في الرواية العربية الجديدة
مصطلح «الرواية العربية الجديدة» يثير إشكالية استعارته من بيئة ثقافية أخرى هي الفرنسية أو الأوروبية عموما يرى الناقد فخري صالح في أبحاث هذا الكتاب، أن العودة إلى جيلي الستينيات والسبعينيات، لا تعني التسليم بخروج هذا الجيل من رحم الغيب، وكونه نبتا شيطانيا أحدث قطيعة مع الأجيال التي سبقته إلى الوجود والكتابة.
حيث يعرض في الفصول الأولى من الكتاب لاثنين من الرواد الذين بدؤوا الكتابة الروائية في الأربعينات ونهاية الخمسينات، وهما لا ينتميان في الرؤية وأسلوب الكتابة الروائية إلى جيل الستينات.ولكنهما يمثلان، إضافة إلى نجيب محفوظ نفسه، الإرهاصات التاريخية للرواية العربية الجديدة، وبين المؤلف، من خلال القراءة النصية، كيف أن «موسم الهجرة إلى الشمال» للطيب صالح، و«البحث عن وليد مسعود» لجبرا إبراهيم جبرا، تمهدان لأفق من الكتابة الروائية العربية سيتحقق في أعمال صنع الله إبراهيم وجمال الغيطاني وإلياس خوري وإبراهيم الكوني وسليم بركات، وأعمال آخرين.
وفي هذا السياق من التفكير بتطور الكتابة الروائية العربية، كُتب صالح، الناقد والباحث المتخصص، فصول هذا الكتاب ما بين عامي (1984 ـ 1998)، لنجد أنها بالعموم مهجوسة بسؤال أساسي:
كيف استطاع جيل الستينيات، والجيل الذي جاء بعده، أن ينتهك جسد الكتابة الروائية الكلاسيكية، وينقل الرواية العربية من أفق اليقين المستقر الهانئ، إلى أفق الشك، حتى بعملية الكتابة نفسها؟ وقد اختار المؤلف للإجابة عن هذا السؤال، عددا من الروايات التي ظن أنها نصوص أساسية في منجز جيل الستينيات الروائي، والجيل الذي تلاه، ووضع هذه النصوص قُبالة النص «المحفوظي» الذي يبدو حاضرا في الذهن لدى إنجاز كل قراءة على حدة، رغم غيابه من أفق التحليل وتواريه في ثنايا التفكير بالرواية العربية المكتوبة بعده.
ويجد القارئ أن اختار «رامة والتنين» لإدوارد الخراط (الذي ينتمي لجيل الستينات فكرا لا عمرًا)، و«اللجنة» لصنع إبراهيم، و«الجبل الصغير» لإلياس خوري، و«فقهاء الظلام» لسليم بركات، و«نزيف الحجر» و«التبر» لإبراهيم الكوني، بغرض جلاء طبيعة الانتهاكات الشكلية والتغيُّر على صعيد رؤية العالم في ما يسميه «الرواية العربية الجديدة».
وإلى جانب القراءات النصية لأعمال روائية بعينها يقرأ المؤلف قراءتين مسحيتين لأعمال إميل حبيبي الروائية وبعض أعمال جمال الغيطاني، للتعرف على أشكال استخدام السرد التراثي والمادة التراثية في الرواية العربية الجديدة. كما أضاف في ملحق الكتاب قراءة سجالية لكتابي إدوار الخراط: «الحساسية الجديدة»، «الكتابة عبر النوعية».
وحول تعبير «الرواية العربية الجديدة» يرى صالح أن التعبير يثير إشكالية اصطلاحية تتعلق باستعارة هذا المصطلح من بيئة ثقافية أخرى، ما يوحي بانتساب ما نسمّيه بـ «الرواية العربية الجديدة» إلى الرواية الفرنسية الجديدة التي ترجمت بعض نصوصها إلى العربية خلال الستينات.
ويتساءل هنا:» لماذا نسمي مجموع النصوص الروائية التي أنتجت بعد الستينيات بـ «الجديدة»، إن لم نكن نعني أنها تنتسب إلى حقل الانتهاكات والتعارضات التي جسّدتها الرواية الأوروبية الجديدة، وبالتحديد الرواية الفرنسية، ممثلة بروايات «آلان روب غرييه» و«ناتالي ساروت» و«كلود سيمون ».
ويجيب عن هذا: «إن التقاطع في التسمية لا يلحق ما سميناه «الرواية العربية الجديدة» بنظيرتها الأوربية، ولكنه يقيم تشابكا على صعيد الرغبة في انتهاك الشكل والتعبير بصورة جديدة عن العالم، أي بصورة مختلفة عن تلك الطريقة التي عبّرت بها «الرواية الواقعية» عن العالم
وإذا كانت الرواية الأوروبية قد انتهكت شكل الرواية الغربية، بتنويعاتها الواقعية والوجودية وصيغتها الكلاسيكية أيضا، عبر إلغاء حضور الشخصية الروائية أو إلغاء الحركة في الزمان أو جعل المكان هو الشخصية الفاعلة في النص الروائي، فإن «الرواية العربية الجديدة» حملت الرغبة ذاتها لانتهاك شكل قارٍّ ثابت تمثل، في أوج تشابكه وتعقده، في عمل نجيب محفوظ، وبصورة خاصة في ثلاثيته.
ولقد تحققت هذه الرغبة، الكامنة في عمل نجيب محفوظ نفسه، في كتابات جيل منتصف الستينيات الذي استطاع تمثّل التجارب الروائية في العالم وكتابة نصوص روائية كان واضحا منذ البداية أنها تنتهك الصيغة المحفوظية في الكتابة الروائية».
ويؤكد صالح إنه إذا كان جيل «غاليري 68» في مصر، وكذلك الروائيون العرب الآخرون، الذين ينتمون إلى الفترة التاريخية نفسها والطموح الفني نفسه، قد عمل على تجاوز الشكل المحفوظي ممثلا في الثلاثية، فإن نجيب محفوظ، في أعمال روائية تالية له صدرت في الستينيات أيضا، عمل على تجاوز البنية السردية الواقعية التي أصبحت سمة ملازمة لأعماله السابقة.
الكتاب: في الرواية العربية الجديدة
تأليف: فخري صالح
الناشر: دار العين للنشر 2010
الصفحات: 216 صفحة
القطع: المتوسط
محمد الحمامصي
عن البيان ..بتصرف
مصطلح «الرواية العربية الجديدة» يثير إشكالية استعارته من بيئة ثقافية أخرى هي الفرنسية أو الأوروبية عموما يرى الناقد فخري صالح في أبحاث هذا الكتاب، أن العودة إلى جيلي الستينيات والسبعينيات، لا تعني التسليم بخروج هذا الجيل من رحم الغيب، وكونه نبتا شيطانيا أحدث قطيعة مع الأجيال التي سبقته إلى الوجود والكتابة.
حيث يعرض في الفصول الأولى من الكتاب لاثنين من الرواد الذين بدؤوا الكتابة الروائية في الأربعينات ونهاية الخمسينات، وهما لا ينتميان في الرؤية وأسلوب الكتابة الروائية إلى جيل الستينات.ولكنهما يمثلان، إضافة إلى نجيب محفوظ نفسه، الإرهاصات التاريخية للرواية العربية الجديدة، وبين المؤلف، من خلال القراءة النصية، كيف أن «موسم الهجرة إلى الشمال» للطيب صالح، و«البحث عن وليد مسعود» لجبرا إبراهيم جبرا، تمهدان لأفق من الكتابة الروائية العربية سيتحقق في أعمال صنع الله إبراهيم وجمال الغيطاني وإلياس خوري وإبراهيم الكوني وسليم بركات، وأعمال آخرين.
وفي هذا السياق من التفكير بتطور الكتابة الروائية العربية، كُتب صالح، الناقد والباحث المتخصص، فصول هذا الكتاب ما بين عامي (1984 ـ 1998)، لنجد أنها بالعموم مهجوسة بسؤال أساسي:
كيف استطاع جيل الستينيات، والجيل الذي جاء بعده، أن ينتهك جسد الكتابة الروائية الكلاسيكية، وينقل الرواية العربية من أفق اليقين المستقر الهانئ، إلى أفق الشك، حتى بعملية الكتابة نفسها؟ وقد اختار المؤلف للإجابة عن هذا السؤال، عددا من الروايات التي ظن أنها نصوص أساسية في منجز جيل الستينيات الروائي، والجيل الذي تلاه، ووضع هذه النصوص قُبالة النص «المحفوظي» الذي يبدو حاضرا في الذهن لدى إنجاز كل قراءة على حدة، رغم غيابه من أفق التحليل وتواريه في ثنايا التفكير بالرواية العربية المكتوبة بعده.
ويجد القارئ أن اختار «رامة والتنين» لإدوارد الخراط (الذي ينتمي لجيل الستينات فكرا لا عمرًا)، و«اللجنة» لصنع إبراهيم، و«الجبل الصغير» لإلياس خوري، و«فقهاء الظلام» لسليم بركات، و«نزيف الحجر» و«التبر» لإبراهيم الكوني، بغرض جلاء طبيعة الانتهاكات الشكلية والتغيُّر على صعيد رؤية العالم في ما يسميه «الرواية العربية الجديدة».
وإلى جانب القراءات النصية لأعمال روائية بعينها يقرأ المؤلف قراءتين مسحيتين لأعمال إميل حبيبي الروائية وبعض أعمال جمال الغيطاني، للتعرف على أشكال استخدام السرد التراثي والمادة التراثية في الرواية العربية الجديدة. كما أضاف في ملحق الكتاب قراءة سجالية لكتابي إدوار الخراط: «الحساسية الجديدة»، «الكتابة عبر النوعية».
وحول تعبير «الرواية العربية الجديدة» يرى صالح أن التعبير يثير إشكالية اصطلاحية تتعلق باستعارة هذا المصطلح من بيئة ثقافية أخرى، ما يوحي بانتساب ما نسمّيه بـ «الرواية العربية الجديدة» إلى الرواية الفرنسية الجديدة التي ترجمت بعض نصوصها إلى العربية خلال الستينات.
ويتساءل هنا:» لماذا نسمي مجموع النصوص الروائية التي أنتجت بعد الستينيات بـ «الجديدة»، إن لم نكن نعني أنها تنتسب إلى حقل الانتهاكات والتعارضات التي جسّدتها الرواية الأوروبية الجديدة، وبالتحديد الرواية الفرنسية، ممثلة بروايات «آلان روب غرييه» و«ناتالي ساروت» و«كلود سيمون ».
ويجيب عن هذا: «إن التقاطع في التسمية لا يلحق ما سميناه «الرواية العربية الجديدة» بنظيرتها الأوربية، ولكنه يقيم تشابكا على صعيد الرغبة في انتهاك الشكل والتعبير بصورة جديدة عن العالم، أي بصورة مختلفة عن تلك الطريقة التي عبّرت بها «الرواية الواقعية» عن العالم
وإذا كانت الرواية الأوروبية قد انتهكت شكل الرواية الغربية، بتنويعاتها الواقعية والوجودية وصيغتها الكلاسيكية أيضا، عبر إلغاء حضور الشخصية الروائية أو إلغاء الحركة في الزمان أو جعل المكان هو الشخصية الفاعلة في النص الروائي، فإن «الرواية العربية الجديدة» حملت الرغبة ذاتها لانتهاك شكل قارٍّ ثابت تمثل، في أوج تشابكه وتعقده، في عمل نجيب محفوظ، وبصورة خاصة في ثلاثيته.
ولقد تحققت هذه الرغبة، الكامنة في عمل نجيب محفوظ نفسه، في كتابات جيل منتصف الستينيات الذي استطاع تمثّل التجارب الروائية في العالم وكتابة نصوص روائية كان واضحا منذ البداية أنها تنتهك الصيغة المحفوظية في الكتابة الروائية».
ويؤكد صالح إنه إذا كان جيل «غاليري 68» في مصر، وكذلك الروائيون العرب الآخرون، الذين ينتمون إلى الفترة التاريخية نفسها والطموح الفني نفسه، قد عمل على تجاوز الشكل المحفوظي ممثلا في الثلاثية، فإن نجيب محفوظ، في أعمال روائية تالية له صدرت في الستينيات أيضا، عمل على تجاوز البنية السردية الواقعية التي أصبحت سمة ملازمة لأعماله السابقة.
الكتاب: في الرواية العربية الجديدة
تأليف: فخري صالح
الناشر: دار العين للنشر 2010
الصفحات: 216 صفحة
القطع: المتوسط
محمد الحمامصي
عن البيان ..بتصرف