برودة المعدن، تصوّف الخشب، ورقص الحجر
معرض النحت المشترك للصديقين لطفي الرمحين و وليد مراد
غازي عانا
. كان مساءا لطيفا ومزدحما بالجماليات الراقية والممتعة حدود الدهشة، والصدمة أحيانا من عدد المنحوتات وتنوع صياغاتها بين حالة التجريد ومفهومه المتحرر تماماً من أي قيد خدمة لحضور الكتلة بالشكل اللائق متناغمة مع فراغها الداخلي ومع فضاء المكان الرحب الذي ضمّ أعمال كل من النحاتين وليد مراد العاشق المتيّم بالحجر ولطفي الرمحين المتنوّع في الصياغات والخامة.
من أعمال النحات وليد مراد
وليد مراد الذي حوّل الحجر إلى رخام ومجوهرات
سيشكّل تاريخ هذا اليوم نقطة تحوّل مفصلية في حياة وليد مراد الذي انضمّ إلى جماعة النحاتين والنحت هذا التعب الجميل، من تلك التلال من الأحجار التي ملأت محترفه اختار بعضها من التي تحولت بين يديه إلى عجينة طوّعها بخبرته وإصراره إلى ما يشبه الرخام بنبله، كما أعاد صياغة بعضها بمادة النحاس المعالج، ليقدمها على شكل مجوهرات تقارب في بريقها الذهب، تكتفي بغنجها وحيوية نهوضها ولطف حضورها والتي أول ما تدهشه هو، ذلك الهوس الجميل للنحات وليد مراد "أبو جميل" الذي غالباً ما ينعكس بصدق من حديثه عن أعماله أو تجربته القصيرة نسبيا، فنلاحظ كيف يعبر عن صدمته هو أولا من النتائج التي توصل إليها بالتجريب والبحث عن حلول جمالية إضافية لنفس العمل أو المنحوتة التي يلتقطها كحجر لفته تشكيلها أو لونها أو درجة صلابتها، ليصل بعضها إلى مصاف الأحجار الكريمة والتي يستحيل نحتها إلّا إذا قرّر النحات "مراد" التحدي المُكلف (مادياً وجسدياً)، وقد نجح في إنجاز بعض القطع الصغيرة المميّزة منها، ليضيف إلى ما قدّمه في هذا المعرض تنوّعاً في أشكال المادة والموضوع الذي تضمّن أحياناً بعض الشكل المختزل "ثور، تشخيص، سمكة ومخلوق أسطوري ..إلـخ"، ليغني من خلالها مشاركته المميّزة في هذا المعرض كمّاً ونوعاً، وقد نجح برأيي إلى حدّ بعيد من هذه الناحية مسجّلاً حضوراً لائقاً وبهيا من خلال أول معرض لتجربته التي جاءت متأخّرة في تقديمها لكنها مفاجئة بحجم نتاجها الذي تجاوز المئات من المنحوتات، اخترنا منها هذه المجموعة التي أعتقد أنها عكست معظم مفاصل مسيرته وأميزها من حيث تنويعاتها وتجريبها معوّضة بجمالية حضورها وعديدها عن تلك السنوات التي مضت وهو يعيش حلماً أن يعرض إلى جانب صديقه ومشجّعه الأول النحات لطفي الرمحين ليتحقّق في هذا اللقاء أكثر ما اراد أو حلم، وبالتالي كان حضوره كنحات لافتاً وأنيقاً يليق بالمكان ورحابته (غاليري زوايا)، وأهمية من شاركه العرض، بل يضيف إلى المعرض تنويعاً ورهافة، وللحضور دهشة وسعادة.
من أعمال النحات لطفي الرمحين
لطفي الرمحين ... نحّات حفر اسمه بالرخام ؟ !
نتعرّف على منحوتاته من أناقة حضورها وروحانية شخوصه التي غالباً ما تعكس طقوساً أسطورية ساحرة، لكن تبقى الغاية الأهمُّ برأيي في أعماله على اختلاف المادة والأسلوب، الرشاقة في النهوض وجمالياتُ المنحوتة ككتلةٍ وفراغْ مناسبينْ.
لطفي الذي ارتبط اسمهُ بالرخام وحجر البازلت منذ منتصف ثمانينات القرن الماضي، لتميّز تجربته بصياغاتٍ تخصّه دون غيره من النحاتين على امتداد العالم، وتدلـّـل على أعماله، وهو المعروف بغزارة إنتاجه وتجاربه التقنية على هاتين المادتين، وهو اليوم في غاليري "زوايا" بدمشق بمرافقة صديقه النحات وليد مراد يضيف إليهما خامة كل من المعدن ( نحاس وألمنيوم معالج ) والخشب (زيتون، جوز وليمون).
وهو النحّات المجتهد على ذاته الفنية، والمعروف عنه تنوّعُ أساليبهِ بسببِ اشتغالهِ على خاماتٍ عديدة، مخلصاً لها جميعاً وربما خصّ " الخشبَ " دون غيرها محبّة خاصة، كونها أول المواد التي اهتم بها هاوياً ومازالت هي الأكثر حميمية بعد احترافه النحت، فقد تميّزت أعماله بالعموم على اختلاف خاماتها بأشكالٍ انسيابية أخـّاذة، لليونةِ سطوحِها وعلاقاتِ حجومِها ببعضها وبما تحجزهُ من فراغاتٍ ملائمةٍ ومنسجمةٍ فيما بينها، وهي جميعاً تستند في موضوعاتها على الإنسان كقيمةٍ عليا، مؤكداً على حالة الصفاء والزهد التي تغلـّف الوجوه المشغولة باختزالٍ وتبسيطٍ شديدين تكثـّف حالة من الوجد والصوفية التي تبدو أكثرَ وضوحاً هنا من الجسد المكمِّلِ للفكرة والتي غالباً ما يكتفي بالإيحاء بها بعيداً عن الأدب ومؤكّداً في الوقت ذاته على الحضور الأبهى والألطف لمنحوتاته .
أعماله نعرفُها من أناقةِ حضورها، فهي تُظهر مهارةً فائقةً بامتلاكهِ لأدواته ووسائلِ تعبيرهِ الخاصة، و من حرصه وتأكيده دائماً على ضرورة احترام الفنان لخصائص المادة التي يشتغل عليها، وتنفيذها بالتقنية التي تناسبها .
في هذا المعرض نلاحظ ان هناك أكثر من عامل مشترك وحالة جمالية تدهشك من تداخلها في منحوتات كل من النحاتين الصديقين لطفي الرمحين ووليد مراد، أهمّها برأيي تلك الحرية والانسيابية التي يلتّفُّ الحجمُ في أي منحوتةِ على بعضه حاجزاً فراغاتٍ مناسبةٍ أو ملائمةٍ تتناغمُ فيما بينها لتنهضَ مع بعضها في الفضاء، مشكّلةً كتلةً رشيقةً ومنسجمة مع ما تستند عليه من قاعدة، مشكـّلة عاملَ جذبٍ جماليٍ بصري يُبرِّرُ لها استقرارها الملفتْ كعملٍ نحتيٍ نصبي، من أجل صياغةِ حجمٍ ينهضُ برشاقة متناغماً مع الفضاء الذي يحتويه بحب في كل من المعنى والمغنى ليضفي عليه صخباً جميلاً ومتعة تدوم .
معرض النحت المشترك للصديقين لطفي الرمحين و وليد مراد
غازي عانا
. كان مساءا لطيفا ومزدحما بالجماليات الراقية والممتعة حدود الدهشة، والصدمة أحيانا من عدد المنحوتات وتنوع صياغاتها بين حالة التجريد ومفهومه المتحرر تماماً من أي قيد خدمة لحضور الكتلة بالشكل اللائق متناغمة مع فراغها الداخلي ومع فضاء المكان الرحب الذي ضمّ أعمال كل من النحاتين وليد مراد العاشق المتيّم بالحجر ولطفي الرمحين المتنوّع في الصياغات والخامة.
من أعمال النحات وليد مراد
وليد مراد الذي حوّل الحجر إلى رخام ومجوهرات
سيشكّل تاريخ هذا اليوم نقطة تحوّل مفصلية في حياة وليد مراد الذي انضمّ إلى جماعة النحاتين والنحت هذا التعب الجميل، من تلك التلال من الأحجار التي ملأت محترفه اختار بعضها من التي تحولت بين يديه إلى عجينة طوّعها بخبرته وإصراره إلى ما يشبه الرخام بنبله، كما أعاد صياغة بعضها بمادة النحاس المعالج، ليقدمها على شكل مجوهرات تقارب في بريقها الذهب، تكتفي بغنجها وحيوية نهوضها ولطف حضورها والتي أول ما تدهشه هو، ذلك الهوس الجميل للنحات وليد مراد "أبو جميل" الذي غالباً ما ينعكس بصدق من حديثه عن أعماله أو تجربته القصيرة نسبيا، فنلاحظ كيف يعبر عن صدمته هو أولا من النتائج التي توصل إليها بالتجريب والبحث عن حلول جمالية إضافية لنفس العمل أو المنحوتة التي يلتقطها كحجر لفته تشكيلها أو لونها أو درجة صلابتها، ليصل بعضها إلى مصاف الأحجار الكريمة والتي يستحيل نحتها إلّا إذا قرّر النحات "مراد" التحدي المُكلف (مادياً وجسدياً)، وقد نجح في إنجاز بعض القطع الصغيرة المميّزة منها، ليضيف إلى ما قدّمه في هذا المعرض تنوّعاً في أشكال المادة والموضوع الذي تضمّن أحياناً بعض الشكل المختزل "ثور، تشخيص، سمكة ومخلوق أسطوري ..إلـخ"، ليغني من خلالها مشاركته المميّزة في هذا المعرض كمّاً ونوعاً، وقد نجح برأيي إلى حدّ بعيد من هذه الناحية مسجّلاً حضوراً لائقاً وبهيا من خلال أول معرض لتجربته التي جاءت متأخّرة في تقديمها لكنها مفاجئة بحجم نتاجها الذي تجاوز المئات من المنحوتات، اخترنا منها هذه المجموعة التي أعتقد أنها عكست معظم مفاصل مسيرته وأميزها من حيث تنويعاتها وتجريبها معوّضة بجمالية حضورها وعديدها عن تلك السنوات التي مضت وهو يعيش حلماً أن يعرض إلى جانب صديقه ومشجّعه الأول النحات لطفي الرمحين ليتحقّق في هذا اللقاء أكثر ما اراد أو حلم، وبالتالي كان حضوره كنحات لافتاً وأنيقاً يليق بالمكان ورحابته (غاليري زوايا)، وأهمية من شاركه العرض، بل يضيف إلى المعرض تنويعاً ورهافة، وللحضور دهشة وسعادة.
من أعمال النحات لطفي الرمحين
لطفي الرمحين ... نحّات حفر اسمه بالرخام ؟ !
نتعرّف على منحوتاته من أناقة حضورها وروحانية شخوصه التي غالباً ما تعكس طقوساً أسطورية ساحرة، لكن تبقى الغاية الأهمُّ برأيي في أعماله على اختلاف المادة والأسلوب، الرشاقة في النهوض وجمالياتُ المنحوتة ككتلةٍ وفراغْ مناسبينْ.
لطفي الذي ارتبط اسمهُ بالرخام وحجر البازلت منذ منتصف ثمانينات القرن الماضي، لتميّز تجربته بصياغاتٍ تخصّه دون غيره من النحاتين على امتداد العالم، وتدلـّـل على أعماله، وهو المعروف بغزارة إنتاجه وتجاربه التقنية على هاتين المادتين، وهو اليوم في غاليري "زوايا" بدمشق بمرافقة صديقه النحات وليد مراد يضيف إليهما خامة كل من المعدن ( نحاس وألمنيوم معالج ) والخشب (زيتون، جوز وليمون).
وهو النحّات المجتهد على ذاته الفنية، والمعروف عنه تنوّعُ أساليبهِ بسببِ اشتغالهِ على خاماتٍ عديدة، مخلصاً لها جميعاً وربما خصّ " الخشبَ " دون غيرها محبّة خاصة، كونها أول المواد التي اهتم بها هاوياً ومازالت هي الأكثر حميمية بعد احترافه النحت، فقد تميّزت أعماله بالعموم على اختلاف خاماتها بأشكالٍ انسيابية أخـّاذة، لليونةِ سطوحِها وعلاقاتِ حجومِها ببعضها وبما تحجزهُ من فراغاتٍ ملائمةٍ ومنسجمةٍ فيما بينها، وهي جميعاً تستند في موضوعاتها على الإنسان كقيمةٍ عليا، مؤكداً على حالة الصفاء والزهد التي تغلـّف الوجوه المشغولة باختزالٍ وتبسيطٍ شديدين تكثـّف حالة من الوجد والصوفية التي تبدو أكثرَ وضوحاً هنا من الجسد المكمِّلِ للفكرة والتي غالباً ما يكتفي بالإيحاء بها بعيداً عن الأدب ومؤكّداً في الوقت ذاته على الحضور الأبهى والألطف لمنحوتاته .
أعماله نعرفُها من أناقةِ حضورها، فهي تُظهر مهارةً فائقةً بامتلاكهِ لأدواته ووسائلِ تعبيرهِ الخاصة، و من حرصه وتأكيده دائماً على ضرورة احترام الفنان لخصائص المادة التي يشتغل عليها، وتنفيذها بالتقنية التي تناسبها .
في هذا المعرض نلاحظ ان هناك أكثر من عامل مشترك وحالة جمالية تدهشك من تداخلها في منحوتات كل من النحاتين الصديقين لطفي الرمحين ووليد مراد، أهمّها برأيي تلك الحرية والانسيابية التي يلتّفُّ الحجمُ في أي منحوتةِ على بعضه حاجزاً فراغاتٍ مناسبةٍ أو ملائمةٍ تتناغمُ فيما بينها لتنهضَ مع بعضها في الفضاء، مشكّلةً كتلةً رشيقةً ومنسجمة مع ما تستند عليه من قاعدة، مشكـّلة عاملَ جذبٍ جماليٍ بصري يُبرِّرُ لها استقرارها الملفتْ كعملٍ نحتيٍ نصبي، من أجل صياغةِ حجمٍ ينهضُ برشاقة متناغماً مع الفضاء الذي يحتويه بحب في كل من المعنى والمغنى ليضفي عليه صخباً جميلاً ومتعة تدوم .