نبذة تاريخية
هذا القسم الخطوط العريضة لتاريخ أمريكا اللاتينية. إذا رغبت في الاطلاع على تاريخ قطر معين، فبإمكانك الرجوع إلى المقال الخاص بالقطر، وفي نهاية هذه المقالة قائمة بمقالات هذه الدول الواردة في الموسوعة.
السكان الأوائل:
كان الهنود الحمر هم أول السكان الأصليين لأمريكا اللاتينية. يعتقد العلماء أن أسلاف هؤلاء الهنود قدموا إلى أمريكا الشمالية من آسيا منذ ما يزيد على 20,000سنة حيث كان هناك برزخ يصل بين آسيا وأمريكا الشمالية عبر ما يعرف الآن باسم مضيق بيرنج وهذا المضيق يفصل الآن بين آسيا وألاسكا. ومن المحتمل أن يكون بعض الناس من آسيا قد عبروا هذا البرزخ وهم يتابعون بعض حيوانات الصيد. وقد أصبحت سلالة هؤلاء يعرفون باسم الهنود الحمر، وفي حوالي عام 6000 قبل الميلاد انتشر هؤلاء الهنود في معظم أرجاء الأمريكتين حتى الطرف الجنوبي لأمريكا الجنوبية.
ظل الهنود الحمر لآلاف السنين يعيشون في مجموعات صغيرة. كانوا يتحركون باستمرار بحثًا عن حيوانات الصيد والنباتات البرية كطعام لهم. ثم قام بعض الهنود، في النهاية بزراعة الأرض. كان الهنود هم أول شعب زرع الكاكاو والذرة الشامية والفاصوليا والفول السوداني والبطاطس والقرع والتبغ والطماطم. كان بإمكان الهنود، الذين مارسوا الزراعة العيش في بقعة واحدة حيث ينتجون طعامًا يكفيهم ويكفي غيرهم. قام المزارعون منهم بالاستقرار في مكان واحد وإنتاج طعام لكثير غيرهم. وقام هؤلاء ببناء المنازل الدائمة والاستقرار في قرى صغيرة. ومع زيادة السكان الهنود نمت بعض القرى وتحولت إلى مدن صغيرة ثم مدن كبيرة وعواصم وأدى هذا التطور إلى نمو حضارات متقدمة.
ومن المحتمل أن تكون حضارة الهنود المبكرة في أمريكا تعود جذورها إلى الأولمك، تقع حضارة الأولمك في المنطقة التي تعرف الآن بشرق المكسيك فيما بين القرنين الثالث عشر والخامس قبل الميلاد. أما حضارة المايا التي نشأت في منطقة جنوب المكسيك وشمال أمريكا الوسطى فقد وصلت إلى قمة ازدهارها فيما بين منتصف القرن الثالث والقرن العاشر الميلاديين. أنتجت حضارة المايا مجموعة رائعة من المعمار والتصوير التشكيلي والخزف والنحت. كما توصلت هذه الحضارة إلى اختراع التقويم السنوي وكذلك نظامًا متقدمًا للكتابة. كما امتلك المايا معرفة متقدمة بالفلك مما ساعدهم على التنبؤ بدقة بمواسم زراعة محاصيلهم. كما استطاعوا بناء شبكات متشعبة من قنوات الري تحت الأرض.
استطاع التولتك التحكم في وسط المكسيك من القرن العاشر حتى القرن الثالث عشر الميلاديين. ولكن الأزتك في بداية القرن الخامس عشر الميلادي استطاعوا أن يحلوا محل التولتك ويصبحوا أقوى شعوب المنطقة. استمرت حضارة الأزتك مزدهرة حتى بداية القرن السادس عشر الميلادي. واستطاع كل من التولتك والأزتك بناء أهرامات ضخمة ومبانٍ مازالت بقايا كثير منها موجودة حتى الآن. كما أن شعب الإنكا استطاع أن يحكم إمبراطورية ضخمة حتى بداية القرن السادس عشر الميلادي. أتقنت شعوب الإنكا الزراعة ووصلوا إلى درجات عالية في المعمار. وبنوا شبكة واسعة من الطرق عبر جبال الأنديز لكي يربطوا مدن إمبراطوريتهم المتباعدة مع بعضها البعض. استطاع مزارعو الإنكا بناء مصاطب زراعية في منحدرات الجبال ثم جلبوا المياه إلى هذه القطع بواسطة قنوات الري. الاكتشاف الأوروبي واستكشاف المنطقة:
في عام 1492م أصبح كريستوفر كولمبوس ـ وهو بحار إيطالي يعمل في خدمة ملك أسبانيا ـ أول أوروبي يصل إلى أمريكا اللاتينية. وقد أبحر كولمبوس غربًا من أسبانيا على أمل العثور على طريق بحري أقصر يوصل إلى شرق آسيا. ونزل إلى اليابسة في جزيرة سان سلفادور في جزر الهند الغربية.
بعد عودته إلى أسبانيا أثارت أنباء اكتشافه للطريق الجديد موجة واسعة من الحماس في أوروبا. وقد قام البابا ألكسندر السادس برسم خط حدودي يقسم أمريكا الجنوبية بالطول لتحديد مناطق النفوذ بين أسبانيا والبرتغال وذلك لتفادي النزاع بين الدولتين حول السيادة على الأراضي الجديدة المكتشفة. ويقع هذا الخط الوهمي الذي يمر من الشمال إلى الجنوب حوالي 560كم إلى الغرب من مجموعتي جزر في شمال المحيط الأطلسي وهي جزر الآزور وكيب فيرد. وأصبحت كل الأراضي التي تقع غرب هذا الخط تابعة لأسبانيا بينما تبعت كل الأراضي التي تقع شرق هذا الخط إلى البرتغال. ولكن حكام البرتغال شعروا بالغبن لأنهم اعتقدوا أن هذا الخط منح أسبانيا أراضي أكثر من حقهم. وقد قامت الدولتان بتوقيع اتفاقية تورديسيلاس في عام 1494م حيث اتفقت الدولتان على إزاحة خط التقسيم 2,084كم إلى الغرب. ونتيجة لذلك قامت البرتغال بضم القسم الشرقي وهو مايعرف حاليًا باسم البرازيل. وقد ضمت البرتغال هذه المنطقة فعلاً إلى أملاكها في عام 1500م عندما نزل ملاح برتغالي يدعى بيدرو ألفاريز كابرال على الساحل الشرقي للبرازيل.
قام كولمبوس في الفترة ما بين 1492م إلى 1502م بأربع رحلات إلى أمريكا اللاتينية. قام خلال هذه الرحلات باكتشاف عدة جزر من جزر الهند الغربية وشواطئ المنطقة التي أصبحت تعرف الآن بهندوراس وكوستاريكا ونيكاراجوا وبنما وفنزويلا. وقام مكتشفون آخرون بعد ذلك بمتابعة رحلات كولمبوس إلى أمريكا اللاتينية. أدرك الأوروبيون بسرعة أن هذه الأراضي ليست آسيا بل أرض جديدة. وقام رسامو الخرائط بتسمية هذه المنطقة أمريكا إحياءً لذكرى البحار الإيطالي المولد أميريغو فسبوتشي. وقد قام فسبوتشي بعدة رحلات إلى أمريكا اللاتينية في أواخر تسعينيات القرن الخامس عشر وبداية القرن السادس عشر الميلاديين لحساب كل من أسبانيا والبرتغال. كان فسبوتشي هذا هو أول رحالة أكد على أن هذه المنطقة هي دنيا جديدة.
وفي عام 1513م قام المغامر الأسباني فاسكو نونيز دي بالبوا بعبور برزخ بنما وأصبح أول أوروبي يشاهد الساحل الشرقي للمحيط الهادئ. وكان اكتشافه دليلاً على أن أمريكا قارة منفصلة تقع بين أوروبا وآسيا. وفي عام 1520م أصبح البحار البرتغالي فرديناند ماجلان أول أوروبي يكتشف الممر المائي الذي يربط المحيط الأطلسي بالمحيط الهادي في الطرف الجنوبي لأمريكا الجنوبية. وقد أبحر ماجلان بجوار الساحل الشرقي لأمريكا الجنوبية ثم عبر المضيق الذي يحمل الآن اسم ماجلان.
إخضاع الهنود الحمر:
بعد وصول الأوروبيين إلى أمريكا اللاتينية مباشرة، وفي منتصف القرن السادس عشر الميلادي، كانت مجموعة صغيرة من المغامرين الأسبان يعرفون باسم الكُونْكِسَتَادُورز (الغزاة) قد هزمت الحضارات الهندية الكبرى ومنحوا أسبانيا سيطرة قوية على معظم أمريكا اللاتينية. وقد هزموا بسهولة قوات الهنود الكثيرة التي لم تر المدافع ولا الحصان.
بدأت حملات الإخضاع الأولى في المكسيك وأمريكا الوسطى، وهبط هيرناندو كورتيز شاطئ المكسيك عام 1519م. وحتى عام 1521م كان كورتيز قد اكتسح إمبراطورية الأزتك الكبرى. وفي العام الثاني كان قائد آخر يسمى بدرارياس دافيلا قد انتصر على هنود المناطق التي تسمى الآن كوستاريكا ونيكاراجوا. وفي عام 1523م قام بيدرو دى الفارادو ـ وهو واحد من ضباط كورتيز ـ بفتح المنطقة التي تسمى الآن إلسلفادور وجواتيمالا. وقام هؤلاء، بالإضافة إلى بالبوا، في بنما، بضمان انفراد أسبانيا باحتلال أمريكا الوسطى.
قام فرانسيسكو بيزارو عام 1531م بالإبحار جنوبًا من بنما إلى المنطقة التي تعرف حاليًا باسم بيرو. خلال العامين التاليين اندفع جيشه حوالي 4,800كم عبر جبال الأنديز وأخضع إمبراطورية الإنكا الضخمة. وأنشأ بيزارو مدينة ليما عام 1535م. وأصبحت المدينة عاصمة بيرو ومركز الحكومة الأسبانية في أمريكا الجنوبية. وكانت منطقة جنوب تشيلي من المناطق القليلة التي فشلت الجيوش الأسبانية في فتحها حيث ظل هنود الأرواك يقاومون هذه الجيوش مقاومة باسلة لما يزيد على ثلاثمائة عام.
الحكم الاستعماري:
بدأ المستوطنون الأسبان والبرتغاليون يتدفقون إلى أمريكا اللاتينية حتى قبل أن تكتمل الحملات العسكرية على المنطقة، وقدم الكثيرون منهم حُبًّا في المغامرة والثروات المعدنية. أما الآخرون فقد أنشأوا المزارع الكبيرة التي زرعوا فيها قصب السكر والتبغ والمحاصيل الأخرى لكي يصدروها إلى أوروبا. وتم استعمار أمريكا اللاتينية في الوقت الذي بدأ فيه أوائل المستوطنين الأوروبيين في الوصول إلى الساحل الأطلسي لأمريكا الشمالية في منتصف القرن السادس عشر. وفي خلال القرن السابع عشر بدأ الهولنديون والبريطانيون والفرنسيون في إقامة مستعمرات صغيرة في أمريكا اللاتينية، وعلى وجه الخصوص جزر الهند الغربية.
ماتت أعداد كبيرة من هنود أمريكا اللاتينية بسبب الأمراض الجديدة التي جلبها الأوروبيون معهم كما قتل الكثيرون في الحروب. أسست أسبانيا في بداية القرن السادس عشر النظام الإقطاعي في أمريكا اللاتينية. حسب هذا النظام كانت السلطة الاستعمارية تمنح المستوطنين الجدد مساحة واسعة من الأرض لامتلاكها وامتلاك الهنود الذين يقومون على هذه الأرض، وكان المستوطنون يجمعون من الهنود إتاوات حيث سخروهم للعمل دون مقابل إما في مزارع السادة أو في المناجم. كان على السادة في مقابل هذا أن يحموا الهنود ويدخلوهم في النصرانية. لكن كثيرًا من هؤلاء المستوطنين كان يعامل الهنود بقسوة. ومات ملايين الهنود من الإرهاق وقسوة المعاملة. وعندما بدأ عدد السكان الهنود في الانقراض بدأ الأوروبيون في استجلاب السود من إفريقيا كعبيد.
تركزت السلطة في أمريكا اللاتينية المستعمرة في ثلاث مجموعات، تكونت المجموعة الأولى من موظفي الحكومة الاستعمارية التي قامت بتعيين حكام أوروبيين، حيث قام هؤلاء الحكام في كل مستعمرة بالسيطرة على سلطة ذات مركزية عالية. إن هذا النوع من الإدارة، حيث تتركز القوة في يد أفراد معدودين، مكَّن الأوروبيين من حكم المستعمرات من أجل هدف واحد هو استغلال ثروات البلاد الطبيعية إلى أقصى حد.
وكان قساوسة الكنيسة الرومانية الكاثوليكية هم المجموعة الثانية القوية في البلاد حيث سيطر القساوسة على التعليم في المستعمرات كما كُلّفوا بمهمة نشر النصرانية وسط الهنود والزنوج.
أما المجموعة الثالثة صاحبة السلطة والنفوذ في أمريكا اللاتينية المستعمرة فكانت تتكون من كبار ملاك الأرض وأصحاب المناجم. نشأت مستوطنات في أمريكا اللاتينية حول الأراضي الزراعية الجيدة أو مصادر الثروات المعدنية الهامة، ونتيجة لذلك فإن العديد من أماكن التجمع البشري كان يقع بعيدًا عن مراكز الإدارة الاستعمارية. وفي كثير من هذه الحالات كان التحكم الاقتصادي والسياسي في يد أصحاب الأرض والمناجم المحليين. استخدم بعض كبار ملاك الأرض وأصحاب المناجم سلطاتهم بطريقة عادلة، أما البعض الآخر فقد كانوا طغاة قاسين.
جنت أوروبا أرباحًا طائلة من ثروات أمريكا اللاتينية المعدنية ومنتجاتها الزراعية. وكانت السفن تبحر بانتظام من موانئ أمريكا اللاتينية إلى أوروبا محملة بالفضة والذهب. أما الصادرات الزراعية فكانت تشمل البن والقطن وقصب السكر والتبغ. وخلال السنوات المتتابعة أصبح الاقتصاد الأسباني يتزايد في اعتماده على أمريكا اللاتينية. ولكن أسبانيا كانت تعاني من أزمات اقتصادية نتيجة لغرق بعض سفنها القادمة من أمريكا اللاتينية محملة بالبضائع الثمينة نتيجة للعواصف التي تجتاح المحيط الأطلسي أو بسبب غارات القراصنة على تلك السفن.
بداية السخط العام في المستعمرات:
استمر الحكم الاستعماري الأوروبي في أمريكا اللاتينية حوالي ثلاثة قرون. وخلال هذه الفترة بدأ السخط ينمو تدريجيًا بين السكان. كان كثير من السكان في أمريكا اللاتينية يتوقون إلى مزيد من إطلاق أيديهم في التحكم في أمورهم السياسية والاقتصادية. غير أن القوى الأوروبية تجاهلت رغبات السكان فأصبحت حركة الدعوة إلى الاستقلال قوية ومن المستحيل إيقافها.
وقد نبعت الرغبة في الاستقلال في أوساط سكان أمريكا اللاتينية لعدة دوافع من أهمها: لم يرض الكريولوس، وهم أولئك الذين انحدروا من أصل أسباني وولدوا في أمريكا اللاتينية، عن احتكار الموظفين المرسلين من أسبانيا لكل الوظائف القيادية في الدولة وكان هؤلاء ـ كبار الموظفين ـ يحتقرون بدورهم الكريولوس لأنهم ليسوا من مواليد أوروبا.
ولكن السخط كان أكثر حدة وسط المستيزو (المولّدين) الذين جنى بعضهم ثروات وأملاكًا كثيرة وكانوا يطمعون في دور نشط في الإدارة الاستعمارية. ولكن هؤلاء المستيزو كانت مكانتهم الاجتماعية أو السياسية متدنية عند الأوروبيين المتحكمين في أمريكا اللاتينية.
كما أن التدفق المستمر لثروات المنطقة إلى أوروبا قد أغضب كثيرًا من سكان أمريكا اللاتينية. وكانت أسبانيا والبرتغال لا تسمحان لمستعمراتهما بالتجارة إلاّ مع الوطن الأم في أوروبا. ولم يكن يسمح للمستعمرات حتى بالتبادل التجاري فيما بينها في العالم الجديد. بالإضافة إلى هذا، فإن أسبانيا والبرتغال قد أضعفتا من فرص هذه الأقطار في النمو الاقتصادي نتيجة عدم تشجيعها حركة التطوير الصناعي هناك. لقد كانت الحكومات الاستعمارية الأوروبية تود أن تجبر بلاد أمريكا اللاتينية على شراء المنتجات الأوروبية الصنع بدلاً من تصنيع هذه السلع بأنفسهم.
أدت المظالم السياسية والاقتصادية التي عانى منها أبناء المستعمرات إلى ظهور رغبة قوية للاستقلال في بلاد أمريكا اللاتينية. وعلى الرغم من أن أسبانيا والبرتغال قامتا بإحداث عدد من الإصلاحات في المستعمرات قبل بداية القرن التاسع عشر الميلادي، إلا أن عددًا كبيرا من سكان المستعمرات كانوا يرغبون في الاستقلال.
حروب الاستقلال:
اشتعلت حروب الاستقلال أخيرًا في أمريكا اللاتينية نتيجة أحداث في أمريكا الشمالية وأوروبا. إن نجاح الثورة الأمريكية (1775م- 1783م) ومُثل الحرية والمساواة التي وعدت بها الثورة الفرنسية (1789م- 1799م) كانت مصدر وحي لسكان المستعمرات البؤساء. كما أن أسبانيا والبرتغال كانتا تفقدان مكانتهما وأهميتهما كقوى دولية كبيرة. فقد اجتاحت قوات نابليون بونابارت الفرنسية عام 1807م البرتغال واحتلتها. وفي العام التالي قام نابليون بتنحية الإمبراطور فرديناند السابع من عرش أسبانيا وقام بتعيين أخيه جوزيف بونابارت مكانه. ولهذا كان من الطبيعي أن تضعف قوة تحكم أسبانيا في مستعمراتها، ولذا انتهز عدد كبير من سكان هذه المستعمرات الفرصة وبدأوا النضال من أجل الاستقلال.
المكسيك بدأت ثورتها ضد أسبانيا عام 1810م. وفي البداية قاد النضال اثنان من قساوسة الكنيسة الكاثوليكية الرومانية، هما مغويل هيدالغو أي كوستيلا وخوزيه ماريا موريلوس أي بافون، ولكن هذه الثورة الأولى فشلت. وقامت القوات الأسبانية بإعدام القائدين هيدالغو وموريلوس. ولم تنل المكسيك استقلالها إلا في عام 1821م.
أمريكا الوسطى نالت حريتها من أسبانيا عام 1821م ولم تكن لأمريكا الوسطى أهمية اقتصادية تذكر، لهذا فإن أسبانيا تجاهلت المنطقة إلى حد كبير. ولهذا نجح سكان المنطقة في الحصول على الاستقلال بدون إراقة دماء، وفي عام 1822م أصبحت كل من كوستاريكا وإلسلفادور وجواتيمالا وهندوراس ونيكاراجوا جزءًا من المكسيك. ولكن في عام 1823م، انفصلت عن المكسيك وكونت وحدة سياسية عرفت باسم اتحاد أقاليم أمريكا الوسطى. ولكن منافسات إقليمية حادة أدت إلى بداية انهيار هذا الاتحاد عام 1838م وبحلول عام 1841م كانت كل دولة منها قد أصبحت جمهورية مستقلة. وكان إقليم بنما جزءًا من كولومبيا من عام 1821م وحتى عام 1903م، عندما ثارت كولومبيا بمساعدة من الولايات المتحدة الأمريكية وأصبحت في النهاية قطرًا مستقلاً. وكانت بليز ـ التي عرفت باسم هندوراس البريطانية حتى عام 1973م ـ مستعمرة بريطانية من 1862م وحتى عام 1981م حين أصبحت دولة مستقلة.
أمريكا الجنوبية الأسبانية. كان أبرز بطلين في النضال من أجل استقلال أمريكا الجنوبية الأسبانية هما الجنرال الفنزويلي سيمون بوليفار والقائد الأرجنتيني خوزيه دي سان مارتن. وقد ساعد بوليفار كلاً من بوليفيا وكولومبيا وإكوادور وبيرو وفنزويلا على نيل استقلالها. كما حارب سان مارتن من أجل استقلال الأرجنتين وتشيلي وبيرو. وفي عام 1806م قاد الثوري الفنزويلي فرانسيسكو دي ميراندا ثورة لم يُكتب لها النجاح ضد الأسبان. ثم قام بوليفار، وكان من أنصار ميراندا، بقيادة حملة جديدة ضد الأسبان كذلك في عام 1813م. ولقد حاربت قواته القوات الأسبانية لمدة تناهز العشر سنوات قبل أن تنتزع النصر النهائي منها في أياكوشو، بيرو، عام 1824م. ولقد أتى هذا النصر بالاستقلال للمستعمرات الأسبانية في شمال أمريكا الجنوبية.
أما في الجنوب فإن ملاك الأراضي في تشيلي أعلنوا استقلال بلادهم من الاستعمار الأسباني عام 1810م. ولكن القوات الأسبانية تمكنت من قهرهم. وأخيرًا تمكنت جيوش تحت قيادة كل من سان مارتن والبطل التشيلي برناردو أو هيغنز من انتزاع الاستقلال. وكما نعرف فإن سان مارتن فيما مضى، وذلك عام 1816م، قد حرر الأرجنتين من حكم الأسبان. وبعد ذلك حاربت جيوشه من أجل استقلال بيرو.
البرازيل حصلت على حريتها من البرتغال دون إطلاق طلقة واحدة. ويرجع السبب في ذلك إلى أن حاكم البرتغال الأمير جون كان قد هرب من بلاده إلى البرازيل عندما احتل نابليون البرتغال 1807م. وعند هزيمة نابليون بعد أربعة عشر عامًا عاد الأمير جون إلى البرتغال وترك ابنه بيدرو حاكمًا على البرازيل. ولكن البرازيليين لم يعودوا راغبين في أن تحكمهم أوروبا. لذا طالبوا بالاستقلال عن البرتغال. وفي عام 1822م أعلن بيدرو البرازيل إمبراطورية مستقلة وتولى عرش البلاد باسم الإمبراطور بيدرو الأول.
جزر الهند الغربية. في عام 1791م قاد تسوين لوفرتير العبيد السود في هاييتي في ثورة ضد الحكام الفرنسيين. ونالت هاييتي استقلالها عام 1804م وأصبحت أول دولة مستقلة في أمريكا اللاتينية. وأعلنت الدومينيكان استقلالها عام 1844م. ثم نشبت ثورة ضد الحكم الأسباني في كوبا عام 1895م. وساندت الولايات المتحدة الأمريكية ثوار كوبا مما أدى إلى نشوب الحرب الأسبانية الأمريكية عام 1898م بين أسبانيا والولايات المتحدة. وانتصرت الولايات المتحدة في هذه الحرب وأصبحت كوبا جمهورية عام 1902م. ووفقًا لشروط معاهدة الصلح تنازلت أسبانيا عن مستعمرة بورتوريكو إلى الولايات المتحدة. ولكن ظلت معظم جزر الهند الغربية تحت الحكم البريطاني أو الهولندي أو الفرنسي حتى منتصف القرن العشرين. ونالت معظم هذه الجزر استقلالها منذ هذه الفترة. بينما نالت معظم الجزر الصغيرة الأخرى مزيدًا من السيطرة على شؤونها.
مشاكل الاستقلال:
خضع سكان أمريكا اللاتينية ـ خلال فترة الاستعمار ـ لقوانين ملوك أوروبا البعيدين، ولم يكن لهؤلاء السكان حق إبداء الرأي في الأمور التي تمس صميم حياتهم، لذا فإنهم لم يشاركوا في الإدارة. وعندما تمردوا وأسسوا دولهم المستقلة كانت تجاربهم في الحكم والإدارة محدودة إلى أبعد الحدود. لهذا السبب ظن بعض القادة أن ليس من الحكمة إقامة حكومات جمهورية في أمريكا اللاتينية. لكن الوطنيين المتحمسين متأثرين بأفكار الثورتين الفرنسية والأمريكية، أصروا على المطالبة بحكومات جمهورية.
بعد الحصول على الاستقلال، أدرك المواطنون والقادة أن إقامة حكومة جمهورية وإعلانها أسهل كثيرًا من تحويلها إلى حقيقة واقعة. وأدى افتقار القادة الجدد لهذه الدول إلى الخبرة إلى صراعات عنيفة في طول البلاد وعرضها. واغتصب السلطة عدد من الحكام وانفردوا بها مقيمين حكومات ديكتاتورية. وقامت الجيوش التي حاربت من أجل الاستقلال بالوقوف مع الحكام الديكتاتوريين ودعم سلطاتهم. وفي بلاد أخرى سيطر كبار ملاك الأرض الأثرياء على الحكومة.
بمجرد الحصول على الحرية والاستقلال قامت جمهوريات أمريكا اللاتينية بإلغاء الرق. وشهد نهاية القرن التاسع عشر تحرير كل الأرقاء في المنطقة. ولكن الاستقلال لم يأت إلا بالقليل من التحسن في حياة معظم المواطنين. انقض الكريولوس الأثرياء والمستيزو على المؤسسات الاجتماعية التي كانت قائمة واحتووها كلها. أما فقراء المستيزو والهنود والسود فلم يحصلوا إلا على القليل من السلطة والنفوذ وحتى هذا كان نادرًا. أصبحت الحياة بالنسبة لمعظم الناس أكثر صعوبة وقسوة مما كانت عليه في السابق.
النزاعات الحدودية:
تدهورت العلاقات بين عدد من أقطار أمريكا اللاتينية منذ الاستقلال إلى حد كبير بسبب الاختلافات حول الحدود الوطنية. فقد نشبت الحرب عام 1825م بين الأرجنتين والبرازيل بسبب منطقة متنازع عليها تقع على حدود الدولتين. وقد وقَّعت الدولتان بعد ثلاث سنوات اتفاقية قامت بموجبها دولة أروجواي المستقلة في المنطقة المتنازع عليها. وفي حرب الحلف الثلاثي (1865- 1870م) هزمت الأرجنتين والبرازيل وأروجواي دولة باراجواي. وقد أدت الحرب إلى الاتفاق النهائي على الحدود المشتركة لهذه الأقطار. ولكن حوالي نصف سكان باراجواي ماتوا في معارك هذه الحرب. وفي حرب الباسفيك (1879- 1883م) حاربت تشيلي كلاً من بوليفيا وبيرو بسبب منطقة غنية بالنترات محاذية للمحيط الهادئ. وقد انتصرت تشيلي في هذه الحرب وامتلكت المنطقة تاركة بوليفيا بدون ساحل على المحيط. ومنذ ذلك التاريخ وبوليفيا دولة بلا منفذ على البحر.
وفي الفترة ما بين 1932م وحتى 1935م اندلع القتال بين بوليفيا وباراجواي للسيطرة على جران تشاكو وهي منطقة منخفضة تقع على الحدود بين البلدين. وفي النهاية منحت معظم المنطقة المتنازع عليها إلى باراجواي. اندلع القتال عدة مرات بين بيرو والإكوادور في بداية القرن العشرين حول منطقة برية غير محدودة في حوض نهر الأمازون تقع بين الإكوادور والبرازيل. وقامت بيرو بضم المنطقة إليها فى الأربعينيات. وفي أواخر يناير 1995م، بدأت اشتباكات مسلحة بين الدولتين تم بعدها التوصل إلى اتفاقية لوقف إطلاق النار تضع نهاية لصراعهما الحدودي الذي سقط فيه عشرات القتلى والجرحى. وكانت مجموعة الوساطة الرباعية المؤلفة من الأرجنتين والبرازيل وتشيلي والولايات المتحدة، وهي الدول الضامنة لاتفاقية ريو، قد رعت تلك الاتفاقية الجديدة الموقعة في فبراير 1995م. ومن المنازعات المستمرة ادعاء جواتيمالا ملكية أرض خاضعة لدولة بليز كما أن فنزويلا تطالب بحوالي ثلاثة أرباع دولة غايانا.
العلاقات التجارية والنمو الاقتصادي:
اعتمدت اقتصاديات معظم أقطار أمريكا اللاتينية منذ العهد الاستعماري على تصدير عدد قليل من المنتجات الزراعية والمعدنية. كما أن صادرات بعض الأقطار تتكون أساسًا من منتج واحد، على سبيل المثال الموز في هندوراس والبن في كولومبيا والنحاس في تشيلي والنفط في كل من الإكوادورا والمكسيك وفنزويلا، والسكر من كوبا وجمهورية الدومينيكان والقصدير من بوليفيا. إن أي انخفاض في أسعار السوق، بالنسبة لهذه الصادرات يخلق أزمات اقتصادية قاسية. وقد أنفقت كثير من الدول منذ منتصف خمسينيات القرن العشرين كميات ضخمة من الأموال لتطوير صناعات جديدة بهدف تقليل اعتمادها على صادرات زراعية ومعدنية محددة. وقد حصلت كثير من هذه الأقطار على قروض من مؤسسات اقتصادية إقليمية ودولية لتحقيق تطوير الصناعات الجديدة الأخرى. كما حصلت بعض الأقطار على مساعدات اقتصادية من أقطار أخرى.
كانت معظم أقطار أمريكا اللاتينية تستورد في الماضي معظم السلع المصنعة من أوروبا والولايات المتحدة. وقد كانت التجارة فيما بين دول أمريكا اللاتينية قليلة نسبيًا لأنها كانت تنتج سلعًا متشابهة. ولكن مع نمو التصنيع تكونت تنظيمات اقتصادية متعددة لتشجيع التجارة الإقليمية. وتشمل هذه التنظيمات رابطة أمريكا اللاتينية للتكامل، والسوق المشتركة لوسط أمريكا، والمجتمع الكاريبي والسوق المشتركة، وحلف الأنديز. وتعمل هذه التنظيمات لتقليل الحواجز التجارية بين الأقطار المشتركة وعلى ازدهار النمو الاقتصادي في المنطقة.
كانت الشركات الأمريكية والأوروبية تمتلك قبل ستينيات القرن العشرين معظم الصناعات الرئيسية في أمريكا اللاتينية. وكان كثير من مواطني المنطقة يعتقدون أن هذه الشركات الأجنبية كان هدفها الوحيد جني الأرباح الطائلة ولم تكن تهتم إطلاقا بمستوى معيشة شعوب المنطقة. ومع نهاية الستينيات، قامت بعض الأقطار بإصدار تشريعات تمنع الأجانب من تملك بعض الصناعات الرئيسية. وقد قامت حكومات أقطار مثل بوليفيا وغايانا وبيرو وفنزويلا بالاستيلاء على صناعات كانت تمتلكها شركات أمريكية وأوروبية من قبل. ومع ذلك فإن معظم الدول تشجع الاستثمار الأجنبي في صناعات تحتاج إلى التحديث.
وفي عام 1975م، انضمت معظم أقطار الإقليم المستقلة إلى منظمة نظام أمريكا اللاتينية الاقتصادي. والأهداف الرئيسية لهذا التنظيم هي الرقي بمصالح المنطقة الاقتصادية وتأسيس الشركات التي تملكها رؤوس الأموال المحلية لتوازن بها نفوذ الشركات والأعمال الأوروبية واليابانية والأمريكية.
الحركة من أجل الوحدة:
تعود الحركة من أجل الوحدة بين شعوب أمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية والتي تعرف باسم عموم أمريكا أو الجامعة الأمريكية، إلى أوائل القرن التاسع عشر.
دعا القائد الفنزويلي الشهير سيمون بوليفار في عام 1826م إلى اجتماع يضم دول أمريكا اللاتينية التي استقلت حديثًا. وتبع هذا عدة مؤتمرات أخرى. كان بوليفار يؤمن بأن هذه الجمهوريات تحتاج إلى العمل معًا لحل المشاكل المشتركة. لكن المشاعر الوطنية القائمة على الغيرة بين هذه الدول منعت هذه الدول من تحقيق التعاون الإقليمي.
أقامت الولايات المتحدة وثمانية عشر قطرًا من أقطار أمريكا اللاتينية الاتحاد الدولي للجمهوريات الأمريكية. وقد سمي المكتب المركزي لهذا التنظيم المكتب التجاري للجمهوريات الأمريكية. ثم أعيدت تسميته عام 1910م فأصبح اتحاد عموم أمريكا، وقد كان الهدف منه إيجاد تعاون اقتصادي وثقافي وسياسي بين الدول الأعضاء. وقد تأسست منظمة الدول الأمريكية عام 1948م ثم أصبح اتحاد الجامعة الأمريكية الهيئة القيادية التنفيذية الدائمة للمنظمة (أو. أيه. إس) ويتكون من الولايات المتحدة وكل أقطار أمريكا اللاتينية المستقلة ماعدا بليز وغايانا. وتهدف المنظمة إلى الحل السلمي للمنازعات بين دول المنظمة.
وفي عام 1947م وقعت الولايات وكل جمهوريات أمريكا اللاتينية تقريبًا معاهدة تبادل المساعدات. وقد تم الاتفاق على المعاهدة والتوقيع عليها في ريو دي جانيرو بالبرازيل وتسمى عادة باسم معاهدة ريو. وقد ورد في نص المعاهدة أن أي هجوم مسلح على أي قطر من الأقطار الموقعة على المعاهدة يعتبر هجومًا على كل الأقطار الأخرى.
الولايات المتحدة وأمريكا اللاتينية:
إن العلاقات بين دول أمريكا اللاتينية والولايات المتحدة في أحوال كثيرة معقدة. وقد دعمت الولايات المتحدة باستمرار مستعمرات أمريكا اللاتينية في انتفاضاتها وحروبها لنيل الاستقلال. وقد أصدر جيمْس مُونْرُو في عام 1823م تصريحه الذي عرف باسم مبدأ مونرو، وفيه حذر الرئيس الأمريكي الدول الأوروبية من التدخل في الشؤون الداخلية لدول نصف الكرة الغربي. ولكن إعلان هذا المبدأ أثار كثيرًا من الاستياء وسط أقطار أمريكا اللاتينية. وقد أحست كثير من دول أمريكا اللاتينية أن الولايات المتحدة إنما تفرض سيادتها على المنطقة بإعلان نفسها الدولة الحامية لها.
إن العديد من دول أمريكا اللاتينية لاتثق في الولايات المتحدة بسبب ثرواتها الكثيرة وقوتها الضخمة. وفي كثير من الأحيان كانوا يشْكُون من أنها تحاول السيطرة على نصف الكرة الغربي كله. وقد نبعت هذه الشكوك بعد الحرب المكسيكية (1846-1848م ) بعد ضم تكساس إليها عام 1845م. كما أبدت دول أمريكا اللاتينية قلقها أيضًا عندما قامت الولايات المتحدة بالتحكم في بورتوريكو عام 1898م بعد الحرب الأسبانية الأمريكية.
ازداد وجود القوات العسكرية الأمريكية على أراضي أمريكا اللاتينية منذ بداية القرن العشرين، فقد قامت القوات الأمريكية بمساعدة بنما في الحصول على استقلالها من كولومبيا عام 1903م. وقد منحت بنما في مقابل هذه المساعدة للولايات المتحدة حق التحكم في منطقة من أراضيها حفرت فيها قناة بنما في وقت لاحق. وقد انزعجت دول أمريكا اللاتينية فعلاً عندما قامت الولايات المتحدة بإنزال مشاة بحريتها ـ المارينز ـ في نيكاراجوا وظلوا فيها من عام 1912م إلى عام 1933م وكذلك أقاموا في هاييتي من 1915م حتى 1934م، وفي جمهورية الدومينيكان من عام 1916م إلى 1924م. وقد أرسلت الحكومة الأمريكية جنود بحريتها إلى هذه البلاد لحماية المصالح الأمريكية خلال فترات الاضطرابات السياسية. وأثناء الحرب العالمية الأولى (1914-1918م) وقف العديد من دول أمريكا اللاتينية مع الولايات المتحدة ضد ألمانيا ولكن الغالبية وقفت على الحياد.
لكن شعور دول أمريكا اللاتينية بعدم الثقة تجاه الولايات المتحدة قد بدأ في الزوال تدريجيًا بعد انعقاد المؤتمر الذي جمع كل دول الأمريكتين عام 1933م وسمي بمؤتمر جامعة الدول الأمريكية. والتزمت كل دول المنطقة باتباع سياسة الجار الطيب التي وضع خطوطها العامة الرئيس فرانكلين روزفلت. وتضمنت هذه السياسة التزام كل دولة بسياسة عدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي دولة أخرى. وفي خلال الحرب العالمية الثانية (1939-1945م) ساعدت كل أقطار أمريكا اللاتينية الحلفاء. غير أن البرازيل والمكسيك فقط هما اللتان أرسلتا الجنود واشتركتا في الحرب فعلاً.
ومنذ منتصف القرن العشرين قامت الولايات المتحدة بإرسال العديد من الخبراء الفنيين ومنح بلايين الدولارات لأقطار أمريكا اللاتينية لمساعدتها على حل مشاكلها الاجتماعية والاقتصادية. وساعدت برامج المساعدات هذه، مثل التحالف من أجل التقدم، وفيالق السلام، على تحسين وتطوير الزراعة والصناعة والنظم التربوية والخدمات الصحية في أقطار أمريكا اللاتينية.
شهدت العلاقات بين دول أمريكا اللاتينية والولايات المتحدة علامات توتر خلال السبعينيات وأوائل الثمانينيات. فقد قامت الولايات المتحدة بقطع معوناتها عن بعض دول أمريكا اللاتينية التي انتهكت الحقوق المدنية لرعاياها. ولكن كثيرًا من هذه الدول ظنت الظنون في الدوافع التي تكمن خلف تصرفات الولايات المتحدة الأمريكية وبرامج مساعداتها. وقامت بعض شعوب هذه الدول بمعارضة هيمنة النفوذ الأمريكي في بلادهم، وطالبوا بنصيب أوفر من التحرر من الهيمنة، وعلى العكس من ذلك طالب حكام بعض الدول من الولايات المتحدة مزيدًا من المساعدات الاقتصادية والعسكرية وذلك بسبب زيادة انتشار العنف بين مواطنيها المطالبين بالإصلاحات.
سعت الولايات المتحدة إلى تخفيف حدة التوتر في المنطقة، فتعهدت عام 1977م بمنح بنما حق السيادة الكاملة على منطقة قناة بنما اعتبارًا من ديسمبر 1999م. لكنها دعمت أيضًا انقلابًا عسكريًا أطاح برئيس تشيلي المنتخب سلفادور اليندي عام 1973م.
عصر عدم الاستقرار السياسي:
اندلعت خلال أوائل ومنتصف القرن العشرين حركات احتجاج واسعة في العديد من بلاد أمريكا اللاتينية مطالبة بإصلاحات سياسية واقتصادية رئيسية. وقد تمكنت الثورات من الإطاحة بعدد من الحكام المستبدين. ولكن مع ذلك فإن نهاية الحكومات الاستبدادية لم تأت بالاستقرار ولا بالحكومات التي تمثل شعوبها في كثير من الأقطار.
وخلال منتصف القرن العشرين كان العنف كثيرًا ما يعصف بالحياة السياسية نظرًا لصراع الجماعات السياسية من أجل السلطة. وانتشرت الانفجارات والاختطافات والاغتيالات في كثير من الأقطار. سيطر العسكريون على الكثير من حكومات أمريكا اللاتينية. وغالبًا ما انتهك هؤلاء القادة الحقوق المدنية للجماهير، مدعين أن هذه الخطوة ضرورية من أجل تحقيق الاستقرار والإصلاح. قام هؤلاء الحكام بإغلاق الجامعات والصحف وإصدار قوانين صارمة للرقابة. وأودعوا الآلاف من مواطنيهم في السجون بدون محاكمة باعتبارهم متهمين بالإرهاب.
ولكن واحدًا من أهم التطورات السياسية البارزة في أمريكا اللاتينية حدث عام 1959م. ففي هذا العام قاد فيدل كاسترو ثورة في كوبا أدت إلى الإطاحة بالدكتاتورية العسكرية التي كان على رأسها فولهينسيو باتيستا. وقد أقام كاسترو على أنقاض النظام السابق دكتاتورية شيوعية وأقام تحالفًا وثيقًا مع الاتحاد السوفييتي السابق. وتعهد بتقديم المساعدات إلى الثوار الشيوعيين فى أقطار أمريكا اللاتينية الأخرى ليتمكنوا من الاستيلاء على السلطة.
بعد نجاح ثورة كاسترو، زادت أنشطة الشيوعيين والتنظيمات اليسارية الأخرى زيادة كبيرة في أمريكا اللاتينية. وفي عام 1979م نجحت ثورة قادها أعضاء جبهة الساندينيستا للتحرير القومي، وهي جماعة شيوعية دعمتها كوبا، في الإطاحة بدكتاتور نيكاراجوا أنستازيو سوموزا ديبايل. وقد استولت هذه المجموعات التي تسمى عادة الساندينيستيين على السلطة في البلاد.
التطورات الحديثة:
تطورت اقتصاديات أمريكا اللاتينية خلال الستينيات وبداية السبعينيات. ولكن عدة عوامل تضافرت على إبطاء سرعة هذا التطور. فقد ارتفعت أسعار السلع الضرورية المستوردة مثل النفط والأسمدة الكيميائية وآلات ومعدات المصانع ارتفاعًا حادًا. وفي الوقت نفسه انخفضت الأسعار التي كانت تحصل عليها دول أمريكا اللاتينية مقابل صادراتها الزراعية والمعدنية. ولذا اضطرت دول كثيرة إلى اقتراض مبالغ ضخمة بأسعار فائدة عالية وذلك لتمويل مشاريع التنمية. وقد واجهت بعض هذه الدول صعوبات ومشاكل لجمع الأموال الضرورية لتسديد هذه القروض.
توسعت في الثمانينيات وانتشرت حركات الاحتجاج والرفض للحكومات العسكرية في كثير من الدول. نتيجة لهذه الحركات قامت حكومات مدنية انتخبتها الجماهير بديلاً عن الحكومات العسكرية في بلاد مثل الأرجنتين والبرازيل وتشيلي. كما جرت انتخابات في نيكاراجوا وفشلت حكومات الساندينيستيين في الحصول على الأغلبية وأتت حكومة غير شيوعية إلى الحكم.
واليوم، تواجه أمريكا اللاتينية مشاكل اجتماعية واقتصادية وسياسية خطيرة. وتستمر الفجوة بين الفقراء والأغنياء وتزداد اتساعًا. ويعيش ملايين من أبناء أمريكا اللاتينية في فقر مدقع. إن الزيادة المطردة والسريعة في سكان الأقاليم تجعل من الصعب على الحكومات توفير وظائف وأعمال كافية وتوفير السكن المناسب والخدمات الحيوية إلى السكان. وتستمر المطالب المتزايدة بالإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية وتنفجر أحيانًا على هيئة احتجاجات صاخبة وعنيفة أو حروب أهلية.
هذا القسم الخطوط العريضة لتاريخ أمريكا اللاتينية. إذا رغبت في الاطلاع على تاريخ قطر معين، فبإمكانك الرجوع إلى المقال الخاص بالقطر، وفي نهاية هذه المقالة قائمة بمقالات هذه الدول الواردة في الموسوعة.
السكان الأوائل:
كان الهنود الحمر هم أول السكان الأصليين لأمريكا اللاتينية. يعتقد العلماء أن أسلاف هؤلاء الهنود قدموا إلى أمريكا الشمالية من آسيا منذ ما يزيد على 20,000سنة حيث كان هناك برزخ يصل بين آسيا وأمريكا الشمالية عبر ما يعرف الآن باسم مضيق بيرنج وهذا المضيق يفصل الآن بين آسيا وألاسكا. ومن المحتمل أن يكون بعض الناس من آسيا قد عبروا هذا البرزخ وهم يتابعون بعض حيوانات الصيد. وقد أصبحت سلالة هؤلاء يعرفون باسم الهنود الحمر، وفي حوالي عام 6000 قبل الميلاد انتشر هؤلاء الهنود في معظم أرجاء الأمريكتين حتى الطرف الجنوبي لأمريكا الجنوبية.
ظل الهنود الحمر لآلاف السنين يعيشون في مجموعات صغيرة. كانوا يتحركون باستمرار بحثًا عن حيوانات الصيد والنباتات البرية كطعام لهم. ثم قام بعض الهنود، في النهاية بزراعة الأرض. كان الهنود هم أول شعب زرع الكاكاو والذرة الشامية والفاصوليا والفول السوداني والبطاطس والقرع والتبغ والطماطم. كان بإمكان الهنود، الذين مارسوا الزراعة العيش في بقعة واحدة حيث ينتجون طعامًا يكفيهم ويكفي غيرهم. قام المزارعون منهم بالاستقرار في مكان واحد وإنتاج طعام لكثير غيرهم. وقام هؤلاء ببناء المنازل الدائمة والاستقرار في قرى صغيرة. ومع زيادة السكان الهنود نمت بعض القرى وتحولت إلى مدن صغيرة ثم مدن كبيرة وعواصم وأدى هذا التطور إلى نمو حضارات متقدمة.
ومن المحتمل أن تكون حضارة الهنود المبكرة في أمريكا تعود جذورها إلى الأولمك، تقع حضارة الأولمك في المنطقة التي تعرف الآن بشرق المكسيك فيما بين القرنين الثالث عشر والخامس قبل الميلاد. أما حضارة المايا التي نشأت في منطقة جنوب المكسيك وشمال أمريكا الوسطى فقد وصلت إلى قمة ازدهارها فيما بين منتصف القرن الثالث والقرن العاشر الميلاديين. أنتجت حضارة المايا مجموعة رائعة من المعمار والتصوير التشكيلي والخزف والنحت. كما توصلت هذه الحضارة إلى اختراع التقويم السنوي وكذلك نظامًا متقدمًا للكتابة. كما امتلك المايا معرفة متقدمة بالفلك مما ساعدهم على التنبؤ بدقة بمواسم زراعة محاصيلهم. كما استطاعوا بناء شبكات متشعبة من قنوات الري تحت الأرض.
استطاع التولتك التحكم في وسط المكسيك من القرن العاشر حتى القرن الثالث عشر الميلاديين. ولكن الأزتك في بداية القرن الخامس عشر الميلادي استطاعوا أن يحلوا محل التولتك ويصبحوا أقوى شعوب المنطقة. استمرت حضارة الأزتك مزدهرة حتى بداية القرن السادس عشر الميلادي. واستطاع كل من التولتك والأزتك بناء أهرامات ضخمة ومبانٍ مازالت بقايا كثير منها موجودة حتى الآن. كما أن شعب الإنكا استطاع أن يحكم إمبراطورية ضخمة حتى بداية القرن السادس عشر الميلادي. أتقنت شعوب الإنكا الزراعة ووصلوا إلى درجات عالية في المعمار. وبنوا شبكة واسعة من الطرق عبر جبال الأنديز لكي يربطوا مدن إمبراطوريتهم المتباعدة مع بعضها البعض. استطاع مزارعو الإنكا بناء مصاطب زراعية في منحدرات الجبال ثم جلبوا المياه إلى هذه القطع بواسطة قنوات الري. الاكتشاف الأوروبي واستكشاف المنطقة:
في عام 1492م أصبح كريستوفر كولمبوس ـ وهو بحار إيطالي يعمل في خدمة ملك أسبانيا ـ أول أوروبي يصل إلى أمريكا اللاتينية. وقد أبحر كولمبوس غربًا من أسبانيا على أمل العثور على طريق بحري أقصر يوصل إلى شرق آسيا. ونزل إلى اليابسة في جزيرة سان سلفادور في جزر الهند الغربية.
بعد عودته إلى أسبانيا أثارت أنباء اكتشافه للطريق الجديد موجة واسعة من الحماس في أوروبا. وقد قام البابا ألكسندر السادس برسم خط حدودي يقسم أمريكا الجنوبية بالطول لتحديد مناطق النفوذ بين أسبانيا والبرتغال وذلك لتفادي النزاع بين الدولتين حول السيادة على الأراضي الجديدة المكتشفة. ويقع هذا الخط الوهمي الذي يمر من الشمال إلى الجنوب حوالي 560كم إلى الغرب من مجموعتي جزر في شمال المحيط الأطلسي وهي جزر الآزور وكيب فيرد. وأصبحت كل الأراضي التي تقع غرب هذا الخط تابعة لأسبانيا بينما تبعت كل الأراضي التي تقع شرق هذا الخط إلى البرتغال. ولكن حكام البرتغال شعروا بالغبن لأنهم اعتقدوا أن هذا الخط منح أسبانيا أراضي أكثر من حقهم. وقد قامت الدولتان بتوقيع اتفاقية تورديسيلاس في عام 1494م حيث اتفقت الدولتان على إزاحة خط التقسيم 2,084كم إلى الغرب. ونتيجة لذلك قامت البرتغال بضم القسم الشرقي وهو مايعرف حاليًا باسم البرازيل. وقد ضمت البرتغال هذه المنطقة فعلاً إلى أملاكها في عام 1500م عندما نزل ملاح برتغالي يدعى بيدرو ألفاريز كابرال على الساحل الشرقي للبرازيل.
قام كولمبوس في الفترة ما بين 1492م إلى 1502م بأربع رحلات إلى أمريكا اللاتينية. قام خلال هذه الرحلات باكتشاف عدة جزر من جزر الهند الغربية وشواطئ المنطقة التي أصبحت تعرف الآن بهندوراس وكوستاريكا ونيكاراجوا وبنما وفنزويلا. وقام مكتشفون آخرون بعد ذلك بمتابعة رحلات كولمبوس إلى أمريكا اللاتينية. أدرك الأوروبيون بسرعة أن هذه الأراضي ليست آسيا بل أرض جديدة. وقام رسامو الخرائط بتسمية هذه المنطقة أمريكا إحياءً لذكرى البحار الإيطالي المولد أميريغو فسبوتشي. وقد قام فسبوتشي بعدة رحلات إلى أمريكا اللاتينية في أواخر تسعينيات القرن الخامس عشر وبداية القرن السادس عشر الميلاديين لحساب كل من أسبانيا والبرتغال. كان فسبوتشي هذا هو أول رحالة أكد على أن هذه المنطقة هي دنيا جديدة.
وفي عام 1513م قام المغامر الأسباني فاسكو نونيز دي بالبوا بعبور برزخ بنما وأصبح أول أوروبي يشاهد الساحل الشرقي للمحيط الهادئ. وكان اكتشافه دليلاً على أن أمريكا قارة منفصلة تقع بين أوروبا وآسيا. وفي عام 1520م أصبح البحار البرتغالي فرديناند ماجلان أول أوروبي يكتشف الممر المائي الذي يربط المحيط الأطلسي بالمحيط الهادي في الطرف الجنوبي لأمريكا الجنوبية. وقد أبحر ماجلان بجوار الساحل الشرقي لأمريكا الجنوبية ثم عبر المضيق الذي يحمل الآن اسم ماجلان.
إخضاع الهنود الحمر:
بعد وصول الأوروبيين إلى أمريكا اللاتينية مباشرة، وفي منتصف القرن السادس عشر الميلادي، كانت مجموعة صغيرة من المغامرين الأسبان يعرفون باسم الكُونْكِسَتَادُورز (الغزاة) قد هزمت الحضارات الهندية الكبرى ومنحوا أسبانيا سيطرة قوية على معظم أمريكا اللاتينية. وقد هزموا بسهولة قوات الهنود الكثيرة التي لم تر المدافع ولا الحصان.
بدأت حملات الإخضاع الأولى في المكسيك وأمريكا الوسطى، وهبط هيرناندو كورتيز شاطئ المكسيك عام 1519م. وحتى عام 1521م كان كورتيز قد اكتسح إمبراطورية الأزتك الكبرى. وفي العام الثاني كان قائد آخر يسمى بدرارياس دافيلا قد انتصر على هنود المناطق التي تسمى الآن كوستاريكا ونيكاراجوا. وفي عام 1523م قام بيدرو دى الفارادو ـ وهو واحد من ضباط كورتيز ـ بفتح المنطقة التي تسمى الآن إلسلفادور وجواتيمالا. وقام هؤلاء، بالإضافة إلى بالبوا، في بنما، بضمان انفراد أسبانيا باحتلال أمريكا الوسطى.
قام فرانسيسكو بيزارو عام 1531م بالإبحار جنوبًا من بنما إلى المنطقة التي تعرف حاليًا باسم بيرو. خلال العامين التاليين اندفع جيشه حوالي 4,800كم عبر جبال الأنديز وأخضع إمبراطورية الإنكا الضخمة. وأنشأ بيزارو مدينة ليما عام 1535م. وأصبحت المدينة عاصمة بيرو ومركز الحكومة الأسبانية في أمريكا الجنوبية. وكانت منطقة جنوب تشيلي من المناطق القليلة التي فشلت الجيوش الأسبانية في فتحها حيث ظل هنود الأرواك يقاومون هذه الجيوش مقاومة باسلة لما يزيد على ثلاثمائة عام.
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
دول أمريكا اللاتينية غير المستقلة | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
بدأ المستوطنون الأسبان والبرتغاليون يتدفقون إلى أمريكا اللاتينية حتى قبل أن تكتمل الحملات العسكرية على المنطقة، وقدم الكثيرون منهم حُبًّا في المغامرة والثروات المعدنية. أما الآخرون فقد أنشأوا المزارع الكبيرة التي زرعوا فيها قصب السكر والتبغ والمحاصيل الأخرى لكي يصدروها إلى أوروبا. وتم استعمار أمريكا اللاتينية في الوقت الذي بدأ فيه أوائل المستوطنين الأوروبيين في الوصول إلى الساحل الأطلسي لأمريكا الشمالية في منتصف القرن السادس عشر. وفي خلال القرن السابع عشر بدأ الهولنديون والبريطانيون والفرنسيون في إقامة مستعمرات صغيرة في أمريكا اللاتينية، وعلى وجه الخصوص جزر الهند الغربية.
ماتت أعداد كبيرة من هنود أمريكا اللاتينية بسبب الأمراض الجديدة التي جلبها الأوروبيون معهم كما قتل الكثيرون في الحروب. أسست أسبانيا في بداية القرن السادس عشر النظام الإقطاعي في أمريكا اللاتينية. حسب هذا النظام كانت السلطة الاستعمارية تمنح المستوطنين الجدد مساحة واسعة من الأرض لامتلاكها وامتلاك الهنود الذين يقومون على هذه الأرض، وكان المستوطنون يجمعون من الهنود إتاوات حيث سخروهم للعمل دون مقابل إما في مزارع السادة أو في المناجم. كان على السادة في مقابل هذا أن يحموا الهنود ويدخلوهم في النصرانية. لكن كثيرًا من هؤلاء المستوطنين كان يعامل الهنود بقسوة. ومات ملايين الهنود من الإرهاق وقسوة المعاملة. وعندما بدأ عدد السكان الهنود في الانقراض بدأ الأوروبيون في استجلاب السود من إفريقيا كعبيد.
تركزت السلطة في أمريكا اللاتينية المستعمرة في ثلاث مجموعات، تكونت المجموعة الأولى من موظفي الحكومة الاستعمارية التي قامت بتعيين حكام أوروبيين، حيث قام هؤلاء الحكام في كل مستعمرة بالسيطرة على سلطة ذات مركزية عالية. إن هذا النوع من الإدارة، حيث تتركز القوة في يد أفراد معدودين، مكَّن الأوروبيين من حكم المستعمرات من أجل هدف واحد هو استغلال ثروات البلاد الطبيعية إلى أقصى حد.
وكان قساوسة الكنيسة الرومانية الكاثوليكية هم المجموعة الثانية القوية في البلاد حيث سيطر القساوسة على التعليم في المستعمرات كما كُلّفوا بمهمة نشر النصرانية وسط الهنود والزنوج.
أما المجموعة الثالثة صاحبة السلطة والنفوذ في أمريكا اللاتينية المستعمرة فكانت تتكون من كبار ملاك الأرض وأصحاب المناجم. نشأت مستوطنات في أمريكا اللاتينية حول الأراضي الزراعية الجيدة أو مصادر الثروات المعدنية الهامة، ونتيجة لذلك فإن العديد من أماكن التجمع البشري كان يقع بعيدًا عن مراكز الإدارة الاستعمارية. وفي كثير من هذه الحالات كان التحكم الاقتصادي والسياسي في يد أصحاب الأرض والمناجم المحليين. استخدم بعض كبار ملاك الأرض وأصحاب المناجم سلطاتهم بطريقة عادلة، أما البعض الآخر فقد كانوا طغاة قاسين.
جنت أوروبا أرباحًا طائلة من ثروات أمريكا اللاتينية المعدنية ومنتجاتها الزراعية. وكانت السفن تبحر بانتظام من موانئ أمريكا اللاتينية إلى أوروبا محملة بالفضة والذهب. أما الصادرات الزراعية فكانت تشمل البن والقطن وقصب السكر والتبغ. وخلال السنوات المتتابعة أصبح الاقتصاد الأسباني يتزايد في اعتماده على أمريكا اللاتينية. ولكن أسبانيا كانت تعاني من أزمات اقتصادية نتيجة لغرق بعض سفنها القادمة من أمريكا اللاتينية محملة بالبضائع الثمينة نتيجة للعواصف التي تجتاح المحيط الأطلسي أو بسبب غارات القراصنة على تلك السفن.
بداية السخط العام في المستعمرات:
استمر الحكم الاستعماري الأوروبي في أمريكا اللاتينية حوالي ثلاثة قرون. وخلال هذه الفترة بدأ السخط ينمو تدريجيًا بين السكان. كان كثير من السكان في أمريكا اللاتينية يتوقون إلى مزيد من إطلاق أيديهم في التحكم في أمورهم السياسية والاقتصادية. غير أن القوى الأوروبية تجاهلت رغبات السكان فأصبحت حركة الدعوة إلى الاستقلال قوية ومن المستحيل إيقافها.
وقد نبعت الرغبة في الاستقلال في أوساط سكان أمريكا اللاتينية لعدة دوافع من أهمها: لم يرض الكريولوس، وهم أولئك الذين انحدروا من أصل أسباني وولدوا في أمريكا اللاتينية، عن احتكار الموظفين المرسلين من أسبانيا لكل الوظائف القيادية في الدولة وكان هؤلاء ـ كبار الموظفين ـ يحتقرون بدورهم الكريولوس لأنهم ليسوا من مواليد أوروبا.
ولكن السخط كان أكثر حدة وسط المستيزو (المولّدين) الذين جنى بعضهم ثروات وأملاكًا كثيرة وكانوا يطمعون في دور نشط في الإدارة الاستعمارية. ولكن هؤلاء المستيزو كانت مكانتهم الاجتماعية أو السياسية متدنية عند الأوروبيين المتحكمين في أمريكا اللاتينية.
كما أن التدفق المستمر لثروات المنطقة إلى أوروبا قد أغضب كثيرًا من سكان أمريكا اللاتينية. وكانت أسبانيا والبرتغال لا تسمحان لمستعمراتهما بالتجارة إلاّ مع الوطن الأم في أوروبا. ولم يكن يسمح للمستعمرات حتى بالتبادل التجاري فيما بينها في العالم الجديد. بالإضافة إلى هذا، فإن أسبانيا والبرتغال قد أضعفتا من فرص هذه الأقطار في النمو الاقتصادي نتيجة عدم تشجيعها حركة التطوير الصناعي هناك. لقد كانت الحكومات الاستعمارية الأوروبية تود أن تجبر بلاد أمريكا اللاتينية على شراء المنتجات الأوروبية الصنع بدلاً من تصنيع هذه السلع بأنفسهم.
أدت المظالم السياسية والاقتصادية التي عانى منها أبناء المستعمرات إلى ظهور رغبة قوية للاستقلال في بلاد أمريكا اللاتينية. وعلى الرغم من أن أسبانيا والبرتغال قامتا بإحداث عدد من الإصلاحات في المستعمرات قبل بداية القرن التاسع عشر الميلادي، إلا أن عددًا كبيرا من سكان المستعمرات كانوا يرغبون في الاستقلال.
في عام 1790م |
اشتعلت حروب الاستقلال أخيرًا في أمريكا اللاتينية نتيجة أحداث في أمريكا الشمالية وأوروبا. إن نجاح الثورة الأمريكية (1775م- 1783م) ومُثل الحرية والمساواة التي وعدت بها الثورة الفرنسية (1789م- 1799م) كانت مصدر وحي لسكان المستعمرات البؤساء. كما أن أسبانيا والبرتغال كانتا تفقدان مكانتهما وأهميتهما كقوى دولية كبيرة. فقد اجتاحت قوات نابليون بونابارت الفرنسية عام 1807م البرتغال واحتلتها. وفي العام التالي قام نابليون بتنحية الإمبراطور فرديناند السابع من عرش أسبانيا وقام بتعيين أخيه جوزيف بونابارت مكانه. ولهذا كان من الطبيعي أن تضعف قوة تحكم أسبانيا في مستعمراتها، ولذا انتهز عدد كبير من سكان هذه المستعمرات الفرصة وبدأوا النضال من أجل الاستقلال.
المكسيك بدأت ثورتها ضد أسبانيا عام 1810م. وفي البداية قاد النضال اثنان من قساوسة الكنيسة الكاثوليكية الرومانية، هما مغويل هيدالغو أي كوستيلا وخوزيه ماريا موريلوس أي بافون، ولكن هذه الثورة الأولى فشلت. وقامت القوات الأسبانية بإعدام القائدين هيدالغو وموريلوس. ولم تنل المكسيك استقلالها إلا في عام 1821م.
أمريكا الوسطى نالت حريتها من أسبانيا عام 1821م ولم تكن لأمريكا الوسطى أهمية اقتصادية تذكر، لهذا فإن أسبانيا تجاهلت المنطقة إلى حد كبير. ولهذا نجح سكان المنطقة في الحصول على الاستقلال بدون إراقة دماء، وفي عام 1822م أصبحت كل من كوستاريكا وإلسلفادور وجواتيمالا وهندوراس ونيكاراجوا جزءًا من المكسيك. ولكن في عام 1823م، انفصلت عن المكسيك وكونت وحدة سياسية عرفت باسم اتحاد أقاليم أمريكا الوسطى. ولكن منافسات إقليمية حادة أدت إلى بداية انهيار هذا الاتحاد عام 1838م وبحلول عام 1841م كانت كل دولة منها قد أصبحت جمهورية مستقلة. وكان إقليم بنما جزءًا من كولومبيا من عام 1821م وحتى عام 1903م، عندما ثارت كولومبيا بمساعدة من الولايات المتحدة الأمريكية وأصبحت في النهاية قطرًا مستقلاً. وكانت بليز ـ التي عرفت باسم هندوراس البريطانية حتى عام 1973م ـ مستعمرة بريطانية من 1862م وحتى عام 1981م حين أصبحت دولة مستقلة.
أمريكا الجنوبية الأسبانية. كان أبرز بطلين في النضال من أجل استقلال أمريكا الجنوبية الأسبانية هما الجنرال الفنزويلي سيمون بوليفار والقائد الأرجنتيني خوزيه دي سان مارتن. وقد ساعد بوليفار كلاً من بوليفيا وكولومبيا وإكوادور وبيرو وفنزويلا على نيل استقلالها. كما حارب سان مارتن من أجل استقلال الأرجنتين وتشيلي وبيرو. وفي عام 1806م قاد الثوري الفنزويلي فرانسيسكو دي ميراندا ثورة لم يُكتب لها النجاح ضد الأسبان. ثم قام بوليفار، وكان من أنصار ميراندا، بقيادة حملة جديدة ضد الأسبان كذلك في عام 1813م. ولقد حاربت قواته القوات الأسبانية لمدة تناهز العشر سنوات قبل أن تنتزع النصر النهائي منها في أياكوشو، بيرو، عام 1824م. ولقد أتى هذا النصر بالاستقلال للمستعمرات الأسبانية في شمال أمريكا الجنوبية.
أما في الجنوب فإن ملاك الأراضي في تشيلي أعلنوا استقلال بلادهم من الاستعمار الأسباني عام 1810م. ولكن القوات الأسبانية تمكنت من قهرهم. وأخيرًا تمكنت جيوش تحت قيادة كل من سان مارتن والبطل التشيلي برناردو أو هيغنز من انتزاع الاستقلال. وكما نعرف فإن سان مارتن فيما مضى، وذلك عام 1816م، قد حرر الأرجنتين من حكم الأسبان. وبعد ذلك حاربت جيوشه من أجل استقلال بيرو.
البرازيل حصلت على حريتها من البرتغال دون إطلاق طلقة واحدة. ويرجع السبب في ذلك إلى أن حاكم البرتغال الأمير جون كان قد هرب من بلاده إلى البرازيل عندما احتل نابليون البرتغال 1807م. وعند هزيمة نابليون بعد أربعة عشر عامًا عاد الأمير جون إلى البرتغال وترك ابنه بيدرو حاكمًا على البرازيل. ولكن البرازيليين لم يعودوا راغبين في أن تحكمهم أوروبا. لذا طالبوا بالاستقلال عن البرتغال. وفي عام 1822م أعلن بيدرو البرازيل إمبراطورية مستقلة وتولى عرش البلاد باسم الإمبراطور بيدرو الأول.
جزر الهند الغربية. في عام 1791م قاد تسوين لوفرتير العبيد السود في هاييتي في ثورة ضد الحكام الفرنسيين. ونالت هاييتي استقلالها عام 1804م وأصبحت أول دولة مستقلة في أمريكا اللاتينية. وأعلنت الدومينيكان استقلالها عام 1844م. ثم نشبت ثورة ضد الحكم الأسباني في كوبا عام 1895م. وساندت الولايات المتحدة الأمريكية ثوار كوبا مما أدى إلى نشوب الحرب الأسبانية الأمريكية عام 1898م بين أسبانيا والولايات المتحدة. وانتصرت الولايات المتحدة في هذه الحرب وأصبحت كوبا جمهورية عام 1902م. ووفقًا لشروط معاهدة الصلح تنازلت أسبانيا عن مستعمرة بورتوريكو إلى الولايات المتحدة. ولكن ظلت معظم جزر الهند الغربية تحت الحكم البريطاني أو الهولندي أو الفرنسي حتى منتصف القرن العشرين. ونالت معظم هذه الجزر استقلالها منذ هذه الفترة. بينما نالت معظم الجزر الصغيرة الأخرى مزيدًا من السيطرة على شؤونها.
حرب الحدود حدثت بين دول أمريكا اللاتينية بعد الاستقلال. في حرب الحلف الثلاثي ( 1865م - 1870م )، استطاعت دول التحالف المكون من الأرجنتين والبرازيل وأروجواي أن تهزم باراجواي. |
خضع سكان أمريكا اللاتينية ـ خلال فترة الاستعمار ـ لقوانين ملوك أوروبا البعيدين، ولم يكن لهؤلاء السكان حق إبداء الرأي في الأمور التي تمس صميم حياتهم، لذا فإنهم لم يشاركوا في الإدارة. وعندما تمردوا وأسسوا دولهم المستقلة كانت تجاربهم في الحكم والإدارة محدودة إلى أبعد الحدود. لهذا السبب ظن بعض القادة أن ليس من الحكمة إقامة حكومات جمهورية في أمريكا اللاتينية. لكن الوطنيين المتحمسين متأثرين بأفكار الثورتين الفرنسية والأمريكية، أصروا على المطالبة بحكومات جمهورية.
بعد الحصول على الاستقلال، أدرك المواطنون والقادة أن إقامة حكومة جمهورية وإعلانها أسهل كثيرًا من تحويلها إلى حقيقة واقعة. وأدى افتقار القادة الجدد لهذه الدول إلى الخبرة إلى صراعات عنيفة في طول البلاد وعرضها. واغتصب السلطة عدد من الحكام وانفردوا بها مقيمين حكومات ديكتاتورية. وقامت الجيوش التي حاربت من أجل الاستقلال بالوقوف مع الحكام الديكتاتوريين ودعم سلطاتهم. وفي بلاد أخرى سيطر كبار ملاك الأرض الأثرياء على الحكومة.
بمجرد الحصول على الحرية والاستقلال قامت جمهوريات أمريكا اللاتينية بإلغاء الرق. وشهد نهاية القرن التاسع عشر تحرير كل الأرقاء في المنطقة. ولكن الاستقلال لم يأت إلا بالقليل من التحسن في حياة معظم المواطنين. انقض الكريولوس الأثرياء والمستيزو على المؤسسات الاجتماعية التي كانت قائمة واحتووها كلها. أما فقراء المستيزو والهنود والسود فلم يحصلوا إلا على القليل من السلطة والنفوذ وحتى هذا كان نادرًا. أصبحت الحياة بالنسبة لمعظم الناس أكثر صعوبة وقسوة مما كانت عليه في السابق.
النزاعات الحدودية:
تدهورت العلاقات بين عدد من أقطار أمريكا اللاتينية منذ الاستقلال إلى حد كبير بسبب الاختلافات حول الحدود الوطنية. فقد نشبت الحرب عام 1825م بين الأرجنتين والبرازيل بسبب منطقة متنازع عليها تقع على حدود الدولتين. وقد وقَّعت الدولتان بعد ثلاث سنوات اتفاقية قامت بموجبها دولة أروجواي المستقلة في المنطقة المتنازع عليها. وفي حرب الحلف الثلاثي (1865- 1870م) هزمت الأرجنتين والبرازيل وأروجواي دولة باراجواي. وقد أدت الحرب إلى الاتفاق النهائي على الحدود المشتركة لهذه الأقطار. ولكن حوالي نصف سكان باراجواي ماتوا في معارك هذه الحرب. وفي حرب الباسفيك (1879- 1883م) حاربت تشيلي كلاً من بوليفيا وبيرو بسبب منطقة غنية بالنترات محاذية للمحيط الهادئ. وقد انتصرت تشيلي في هذه الحرب وامتلكت المنطقة تاركة بوليفيا بدون ساحل على المحيط. ومنذ ذلك التاريخ وبوليفيا دولة بلا منفذ على البحر.
وفي الفترة ما بين 1932م وحتى 1935م اندلع القتال بين بوليفيا وباراجواي للسيطرة على جران تشاكو وهي منطقة منخفضة تقع على الحدود بين البلدين. وفي النهاية منحت معظم المنطقة المتنازع عليها إلى باراجواي. اندلع القتال عدة مرات بين بيرو والإكوادور في بداية القرن العشرين حول منطقة برية غير محدودة في حوض نهر الأمازون تقع بين الإكوادور والبرازيل. وقامت بيرو بضم المنطقة إليها فى الأربعينيات. وفي أواخر يناير 1995م، بدأت اشتباكات مسلحة بين الدولتين تم بعدها التوصل إلى اتفاقية لوقف إطلاق النار تضع نهاية لصراعهما الحدودي الذي سقط فيه عشرات القتلى والجرحى. وكانت مجموعة الوساطة الرباعية المؤلفة من الأرجنتين والبرازيل وتشيلي والولايات المتحدة، وهي الدول الضامنة لاتفاقية ريو، قد رعت تلك الاتفاقية الجديدة الموقعة في فبراير 1995م. ومن المنازعات المستمرة ادعاء جواتيمالا ملكية أرض خاضعة لدولة بليز كما أن فنزويلا تطالب بحوالي ثلاثة أرباع دولة غايانا.
العلاقات التجارية والنمو الاقتصادي:
اعتمدت اقتصاديات معظم أقطار أمريكا اللاتينية منذ العهد الاستعماري على تصدير عدد قليل من المنتجات الزراعية والمعدنية. كما أن صادرات بعض الأقطار تتكون أساسًا من منتج واحد، على سبيل المثال الموز في هندوراس والبن في كولومبيا والنحاس في تشيلي والنفط في كل من الإكوادورا والمكسيك وفنزويلا، والسكر من كوبا وجمهورية الدومينيكان والقصدير من بوليفيا. إن أي انخفاض في أسعار السوق، بالنسبة لهذه الصادرات يخلق أزمات اقتصادية قاسية. وقد أنفقت كثير من الدول منذ منتصف خمسينيات القرن العشرين كميات ضخمة من الأموال لتطوير صناعات جديدة بهدف تقليل اعتمادها على صادرات زراعية ومعدنية محددة. وقد حصلت كثير من هذه الأقطار على قروض من مؤسسات اقتصادية إقليمية ودولية لتحقيق تطوير الصناعات الجديدة الأخرى. كما حصلت بعض الأقطار على مساعدات اقتصادية من أقطار أخرى.
كانت معظم أقطار أمريكا اللاتينية تستورد في الماضي معظم السلع المصنعة من أوروبا والولايات المتحدة. وقد كانت التجارة فيما بين دول أمريكا اللاتينية قليلة نسبيًا لأنها كانت تنتج سلعًا متشابهة. ولكن مع نمو التصنيع تكونت تنظيمات اقتصادية متعددة لتشجيع التجارة الإقليمية. وتشمل هذه التنظيمات رابطة أمريكا اللاتينية للتكامل، والسوق المشتركة لوسط أمريكا، والمجتمع الكاريبي والسوق المشتركة، وحلف الأنديز. وتعمل هذه التنظيمات لتقليل الحواجز التجارية بين الأقطار المشتركة وعلى ازدهار النمو الاقتصادي في المنطقة.
كانت الشركات الأمريكية والأوروبية تمتلك قبل ستينيات القرن العشرين معظم الصناعات الرئيسية في أمريكا اللاتينية. وكان كثير من مواطني المنطقة يعتقدون أن هذه الشركات الأجنبية كان هدفها الوحيد جني الأرباح الطائلة ولم تكن تهتم إطلاقا بمستوى معيشة شعوب المنطقة. ومع نهاية الستينيات، قامت بعض الأقطار بإصدار تشريعات تمنع الأجانب من تملك بعض الصناعات الرئيسية. وقد قامت حكومات أقطار مثل بوليفيا وغايانا وبيرو وفنزويلا بالاستيلاء على صناعات كانت تمتلكها شركات أمريكية وأوروبية من قبل. ومع ذلك فإن معظم الدول تشجع الاستثمار الأجنبي في صناعات تحتاج إلى التحديث.
وفي عام 1975م، انضمت معظم أقطار الإقليم المستقلة إلى منظمة نظام أمريكا اللاتينية الاقتصادي. والأهداف الرئيسية لهذا التنظيم هي الرقي بمصالح المنطقة الاقتصادية وتأسيس الشركات التي تملكها رؤوس الأموال المحلية لتوازن بها نفوذ الشركات والأعمال الأوروبية واليابانية والأمريكية.
الحركة من أجل الوحدة:
تعود الحركة من أجل الوحدة بين شعوب أمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية والتي تعرف باسم عموم أمريكا أو الجامعة الأمريكية، إلى أوائل القرن التاسع عشر.
دعا القائد الفنزويلي الشهير سيمون بوليفار في عام 1826م إلى اجتماع يضم دول أمريكا اللاتينية التي استقلت حديثًا. وتبع هذا عدة مؤتمرات أخرى. كان بوليفار يؤمن بأن هذه الجمهوريات تحتاج إلى العمل معًا لحل المشاكل المشتركة. لكن المشاعر الوطنية القائمة على الغيرة بين هذه الدول منعت هذه الدول من تحقيق التعاون الإقليمي.
أقامت الولايات المتحدة وثمانية عشر قطرًا من أقطار أمريكا اللاتينية الاتحاد الدولي للجمهوريات الأمريكية. وقد سمي المكتب المركزي لهذا التنظيم المكتب التجاري للجمهوريات الأمريكية. ثم أعيدت تسميته عام 1910م فأصبح اتحاد عموم أمريكا، وقد كان الهدف منه إيجاد تعاون اقتصادي وثقافي وسياسي بين الدول الأعضاء. وقد تأسست منظمة الدول الأمريكية عام 1948م ثم أصبح اتحاد الجامعة الأمريكية الهيئة القيادية التنفيذية الدائمة للمنظمة (أو. أيه. إس) ويتكون من الولايات المتحدة وكل أقطار أمريكا اللاتينية المستقلة ماعدا بليز وغايانا. وتهدف المنظمة إلى الحل السلمي للمنازعات بين دول المنظمة.
وفي عام 1947م وقعت الولايات وكل جمهوريات أمريكا اللاتينية تقريبًا معاهدة تبادل المساعدات. وقد تم الاتفاق على المعاهدة والتوقيع عليها في ريو دي جانيرو بالبرازيل وتسمى عادة باسم معاهدة ريو. وقد ورد في نص المعاهدة أن أي هجوم مسلح على أي قطر من الأقطار الموقعة على المعاهدة يعتبر هجومًا على كل الأقطار الأخرى.
الرئيس الأمريكي ثيودور روزفلت ( في الوسط ) يزور أعمال حفر قناة بنما عام 1906م. وقد منحت دولة بنما حق إدارة منطقة القناة إلى الولايات المتحدة عام 1903م. |
الرئيس الأمريكي جيمي كارتر ( إلى اليسار ) في احتفال عام 1977م يوقع معاهدة يمنح بموجبها دولة بنما الإدارة الكاملة للقناة اعتباراً من 31 ديسمبر 1999م. |
إن العلاقات بين دول أمريكا اللاتينية والولايات المتحدة في أحوال كثيرة معقدة. وقد دعمت الولايات المتحدة باستمرار مستعمرات أمريكا اللاتينية في انتفاضاتها وحروبها لنيل الاستقلال. وقد أصدر جيمْس مُونْرُو في عام 1823م تصريحه الذي عرف باسم مبدأ مونرو، وفيه حذر الرئيس الأمريكي الدول الأوروبية من التدخل في الشؤون الداخلية لدول نصف الكرة الغربي. ولكن إعلان هذا المبدأ أثار كثيرًا من الاستياء وسط أقطار أمريكا اللاتينية. وقد أحست كثير من دول أمريكا اللاتينية أن الولايات المتحدة إنما تفرض سيادتها على المنطقة بإعلان نفسها الدولة الحامية لها.
إن العديد من دول أمريكا اللاتينية لاتثق في الولايات المتحدة بسبب ثرواتها الكثيرة وقوتها الضخمة. وفي كثير من الأحيان كانوا يشْكُون من أنها تحاول السيطرة على نصف الكرة الغربي كله. وقد نبعت هذه الشكوك بعد الحرب المكسيكية (1846-1848م ) بعد ضم تكساس إليها عام 1845م. كما أبدت دول أمريكا اللاتينية قلقها أيضًا عندما قامت الولايات المتحدة بالتحكم في بورتوريكو عام 1898م بعد الحرب الأسبانية الأمريكية.
ازداد وجود القوات العسكرية الأمريكية على أراضي أمريكا اللاتينية منذ بداية القرن العشرين، فقد قامت القوات الأمريكية بمساعدة بنما في الحصول على استقلالها من كولومبيا عام 1903م. وقد منحت بنما في مقابل هذه المساعدة للولايات المتحدة حق التحكم في منطقة من أراضيها حفرت فيها قناة بنما في وقت لاحق. وقد انزعجت دول أمريكا اللاتينية فعلاً عندما قامت الولايات المتحدة بإنزال مشاة بحريتها ـ المارينز ـ في نيكاراجوا وظلوا فيها من عام 1912م إلى عام 1933م وكذلك أقاموا في هاييتي من 1915م حتى 1934م، وفي جمهورية الدومينيكان من عام 1916م إلى 1924م. وقد أرسلت الحكومة الأمريكية جنود بحريتها إلى هذه البلاد لحماية المصالح الأمريكية خلال فترات الاضطرابات السياسية. وأثناء الحرب العالمية الأولى (1914-1918م) وقف العديد من دول أمريكا اللاتينية مع الولايات المتحدة ضد ألمانيا ولكن الغالبية وقفت على الحياد.
لكن شعور دول أمريكا اللاتينية بعدم الثقة تجاه الولايات المتحدة قد بدأ في الزوال تدريجيًا بعد انعقاد المؤتمر الذي جمع كل دول الأمريكتين عام 1933م وسمي بمؤتمر جامعة الدول الأمريكية. والتزمت كل دول المنطقة باتباع سياسة الجار الطيب التي وضع خطوطها العامة الرئيس فرانكلين روزفلت. وتضمنت هذه السياسة التزام كل دولة بسياسة عدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي دولة أخرى. وفي خلال الحرب العالمية الثانية (1939-1945م) ساعدت كل أقطار أمريكا اللاتينية الحلفاء. غير أن البرازيل والمكسيك فقط هما اللتان أرسلتا الجنود واشتركتا في الحرب فعلاً.
ومنذ منتصف القرن العشرين قامت الولايات المتحدة بإرسال العديد من الخبراء الفنيين ومنح بلايين الدولارات لأقطار أمريكا اللاتينية لمساعدتها على حل مشاكلها الاجتماعية والاقتصادية. وساعدت برامج المساعدات هذه، مثل التحالف من أجل التقدم، وفيالق السلام، على تحسين وتطوير الزراعة والصناعة والنظم التربوية والخدمات الصحية في أقطار أمريكا اللاتينية.
شهدت العلاقات بين دول أمريكا اللاتينية والولايات المتحدة علامات توتر خلال السبعينيات وأوائل الثمانينيات. فقد قامت الولايات المتحدة بقطع معوناتها عن بعض دول أمريكا اللاتينية التي انتهكت الحقوق المدنية لرعاياها. ولكن كثيرًا من هذه الدول ظنت الظنون في الدوافع التي تكمن خلف تصرفات الولايات المتحدة الأمريكية وبرامج مساعداتها. وقامت بعض شعوب هذه الدول بمعارضة هيمنة النفوذ الأمريكي في بلادهم، وطالبوا بنصيب أوفر من التحرر من الهيمنة، وعلى العكس من ذلك طالب حكام بعض الدول من الولايات المتحدة مزيدًا من المساعدات الاقتصادية والعسكرية وذلك بسبب زيادة انتشار العنف بين مواطنيها المطالبين بالإصلاحات.
سعت الولايات المتحدة إلى تخفيف حدة التوتر في المنطقة، فتعهدت عام 1977م بمنح بنما حق السيادة الكاملة على منطقة قناة بنما اعتبارًا من ديسمبر 1999م. لكنها دعمت أيضًا انقلابًا عسكريًا أطاح برئيس تشيلي المنتخب سلفادور اليندي عام 1973م.
فيدل كاسترو يلوح للجماهير في هافانا ـ كوبا عام 1959م بعد أن قاد ثورة ناجحة ضد الدكتاتور فولهينسيو باتيستا. وأصبحت كوبا دولة شيوعية تحت قيادة كاسترو. |
اندلعت خلال أوائل ومنتصف القرن العشرين حركات احتجاج واسعة في العديد من بلاد أمريكا اللاتينية مطالبة بإصلاحات سياسية واقتصادية رئيسية. وقد تمكنت الثورات من الإطاحة بعدد من الحكام المستبدين. ولكن مع ذلك فإن نهاية الحكومات الاستبدادية لم تأت بالاستقرار ولا بالحكومات التي تمثل شعوبها في كثير من الأقطار.
وخلال منتصف القرن العشرين كان العنف كثيرًا ما يعصف بالحياة السياسية نظرًا لصراع الجماعات السياسية من أجل السلطة. وانتشرت الانفجارات والاختطافات والاغتيالات في كثير من الأقطار. سيطر العسكريون على الكثير من حكومات أمريكا اللاتينية. وغالبًا ما انتهك هؤلاء القادة الحقوق المدنية للجماهير، مدعين أن هذه الخطوة ضرورية من أجل تحقيق الاستقرار والإصلاح. قام هؤلاء الحكام بإغلاق الجامعات والصحف وإصدار قوانين صارمة للرقابة. وأودعوا الآلاف من مواطنيهم في السجون بدون محاكمة باعتبارهم متهمين بالإرهاب.
الحروب الأهلية وحركات الاحتجاج مزقت الأمن والسلام في أمريكا اللاتينية. توضح الصورة سيارات عسكرية مسلحة تجوب شارعًا في إلسلفادور حيث كانت تحارب القوات الحكومية المتمردين اليساريين. |
بعد نجاح ثورة كاسترو، زادت أنشطة الشيوعيين والتنظيمات اليسارية الأخرى زيادة كبيرة في أمريكا اللاتينية. وفي عام 1979م نجحت ثورة قادها أعضاء جبهة الساندينيستا للتحرير القومي، وهي جماعة شيوعية دعمتها كوبا، في الإطاحة بدكتاتور نيكاراجوا أنستازيو سوموزا ديبايل. وقد استولت هذه المجموعات التي تسمى عادة الساندينيستيين على السلطة في البلاد.
التطورات الحديثة:
تطورت اقتصاديات أمريكا اللاتينية خلال الستينيات وبداية السبعينيات. ولكن عدة عوامل تضافرت على إبطاء سرعة هذا التطور. فقد ارتفعت أسعار السلع الضرورية المستوردة مثل النفط والأسمدة الكيميائية وآلات ومعدات المصانع ارتفاعًا حادًا. وفي الوقت نفسه انخفضت الأسعار التي كانت تحصل عليها دول أمريكا اللاتينية مقابل صادراتها الزراعية والمعدنية. ولذا اضطرت دول كثيرة إلى اقتراض مبالغ ضخمة بأسعار فائدة عالية وذلك لتمويل مشاريع التنمية. وقد واجهت بعض هذه الدول صعوبات ومشاكل لجمع الأموال الضرورية لتسديد هذه القروض.
توسعت في الثمانينيات وانتشرت حركات الاحتجاج والرفض للحكومات العسكرية في كثير من الدول. نتيجة لهذه الحركات قامت حكومات مدنية انتخبتها الجماهير بديلاً عن الحكومات العسكرية في بلاد مثل الأرجنتين والبرازيل وتشيلي. كما جرت انتخابات في نيكاراجوا وفشلت حكومات الساندينيستيين في الحصول على الأغلبية وأتت حكومة غير شيوعية إلى الحكم.
واليوم، تواجه أمريكا اللاتينية مشاكل اجتماعية واقتصادية وسياسية خطيرة. وتستمر الفجوة بين الفقراء والأغنياء وتزداد اتساعًا. ويعيش ملايين من أبناء أمريكا اللاتينية في فقر مدقع. إن الزيادة المطردة والسريعة في سكان الأقاليم تجعل من الصعب على الحكومات توفير وظائف وأعمال كافية وتوفير السكن المناسب والخدمات الحيوية إلى السكان. وتستمر المطالب المتزايدة بالإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية وتنفجر أحيانًا على هيئة احتجاجات صاخبة وعنيفة أو حروب أهلية.