختها أمد الحبال
من نافذةٍ إلى أخرى.. أمد أكاليل الورد
من نجمة إلى نجمة أمد السلاسل الذهبية
وأنا أرقص....
من المستنقع المرتفعٍ.. يعلو الدخان
أية ساحرة ستتوج على المغيب الأبيض
أية بنفسجات ستسقط..؟
بداية من البساطة والوضوح النادرين في هذين النصين من الإشراقات التي تحيل إلى العمارة اليابانية وفنّ الرسم وتنسيق الزهور المحكوم بأسس أربعة هي: الايحاء .. اللاتماثل .. البساطة والفناء / عدم الديمومة..\\\مجلد\2 \صورة\17\\\
لنجد في النصوص اللاحقة غموضاً ونبوءاتٍ وفراغاتٍ لتتعامل مع كل حالة باستراتيجية تناسبها.
بعض السماوات تحاذي منظوري، إذ أنا طفل
والطباع جميعها تلون ملامحي.. تتحرك الظواهر حالياً
فيطردني التفاف أبديٌّ للأزمنة والرياضيات اللانهائية
لأعرف كل النجاحات المتمدّنة.
تخبرني الطفولات المدهشة والمشاعر المتدفقة
فأخطط لحرب تقوم على قوة الحق أو على منطق العبث
"ذلك بسيطً كجملةٍ موسيقيّة"
ما الذي سنستعيره لتقريب هذا النصّ الغامض؟؟
- يفقد الكلام هنا علاقاته الممكنة والمنطقية ويتخلخل المعنى تاركاً مساحات كبيرة وواسعة من الفراغات كما في العمارة العربية..
لقد حل المعماري العربي مشكلة الحيز الفراغي في العمارة فعامل الفراغات بالأعمدة التي تعطي شعوراً بالامتداد واللانهاية.. ومن خلال تسلّل الضوء وتخفيته كان الشعور بالطمأنينة اليشبه لحظة الإشراق.. ويماثلها..\\\مجلد\2\صورة 18\\\
في الإشراقات عوالم معمارية يبني فيها الشاعر مدناً وجسوراً ومن منظورات خاصة تلغي ما تعارف عليه الناس لتحل نظاماً ما يتجاوز المعقول وتتالي الزمان والمكان .. وهنا تأخذ العوالم التي يبنيها شعرياً تمثلاتها...
من منا لا يجد المدينة الاستهلاكية ومدن النمل في ثنايا هذا النّص؟
.. أنا فان .. ولست من مواطني المدينة التي تسمَّى حديثة لتجردها من كل ذوق، فقد احتبث من أثاث البيوت وواجباتها ومن مخطط المدينة..
لن تقع هنا على أية آثار لأني مبنى ينبىء بالخرافة. وقد آلت الأخلاق واللغة إلى أبسط حالاتها ملايين لا حاجة بهم للتعارف .. يمرون متشابهين في التربية والمهنة .. والشيخوخة..
هذا النص يذكرنا بزيارة "جون بول سارتر" إلى نيويورك.. والذي لاحظ أنها على عكس كل المدن التي تحتفظ بالمعابد في أعلى الأماكن – في نيويورك أماكن العبادة في أخفض النّقاطّ..
واحتمالات أن تصادف الشخص نفسه في المدن الكبرى حتى ولو كنت عامل مصعد هو 10% وحتى الأموات.. يرمى بهم خارج المدينة.. فبسبب تكاليف الدفن استعيدت عادة الوثنية.. حرق الجثث.
ثم ضيق الحيز الإنساني لصالح الآلات .. ليحشر الإنسان في ساحةٍ تضيف باستمرار طوابق عليا .. وفي قلق الطيران .. صحيح أن الإنسان يحلم بالأجنحة لكنه ملتصق بالتراب الذي يشعره دوماً بالطمأنينة... \\\مجلد 2\صورة\19\\\
الأكثر دهشة .. أننا نجد في ثنايا الإشراقات .. مدينة المستقبل..
... تحت الأرض .. تؤسس العمارات .. يتجمع الضباب .. الطين أحمر، أسود..
مدينة هائلة، ليل لا نهاية له..
الميازيب أقل ارتفاعاً .. وعلى الجوانب كثافة الكرة الأرضية تنهمر من زرقة السماء آبارُ نار ملتقية الأقمار والمذنّبات البحار والأساطير..
بتحسرٍ أتخيل كرات من معادن ولازورد .. أنا الصامت أراقب ما لن ينطفىء في القمة التي في زاوية القبّة..
نتخيّل مدنية المستقبل وفق دراسات المعماريين المستقبليين لنجد أنها إما تحت الأرض او بين الكواكب .. وفي النصّ إحالتان إلى الاحتمالين.
.\\\مجلد\2\صورة\20\\\
\\\مجلد 2\صورة 21\\\
بعد كل هذا التجوال بين العوالم المعمارية والشعرية عند "آرثور راميو" يتضح لنا أن الذاكرة أياً تكن لا يمكن أن تستدعي أو تخلق حدثاً من دون مكان وللمكان في النصّ الرامبوي تجليّات عدة:
مكان تصوري – مكان إدراكي . مكان حسي . مكان فيزيائي .. ومكان مطلق .. ولكل تصور من هذه المناخات طرائقه، عمارته، ولغته.. ولنا أن نتساءل نحن الداخلية إلى ما بعد الحداثة من دون حداثة.. هل تشابه النصوص الشعرية في النماذج والتجارب التي تفجعنا بها المطبوعات ناتج عن العمارة المتشابهة والأنماط الموحدة التي نعيش فيها؟
وهل اللاهويات التي نشاهدها من تحاور أزمنة متفاوتة في المرحلة التي نعايش في العمارة والشعر معاً ناتج عن تفعيل حداثي أم غياب..؟
المؤسس لمرحلة ما بعد الحداثة "هايدجر"
نقد الحداثة في سبيل تجاوزها وعالج العلاقة بين العمارة والشعر بقوله
المرجعية الذاتية للشعر تكون شرط استعمال لغوي حر خارج العادي تشبه النصب التذكاري كونه يذكر بأحدهم عبر زمن ما، لكنه موجهٌ للآخر. فالمعبد اليوناني ودلالاته لا تحمل إلا عبر آثار الزمن من حيث علاقته معه علاقة ضعف وليس تحدٍ .. إنه خلود يعي موته وهو يهادن الزمن للبقاء فيه..
إن تحطم القول الشعري توظيف للحقيقة بعيداً عن كل سلطة ميتافيزيكية..
يعقد علاقته مع الحرية بوصفها حدثاً .. ومن هنا تأخذ العمارة وظيفة" مؤسِسة وتدشينية لمجمل الفنون وأهمها .. الشعر محولة إياه إلى عنصر مكاني..
أخيراً نتذكر قول "بول فاليري"
العمارة شكل من أشكال محبة الناس .. كالشعر تماماً.
"آرثور رامبو"
تعتبر ظاهرة انحلال قيمة الجديد إلى درجة القطيعة من أهم ظواهر ما بعد – الحداثة.
وأكثر ما تجلّت تلك الظاهرة في فئتين هما: العمارة والشعر.
بداية فن العمارة بوصفها الساحة التّي تلتقي فيها الفنون والتي لها السبق الدائم في تأسيس التحولات الجمالية تبعاً للعصر متواشجةً مع نفسها كفن ومع الشّعر كبناء يماثلها.. ولو راجعنا تحولات العمارة في أيّ عصر لوجدنا تَمَثُلّها شعرياً.
هذه العلاقة بين العمارة وبين بقية الفنون تحمل طابعاً إشكالياً فيما عدا علاقتها مع الشعر ففي تقاطعاتها كفنّ مع الفن الشّعري هناك عوامل متعارضة شأنها شأن علاقتها مع بقية الفنون التي تحدد هوية كل منها كفنّ له استقلاليته وهويته وقضاياه التي يتعامل معها.
لسنا هنا بصدد العوامل المختلفة بل المتقاطعة والمتماثلة.. وأحياناً الواحدة..
العمارة هي لحظة التقاء المادي بالروحي والشعر هو لحظة التقاء الروحي بالمادي.
هذا التعارض ينتج فيما ينتجه علاقات جديدة تكون هيَ هيَ في كلا الفنين أي كلاهما شيئ واحد.
ويتم التعامل مع الوحدات المكونة للعمارة، كما يتم التعامل مع الوحدات المكونة للغة مع العمارة بعيداً عن الوظيفية إلى جمالية نكون نحن جزءاً منها أي.. نقيم بها.. نسكنها نكون شاغلي فراغاتها.. ومع البناء الشعري تتكون جمالية شعرية تسكننا.. تقيم فينا فتكون جزءاً من مكوناتنا..
ولو عاملنا منظومة معمارية كنصّ يُقرأ عبر الموسيقا والبنية المكونة له لوجدنا أننا نمثل فيه السرّ واللاشعور والمسكوت عنه.. كذلك البناء الشعريّ لو عاملناه بالطريقة ذاتها لوجدناه يسكننا عبر منظوماتنا، ويكون في بنيته.. مسكوتاً عنه..
لشد ما تتشابك شعرية عصر ما بعمارته فتكون أحياناً، تمثيلياً ورمزياً، كياناً واحداً..
كما العلاقة بين:
بيت الشِّعر= بناء يعتمد تقسيمات = نسيج ـ عامود ـ أعاريض ـ أوتاد ـ أضراب ـ أسانيد. \\\مجلد\\2\\صورة \\1\\\
بيت الشَّعر= بناء جمالي داخلي يتماهى معه = نفس مكوناته..
وإذا اعتبرنا مع فوكو "أنَّ هناك هاجساً مركزياً يقود المعرفة والفنّ في كل فترة ويمارس أثره عليها كسلطة غير معلنة" وتابعنا ذلك في العمارة والشعر نلاحظ:
- تشابه فنون مرحلة الزراعة في القرن الرابع ق.م في المستوى المصري، الرافدي المتوسطي وتشابه العمارة والبناء الشعري في هذا القرن بالذات..
- ولادة الفكر الهندسي المعتمد على الفرجار والمسطرة.. آشور، مصر....... التناظر.. المثلثات.. العمارة اليونانية....\\\مجلد 2\\ صو ر \\2\3\4\\\5\\\
أثر ذلك في الشعر:
- التناظر في بنائية الحالة الشعرية – التشابه بين رمزية العمارة في البحث عن الخلود، وسر الكون، ومحاولة عقلنة الفوضى والالتصاق بالأرض مع محاولة أنسنة المتيا – طبيعة..
- المسافة بين المخيلة والواقع يمكن عبورها. ودائماً لصالح غنى المخيلة... زمن شعري طقوسي.. رمزي...
- سواء علينا إن قلبنا كتاب الموتى أم أسطورة جلجامش أم سفر التكوين البابلي سنجد الأهرامات والزقورات والمعابد وهي تحاول أن تتجه من الغمر والعماء والسديم باتجاه امتلاك المعنى الذي يفلت باستمرار ويمارس تحولاته..
- هذا الانتقال نفسه باتجاه العمارة اليونانية يقسمها فكرياً أو شعرياً إلى نوعين: "أبولون" الوضوح.. الفكر.. المنطق....
"ديونيريس" الروح.. الغريزة.. التمرد.. الانطلاق اللامحدود.. العاصفة
كما في "إلياذة هوميروس" في الآكروبول. مجمع الآلهة على قمة الأولمب والانقسام بين آبولون وديونيزيس كما بين اسبرطة وآثينا..
- في المرحلة الهيلينية وفي التقاء حضارة الشرق مع الغرب أنشئت عدة مدن جديدة أشهرها الاسكندرية التي بنيت لا كعادة بناء المدن لأسباب اقتصادية، طبيعية...
بل لأسباب ثقافية.. حضارية.. حيث أسهمت عوامل عدة في هوية عمارة هذه المدينة مصرية، يونانية، عربية، فارسية... عالميّة.. عمارةٌ تشبه قصائد كلماخوس و سيفروس وكفافيس وتشبه الذات المنفتحة على نفسها وعلى العالم...\\\مجلد\2\صورة 6\\\
العلاقة ذاتها بين العمارة والشعر في المرحلة الرومانية تتميز بالضخامة.. الواقعية.. الجمال كأنها تختصر سغر الطرواديون في الأوديسة في البحث عن وطن بديل عبر البحار في هجرة لا يتبقى منها غير ما هو صالحٌ للبقاء لا يقبل الاختزال،
المطرودون من الفردوس ترافقهم الآلهة والحكايات والمشاق ينتهوا إلى أن العالم بلد واحد لكن طروادة هي.. طروادة..\\\مجلد \2\صورة \7\\\
أما العمارة الإسلامية فهي من لحظة ولادتها بين عدة عوامل تتصارع، استعانت بالعمارة الفارسية والبيزنطية والرومانية لتتعرف على نفسها في لحظةٍ مؤسسة وشمولية وعالمية وتنتج نفسها أيضاً في لحظة تأسيس بين امبراطوريات أنهكها الصراع فسلمت مفاتيحها، وبين ولادة عصر جديد..
الحضارة الإسلامية طعمت نفسها بكل الحضارات فالجامع الأموي كان معبد جوبيتير.. وكان وكان ليصل إلى ما هو عليه.. استعار من بيزنطة الفسيفساء، من روما الأعمدة، من فارس الأقواس.. إنها عبقرية التحول في الزمان والمكان والجغرافيا لإنتاج حالة لا تشبه إلا نفسها وكلما حلّت في أرضٍ تمثلتها اليونان.. فارس.. الهند.. الحبشة.. تمثلتها وأعطتها صبغة مفتوحة لا هي بالشرقية ولا بالغربية
- قصر الحير الأموي –تاج محل- سمر قند- قاهرة المعز.. مئذنة سامراء......الصور \\\8 \9\10 \11\12\\\\
- ديوان العرب – شاهنامة العجم مولوية الترك.. جلال الدين الرومي..
المتنبي.. الفردوسي.. ابن عربي.. و..... أدونيس..
إنها الصبغة المفتوحة التي تسع الشعر والنثر، الملاحدة والمتصوفة، البداية والنهاية، الملل والنحل.. وكل شيء.. وكل شيء..
- القبض على حيّز معماري أو شعري يعني القبض على صانعه وشاغله.. الإنسان.
لماذا آرتوا رامبو؟
لأنه الرائي الذي ربط البداية بالنهاية.. الألفا بالأوميغا فكان ألفا وأوميغا معاً.. ربط القديم والمحمي والبالي بالراهن، أكثر المدنيات قدماً.. بأكثرها تمدناً وحداثة..
من هو آرثور رامبو..؟
ولد عام 1854 في شارلفيل في الآردين الفرنسية على حدود بلجيكا لأم محافظة وأب ضابط، أب غادر نهائياً ورامبو دون العاشرة..
حثه معلمه ايزامبار للاطلاع على الأدب والفكر المعاصر هوغو، دوبانفيل، سولي برودوم، وعلى قراءة كتّاب ومفكرين ومؤرخين مثل: برودون، سان سيمون، ماركس...
- نظم أولى قصائده في الخامسة عشرة "هدايا اليتامى في عيد الميلاد" وفي السادسة عشرة أرسل إلى زعيم البيرناسيين "تيودور دوبانفيل" قصائده "إحساس أوفيليا. شمس وجسد" لينشرها في مجلة "البرناس المعاصر"
هرب إلى باريس 1870 وعاد إلى شارلفيل بعد أن سجن هناك ثم قصد بروكسل ليتحقق ثانيةً ويعود إلى مدينته.. عاد ومعه قصيدتاه "في الحانة الخضراء، بوهيميتي"
في 1871 شهد قيام الكومونة.. وكان لسقوطها أثر كبير في نفسه..
وفي أيلول من العام نفسه كان لقاؤه المؤثر مع شاعر الرمزية "بول فيرلين" وتشردهما معاً بين باريس، لندن وبروكسيل وتعاطيهما لكل أنواع المخدرات، والمسكرات والارتكابات، والقصائد بوصفهما أبناء للشمس حتى 1873 وافتراقهما بشكل نهائي، وإصداره كتابه "فصل في الجحيم"
انصرف عن الشعر متجهاً إلى ألمانيا، سويسرا.. ثم مشياً على قدميه إلى إيطاليا ليقعده المرض فيعود إلى مارسيليا.
1876 ينخرط في الجيش الهولندي لمدة ستة سنوات.. يرسل إلى جاكارتا فيهرب عائداً إلى شارلفيل.. حالماً بهجرات جديدة..
1877 يطوف في أوربا. 1878 يصل قبرص ماراً بالاسكندرية. يصاب بالتيفوئيد ليعود إلى فرنسا.. من عام 1880 إلى 1891 كانت حياته هجرات وسفر متصل مصر، عدن، هرار في الحبشة.. ثم عدن. الصومال.. ثم تقطع ساقه نتيجة المعاناة
في 10/11/1891 يموت الرائي. المغامر رامبو عن سبعٍ وثلاثين عاماً ليدفن في شارلفيل..
مشروعه الشعري وعلاقته مع فن العمارة..
إن عمر مغامرة رامبو الشعرية زمنياً هي أربع سنوات بدأت من سن السادسة عشرة ليقدم للعالم خلالها أربعاً وأربعين قصيدةً، نصوص فصل في الجحيم.. ثم "الإشراقات"..
الشاعر الذي تفتح وعيه على سحق الكومونة، ودعوة بودلير للرحيل إلى المجهول جعل من حياته سفراً لا يرتوي وكأن انتقاله في الأمكنة انتقال في الأزمنة..
- يقسم المشروع الشعري الرامبوي إلى ثلاثة مراحل:
المرحلة الأولى: مرحلة حسية تغنى بها بالحب والقوة والجمال انطلاقاً من امتلاء حواسّه بها متأثراً بالرومانسيين "جورج صاند – فيكتور هوجو" كما في قصيدته "النائم في الوادي" وبالبيرناسييّن مثل "دوبونفيل" عناية بالشكل، غنى الفافية، تسطير الأبيات كما في قصيدته "رأس حيوان" ثم تخلى عن كل ذلك ليدخل..
المرحلة الثانية: توضح فيها أثر "بودلير" وصولاً إلى نفسه عبر تشويش حواس ودعوته لأن يمارس الشاعر دور سارق النار.
المرحلة الثالثة: هي مرحلة الرائي.. وقصيدته حروف اللين ثم الإشراقات، نهاية مشروعه الشعري.. وميله إلى هدم العالم القديم بكلمات جديدة وإعادة الإعمار بالكلمات ذاتها ينتهي إلى الصمت..
علاقة شعر رامبو بالعمارة
في بداية مشروعه الشعري مارس رامبو ثبات اللحظة الراهنة، واستعاد الطبيعة ليعود إلى البدايات لإعادة تكوين عالمه الجمالي ولغته.. وكلما مارس الارتداد كان يبدو أشد وضوحاً.
هذا الرجوع كان هدفه الذهاب للمستقبل كما السهم كلما ارتد إلى الوراء كلما كانت انطلاقته إلى الأمام أقوى وأكثر ديمومة. وما دام رامبو وصلنا بجنونه وهلوساته ومشروع الرائي يمكننا أن نفهم كم ارتد إلى البدايات.
اتسمت عودته الأولى بالوضوح على رأي "ميلان كونديرا" إننا ننظر إلى الماضي بوضوح.. إلى الحاضر بتمعّن وإلى المستقبل – عبر الضّباب، وكذلك تبدت في رسوم "هنري ميشو" الوحشية التي رسمت تحت تأثير العقاقير. إذ نلاحظ الشبه مع الرسوم البدائية التي تركها الإنسان على الكهوف /ارتداد للبدايات/
من قصائد المرحلة الأولى المتسمة بالعناية بالشكل والوضوح قصيدة "النائم في الوادي"
" يرقد جنديٌّ مفتوح الفم منكشف الرأس
تغطيه النباتات الغضّة
ممتداً على العشب تحت السّحب
باهت الوجه في سريره المحاط بالضوء
قدماه في سيف الغراب
وله ابتسامة طفل متعبة
أيتها الطبيعة.. امنحيه حرارتك.. لقد مسّه البرد
والعطور لم تحرك أنفه
هذا الراقد.. مغموراً بالشمس.. ويده على صدره
وفي جنبه الأيمن
ثقبان.. قانيان.."
في هذه المرحلة.. كانت بنائية القصيدة السائدة تتراوح بين رومانسية(فيكتور هوجو) وبرناسية (دوبانفيل) و(بودلير) المتململ.. كانت مرحلة تشبه عمارتها إذ يمكننا استعارة بنائية واجهة كنيسة (نوتردام) \\\مجلد\2\صورة\13\\\ واستعارة إحدى قاعات (فرساي) قاعة المرايا حيث للانعكاس الواقعي تمثّل غير واقعي.. بل.. ومميّز
.\\\مجلد\2\صورة\14\\\
هذا التململ كان يقود التراجع إلى منتهاه ويقود الشاعر نحو بنائية جديدة ينقلب فيها على الميزان اللغوي والمعماري.. ينقلب على الحواس والممكنات الواقعية منطلقاً من ماضيه إلى عصره.. إلينا.. إلى المستقبل عابراً كل أنواع اللغات والرؤى والأساليب وصولاً إلى مرحلة الرائي بعد تجارب حسيّة واجتماعية منجزاً
ميتا – لغة – ميتا – هندسة..
تكشف الشاعر في الأعماق قبل الوصول إلى هذه المرحلة قصيدته "المركب السكران"
حيث انحدار الشاعر إلى أعماقه دونما وصاية وانفصاله عن عالمه.. وكلما أوغل كلما تلمس المستقبل.
فهو هنا في عرق يمثل آخر نقطة يمكن أن يرتد إليها سهم لينطلق موحداً الأزمنة..
"...
انحدرت من عتي النهر
وبحارتي مسمرون على الأعمدة الملونة عراة
بعد أن اتخذهم الهنود الحمر دريئة
محملة بالقطن والحنطة
أخذتني الأنهار بعد هدوء الجلبة.. حيث أشاء
بين مدٍ وجزرٍ.. عاليين
أترنح.. أنا التي منذ شتاءٍ لي دماغ طفل أصم
كأنما أشباه جزرٍ تنفصل عن قاراتها..
هذا الارتعاش المظفّر الذي يسكنني
باركتُ العواصف..
طوبى ليقظة البحر
ها أنا أراقص الأمواج.. بخفّة فلّين.."
إنها تجربة رامبو في تركه الطرق المألوفة التي يتحكم بها الآخرون، متخلياً عن أيّ عمل ليتخلّص من المجتمع التّجاري.. فيرتد إلى البدء.. من البحارة المسمرين إلى ايقاع الهنود الذين أدوا مهمتهم إلى عناق البحر – الانتقال من النهر المحدد إلى البحر.. الرؤية الشاملة.. مراقصة العواصف دونما تجربة /حالة الطفل/..
ومعانقته الخطر والمجهول حتى الغرق.. الابتعاد عن الشواطىء الغوص في الأعماق لنقل التجربة وممارسة دور.. سارق النّار..
في هذه التجربة المنطلقة من هروبها إلى الأعماق لا تقيّدنا أية هندسة عدا عن عبقريةٍ تربط المعاصر بالأولي والبساطة بالمغامرة كهندسة "حسن فتحي" عبقري العمارة والطين.
في قريتيّ (القرنة) جنوب وادي النيل موجه الأقصر، وقرية (المشربية) عاد حسن فتحي إلى مادة الخليقة /الطين/ مصمماً القبة والقوس ومتوحداً مع رحيق الأرض.. طين.. غضار.. كلس دون أية إضافات مستعيضاً عن السقف بالتكور والتقوّس والقبة داعياً إلى التبدل مع الفصول في طلاء العمارة وفي إعادة زخارف الكلس والواجهة التي محتها
الأمطار في الصيف والتجدد في الربيع مع الطبيعة مستعيداً علاقة الإنسان مع البيئة.. وفي مشربياته التي يرى الإنسان من داخلها ولا يرى كعلاقة الإنسان مع الطبيعة في تكوراتها وتحولاتها مدشناً الحداثة المعاشة بدل الوهمية ومستعيداً قرية السماء والأمومة ومدارات الكون..
في المرحلة الثانية من مغامرة اكتشاف المجهول عند (رامبو) كانت الكروكي الأولي لتدشين مشروع الرائي عبر قصيدة "حروف اللين"\\\مجلد\2\صور\15\16\\\
a* سوداء، e بيضاء،i حمراء،u خضراء، o زرقاء:
يا حروف اللين – سأتحدث ذات يوم عن ولاداتك الخفيّة
a مشد وبر لذبابات سود ساطعة تهوّم فوق العفونة، خلجان معتمة
e بياض البخور والخيام.. رمح جليدي مغرور "ملوك صهب.. أزهار ترتعش
i ارجوان.. دمٌ مبصوق.. شفاه تضحك غاضبةً.. تراجع السّكر..
U حلقات.. ارتعاشات مقدسة للبحور الخضراء.. غيبوبة المراعي وحيواناتها
التجاعيد التي تخلفها الكيمياء على جباهٍ واسعة ونزقة.
O البوق الأخير المعبأ بالصرير الحاد والغرابة .. صمت تجتازه العوالم والملائكة..
O آخر الأبجدية .. وتألق عينيها البنفسجيتين...*
هذا النص المعبر عن اندغام الحواس وتضافرها في وحدةٍ محولةً الحروف إلى ألوان ودلالات أخرى في هندسةٍ وتراتبية شكلانية.. وسواء كانت هذه الدلالات ترمز للجسد الأنثوي أو إلى سواه من إشارات لا حصر لها فإنها مليئة بالعلاقات بين الحرف واللون تفيض بالحسّ وتتوزع إلى قسمين بصري وسمعي فيكون للكلمة أحياناً بريق اللون وصدى الصوت بوقتٍ واحدٍ كما في كلمة (ساطعة).. وقد يتحوّل الحرف إلى لون (o) زرقاء ثم إلى صوت البوق الأخير فإلى صمت ثم إلى حرف الأبجدية الأخير فشعاع عينيها البنفسجي..
يبدو وكأن هناك صراعاً بين الممكنات على الاصطفاف باتجاه امتلاك تعريف لتخلق معناها الخاص بها وتمتلك تسميةً في رحلتها من اللامعنى إلى السكون.. إلى الفن الذي يعطيها وجوداً يخصها يفلت باستمرار..
هنا.. أية عمارة متعارف عليها لا تفيدنا فنستعير واحدةً من ألعاب الهندسة هي (لعبة المشكال) التي تكفيها لمسة أو تحويل مجال البصر عنها لتغير أشكالها، اصطفافاتها وألوانها معاً...
تبدو هنا قصيدة حروف اللين لحظة انجاز فني غير مكتملة.. وعدم اكتمالها هو سر جاذبيتها وديمومتها..
من الشكل إلى اللا شكل عبر الأصوات والألوان في وثنية أقرب إلى اللعبة السحرية لغة اللغة – معنى المعنى – روح الروح . تلمس.. ترى.. تشم مستعيناً بالصمت والدوار ومستعيداً عبر كيمياء اللغة لعبة الخيميائيون القدامى في تحويل الأشياء إلى جواهر..
كان (رامبو) يحاول السطو على جسد اللغة وعندما أنهك قال: "إنّ شغّيلة آخرين سيبدؤون من حيث انتهى.. وكان إعلان خيبته .. بدايةً جديدة...
في علم الفونولوجيا ربط "جاكبسون" في عدة تجارب بين الصوتيات واللون وتطابقها بطريقة قياسية حسب بنية الّلغة .. فقوة الكون تتناسب عكساً مع ليونة الحرف والافتراض يقول:
إنّ الأسس الطبيعية للنظام الضوئي والكوني في بنية الدماغ الطبيعية تميل للنظام كما في إشارات المرور
أحمر – أخضر
النظام الحاليّ: أحمر = خطر .. عنف .. دم
أخضر = هدوء .. أمل .. نبات
ولو بدلنا المنظومة لكان:
أخضر = بارد وسامّ
أحمر = حرارة بشرية واتصال..
- عبر البناء الشعري الذي بدأه (رامبو) من لحظة الحسّ الممتلىء وصولاً إلى مرحلة الرائي حيث النفاذ إلى جوهر الأشياء نصل إلى خاتمة مشروعه الشعري "الإشراقات" التي هي محاولة لهدم العالم بالكلمات الجديدة وإعادة إنتاجه بنفس الكلمات..
من قبة ناقوسٍ إلى أختها أمد الحبال
من نافذةٍ إلى أخرى.. أمد أكاليل الورد
من نجمة إلى نجمة أمد السلاسل الذهبية
وأنا أرقص....
من المستنقع المرتفعٍ.. يعلو الدخان
أية ساحرة ستتوج على المغيب الأبيض
أية بنفسجات ستسقط..؟
بداية من البساطة والوضوح النادرين في هذين النصين من الإشراقات التي تحيل إلى العمارة اليابانية وفنّ الرسم وتنسيق الزهور المحكوم بأسس أربعة هي: الايحاء .. اللاتماثل .. البساطة والفناء / عدم الديمومة..\\\مجلد\2 \صورة\17\\\
لنجد في النصوص اللاحقة غموضاً ونبوءاتٍ وفراغاتٍ لتتعامل مع كل حالة باستراتيجية تناسبها.
بعض السماوات تحاذي منظوري، إذ أنا طفل
والطباع جميعها تلون ملامحي.. تتحرك الظواهر حالياً
فيطردني التفاف أبديٌّ للأزمنة والرياضيات اللانهائية
لأعرف كل النجاحات المتمدّنة.
تخبرني الطفولات المدهشة والمشاعر المتدفقة
فأخطط لحرب تقوم على قوة الحق أو على منطق العبث
"ذلك بسيطً كجملةٍ موسيقيّة"
ما الذي سنستعيره لتقريب هذا النصّ الغامض؟؟
- يفقد الكلام هنا علاقاته الممكنة والمنطقية ويتخلخل المعنى تاركاً مساحات كبيرة وواسعة من الفراغات كما في العمارة العربية..
لقد حل المعماري العربي مشكلة الحيز الفراغي في العمارة فعامل الفراغات بالأعمدة التي تعطي شعوراً بالامتداد واللانهاية.. ومن خلال تسلّل الضوء وتخفيته كان الشعور بالطمأنينة اليشبه لحظة الإشراق.. ويماثلها..\\\مجلد\2\صورة 18\\\
في الإشراقات عوالم معمارية يبني فيها الشاعر مدناً وجسوراً ومن منظورات خاصة تلغي ما تعارف عليه الناس لتحل نظاماً ما يتجاوز المعقول وتتالي الزمان والمكان .. وهنا تأخذ العوالم التي يبنيها شعرياً تمثلاتها...
من منا لا يجد المدينة الاستهلاكية ومدن النمل في ثنايا هذا النّص؟
.. أنا فان .. ولست من مواطني المدينة التي تسمَّى حديثة لتجردها من كل ذوق، فقد احتبث من أثاث البيوت وواجباتها ومن مخطط المدينة..
لن تقع هنا على أية آثار لأني مبنى ينبىء بالخرافة. وقد آلت الأخلاق واللغة إلى أبسط حالاتها ملايين لا حاجة بهم للتعارف .. يمرون متشابهين في التربية والمهنة .. والشيخوخة..
هذا النص يذكرنا بزيارة "جون بول سارتر" إلى نيويورك.. والذي لاحظ أنها على عكس كل المدن التي تحتفظ بالمعابد في أعلى الأماكن – في نيويورك أماكن العبادة في أخفض النّقاطّ..
واحتمالات أن تصادف الشخص نفسه في المدن الكبرى حتى ولو كنت عامل مصعد هو 10% وحتى الأموات.. يرمى بهم خارج المدينة.. فبسبب تكاليف الدفن استعيدت عادة الوثنية.. حرق الجثث.
ثم ضيق الحيز الإنساني لصالح الآلات .. ليحشر الإنسان في ساحةٍ تضيف باستمرار طوابق عليا .. وفي قلق الطيران .. صحيح أن الإنسان يحلم بالأجنحة لكنه ملتصق بالتراب الذي يشعره دوماً بالطمأنينة... \\\مجلد 2\صورة\19\\\
الأكثر دهشة .. أننا نجد في ثنايا الإشراقات .. مدينة المستقبل..
... تحت الأرض .. تؤسس العمارات .. يتجمع الضباب .. الطين أحمر، أسود..
مدينة هائلة، ليل لا نهاية له..
الميازيب أقل ارتفاعاً .. وعلى الجوانب كثافة الكرة الأرضية تنهمر من زرقة السماء آبارُ نار ملتقية الأقمار والمذنّبات البحار والأساطير..
بتحسرٍ أتخيل كرات من معادن ولازورد .. أنا الصامت أراقب ما لن ينطفىء في القمة التي في زاوية القبّة..
نتخيّل مدنية المستقبل وفق دراسات المعماريين المستقبليين لنجد أنها إما تحت الأرض او بين الكواكب .. وفي النصّ إحالتان إلى الاحتمالين.
.\\\مجلد\2\صورة\20\\\
\\\مجلد 2\صورة 21\\\
بعد كل هذا التجوال بين العوالم المعمارية والشعرية عند "آرثور راميو" يتضح لنا أن الذاكرة أياً تكن لا يمكن أن تستدعي أو تخلق حدثاً من دون مكان وللمكان في النصّ الرامبوي تجليّات عدة:
مكان تصوري – مكان إدراكي . مكان حسي . مكان فيزيائي .. ومكان مطلق .. ولكل تصور من هذه المناخات طرائقه، عمارته، ولغته.. ولنا أن نتساءل نحن الداخلية إلى ما بعد الحداثة من دون حداثة.. هل تشابه النصوص الشعرية في النماذج والتجارب التي تفجعنا بها المطبوعات ناتج عن العمارة المتشابهة والأنماط الموحدة التي نعيش فيها؟
وهل اللاهويات التي نشاهدها من تحاور أزمنة متفاوتة في المرحلة التي نعايش في العمارة والشعر معاً ناتج عن تفعيل حداثي أم غياب..؟
المؤسس لمرحلة ما بعد الحداثة "هايدجر"
نقد الحداثة في سبيل تجاوزها وعالج العلاقة بين العمارة والشعر بقوله
المرجعية الذاتية للشعر تكون شرط استعمال لغوي حر خارج العادي تشبه النصب التذكاري كونه يذكر بأحدهم عبر زمن ما، لكنه موجهٌ للآخر. فالمعبد اليوناني ودلالاته لا تحمل إلا عبر آثار الزمن من حيث علاقته معه علاقة ضعف وليس تحدٍ .. إنه خلود يعي موته وهو يهادن الزمن للبقاء فيه..
إن تحطم القول الشعري توظيف للحقيقة بعيداً عن كل سلطة ميتافيزيكية..
يعقد علاقته مع الحرية بوصفها حدثاً .. ومن هنا تأخذ العمارة وظيفة" مؤسِسة وتدشينية لمجمل الفنون وأهمها .. الشعر محولة إياه إلى عنصر مكاني..
أخيراً نتذكر قول "بول فاليري"
العمارة شكل من أشكال محبة الناس .. كالشعر تماماً.