Saad Alkassem
الريحاوي وقلعة دمشق
سعد القاسم
2022-6-13
أعادني معرض الربيع الذي أقيم أخيراً في قلعة دمشق خمساً وثلاثين سنة إلى الخلف. وتحديداً إلى عام 1987 يوم كلفت من قبل هيئة تحرير هذه الصحيفة - بناء على اقتراح الزميل أسعد عبود - بإعداد تحقيق عن قلعة دمشق، التي كان قد صدر قرار قبل عامين بإخلائها كسجن، وتسليمها إلى المديرية العامة للآثار والمتاحف، لتوظيفها كموقع ثقافي، حيث بدأت فعلياً عملية ترميمها، وكشف أسوارها، وإعادة بناء بعض ما تهدم من أبراجها، وخاصة برج الزاوية الجنوبية الغربية المجاور لمدخل سوق الحميدية.
كنت حريصاً على معرفة كل ما يتعلق بالقلعة، وخاصة تاريخ بنائها، وتصميمها، وما مر عليها من أحداث، قبل الشروع بالعمل المكلف به، والالتقاء بالمشرفين على عملية الترميم، واستلزم هذا الاطلاع على عدد من الكتب كان أهمها على الإطلاق كتاب (قلعة دمشق) للدكتور عبد القادر الريحاوي الصادر عن هيئة التدريب في الجيش والقوات المسلحة عام 1979. والذي أعادت نشره الهيئة العامة السورية للكتاب عام 2008.
لفت نظري في كتاب الدكتور الريحاوي شموليته، ومنهجه العلمي البحثي والتوثيقي والتحليلي، المدعم بالخرائط والصور، فقد نفى – على سبيل المثال - النظرية التي تقول أن أصل القلعة حصن روماني اعتماداً على وجود نقوش رومانية على بعض حجارتها، مستنداً إلى حقيقة أن القائلين بهذه النظرية لم يقدموا ما يعززها، واعتماداً على ما يظهره الواقع القائم، والتنقيب الأثري. وقد أكد عالم الآثار الفرنسي سوفاجة ما ذهب إليه الدكتور الريحاوي، حين قال: «أن الأمر ليس أكثر من حجارة أعيد استعمالها».
في موقع آخر شككك، دون أن ينفي، بالآراء التي تحدثت عن وجود برج ثالث في منتصف الواجهة الغربية للقلعة (المطلة على شارع النصر)، ذلك أنه حين أنجز كتابه لم يكن ثمة أثر لهذا البرج. لكنه مع ذلك ترك الرأي الحاسم للأيام القادمة فقد تثبت خلاف ما يرى، وهو ما حصل فعلاً حين تم اكتشاف أساسات (البرج المفقود) بعد إزالة (سوق الخجا)، وكشف جدار القلعة الغربي. ويوم حدثته بالأمر، إثر عودته إلى دمشق بعد سنوات، لم يجد حرجاً في الأمر، لافتاً إلى أن المعطيات التي كانت بين يديه، حينذاك، لم تكن لتسمح بأن يعطي رأياً جازماً في أي من الاتجاهين.
الريحاوي الذي أعطى شطراً كبيراً من اهتمامه البحثي، والعملي لمدينة دمشق، ولد في حلب عام 1925، غير أنه ترعرع في دمشق، وحصل فيها على الثانوية العامة، ليلتحق من بعدها بكلية الآداب في جامعتها وينال إجازة جامعية من قسم التاريخ، في عام 1950، ثم ليعمل لمدة ثلاثين عاماً متواصلة في المديرية العامة للآثار والمتاحف كمسؤول عن الآثار وحماية التراث العمراني والمعماري، حصل خلالها على الدكتوراه في العمارة الإسلامية عام 1977، وكانت أساس كتابه الهام (العمارة العربية الإسلامية) الذي أصدرته له وزارة الثقافة في دمشق عام 1979، والذي يعد واحداً من أهم المراجع في موضوعه. وكتابه (العمارة في الحضارة الإسلامية) الذي حصل عام 1991 على الجائزة الأولى في التأليف من منظمة المدن والعواصم الإسلامية الدولية.
بعد مغادرته للمديرية العامة للأثار والمتاحف عام 1980، عمل أستاذاً لتاريخ العمارة الإسلامية والعمارة العالمية في كلية الهندسة بمدينة جدة في المملكة السعودية لمدة خمسة عشر عاماً، أسهم خلالها في تعريب العلوم، وتحكيم العديد من المؤلفات والبحوث بتكليف من جامعات مختلفة، ومؤسسات علمية، ومجلات محكمة. وعند عودته إلى دمشق اهتم بشكل أساسي بموضوع حماية المدينة القديمة، ووضع خطة لصيانة تراثها، وشغل عضوية اللجنة العليا لحماية دمشق القديمة ثم سكرتارية المجلس الدولي لتطوير المدينة.
لم يقتصر اهتمامه على حفظ التراث في دمشق القديمة رغم الاهتمام الكبير الذي خص به دمشق وعمارتها التاريخية. ففي عام 1964 قصد الشمال السوري لاستقصاء مواقع المدن القديمة التي ستغمرها مياه بحيرة الأسد، بعد إنشاء سد الفرات، وإثر رحلته الاستكشافية تلك تم الكشف عن ثلاثة وثلاثين موقعاً أثرياً، أعد عنها دراسات نشرت في مجلة الحوليات الأثرية السورية، وساهمت في انطلاق أعمال تنقيب أدت بدورها إلى اكتشافات حضارية وأثرية هامة.
رحل الريحاوي عن عمر يقارب التسعين سنة، تاركاً لنا بحوثاً ودراسات، ستبقى مرجعاً علمياً موثوقاً لكل معني بالتراث المعماري في بلادنا. وخاصة كتابه عن قلعة دمشق التي منذ أن استضافت حفل زياد الرحباني عام 2008 ضمن احتفالية عاصمة الثقافة العربية. أكدت جدارتها كفضاء ثقافي - أيضاً - بفضل رحابتها، وما يمكن أن توفره لكل فعالية ثقافية.
****************************************
Mudar Barakat، Munir Jabban
- Asaad Arabi
سعد القاسم يعود بنا اربعة عقود من ذاكرة القلعة