د."حسن حميد": الأديب يولد ليكون أديباً
- أحمد مراد
خرج منها ليحمل أدبه كل المعاني والدلالات التي تشير إليها، المعاناة التي رافقته منذ الطفولة، حمل تفاصيلها على تقاسيم وجهه، وأظهرها جلياً في أعماله الروائية التي عبرت عن وفاء الابن البار لقضيةٍ أثقلت كاهله، ليكون واحداً من رواد الرواية العربية.
الأديب الدكتور "حسن حميد" في لقاء مع موقع eDamascus تحدث عن مسيرةٍ أدبيةٍ بدأت منذ نعومة أظفاره فكان الحوار التالي:
كانت معيشة الطفولة في كنف جدّاي لأنني الولد البكر، ومن جدتي تعلمت فن الحكاية والإصغاء، والقص والوقف والتحييد، والإقصاء والاستدارة وما فات من حدث، البداية كانت شعراً في المخيمات في غياب الآباء الذين أخذوا على عاتقهم العمل الفدائي، كان الظرف ملائماً للكتابة الشعرية في ظل طقوس "الأربعين" الذي يقام تخليداً لذكرى الشهداء لتلقى القصائد والكلمات، حرصت أن أكون أحد شعراء المخيم البارزين، لكن الجانب السردي الأدبي الذي ميز قصائدي جعلني أتنحى عن كتابة الشعر إلى القصة القصيرة، لكن انفجار بركان الويلات والأحزان والطاقات الكامنة جعلني أتحول إلى الرواية، فكانت روايتي الأولى تتحدث عن أهالي الريف الفلسطيني في مواجهة العصابات الصهيونية والاحتلال البريطاني، فإضافة إلى حالات الحزن والأسى كانت حالات الحب وجمال الطبيعة والشاعرية وأسميتها "السواد".
يرى القارئ في أعمالك تتابعاً لأحداث متسلسلة، كيف عملت على ذلك؟
كما ذكرت، "السواد" كانت مع خروج الاحتلال البريطاني وبداية تهويد الأرض، كذلك كانت رواية "تعالي نطيّر أوراق الخريف"، قدمت من خلالها أساسيات نشأة المخيمات فصورت المعاناة في مخيم "جرمانا" بوصفه شبيه كل المخيمات، صورت المعاناة واجتماعات الأهل على أحزانهم وآلامهم وحكاياتهم، تتضمن الكثير من الثنائيات والتمازج بين ما هو اجتماعي وسياسي وثقافي واقتصادي، ثم جاءت "الوناس عطية" لتشير إلى خمسينيات القرن العشرين والمناخ الفلسطيني الشائع في كل بيت، أخذت تمثيلاً مدينة "دمشق" راعية أهل التصوف، وحالات اجتماعية مثل "القبضاي"، وثنائيتين بين "أبي الحسن" قاطع الطريق و"أبي الحو" المتصوف، ومنهما كونت حالة الضد والضد، وحالة الحب والحب، والحب والكراهية.
الروائي د. حسن حميد
يقال أن كبت المعاناة يفجر الطاقة ليولد الكاتب، فما رأيك؟
لا أؤمن إلى حدٍ بعيدٍ بهذه المقولة، فالأديب يولد ليكون أديباً، صحيحٌ أن الضغط يولد الانفجار لكن ليست كل معاناةٍ تفجر الطاقات، ولا كل أديبٍ ابن المعاناة، ولو سلمنا بصحة ذلك لكانت ملاجئ الأيتام أهلاً لتخرج الأدباء والتشكيليين والموسيقيين، عشت المعاناة بكل صورها بؤساً وشقاءً، كنا نتبع التعليم في المدرسة في سبيل الخلاص من البؤس وأصبحت معلماً وأنا أعيش في خيمتي، لكن بذور الموهبة الأدبية بدت جليةً منذ الصغر وطورتها حتى أصبحت على ما أنا عليه الآن.
لكن "أنين القصب" و"دوي الموتى" و"طار الحمام" و"السواد" أسماءٌ لرواياتك تحمل البؤس عنواناً؟
لم أقل أن هذا القول هو الفصل، لكنني حينما أتحدث عن أي عملٍ فأنا أعالج موضوعاً بعينه، "دوي الموتى" تتطرق إلى حالة المقبرة الفلسطينية التي تتميز عن مثيلاتها في سائر العالم، فعندما كبرت وأصبحت أكبر من المخيم، ولأن تشييع الشهداء يتم كل يومٍ فقد أصبحت سوقاً يستجدي منه الباعة الجوالون رغيف الخبز، كما لو أن المقبرة من تطعم الناس، لذلك كان لها الفضل كونها حالة اقتصادية، لكن عند غياب الشهداء فقدت رونقها وانفض الباعة، وأصبحت مكاناً موحشاً كغيرها من المقابر لا تطأ أرضها قدم، في كل روايةٍ حالةٌ أو حالاتٌ تعالج، وعندما تفكر في إغلاق الرواية فأنت تغلق على أفراد تئن من جروحها، وتصرخ من آلامها، أناس لديهم آلام، فهذه الروايات يقطر منها الدم والحزن والعويل وبكاء الأمهات.
انتقالاً للجانب النقدي، توصف بعض أعمالك بالمباشرة والتقريرية خاصةً "الوناس عطية" في ظل الغياب الزمني والمكاني، فماذا تقول؟
على العكس، فأنا أتهم بانتهاج الأسلوب الشعري الشاعري المتعلق بالغموض شديد الصلة بالخيال، وأعمل على فرض الإيهام الواقعي لحيزات قد لا تكون موجودةً لكنني أقوم بإقناع القارئ بوجودها، "الوناس عطية" تتحدث عن مديني "دمشق" و"القدس" كمكانين مدركين بينهما أشواقٌ وتطلعات، حتى إن تلك الفترة كانت تسمح بالتنقل بين المدينتين.
حدثنا عن دراستك "البقع الأرجوانية في الرواية الغربية"..
لم يكن لدي شغف البحث في الأدب والتاريخ الأدبي، لكن ومن خلال مطالعاتي لبعض التجارب لعدد من كتّاب الرواية العالميين وجدت أن فخ التقليد يوقع الكاتب العربي في شباكه، فعملت على وقف إطلاق الأحكام والابتعاد عن تقييم هذه الأعمال وإطلاق الحكم كقارئ، لكن المفاجأة الكبرى كانت في الرأي المخالف لما اتفق عليه الأدباء خلال نصف قرنٍ من الزمن في أعمال "كافكا" و"جيمس جويس" و"سرفانتس" و"تولستوي" و"مارسيل بروست"، فما قيل عن "كافكا" بشيوعيته وكرهه للصهاينة كان الرأي الخاطئ من خلال كشف سيرته الذاتية كمفاتيح لبيان مشاعره ودفاعه عن فكرة "هرتزل" بالخروج من أوروبا والبحث عن الوطن الجديد الذي يمثل فلسطين، أما "جيمس جويس" في "فيغوليس" الرواية التي وصفها أدباء الغرب بأنها أهم مفاصل التاريخ الروائي، فوجدت أنها تتحدث عن الصهيونية، ليس لأن أبطالها هم من اليهود، بل لأنها تتحدث عن الحنين للأرض الفلسطينية بصفتها أرض الميعاد، كما أراد الكاتب تمجيد شخصية "بلوم" اليهودي لتكون كشخصية "بوليسيس" البطل الأسطوري اليوناني وهذا شديد الخطورة، كما تناولتُ الأعمال الأخرى على السوية ذاتها.
الأديب في سطور:
- ولد "حسن حميد" في "كراد البقارة" في فلسطين عام /1955/ وتلقى تعليمه في" القنيطرة" و"دمشق" وتخرج في جامعتها حاملاً الاجازة في الفلسفة وعلم الاجتماع ودبلوم الدراسات العليا ودبلوم التأهيل التربوي، ثم نال الاجازة في اللغة العربية من جامعة "بيروت العربية"، حصل على درجة الدكتوراه من جامعة بيروت العربية بدرجة امتياز شرف .
عمل في الصحافة الأدبية كأمين تحرير في جريدة "الأسبوع"، وهوعضو جمعية "القصة والرواية"، وعضو مكتب تنفيذي في اتحاد الكتاب العرب، ورئيس تحرير مجلة "الموقف الأدبي".
من مؤلفاته:
- اثنا عشر برجاً لبرج البراجنة - قصص
- السواد أو الخروج من البقارة - رواية
- تعالي .. نطيـّر أوراق الخريف - رواية
- ألف ليلة وليلة - شهوة الكلام - شهوة الجسد
- أنين القصب - رواية
- البقع الارجوانية في الرواية الغربية.. وغيرها.