"محمد صفوت".. "البورتريه" فن اكتشاف الروح في اللوحة
سعيٌ حثيثٌ ودؤوبٌ يُشاهد في وقتنا الحاضر لإقصاء عامل "الروح" في اللوحة الفنية يقاومه بعض الفنانين بعملهم على تكريس "المعنى" في اللوحة، وبهذه "الروح" يعمل الفنان السوري "محمد صفوت" لتكريس مقاومة فلسفة "اللامعنى" باللجوء إلى فن "البورتريه".
انطلاقا من هذه الرؤية، يرى الفنان "صفوت"، في حوار مع مدونة وطن “eSyria” بتاريخ 22 شباط 2014، من موقع إقامته الحالي في "بيروت"، أن فن "البورتريه" يمكنه أن يتسع ليتضمن في مشهديته البصرية ما يتجاوز قصة الشبه المفترض بين الشخصية المرسومة، واللوحة المنتجة، ومن ثم الانحباس في "النمطية"، ويضيف قائلاً: «لنأخذ اللوحات التي رسمها الفنان الراحل "لؤي كيالي" مثلاً، فقد كان -رحمه الله- يرسم شخوصاً بعيدة عن الشبه، لكنه يحدد نوع الشخصية بأسلوبه التعبيري، كلوحات صيادي الأسماك، و"البويجي"، وبائع اليانصيب، فهو أخذ هذا المشهد من الواقع لشخصية ما، واشتغل عليها، فكرّس إنسانية تحمل همـّاً أو موضوعاً، يصل إلى الناس بفكرة تترك انطباعاً لدى كل من يشاهدها، وتترك في الوقت نفسه، حرية الفهم أو الانطباع لكل مشاهد على حدة». هناك أعمال مهمة جداً على المستوى الفني رسمتُـها لا يسمح بعرضها، لكوننا في مجتمع شرقي محافظ، وهذا التزام مني واحترام لأصحاب هذه اللوحات، ويوماً ما قد تُعرض بعد موافقة أصحابها
بورتريه الفنان الراحل "وديع الصافي"
ينتمي فن "البورتريه"، وهي كلمة لاتينية تترجم بالعربية وتعني "الصورة الشخصية"، إلى جملة الفنون التي نشأت عبر التاريخ، فلا يوجد تاريخ محدد لانطلاقته كفن، ولعل القرن الثامن عشر الميلادي، كان نقطةَ تحول حاسمة في الفن الأوروبي في توسع انتشار هذا الفن، ولكن في العالم الشرقي، مازال هناك محاذير دون انتشار هذا الفن خارج النخب الفنية أو الاجتماعية، يقول الفنان "صفوت": «هناك أعمال مهمة جداً على المستوى الفني رسمتُـها لا يسمح بعرضها، لكوننا في مجتمع شرقي محافظ، وهذا التزام مني واحترام لأصحاب هذه اللوحات، ويوماً ما قد تُعرض بعد موافقة أصحابها».
وعن اختياره للشخصيات التي يرسمها، قال: «غالباً ما تكون وجوهاً مميزةً فنياً، تحوز إعجاب الفنان، لما تتصف به من مكونات تعبيرية، من تشريح وجمال و"فوتوجنيك"، وغالباً ما تكون ملكي ولي حرية التصرف بها، بالاتفاق مع أصحابها بالتأكيد، أما الشخصيات السياسية، أو الفنية، أو الاجتماعية، فعادة ما أرسمها بناء على العلاقات الشخصية بيننا، أو أحياناً تكون بتكليف رسمي، وتنفذ بناء على اتفاق موقع أو اتفاق شفهي».
بوتريه الفنان "صباح فخري"
أما التنفيذ، فيقول الفنان: إنه حسب رغبة الشخص، فهناك نوعان من الرغبات: «بعضهم يريد "البورتريه" نسخة عنه أقرب ما تكون إلى الصورة، ومنهم من يترك لي الحرية في الرسم، حتى لو وصلت نسبة الشبه إلى حدود الأربعين في المئة فقط، وإذا كان الفنان حراً في الأداء، سيكون ذلك على حساب الشبه، وبطبعي أختار أن أتفق مع رغبات أصحاب اللوحات».
ويشير الفنان إلى أن الفكرة القديمة، باختيار رسم "الموديل" بشكل مباشر أمام الفنان، لم تعد منتشرة، ويرجع السبب في ذلك إلى مشاغل الناس الكثيرة، التي لا تتيح لأي منهم أن يجلس أمام الفنان، الذي له هو الآخر ظرفه الموضوعي، لذلك يتم اختيار صورة شخصية مدروسة بعناية من جهة الضوء والمكان، إضافة إلى السمات المهمة في الشخصية، فلكل شخصية مرسومة، سماتها التي تختلف عن غيرها، ولا تهم التقنيات المتبعة في الرسم طالما أنها تحقق الغاية المطلوبة.
ويختلف فن "البورتريه" عن غيره من أنواع الفن التشكيلي، بعدة أمور هامة، ترجع أساساً إلى خصوصية التعامل مع الشخصيات في هذا الفن، فعندما يرسم الفنان لوحة لشخصية سياسية مثلاً، وبحجم كبير أكثر من عشرين متراً مثلاً، فعلى الفنان أن يتقيد كلياً بالشبه بنسبة مئة بالمئة، وهنا، كما يقول الفنان "صفوت"، تكون المسؤولية كبرى، كما يوضح: «ليس بسبب أهمية الشخصية، بل لأن صورة هذا الشخص مطبوعة في ذاكرة الناس، يعرفون كل تفصيل في وجهها، وهنا يلجأ الفنان إلى استخدام مختلف الأساليب التقنية والفنية لتكون الصورة تطابق الحقيقة».
القاص السوري "بسام لولو"
ويروي الفنان حكايته مع "بورتريه" الفنان الراحل "وديع الصافي"، إذ طلب منه أن يرسمها في يوم التأبين، لتكون أمام الناس في بهو الكنيسة وقت التشييع، ويضيف: «لا أحد يخفى عليه وجه الراحل، وطلب مني وقتها أن يكون قياس العمل مترين بمتر، وبمدة خمس ساعات يجب تسليم العمل، بدأت العمل مساء، لتنتهي فعلاً بعد خمس ساعات، مستخدماً كافة الوسائل المساعدة لتقديم اللوحة، كان عليَّ تقديم "صورة" للراحل لا تذكر ـمثلاًـ بشخصية أخرى تشبهه، ربما مثل كارم محمود، هذه الجمالية التي تقدمها لوحة البورتريه، وتحكمها محاذير، وترتبط بشكل رئيسي بثقافة قراءة اللوحة، فأية قراءة تخضع أولاً وآخراً للقارئ، هناك الشبه النفسي كما الخُلقي، وعندما ترسم إنساناً نبيلاً عليك أن تظهر ذلك في اللوحة، هنا فعلاً أشعر بالانتصار عندما أتمكن من نقل هذا الشعور عبر اللوحة».
ويعتبر الفنان "صفوت" أن الفن -خاصة التشكيلي- يبقى نخبوياً، رغم انتشار اللوحات التجارية التي أصبحت في متناول كل الناس، إلا أن للبورتريه سحره الخاص، خاصة في مجتمع النساء، فالمرأة تفضل هذا النوع من اللوحات أكثر من الرجال لأسباب لها علاقة بشخصية المرأة في حد ذاتها، كما يقول الفنان. ويمكن للبورتريه أن تخرج من علاقتها المباشرة مع البشر لتمتد إلى كائنات وأمكنة، مثلما يحدث حين ترسم "رأس حصان"، ويصح هذا على الأمكنة، فأية حارة ترسم بواقعية مطلقة، يمكن القول إنها تنتمي إلى البورتريه، أي إنّ هذا التسجيل أو تثبيت اللحظة، إذا ما كان خارج المدراس المعروفة كالتعبيرية أو الانطباعية فهو شكل من أشكال البورتريه.
وليس من فارق يمكن الاعتداد به عند استخدام أقلام الفحم، أو "الباستيل"، أو غيرها من أنواع الألوان في رسم البورتريه، الأمر تابع لرغبة الشخص، وأحياناً، تكون اللوحة المرسومة للشخصيات التاريخية أفضل بالحبر الأسود، وهذا يعطي المتلقي إحساساً مختلفاً بانتماء الشخصية إلى زمن مفارق، ومن الشخصيات التاريخية التي رسمتها: فنانون سوريون من مراحل مختلفة، أساتذة جامعيون».
يذكر أن الفنان "محمد صفوت"، من مواليد "حلب" عام 1949، درس الفن دراسة ذاتية، وشارك في العديد من المعارض الجماعية داخل وخارج "سورية"، أقام تسعة معارض فردية، متزوج، ولديه أربعة أولاد.
عرض في "ألمانيا"، و"فرنسا"، "الولايات المتحدة"، و"إسبانيا"، وغيرها، يعمل ويقيم حالياً في "بيروت".
- كمال شاهين
سعيٌ حثيثٌ ودؤوبٌ يُشاهد في وقتنا الحاضر لإقصاء عامل "الروح" في اللوحة الفنية يقاومه بعض الفنانين بعملهم على تكريس "المعنى" في اللوحة، وبهذه "الروح" يعمل الفنان السوري "محمد صفوت" لتكريس مقاومة فلسفة "اللامعنى" باللجوء إلى فن "البورتريه".
انطلاقا من هذه الرؤية، يرى الفنان "صفوت"، في حوار مع مدونة وطن “eSyria” بتاريخ 22 شباط 2014، من موقع إقامته الحالي في "بيروت"، أن فن "البورتريه" يمكنه أن يتسع ليتضمن في مشهديته البصرية ما يتجاوز قصة الشبه المفترض بين الشخصية المرسومة، واللوحة المنتجة، ومن ثم الانحباس في "النمطية"، ويضيف قائلاً: «لنأخذ اللوحات التي رسمها الفنان الراحل "لؤي كيالي" مثلاً، فقد كان -رحمه الله- يرسم شخوصاً بعيدة عن الشبه، لكنه يحدد نوع الشخصية بأسلوبه التعبيري، كلوحات صيادي الأسماك، و"البويجي"، وبائع اليانصيب، فهو أخذ هذا المشهد من الواقع لشخصية ما، واشتغل عليها، فكرّس إنسانية تحمل همـّاً أو موضوعاً، يصل إلى الناس بفكرة تترك انطباعاً لدى كل من يشاهدها، وتترك في الوقت نفسه، حرية الفهم أو الانطباع لكل مشاهد على حدة». هناك أعمال مهمة جداً على المستوى الفني رسمتُـها لا يسمح بعرضها، لكوننا في مجتمع شرقي محافظ، وهذا التزام مني واحترام لأصحاب هذه اللوحات، ويوماً ما قد تُعرض بعد موافقة أصحابها
بورتريه الفنان الراحل "وديع الصافي"
ينتمي فن "البورتريه"، وهي كلمة لاتينية تترجم بالعربية وتعني "الصورة الشخصية"، إلى جملة الفنون التي نشأت عبر التاريخ، فلا يوجد تاريخ محدد لانطلاقته كفن، ولعل القرن الثامن عشر الميلادي، كان نقطةَ تحول حاسمة في الفن الأوروبي في توسع انتشار هذا الفن، ولكن في العالم الشرقي، مازال هناك محاذير دون انتشار هذا الفن خارج النخب الفنية أو الاجتماعية، يقول الفنان "صفوت": «هناك أعمال مهمة جداً على المستوى الفني رسمتُـها لا يسمح بعرضها، لكوننا في مجتمع شرقي محافظ، وهذا التزام مني واحترام لأصحاب هذه اللوحات، ويوماً ما قد تُعرض بعد موافقة أصحابها».
وعن اختياره للشخصيات التي يرسمها، قال: «غالباً ما تكون وجوهاً مميزةً فنياً، تحوز إعجاب الفنان، لما تتصف به من مكونات تعبيرية، من تشريح وجمال و"فوتوجنيك"، وغالباً ما تكون ملكي ولي حرية التصرف بها، بالاتفاق مع أصحابها بالتأكيد، أما الشخصيات السياسية، أو الفنية، أو الاجتماعية، فعادة ما أرسمها بناء على العلاقات الشخصية بيننا، أو أحياناً تكون بتكليف رسمي، وتنفذ بناء على اتفاق موقع أو اتفاق شفهي».
بوتريه الفنان "صباح فخري"
أما التنفيذ، فيقول الفنان: إنه حسب رغبة الشخص، فهناك نوعان من الرغبات: «بعضهم يريد "البورتريه" نسخة عنه أقرب ما تكون إلى الصورة، ومنهم من يترك لي الحرية في الرسم، حتى لو وصلت نسبة الشبه إلى حدود الأربعين في المئة فقط، وإذا كان الفنان حراً في الأداء، سيكون ذلك على حساب الشبه، وبطبعي أختار أن أتفق مع رغبات أصحاب اللوحات».
ويشير الفنان إلى أن الفكرة القديمة، باختيار رسم "الموديل" بشكل مباشر أمام الفنان، لم تعد منتشرة، ويرجع السبب في ذلك إلى مشاغل الناس الكثيرة، التي لا تتيح لأي منهم أن يجلس أمام الفنان، الذي له هو الآخر ظرفه الموضوعي، لذلك يتم اختيار صورة شخصية مدروسة بعناية من جهة الضوء والمكان، إضافة إلى السمات المهمة في الشخصية، فلكل شخصية مرسومة، سماتها التي تختلف عن غيرها، ولا تهم التقنيات المتبعة في الرسم طالما أنها تحقق الغاية المطلوبة.
ويختلف فن "البورتريه" عن غيره من أنواع الفن التشكيلي، بعدة أمور هامة، ترجع أساساً إلى خصوصية التعامل مع الشخصيات في هذا الفن، فعندما يرسم الفنان لوحة لشخصية سياسية مثلاً، وبحجم كبير أكثر من عشرين متراً مثلاً، فعلى الفنان أن يتقيد كلياً بالشبه بنسبة مئة بالمئة، وهنا، كما يقول الفنان "صفوت"، تكون المسؤولية كبرى، كما يوضح: «ليس بسبب أهمية الشخصية، بل لأن صورة هذا الشخص مطبوعة في ذاكرة الناس، يعرفون كل تفصيل في وجهها، وهنا يلجأ الفنان إلى استخدام مختلف الأساليب التقنية والفنية لتكون الصورة تطابق الحقيقة».
القاص السوري "بسام لولو"
ويروي الفنان حكايته مع "بورتريه" الفنان الراحل "وديع الصافي"، إذ طلب منه أن يرسمها في يوم التأبين، لتكون أمام الناس في بهو الكنيسة وقت التشييع، ويضيف: «لا أحد يخفى عليه وجه الراحل، وطلب مني وقتها أن يكون قياس العمل مترين بمتر، وبمدة خمس ساعات يجب تسليم العمل، بدأت العمل مساء، لتنتهي فعلاً بعد خمس ساعات، مستخدماً كافة الوسائل المساعدة لتقديم اللوحة، كان عليَّ تقديم "صورة" للراحل لا تذكر ـمثلاًـ بشخصية أخرى تشبهه، ربما مثل كارم محمود، هذه الجمالية التي تقدمها لوحة البورتريه، وتحكمها محاذير، وترتبط بشكل رئيسي بثقافة قراءة اللوحة، فأية قراءة تخضع أولاً وآخراً للقارئ، هناك الشبه النفسي كما الخُلقي، وعندما ترسم إنساناً نبيلاً عليك أن تظهر ذلك في اللوحة، هنا فعلاً أشعر بالانتصار عندما أتمكن من نقل هذا الشعور عبر اللوحة».
ويعتبر الفنان "صفوت" أن الفن -خاصة التشكيلي- يبقى نخبوياً، رغم انتشار اللوحات التجارية التي أصبحت في متناول كل الناس، إلا أن للبورتريه سحره الخاص، خاصة في مجتمع النساء، فالمرأة تفضل هذا النوع من اللوحات أكثر من الرجال لأسباب لها علاقة بشخصية المرأة في حد ذاتها، كما يقول الفنان. ويمكن للبورتريه أن تخرج من علاقتها المباشرة مع البشر لتمتد إلى كائنات وأمكنة، مثلما يحدث حين ترسم "رأس حصان"، ويصح هذا على الأمكنة، فأية حارة ترسم بواقعية مطلقة، يمكن القول إنها تنتمي إلى البورتريه، أي إنّ هذا التسجيل أو تثبيت اللحظة، إذا ما كان خارج المدراس المعروفة كالتعبيرية أو الانطباعية فهو شكل من أشكال البورتريه.
وليس من فارق يمكن الاعتداد به عند استخدام أقلام الفحم، أو "الباستيل"، أو غيرها من أنواع الألوان في رسم البورتريه، الأمر تابع لرغبة الشخص، وأحياناً، تكون اللوحة المرسومة للشخصيات التاريخية أفضل بالحبر الأسود، وهذا يعطي المتلقي إحساساً مختلفاً بانتماء الشخصية إلى زمن مفارق، ومن الشخصيات التاريخية التي رسمتها: فنانون سوريون من مراحل مختلفة، أساتذة جامعيون».
يذكر أن الفنان "محمد صفوت"، من مواليد "حلب" عام 1949، درس الفن دراسة ذاتية، وشارك في العديد من المعارض الجماعية داخل وخارج "سورية"، أقام تسعة معارض فردية، متزوج، ولديه أربعة أولاد.
عرض في "ألمانيا"، و"فرنسا"، "الولايات المتحدة"، و"إسبانيا"، وغيرها، يعمل ويقيم حالياً في "بيروت".