سيميائيةالجسد في شعر جويس منصور

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • سيميائيةالجسد في شعر جويس منصور

    الشعروالرقص
    سيميائيةالجسد في شعر جويس منصور


    الرقص كان أقرب طرق البشر وأولها للتعبير عن دواخلها فالكائن البري جسّد الأحداث والطبيعة مستلهماً إيقاعاتها منها إلى أية حالة تعبيرية أخرى. إنها شعرة تعبر عن نفسها دون أية مسافة بينها وبين ما تمثله وقد تطورت هذه الوسائط بامتلاك الإنسان لغة مجردة.
    التعبير الجسدي أكثر التصاقاً وصدقاً وشاعرية من الكلمات فاللغة تكذب وتموه أما الجسد فلا يعرف الكذب فهو يقول جوانبه سواء كان تعبيره مباشراً قريباً أو ملغزاً بعيداً وتؤدي الحركات المهمة الملقاة على اللغة.
    مثال -خطوة مفاجئة إلى الأمام تساوي قوة معاكسة- الدوران يساوي التجوال-انحناءة الرأس تساوي البكاء أو الحزن-خطوة إلى الوراء تساوي الدهشة....إلخ.
    فالجسد مرآة تعكس الداخل والخارج والعلاقة بينهما ترجمة لأحاسيس وتشكيل خطابات مصاغة حركياً.رافق الرقص الإنسان في كافة مراحل تطوره، ففي مرحلة الصيد والالتقاط كان التعبير الجسدي والشعري هو تعبيراً حراً مقلداً للطبيعة.\\\http://youtu.be/2vdIniRn9g0\\\
    أما في مرحلة الاستقرار فقد نقل التعبير الجسدي والشعري إلى فضاء المعبد\\\http://youtu.be/nvlmFxZeyPY\\\
    ا,نتقل في مرحلة العبودية إلى الأسواق والحانات.
    أما في المرحة اليونانية فقد مرّ التعبير الجسدي ومعه الشعر بتطورات قسمته إلى ثلاثة أقسام-ديني يؤديه الكهان وخدم المعابد من رجال ونساء.
    دنيوي: مرتبط بالاحتفالات والمناسبات والأعياد.
    مسرحي: في الملهاة تؤديه الجوقة عبر أربعة وعشرون راقصاً يتناوبون الرقص والإلقاء.
    وفي المأساة يكون العدد خمسة عشر راقصاً ومؤدياً.
    الامبراطور الصيني تانغ تسونغ (712-756ق.م) أنشأ في حديقة قصره أو ل معهد للرقص وكان هو موسيقياً وراقصاً وشاعراً.\\\http://youtu.be/360hyeh5czc\\\
    في المرحلة الاقطاعية في أوروبا وأمام أبواب القصور كانت فرق الجوالين تخلط بين الغناء والرقص والشعر وكان للاستعراضات الكنسية دوراً في نشوء الفرق التي جمعت بين الرقص والشعر والتمثيل ثم تطور أداء هذه الفرق ليمهد لظهور الباليه.
    الذي أصبحت له صالات خاصة به بعيداً عن المناسبات الدينية والشعبية وقد ظهر وتطور في قصر فرساي 1581 وفي عهد ماري انطوانيت أسس أول معهد للرقص وكان لويس الرابع عشر يجيد الباليه ويشترك في حفلات الرقص.
    وأسست أكاديمية الرقص 1661 وقد تم تقسيمه إلى رقص أسطوري – رقص أوبرالي – وباليه.
    يعتبر فن البلاط الملكي الذي يعود إلى الإيطالي "برجوزيوبوتا" الذي قدم لأول مرة حفل زواج لعائلتين تم فيه الاعتماد على الإيحاء والرقص والشعر للربط بين مشاهد مختلفة ممهداً لفن الباليه الذي تطور لاحقاً على يد تشايكوفسكي الذي فرج بين عناصر الباليه متعاوناً مع معلم الرقص (بويتبا) بين الشعر والرقص والموسيقا ونتيجة لاشتغال الروس والانكليز على هذا الفن تكونت قواعد جديدة جمعت بين الفردي والجماعي والصامت والشعري المعبر عنه جسدياً.
    «وكان لمسرح البلوشوي دوره في تطوير هذا الفن ونشره شرقاً وغرباً وأهم الأعمال التي قدمت:
    بحيرة البجع- \\\http://youtu.be/IW3GAjAKges\\\
    كسارة البندق \\\http://www.youtube.com/watch?v=p30VT...st=PL4XKCRKztz sbx2PexzUWSmL7J9KhlmVAg\\\
    الأميرة النائمة \\\http://youtu.be/uthSz6nPg2Y\\\
    لتشايكوفسكي.\
    تكريس الربيع – سترافنسكي\\\http://youtu.be/Z0xNo2894Fw\\\
    عصفور النار لسترافنسكي.\\\http://youtu.be/EC6MmmLKEmA\\\

    كوبيليا وسلفيا لغونو
    شمشون ودليلة –عايدة – لفيردي وغيرها...»


    الرقص ترجمة جسدية لمشاعر داخلية وإضافة لهذه الصفة يشترك مع الشعر بكونهما فنان إيقاعيان الرقص جسدي والشعر شفهي.
    الشعر ليس مجرد إشارات لغوية وكذلك الرقص ليس مجرد علامات جسديةة بل هما فعلان ينقلان لنا الإيقاع الذي لا يعني هنا الوزن فنحن يمكننا سماع دقات القلب في الانفعال ويمكن لنا ترجمتها لغوياً وبهذه الترجمة يتم نقل أثرها إلى الأخرين بفعل يشبه فعلها فالإيقاع يساوي تحولات العواطف والمشاعر وتنظيمها جسدياً في حالة الرقص والتعبير الجسدي ولغوياً في حالات التعبير الشعري.
    الرقص والشعر والمرأة
    الفن عموماً في بداياته كان نشاطاً نسوياً تمّ تناقله عبر الأجيال فيما الرجال مشغولون بالصراعات والصيد.
    وبعد بناء المعابد التي تولى رعاية طقوسها الرمزية النساء باعتبارهن رمزاً للقداسة والخصوبة تعلمت الفتيات الفنون ومنها الشعر والرقص وكان هذان الفنان في رعاية الطقوس الرمزية ويتوليان التعبير عنها ولا تزال آثار هذه الطقوس واضحة في الرقص الشرقي الذي يبرز الجزء الأسفل من البطن باعتباره رمزاً للخصب وإلى الآن تؤدي
    نساء البربر رقصة هز البطن في مكان مغلق حول امرأة على وشك الولادة.
    حيثما هنالك شعراً ورقص هنالك امرأة حتى في المعاني غير المباشرة يحضر هذان الفنان معاً أدائياً وشعرياً ففي الحروب يرقص الرجال مع الموت وكأنهم يراقصون امرأة كذلك في أي فضاء يصلح لتجسيد أي رمز واقعياً كان أم مجازياً، الخلاصة أن أي فضاء يصلح للشعر والرقص هو واحد في ما يقوله الجسد وما لا يقوله الشعر.
    ففي الرقصات الطقوسية هنالك دائماً ترميز جسدي لتوحد الحياة والموت كما في رقصة سيشغا الهندية ورقصة الكوبرا وكذلك رقص المولوية وعموم الرقصات الصوفية حيث يأخذ الرقص من الشعر أحد أهم أدواته، الاتصال بين الفرد والجماعة ويساهم في الجانب الحركي منه في إعطاء فعالية لا تمتلكها اللغة وفي الكشف عن رغبات عادة ما يتم تمويه الجزء الأكبر منها في اللغة ومن هنا التركيز على البنية الحسية للرمز انفعالياً وتأثيرياً وليس لغوياً فالبنى الرمزية في أساساتها المكونة مدركات حسية تحولت إلى رموز على رأي سوزان لانغر.
    ولحظة إدراك الجسد لنفسه ينتج قصيدته وقصده ولكن هذا الأمر شديد الخصوصية وتعميمه يساوي الفجاجة فالخصوصية هي المطلب أي الجسد الذي طور لغته الأدائية الفنية وامتلك خصوصيته ليفصح عن رموزه كالقصيدة وهو هنا أداة رقي ومعرفة وتسامي.
    لعله من الطريف أن كاترين دوميتشي سليلة العائلة التي لعبت في أوروبا دوراً عبر مئات السنين وكان لها أمجادها وضحاياها من العائلة نفسها حين قررت أن تلهي أولادها عن الاشتغال بالسياسة، استحضرت فنون الباليه الأدائية من ايطاليا إلى فرنسا وطورته برعاية فنانيه والاشتغال عليه في بلاطها ومع عائلتها.
    العلاقة الأقنومية المتواشجة بين المرأة والرقص والشعر تبدو جلية الحضور وواضحة المعالم في تجربة الشاعرة السريالية المصرية جويس منصور
    كما سنبين ذلك بعد أن نتعرف على هذه الطفلة القادمة من فضاءات حكاية شرقية.
    -ولدت جويس منصور عام 1928 في انجلترا.
    -درست في سويسرا و(مصر موطنها الأصلي) وأقامت في باريس.
    -بطلة مصر في المئة متر قفز عالي لأكثر من مرّة.
    -توفيت والدتها وهي في الخامسة عشرة من عمرها وتوفي زوجها الأول وهي في الواحدة والعشرين.
    -تعرفت على الشاعر جورج حنين الذي رعى فرادتها ورعاها وقدمها إلى السورياليين في صالون الشاعرة –ماري كافاديا-
    -اصدرت مجموعتها الأولى –صرخات 1953 ديوانها الثاني –تمزّقات 1955 كولو1960 ثم مجموعة الخابسات وكتاب شعري مشترك مع الشاعر الأميريكي تيد جونز.
    -انضمت إلى السريالية 1953 واعتمدت الحلم والمصادفة والإيروس... وكانت باعتراف السورياليين أبرز صوت داخل الحركة بين 1953- 1966وبعد انحلال السوريالية 1969 مارست تجربة المزج بين الشعر والرسم فاعتمدت رسوماً لـ بيير آليشنكي-جورج كاماشو-هانزبالمر.
    -ابتكرت منحوتات من الكرات والمسامير سمتها الأشياء الشريرة.
    -كانت جويس منصور جميلة وأنيقة وغريبة الأطوار ففي عام 1968 وفي مؤتمر ثقافي بكوبا ركلت الرسام سيكويروس بسبب مشاركته في محاولة اغتيال تروتسكي وكانت ترفض أي سياق فكري منظم رفضت إعلان حل السريالية الذي أعلنه جان شوستر 1969 وانتمت إلى تيار.
    -فنسان بوتور عبر نشرة الارتباط السريالي وظلت وفيه للمشروع حتى وفاتها.
    كانت جويس حاضرة في المشهد العالمي وغائبة عن المشهد العربي..
    كان الجانبان المختلفان من السريالية يلتقيان لديها –بروتون-جوفروا-ماتا وفيكتور براون وكانت الرابطة بين السرياليين ومبدعين آخرين كـ هنري ميشو –جوليان غراك-ولها مراسلات مع بروتون، جورج حنين-هنري ميشو-بيير دومانديارغ-جورج هويتي.
    توفيت جويس منصور 1986 بعد صراع طويل ومؤلم مع السرطان..
    كتبت جويس أن الشعر وسيلة للتحرر من ألم لا يطاق ونصوصها الأولى المكتوبة بالانجليزية (صرخات) محاولة لتمرير الغضب بتعابير حادة وأحياناً صادمة..
    «فتحت رأسك حتى قرأت افكارك
    قضمت عينيك لتذوق نظرتك
    شربت دمك للتعرف على رغبتك
    ومن جسدك، وعملت غذائي...»
    تتكلم جويس عن التجربة بشكل مباشر وفج عنيف، عفوي وثائر بإيقاعات تشبه رقص البوتو الياباني حيث يتكلم الجسد بغضب متحرراً من الأشياء المسبغة وبعيداً عن كراهات بليغة تعجز عنها لغة الكتابة القولبة وأداة القهر على رأي غيرتوفسكي
    «فراغ يعلو رأسي والدومات في فمي
    وأنت على ظهري
    بينما قط السقف
    يخرمش عين الباحث عن ربّه»
    الآيروسية هنا ليست وسيلة هدم أو اجتماع بل جوهر وتحدي بوجه العالم ووسيلة لفهمه، إنها قول ما نشعر به مثلما نشعر به كطريقة للتعبير، فالجسد بناء رمزي وليس بناء مستقلاً ومن هنا التصورات اللانهائية التي تبحث عن إعطائه معنى وسبباً وطابعاً متناقضاً بين ثقافية وأخرى... وإذا تأملنا النقوش التي تصور الرقصات والمشاهد الايروتيكية وجدنها تهدف إلى التقريب بين الرجل والمرأة المحاصرين بأهوال الحروب والمجاعات والكوارث التي تؤدي إلى غياب وفتور رغبة كل منهما بالآخر فهي وسيلة فنية لإعادة التوازن الطبيعي وإشعال الرغبة من جديد وفسر الانتربولوجيون والآركولوجيون هذه الرقصات بشعائر الخصب وغريزة الاستمرار لدى البشر والثديات وأنواع أخرى...
    «عارية والموت يرتل
    عارية تحت شعري المتناثر
    وعيناك المسكونتان بالغربة والمينا ترصدانني
    عارية في متاهات ما بعد انتصاف الليل اللانهائي الذي يرعبني
    لأن أحلامي الموشاة في رأسي الثقيل
    تنحل.. والموت... يرتل...»
    سخرية مرّة ولعب مع الدم والعرق والموت والحب وكذلك عبث بالمسكوت عنه يدخل الجسد المستباح فضاء حراً مستنفراً وكأنه رقص أو يقرأ نفسه كقصيدة، ويبدو حضور الموت في ساعة الحب هنا عودة إلى بدايات أولية في فجر البشرية لازالت في مخيلة الإنسان.. إنها رعب وافتتان بالولادة التي تعني الموت والحياة إذ في الأزمنة السحيقة كانت النساء تموت في أثناء الولادة مما جعل تواصلها مع جسدها مرعباً وفاتناً وجعل الرجل يخترع الرقص والطقس والشعر لاقناعها بإزالة مخاوفها، إنها رقصة ثنائية على التخوم بين المعاني والجسد والذاكرة التي تغادر زمانها ومكانها إلى أماكن سريّة في أعمق أعماق الكائن حيث الجسد كائن مستقل اعتباري في ايقاعات مقاربة للشعر يقول الشعر مرة وأخرى، يقوله الشعر..
    «ادعني لقضاء الليل في فمك
    حدّثني عن شباب الأنهار
    اضغط على عينيك الزجاجيتين لساني
    أعطيني فخذك وكأنني مرضعة
    ولتنم يا أخ أخي
    فقبلاتنا أسرع من الليل...»
    في بدايتها الغاضبة كانت جوس تكيل الشتائم ذات اليمين وذات اليسار وبصرخاتها المتقطعة الوحشية السنورية كانت تمثل توق الجسد وغضبه وثوراته لتتحول في مرحلة لاحقة إلى الغوص داخل الجسد واستنطاقه فمن معرفة العالم عبر الجسد إلى معرفة الجسد عبر العالم وكأنها هنا بدل الرقص الايقاعي القادم من أماكن غائبة حول نار تتراقص تهمد لتغوص باحثة عن النيران الداخلية وتمارس نوعاً آخر من الشعر الممزوج بالجسد، إنه الرقص الطقوسي التأملي العرفاني الذي يشبه تجربه الاستبصار الداخلية..
    «ترتسم الثمانية حول ثديي
    ما إن أجلس حتى ينفتح سري
    سري الأبيض المشرب بالدم
    يتفتح ويبكي.. يتفتح ويموت
    تصغر الظلال تحت الشجر
    والأعوام يغيبها الليل الحالك...»
    نلاحظ هنا هدوء العاصفة فالجسد الذي كان ينهب العالم صار نهباً لنفسه وإيقاعاً يشبه الرقص الصوفي حيث الدوران ومحاولة إيجاد توازن بين الايقاع الداخلي والكوني، الدوران والدوار معاً في محاولة لكسر مخاوف داخلية فالإنسان-عندما تخرج انفعالاته عن سيطرته يتحطم وعيه فيلاحق انفعالاته لا للامساك بها بل للإمساك بوعيه وتماسكه في ممارسة ايقاعية يشيه الحلم، كلحظة تحرر زماني مكاني، تعبر عن نفسها تلقائياً بلغة الرمز والجسد وعبر الجانبين اللغوي والحركي..
    «على بياض الرمل تستلقي جثة السوداء
    بلا أفكارٍ أو رائحة ثياب
    والريح تلعب بين فخذيها
    تعبر الشمس سماء عينيها
    والموج يترصد شهواتها في المد والجزر...»
    إنه الزمن الخاص الذي يأتي من الزمن الكوني الطبيعي ويعود إليه ليحل فيه من جديد، والمرأة تتآلف مع هذا الايقاع بلغة الجسد وبتوقيت يجعل منها ساعة تضبط حركاتها على وقع الساعة الكونية الكبرى /الطبيعة/...
    "هذه النبته السكية والطفلة القادمة من مناخات حكاية شرقية" كما قال بروتون
    واجهت عالمها بإعلان الصراخ والعري تستقر في جسدها كوطن ومنفى معاً، سرعان ما تحول صراخها إلى صمت متحفز ثم إلى ترتيلة يأس مريرة عندما داهمها المرض..
    بصراخها وسعت العالم، بصمتها وضعته بين أقواس، وبيأسها نزعت الأقواس عنه وتركته مفتوحاً بلا معنى...
    «الداء صاحب الشوارب الطافية
    يترصدني كلما لمحت علامته الموسيقية
    بين ثديي
    ولمحته، تحت الطاولة...»
    إنه الصراع الصامت الأشد صخباً بين صراعات الإنسان.. وحين يتجلى سافراً لا تفيد التطمينات ولا الألعاب اليأس البارد... وأخيراً.. الصمت..\\\http://youtu.be/VAlv-jNoXNc\\\
    «إنها تثلج يا قناعي
    ساخرٌ صمت السجاد الذي يغلق عينيه القاسيتين
    وأنا ابكي، كهلة في الثلاثين
    والنعاس ينهي دوائره على عنقي
    الثلج مريض، وعطش ذي الأصابع المزينة بالريش
    يحتاج جسدي...»
    رنة اليأس الصافية تشبه بطرق تعبيرها النصي هنا طرق التعبير الحركي في الباليه، وضربات القدر في السمفونية التاسعة لبتهوفن الذروة وعناق المأساة.. هنا في ازدحامات الحياة يراهن أبطال المآسي والحكايات في الباليه على حل سحري أرضي أو سماوي.. لكن لندع أبطال الحكايات للحكايات... فلا رهان سوى ما لا يراهن عليه... وترحل جويس إلى باريس لتنهي النبتة المسكية تاركة وراءها عطراً لا يزال وتسكن في وجدان الناس كما سافو ربة الشعر الحادية عشرة على وقع رقصة جبائزية وقصائد محلولات الشعر يبدين المخيلة التي خسرها العالم.
    جويس منصور بمهارة عداءة تركض أفقياً إلى الحلم وبمهارة بطلة القفز العالي تصعد ضد الجاذبية محولة الرموز إلى واقع حسّي والواقع الحسّي إلى رموز وتجعلنا نعيد النظر في أجسادنا وأرواحنا ونحن نقف عطاشاً أمام النهر. هل نروي عطشنا أولاً أم نتأمل صورنا على مياهه المجعدة بعيداً عن الرقابات الأخلاقية والسياسية والدينية... وما أكثرها..
    « لقد حملت جويس عبئين مرّة كونها أنثى وأخرى كونها شاعرة وما أصعب ذلك وما أكثر مجده..
    الموت باب دوار، بيضة من الصابون، عصعص
    علينا أن نعيد الحرقة للرب لتحطمه
    انثرن أيتها النوافير حياة الأنهار الجليدية
    من انفراج شعوركن الحجرية
    وأعضاءكن المتقشرة
    كتماسيح تجفف نفسها في الرمل
    اتركن الموت للخائفين
    والمتعادين على الأرحام
    وللواقعين رهبة
    ثمة ضماد فوق جرح الدالية
    وطريق تشبه الطريق التي.. لا أثر لها...»

    الأشياء الشريرة
    هي مجموعة من المنحوتات المكونة من كرات ومسامير ودبابيس كانت الشاعرة تخفيها كممارسة لا تريد لأحد أن يعرفها على اعتبارها تحب أن تخفي شيئاً من الحميمية التي تأخذ طابع التفريغ شأنها شأن كل امرأة.
    ومن جانب آخر كانت ترى فيها عبثاً لا يفيد سواها أما الأهم فهو أن هذه المنحوتات إلى جانب كونها تفريغاً وممارسة جانبية تشبه السحر والطقوس السرية.
    ويرى جان جاك لوني مؤرخ السريالية أن علوم السحر والتنجيم والتصوف مألوفة عند جويس منصور فهي على إطلاع على هذا الجانب في الديانات خاصة في الجانب الأسراري فيها.
    إنّ القرابة بين هذه العلوم وبين الشعر قرابة معنوية من حيث اعتقاد الساحر والشامان والكاهن والشعر أن للكلمة أبعاداً وأسراراً في التأثير على النفس والآخرين وبالتالي على المادة.
    الأشياء الشريرة، المنحوتات، الأسرار تعني الاشتغال على جوانب لهواجس وأحلام قديمة متجددة كحجر الفلاسفة وأكسير الحياة فاشتغال التصوف والمنجم والساحر والفنان والشاعر على المادة في هذا الجانب تجريبياً وبشكل غامض راكمت اكتشافات لا تقل نتائجها مادياً ومعنوياً عن أكسير الفلاسفة والحجر الفرد وحولت الأشياء الرخيصة إلى جواهر بالمعنى الإشاري..
    هذا الانزياح في جانبيه الاولي يبدو عبثياً وبناء لقصور على الرمل لكنه في الجانب الآخر يشبه اللعب والحلم والإبداع له طرائقه في النظرة إلى التراث والعالم، إنه انتظار فيه حظّ لا يراهن عليها إلا الحالمون والرائون وجميعهم من قبيلة الشعر الشعر الذي لا يسلم نفسه إلا بجزية نصفها من سموم وحبر ونصفها الآخر من قلق الروح السري الذي يشبه انتظار ولادة نجمة في السديم في لقبه تضحي بعشرين ألف واقعة لحساب مصادفة واحدة تعرف أناسها جيداً.. وتختارهم..
    الأشياء الشريرة تشبه تمثيل ما لا يستطيعه الكلام.. إنها عبة ما بعد الكلام التي تستخدمه جسراً للوصول ومن بعدها تصمت، خرساء متجسدة لتقول نفسها بطريقتها.. كالسر تماماً…
    لنتأمل هذا النص جيداً ونختم به جولتنا الغرائبية بين فنين في ثنايا تجربة جويس منصور الشعرية..
    «لأنك شيخ بلا أوراق رابحة
    وتفح في ظلمتك متعرقاً
    ويداك تبحثان عن زاوية لموتك الرّطب
    أخر جسمك المأساوي
    بإبر مدببة بالعسل
    فتضحك ملء شدقيك بذعر
    يا من تسكن جزيرة الليل..»
يعمل...
X